– من الأربعاء اللي فات مساء عمل الرئيس السيسي مداخلة تلفزيونية في التلفزيون المصري، قال فيها إنه هيفتتح مجمع سجون جديدة قريب، وقال برضه إنه مصر مفيهاش أي شكل من انتهاكات حقوق الإنسان.
– البوست ده هنتابع فيه تصريحات الرئيس، وهل فعلًا مصر مفيهاش انتهاكات ولا لأ؟ ونشوف موضوع السجون الجديدة.
******
إيه اللي قاله الرئيس؟
– الرئيس عمل مداخلة تلفزيونية مع برنامج “التاسعة” قال فيها إنه “المصريين لازم يكونوا على درجة كافية من الاقتناع بأنه لا يوجد أي شكل من أشكال انتهاكات حقوق الإنسان في مصر”، لكن في نفس الوقت رجع وقال “مش من السهل أبدًا المحافظة على حالة الاستقرار في دولة تعدادها 100 مليون ويحدث بها ما حدث في مصر”.
– وفي نفس السياق أعلن الرئيس السيسي عن افتتاح مجمع سجون جديدة خلال أسابيع، وقال “إحنا هنفتتح أكبر مجمع سجون، واحد من 7 أو 8 هنعملهم في مصر، إحنا جايبين نسخة أمريكية كاملة، فيه كل شيء… حتى لو إنسان أذنب وبنعاقبه، مش هنعاقبه مرتين هنعاقبه مرة واحدة بإنه يقضي عقوبة في السجن”.
– كمان أضاف “المسجون في المجمع هيقضي عقوبته بشكل آدمي وإنساني… حركة وإعاشة ورعاية صحية ورعاية إنسانية وثقافية وإصلاحية”. وتابع “مفيش حركة كتير، ولا يتنقلوا بعربية الترحيلات.. لا، القضاء سيكون هناك.. عملية الإصلاح تتضمن إنشاء منظومة متكاملة”.
– وبعدها اتكلم عن إنقاذ مصر، وقال: ” بقولكم يا مصريين إن الخالق العظيم قال مصر لأ، صدقوني أنا بقه إذا كنتم تثقوا في كلامي، أنا أعلم بفضل سبحانه وتعالى أن ربنا قال مصر لا… أنتم تخططوا وتعملوا كل العفاريت اللي في الدنيا لكن مصر لأ، نجاها”.
– وتابع كلامه : “مصر كانت رايحة هتسقط من فوق الجبل، لكن ربنا مد إيده سبحانه، جابها من تحت وحطها تاني، وقال لكم خللي بالكم أنتم بقه يا مصريين”.
*******
كلام الرئيس في الميزان
– لو فيه توجه جديد لإصلاح السجون وأماكن الاحتجاز زي ما قال الرئيس على أساس النظام الأمريكي، يا ريت يكون فيه رقابة جدية لأن النموذج الأمريكي في السجون اللي بيقول عنه الرئيس بيشهد مشكلات كتيرة هو كمان.
– كان آخرها السنة اللي فاتت لما المفتش العام لوزارة العدل الأمريكية قال إن مكتبه بدأ “عمليات تفتيش عن بعد” لمراجعة ما إذا كان مكتب السجون الاتحادي يلتزم بتطبيق الإرشادات الخاصة بمنع وإدارة واحتواء انتشار فيروس كورونا في إطار منظومة السجون، ودا بعد شكاوى متكررة من موظفي السجون الاتحادية والسجناء حول الظروف غير الصحية داخل العديد من السجون وعدم وجود تباعد اجتماعي ومشكلات في الحصول على أدوات وقائية، فيا ريت كمان ناخد أنظمة المحاسبة بجانب الشكل.
– من الملاحظ برضو إن الكلام هنا فيه بعض الثنائيات اللي ربطها ببعض غريب، من ناحية إنه معندناش انتهاكات حقوق إنسان، وإحنا حريصين عليها وإنه مصر بتعمل استراتيجية جديدة وبتطور المنظومة الأمنية والقضائية، وفي نفس السياق برضه، يتذكر إن إحنا بنحارب الإرهاب والدولة قدامها خطر ومصر 100 مليون لازم نحافظ عليهم.
– وهنا لازم نقول إن محاربة الإرهاب اللي كلنا معاها مش مفروض أبدا تكون مبرر لأي انتهاكات حقوقية بتحصل من أي نوع، لأن إعمال القانون هو الأصل في الدول المحترمة.
– وبرضو بنشوف ثغرات تناقض ما بين كلام الرئيس اللي يبدوا مثالي وعظيم عن إن المسجون مش لازم يتعاقب مرتين، بينما عندنا في مصر مئات الأمثلة علي ناس محبوسة ظلم من الأساس بسبب رأيها وقناعاتها السياسية، وفي نفس التوقيت بتعاني أشد المعاناة من الأوضاع السيئة داخل السجون من تعذيب أو منع من التريض ومنع من القراية والحبس الانفرادي والحرمان من الزيارات، بالإضافة للمحاكمات غير العادلة وتجديد الحبس الاحتياطي شهور وسنين بدون أي جريمة، لدرجة إنهم بيفكروا في الانتحار للخلاص من الأوضاع دي.
– وهوا نفس التناقض ما بين الرئيس اللي بيدعي الناس إنها تجتهد في الدين، ومتجبرش نفسها ولا أولادها ولا تخلي حد يجبرها على أفكار دينية بعينها لأن الاجتهاد مطلوب بما فهيم حرية الشخص الملحد أو غير المؤمن بوجود الإله، لكن على الناحية التانية مش من حق حد يفكر في حقه في انتقاد الحكومة أو تغييرها أو إجراء انتخابات حرة أو اختيار رئيس جديد أو الانضمام لحزب سياسي أو حتى انتقاد أفكار أو خطط الحكومة ! هنا هيتعاقب ويتحبس والتسامح اللي بيتقال عن التفكير في الدين مش هنلاقيه أبدًا في الحالة دي.
*******
الواقع بيقول ايه قدام تصريحات الرئيس؟
– في نفس التوقيت الحالي اللي اتحركت فيه الدولة لتبني خطاب جديد عن حقوق الإنسان ومحاولة الإفراج عن بعض المعتقلين على فترات، خاصة بعد قرار منع وتجميد جزء من المساعدات الأمريكية بسبب انتهاكات حقوق الإنسان.
– وبشكل دائم الحكومة المصرية بيتوجه ضدها انتقادات داخلية وخارجية، بسبب الانتهاك المستمر لحقوق الإنسان من حبس واعتقال الناس بدون جريمة بيرتكبوها ولمدد ممكن توصل للسنوات، غير منع حرية التعبير والرأي والتظاهر، وتأميم القنوات والإعلام للمؤيدين فقط، وتزوير الانتخابات، والتعذيب في مقرات الاحتجاز، وغيرها من الممارسات والانتهاكات المستمرة اللي بتقوم بيها الأجهزة الأمنية.
– بالإضافة لده هنلاقي اليومين اللي فاتو تقرير جديد لسه صادر من منظمة العفو الدولية هنستعرضه هنا، التقرير ده مش مركز غير على نقطة واحدة من الانتهاكات المستمرة واللي بتتصاعد في السنين الأخيرة، واللي بتأكد على إن ظباط الأمن الوطني هم فوق القانون.
– التقرير بيرصد عدة وقائع لأشخاص من الشباب، تم اعتقالهم قبل كده والإفراج عنهم في التهم المعتادة اللي بتتوجه لأصحاب الرأي أو اللي مارسو نشاط سياسي وبعدين بيتم الإفراج عنهم لأن مفيش دليل بيدينهم.
– اللي بيحصل إنه ظباط الأمن الوطني في كتير من المحافظات بيمارسوا ضغط وتهديد وترهيب للأشخاص دول بشكل دايم، بيستدعوهم كل شهر مرة أو اتنين، عشان يحضروا لمقرات الأمن الوطني ويتحقق معاهم بشكل غير قانوني من الظباط دول.
– والظابط بيقوم بهوايته في الاستدعاء ده بالتهديد للشخص بإنه ميتكلمش وإن حركته مرصودة ومتراقبة دايمًا، ومحاولة تجنيده بالقوة عشان يبلغ عن كل المعلومات اللي يعرفها والأشخاص اللي بيتواصل معاهم بما فيهم أهله وأصدقاؤه، مع تفتيش موبايلاتهم، وكمان السؤال عن حياتهم الشخصية وأنشطتهم العادية بما فيها الجواز والطلاق والسكن والشغل، وتهديدهم لو فكروا ميجوش لأي استدعاء جديد بإنهم هيتحبسوا مرة تانية.
– الاستدعاءات دي مبتقفش عند هنا وبس، لكن الموضوع بيتطور لبيات في مقرات الأمن الوطني يوم واتنين وأكتر، وأحياناً حبس في غرف مغلقة بالساعات لحد ما الظابط يجيله مزاج يقول للشخص ده أو البنت دي روحي أو روح بيتك.
– وللأسف هي كلها استدعاءات غير قانونية، ولو الظابط ده قرر يحبس الإنسان ده في مقر الأمن الوطني فمحدش هيعرف ومفيش قانون يضمنله حقه ولا أهله يقدروا يطمنوا عليه لأن الموضوع كله ممارسة غير قانونية، والتقرير بيرصد من إحدى شهادات البنات إنه أحد الظباط اتحرش بيها جنسيًا وهي محتجزة في مكتبه، وطبعًا ملقتش حد ممكن يستجيب لها إنها تعمل محضر ضد الظابط ده وضد اللي عمله لأنه فوق القانون.
– والموضوع ده بيحط الناس في وضع سيء نفسيًا إنك كل شوية مضطر تسيب شغلك أو بيتك وراحتك حتى وانت بعيد عن أي نشاط من أي نوع، عشان شخص ما عنده سلطة يتسلى بمضايقتك وإهانتك لعدد غير معلوم من الساعات وبعدها يخلي سبيلك، واحدة من الفتيات اللي اتكلم عنهم التقرير سألت الظابط اللي بيستدعيها، لحد إمتى الاستدعاءات دي هتفضل بتحصلنا؟ فقالها ببساطة لحد ما تموتي هنفضل نجيبك هنا.
– ده كله واحنا هنا بنتكلم عن إجراء واحد بس بيتعمل مع الأشخاص اللي حظهم السيء بيوقعهم تحت سلطة الظباط دول، ومفيش مساحة طبعًا نتكلم عن باقي الانتهاكات اللي بنتكلم عنها بشكل دايم، وهنا بنلاقي سطوة الواقع والحقيقة قدام أي ادعاءات تانية بعدم وجود انتهاكات.
******
وبعدين؟
– من الاخر محدش هيصدق إنه مصر مفيهاش انتهاكات لحقوق الإنسان، لأنه واقع يومي بنعيشه كمواطنين مصريين بتنتهك حقوقنا بشكل يومي بدون قانون يحمينا، والمواطنين المصريين عارفين كده، ومحاولات إنكار الوضع بتزيده سوء وللأسف مش بتعالج.
– استمرار الانتهاكات دي مش الحل بتاعه هو تغيير اسم السجون ولا بناء سجون جديدة، بالرغم من إن وجود سجون إنسانية حتى للمجرمين هو أمر ضروري وصحي لأن السجون عندنا لا إنسانية حتى في أفضل حالاتها، ولكن الحل هو إنه الدولة تقرر فعلاً وقف الانتهاكات غير القانونية اللي بتعملها، وتوقف حالة الطوارئ والمحاكمات غير العادلة، وتنهي معاناة آلاف المعتقلين المحبوسين ظلم وتريحهم هما وأسرهم من التعذيب ده.
– كلام الرئيس واستراتيجية حقوق الإنسان الجديدة هيكون لها أثر لو بس تم إعمال القوانين الموجودة بالفعل اللي بتعطي المسجون حقه بلائحة لا تطبق في معظم الأحوال بلا سبب واضح، وبيتم عقاب الناس مرتين وتلاتة وأربعة.
– نتمنى في الآخر كلام الرئيس يكون له أي صدى يغير أرض الواقع، ويكون في توجه جديد حقيقي على مستوى الممارسات مش الخطاب بس، ونشهد تحسن في أوضاع حقوق الإنسان في مصر، لأن دا هو الرد الوحيد المنطقي على أي انتقادات لسجل مصر الحقوقي، إنه يكون فيه تحسين حقيقي وإعمال للقانون.
*****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *