من أسبوع وزيرة السياحة رانيا المشاط عملت مؤتمر صحفي عشان تعلن عن خطة الوزارة للترويج للسياحة في 2019، لكنه لما اتسألت من الصحفيين عن أعداد السياح والعوائد اللي اتحققت من السياحة الفترة اللي فاتت، رفضت وقالت انها مش هتعلن بناء على “تعليمات من الدولة”!!
في البوست ده هنتكلم عن المعلومات المتاحة عن الأسباب المحتملة للقرار ده، وكمان عن علاقة ده بشكل الدولة، وعن وضع الشفافية والافصاح والمحاسبة داخل النظام السياسي في مصر.

****
ايه سبب القرار العجيب ده؟
– الوزيرة في المؤتمر قالت إن الأرقام موجودة “ولكنها غير متاحة للنشر” لأن “هناك توجيهات عليا بعدم نشر أية أرقام خاصة بالسياحة حفاظًا على الأمن القومي للبلاد” وقالت إننا “في وضع لابد أن نتكاتف جميعًا للحفاظ على البلاد”!
– من الوارد ان الكلام ده مرتبط بالشريك المصري في “التحالف المصري الدولي” اللي تولى الترويج للسياحة السنادي، لان الطرف المصري مع الشركة الدولية MCN مش الوزارة ولا أي شركة مصرية ليها خبرة في الترويج السياحي، لكن تم الاعلان في المؤتمر انه شركة “سينرجي” للانتاج الفني، ودي المملوكة لمجموعة إعلام المصريين المملوكة لجهاز المخابرات العامة .. وطبعا ده مؤهل كافي أهم من أي خبرات بالمجال ومحدش هيتكلم ان سينرجي خبرتها في انتاج الافلام والمسلسلات وملوش علاقة بالسياحة!!
– النائب البرلماني محمد فؤاد تقدم بطلب إحاطة عشان يعرف دوافع قرار الوزيرة، ومفيش أي اجابة رسمية حصل عليها.
– أشرف صحصاح عضو الاتحاد المصري للغرف السياحية بيقول ان الموافقين والمعترضين على القرار عندهم وجهة نظر، وقال ان اسرائيل هيا كمان معتمدة على السياحة، وكل ما مصر تعلن مؤشرات توضح إن السياحة مزدهرة، نتفاجئ بعمل ارهابي يخوف الناس.
طبعاً الكلام ده مفيش عليه أي دليل، وواضح انه في سياق نظريات المؤامرة، وهوا حتى ضد كلام الرئيس السيسي عن رغبته في “السلام الدافيء” مع إسرائيل، لكن حتى لو صح ليه مفيش أي جهة مختصة أعلنته؟

****

ايه طبيعة دور الوزير في النظام السياسي في “الدولة”؟

– من البديهي نأكد على أنه المسؤول التنفيذي “الوزير” مش مجرد موظف، وهو في الأصل منصب سياسي، وهو ممثل “الدولة” في مكانه، وبالتالي مفروض الوزير مبياخدش تعليمات الا من رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية ومن حقه يقبلها أو يرفضها بناء على آليات محددة، ومحدش يحاسبه الا الشخصين دول، بالاضافة لأعضاء البرلمان المنتخب، والرأي العام .. مش الأجهزة الأمنية اللي واضح انها المقصودة ب “تعليمات من الدولة”.
– الوزير في النظام السياسي الديمقراطي هو “مسؤول تنفيذي”، مسؤول عن طرح وتنفيذ سياسات الحكومة اللي طرحتها في “برنامجها” قدام البرلمان والشعب، وبالتالي فالمسؤولين التنفيذيين عندهم مهمة إدارة وتطوير الجهاز الإداري المسؤولين عنه لنيل الرضا العام للمواطنين.
– في فبراير اللي فات استقال الوزير البريطاني “مايكل بيتس” قدام مجلس اللوردات البريطاني بسبب تأخره عن استجواب وأسئلة النواب وانه بيعتبر ده من العار ومن غير اللائق في حقه كمسؤول تنفيذي بيحترم منصبه!
– فكرة انه الأجهزة الأمنية هي اللي بتدي تعليمات للوزراء ولنواب البرلمان بقى شيء متكرر وجزء من طبيعة النظام السياسي الحالي اللي مفيهوش حزب، من بداية تشكيل قوائم البرلمان في مقرات وبإشراف الأجهزة الأمنية زي ما ذكر تحقيق موقع مدى مصر في 2015، وده شيء ضد طبيعة دور المسؤولين التنفيذيين والتشريعيين حتى طبقاً للنصوص الدستورية أو لوضع أي “مؤسسات دولة” حقيقية.

– وبناء على ده مينفعش مسؤول تنفيذي يمتنع عن الإدلاء بتصريحات بناء على تعليمات أمنية! خاصة انها مش متعلقة مثلا بجريمة فيها تحقيقات زي عملية ارهابية، لأ ده ارقام نشاط السياحة الرسمية اللي بيتم الاعلان عنها في كل دول العالم عشان المجتمع يقيم أداء الحكومة في الملف ده وايه اللي محتاجينه عشان نطور القطاع ده، لأنه العوائد دي المفروض بتروح للمجتمع ومصروفات القطاع ده برضه بتطلع من جيب المواطنين في صورة ضرايب .. والوزيرة رانيا المشاط في الأساس هي دكتورة اقتصاد وكان ليها منصب في صندوق النقد الدولي وبالتالي فاهمة كويس أهمية الأرقام في أي تقرير أو تصريحات إعلامية!

*******
طيب هل حالة دكتورة رانيا المشاط حالة وحيدة ؟
– طبعا الإجابة لأ وعندنا أقرب مثال هو دكتور طارق شوقي وزير التعليم اللي قال قبل كده قدام أعضاء لجنة التعليم في البرلمان بالنص “محدش يسألني عن اللي بعمله”، ومن فترة قصيرة طلع قرار بمنع دخول وسائل الاعلام بأنواعها للمدارس عشان ميصوروش كثافة الفصول أو أي أوضاع غير طبيعية، تحت مبرر انه في صور ملفقة بيتم نشرها عن المدارس!

– النواب ألفت كامل وعمرو دوير أعضاء لجنة التعليم في البرلمان قالو ان الوزير لايعرف حدود منصبه الدستوري والقانوني وواجباته قدام نواب البرلمان، وانه بيتعامل بطريقة استعلائية معاهم وبيرفض إبداء أي معلومات حتى على نواب البرلمان!

********
طيب هل أرقام السياحة في مصر سرية أصلاً ؟

– المفاجأة المدهشة إن عندنا تقارير دورية بتطلع من البنك المركزي عن إيرادات السياحة وعدد السياح في مصر من زمان، وكمان الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء بينشر بياناته، وأساسا لقينا تصريحات كتير للوزيرة نفسها سابقا عن أعداد السياح! وكل المعلومات دي متاحة على الانترنت للجميع، وبالتالي مش مفهوم ايه المبرر السياسي أو الفني لمحاولة تصوير معلومة زي ده بإنها سر قومي، إلا لو فجأة دلوقتي فيه جهة قررت انها تبقى سرية وكل الجهات دي كمان هتوقف نشرها كإننا بنتكلم عن معلومات تسليح!
– طيب هل الأرقام وحشة فعلا؟ الغريب هنا ان ارقام السياحة في مصر مؤخراً بتتحسن وبالتالي حتى الافتراض الخايب بتاع انه الارقام سيئة ومش عاوزة تحبط الناس ملوش مجال، وحسب تقرير من البنك المركزي ارتفعت واردات السياحة في الفترة من شهر يوليو 2017 لشهر مارس 2018 إلى 7 مليار دولار مقابل 2.8 مليار دولار عن نفس الفترة في السنة اللي قبلها، وانه ده تحسن بنسبة 212% وبالتالي ده رقم إيجابي جداً.

************

طيب الوضع ده من عدم إعلان المعلومات حتى البسيطة منها بينتج عنه ايه؟

– مصر تراجعت في المؤشر العالمي لمدركات الفساد وحصلت علي المركز 117 من بين 180 دولة في التقرير الاخير اللي صدر في فبراير اللي فات، وكان جزء رئيسي من تقييم المؤشر هو ” مدى إتاحة وصول المجتمع المدني إلى المعلومات حول الشؤون العامة” وبالاضافة لأسباب تانية كتير فمصر في تراجع مستمر في المؤشر ده ل 4 سنين على التوالي.
– وده طبعا في إطار حملة واسعة لتأميم الصحافة، وتحول مصر لأحد أعلى دول العالم بسجن الصحفيين، وهجمة أمنية لاتتوقف بالقبض على نشطاء وأعضاء الأحزاب والنقابات، والتضييق على نشاط الأحزاب والمجتمع المدني بأشكال مختلفة.
– والأهم من ده ان برضه قطاع السياحة قطاع استثماري بالدرجة الأولى وشيء مهم لأي استثمار داخلي أو أجنبي جزء منه الشفافية واتاحة المعلومات عن النشاط الاقتصادي ده وبالتالي كون التصريح ده يطلع من دكتورة اقتصاد ووزيرة فده مشكلة كبيرة لازم تتحاسب عليها وتعتذر عنها.

******

– المادة 68 من الدستور بتقول: المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، وقواعد إيداعها وحفظها، والتظلم من رفض إعطائها، كما يحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمدًا.

– ومن وقت إقرار الدستور 2014 لحد دلوقتي مصدرش قانون ينظم تداول المعلومات، ولسه البرلمان بيناقش القانون بعد ما المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ساهم في صياغته، والأهم انه ده قانون لازم يكون فيه مشاركة من المجتمع عشان يستفيد من الرأي العام والخبرات المختلفة وجهود الباحثين والمتخصصين المتعلقة بالمعلومات المتاحة لتطوير أداء السلطات في المجالات المختلفة، وده حق طبيعي لأي مجتمع حر بيسعى للتقدم.

**********




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *