– الأصل أن السجون تبقى مكان لحماية المجتمع من المسجونين إلى إلى حين إعادة تأهيلهم ودمجهم، لكنها عندنا للأسف بقت مصدر للإجرام والتطرف.
نشر موقع مدى مصر Mada وشبكة أريج للصحافة ARIJ تحقيق بعنوان “صُنع في السجن” بيتكلم عن تحول شباب للفكر التكفيري وانضمامهم لداعش داخل السجون .. يعني بدل ما تبقى السجون مكان لحماية المجتمع من المسجونين إلى حين إعادة تأهيلهم ودمجهم، تتحول لمصدر للإجرام والإرهاب.
– بشكل واضح ده ليس تبرير لأي إرهابي تكفيري، أو اعفاؤه من المسؤولية هو أو من جنّده .. لكن ده اسمه بحث عن جذور المشكلة لأن الهدف الأول هو منع التحول للتطرف مش انك تمنع المتطرف ينفذ.
– التحقيق اللي كتبه الصحفي محمود الواقع Mahmoud Wakea بيعرض القضية عبر قصص 4 شباب، وبيركز على مخالفة قانونية رئيسية حصلت معاهم كلهم وهيا إن لائحة السجون تنص على ” تصنيف المساجين بعد دراسة كاملة لحالة كل متهم، النفسية والشخصية والصحية والاجتماعية ..” لكن اللي بيحصل انهم بيحطوا شباب في نفس المكان مع متطرفين قدام بلا تمييز.
– النهاردة هنعرض الوضع في مصر، وقصص تجارب سلبية شبيهة بالعالم، والبوست القادم هننشر الجزء التاني عن تجارب 3 دول مع المتهمين بالإرهاب في سجونهم.
*****
القصة الأولى (باقية وتتمدد)
– القصة عن أحمد – اسم مستعار – تحول بسبب السجن من محب لجماعة الاخوان المسلمين الى حد بيرفض الأكل مع أعضاء الجماعة في السجن وبياخد صف داعش في أي نقاش فكري داخل السجن معاهم.
– أحمد 29 سنة كان من شباب الإخوان اللي وزعوا بيان الجمعية الوطنية للتغيير مع شباب 6 ابريل قبل عودة البرادعي في 2009، كان بيحب التصوير ومجرد شاب عادي جدا من شباب الإخوان.
– اتسجن في بداية 2014 وفي يناير 2016 تم إحالة قضيته مع قضايا أخرى للقضاء العسكري بموجب القانون رقم 136 لعام 2014 اللي بيسمح بمحاكمة من يعتدي على “منشآت الدولة” أمام القضاء العسكري، ولحد دلوقتي بعد السنين دي كلها لسه مصدرش عليه حكم.
*****
القصة الثانية (هخرج بفضل الله)
– مصطفى – اسم مستعار – اتحبس داخل أحد الاقسام بتهمة الانضمام لجماعة مخالفة للدستور وحيازة مفرقعات، وهو في الأصل شاب يساري كان عضو في حملة المرشح خالد علي سنة 2012، بعد 3 شهور من الحبس اتنقل لاستقبال طرة، وبدأ وجوده في السجن بحفلة ضرب وإهانة من الظباط والعساكر عشان يتم كسره معنوياً.
– مصطفى كان بيشتكي من كتر الاسلاميين حواليه وكان بيدور على أي سجين غير إسلامي عشان يقدر يتكلم معاه، لكن خلال شهور قليلة بقا كلامه عن تكفير الداخلية وجماعة الإخوان، وإنه الحل والخلاص في تنظيم داعش.
– مصطفى دخل السجن وعنده 19 سنة، اتحكم عليه ب 10 سنين سجن، وبحسب والده كان رافض يعمل نقض لاعتباره انه القضاة كفار والقانون كفري!
– مصطفى قضى فترة الحبس الاحتياطي بتاعته مع المحكوم عليهم بالمخالفة للمادة 11 من قانون تنظيم السجون واللي بتنص على الفصل بين المحبوسين احتياطيا وبين المحكوم عليهم، دا خلاه أقرب للإرهابيين وبالتالي أسهل في التجنيد.
*****
القصة الثالثة (انت كافر)
– قصة عمر (اسم مستعار) وهو شاب اتقبض عليه من مظاهرة مؤيدة للرئيس المعزول محمد مرسي، اتوجهله تهمة الانضمام لجماعة أسست على خلاف القانون، فضل محبوس احتياطي لمدة 3 سنين ونص في سجن العقرب والمعروف إنه السجن ده مليان بأخطر التكفيريين والمقبوض عليهم في قضايا الإرهاب، قبل ما يتحكم عليه ب 25 سنة.
– عمر اللي تحول بحسب والده من شاب بيؤيد مرسي إلي شخص شايف أنه مرسي يستاهل اللي حصله لانه احتكم لقوانين وضعية ولجأ للديمقراطية الكافرة ولم يطبق شرع الله!!
– تحول عمر وصل انه هدد أبوه بالقتل، وقال له ” إنك لازم تُستتَاب لأنك كافر”، ورفض التوقيع علي طلب إجراء نقض الحكم لأنه بحسب فكره الجديد هو الاحتكام للقوانين الوضعية الكفرية، ووصل الحال في زيارات والده ليه اللي بيحاول يعدل من أفكاره اللي شايفها بتزداد تطرف لحد ماقاله عمر ” انت بيني وبينك رصاصة في دماغك.. انت فاكرني لو خرجت هرجعلك تاني ؟!”.
*****
القصة الرابعة (ألقاك في الجنة)
– القصة عن محمود شفيق الانتحاري اللي فجر نفسه في الكنيسة البطرسية في العباسية واللي تسببت في استشهاد 29 مواطن مصري مسيحي، القصة بدأت في أبريل 2014 بعد القبض علي محمود المؤيد لمرسي ووضعه في سجن الفيوم العمومي وهو عنده 18 سنة في عنبر الإسلاميين المتطرفين في السجن.
– خرج محمود من السجن أكثر تشددا ورفض حضور جلسة محاكمته اللي اتحكم عليه فيها ب سنتين سجن بسبب خوفه من الرجوع للسجن مرة تانية، قبل ما يسيب بيت أسرته بسبب اقتحام الشرطة ليه أكتر من مرة لتنفيذ حكم الحبس، اتجه بعدها لسيناء بدون ما تعرف أسرته مكانه في ديسمبر 2014، ورجع تاني للقاهرة بعد سنتين عشان يفجر نفسه في الكنيسة.
*****
مين مسؤول عن الكارثة دي؟
– القصص الأربعة دي فيه بينها قاسم مشترك وهو أنه كان ممكن تفادي التحول ده بأكتر من طريقة، أولهم طبعاً إنه ميتمش سجن حد أصلاً إلا بجريمة حقيقية وقضاء عادل مش لأسباب سياسية.
– كمان السلطة مسؤولة عن انتهاكات الظباط وإدارات السجون في عدم تطبيق القانون ولوايح السجون، زي فصل المساجين حسب الخطورة لأنها أفضل طريقة لداعش لتجنيد الشباب الصغير اللي مش مؤهل فكرياً يرد عليهم، وكمان بيكون تحت ضغط السجن وحالته النفسية.
– تحسين بيئة السجن اللي مفيهاش حد أدنى من احترام الآدمية، خاصة إن بعض المساجين بالذات اللي تم ضمهم لزنازين الإسلاميين بيعانوا انه مفيش لا تريض ولا زيارات ولا جرايد ولا كتب ولا تلفزيون ولا أكل آدمي ولا مكان معقول للنوم بيدخله الهواء والشمس!
– مسألة الزيارات تحديدا وانتظامها بتفرق جداً في التحول للتطرف لأن الأب والأم هما اللي ممكن يوقفوا ابنهم.
*****
هل الكلام ده جديد؟
– في 2016 عمل الصحفي محمد الخيال تحقيق مهم في جريدة الشروق بعنوان “هنا طرة .. مركز حكومي لتجنيد الدواعش” ، التحقيق نشر شهادات عن تفاصيل عن أسلوب تجنيد داعش للمساجين، وازاي بيقدروا يعملوا ده خلال مع البعض خلال 10 أيام .. جزء من الموضوع إن الشاب يشوف الظابط اللي أهانه قبل كده وهوا خايف من مساجين داعش، فيفكر ينضم للأقوياء دول.
– من وقتها لحد النهاردة مفيش أي جهة رسمية استجابت للموضوع ده، والتحقيق الأخير بيورينا ان الوضع زي ما هوا.
– السجون المصرية تاريخياً مسؤولة عن موجات إرهابيين كتيرة، مثلاً السجون في عهد عبدالناصر خرجت فيما بعد جماعة “التكفير والهجرة” اللي كان زعيمها شكري مصطفى محبوس باعتباره عضو في الإخوان سنة 1965، لكنه تحول لإرهابي حقيقي وشكل جماعته التكفيرية واللي كان أهم جرايمها خطف واغتيال وزير الأوقاف السابق الشيخ الذهبي، والتنظيم ده كان مرجعية لتكوين كتير من التنظيمات المتطرفة لحد النهاردة.
*****
– صناعة التطرف والإرهاب داخل السجون شيء متكرر، في دراسة بحثية للمركز الدولي لدراسة التطرف التابع لقسم دراسات الحرب في جامعة King’s” College London” بتقول أنه غالبية المقاتلين الأجانب الجهاديين هما مجرمين سابقين جرى تجنيدهم داخل السجون، 57 % من العينة اللي شملتها الدراسة كانوا في السجون قبل كدا وعلي الاقل 27 % منهم تم تجنيدهم في السجن.
– تنظيم داعش نفسه قادته أسسوه داخل سجن أبو غريب وبوكا في “العراق” رغم إنه تحت متابعة أمريكية، وكانت بداية التنظيم هي جمع معتقلين من ظباط الجيش العراقي وقت صدام – منهم ظباط مخابرات وأمن وطني – وشباب عاديين كانو بيقاوموا الاحتلال الأمريكي بالسلاح، مع التكفيريين والجهاديين في نفس السجن، وبالتالي البيئة ساهمت في تحويل أفكارهم وعقيدتهم إلى التطرف، والسجن ساعدهم يوصلوا ببعض.
– جريدة الجارديان البريطانية نشرت تقرير في ديسمبر 2014 بعنوان “الدولة الاسلامية من الداخل” كان التقرير بيسرد قصة أبو بكر البغدادي – زعيم داعش – واللي قدر يفرض وجود كزعيم للتنظيم داخل سجن، وكان رد فعل إدارة السجون انها توافق على الوضع وبقت بتلجأ ليه لفرض الهدوء وحل الأزمات داخل السجن، وده اللي ساهم في زيادة شعبيته بين المساجين اللي أصلاً عندهم ميول للتطرف.
17 من أصل 25 قائد في إدارة داعش هما من خريجين سجن “بوكا” العراقي!
– الأخوين كواشي اللي عملوا تفجير في جريدة شارلي ابدو الفرنسية في 2015، كانو شابين فقراء من أصول جزائرية غير ملتزمين دينياً، واضطروا في مرحلة لاحقة من شبابهم للسرقة ولبيع المخدرات بسبب فقرهم الشديد واتسجنوا أكتر من مرة، لحد ما اتعرفوا على شخص قدم نفسه باعتباره داعية إسلامي وأقنعهم بعد فترة بالسفر للعراق لمحاربة الأمريكان، لكن تم القبض عليهم قبل السفر واكتشف الأمن الفرنسي إنهم بيجهلوا معلومات أساسية في الدين الاسلامي، لكن كان مصيرهم الحتمي هو السجن، خرجوا من السجن أكتر تشدد وارتبطوا بتنظيم إرهابي في اليمن وقامو بعملية شارلي ابدو الإرهابية المشهورة.
– النماذج كتير جداً على خطورة السجون وقد ايه بتقدم هدايا للتنظيمات الإرهابية، الملف ده خطر جداً والسلطة اللي بتقول إنها بتحارب الإرهاب لازم تفهم إنه جزء من استمرار الإرهاب هي ممارساتها الأمنية نفسها.
– في البوست الجاي هنقدم مجموعة من التوصيات والحلول والتجارب لإنهاء المشكلة، مقدرناش نقولها هنا بسبب حجم البوست، وبنتمنى لو في مسؤولين عاقلين يهتموا بالملف ده فعلاً.
*****