– من حوالي شهر اتقدم النائب سليمان وهدان وكيل مجلس النواب ونواب آخرين بمشروع قانون لمكافحة الشائعات، ورئيس المجلس على عبدالعال أحال مشروع القانون للجنة التشريعية في البرلمان.
ليه مشروع القانون الجديد؟ اشمعنا دلوقتي؟ وايه الخطورة في ده كله؟
والأهم إزاي فعلا نحارب الشائعات بدون ما نضر بحرية التعبير؟
******
ايه هو مشروع القانون الجديد؟
– القانون الجديد فيه مادتين أساسيتين، المادة الأولى بتنص على عقوبة السجن من 6 شهور ل 3 سنين لكل شخص يثبت أنه وراء “صنع أو ترويج أو تجنيد أو نشر” أي شائعة كاذبة، و بغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تتجاوز 100 ألف جنيه، أو بإحدي هاتين العقوبتين، وتُضاعف العقوبة إذا ترتب عليها وفاة أو إصابة شخص أو أكثر بسبب هذه الشائعة.
– المادة دي بتفتح الباب لمعاقبة أي حد يعمل شير فقط لأي خبر على الفيسبوك لأنه ساعتها حيكون ساهم في ترويج شائعة، وكمان مفيش معيار لجهة مهنية تحدد صدق أو كذب الخبر .
– المادة الثانية بتنص على “ينشئ جهاز لرصد الشائعات واتخاذ الإجراءات القانونية داخلياً وخارجياً وإصدار بيان للرد عليها… ويتبع الجهاز المقترح إنشائه مجلس الوزراء، ويضم فى عضويته عضو من وزارة الدفاع والداخلية والخارجية والعدل والاتصالات والمخابرات العامة والأوقاف والأزهر والكنيسة.”
– تشكيل جهاز لرصد الشائعات مش حاجة جديدة لأنه بالفعل مركز معلومات مجلس الوزراء بيصدر تقارير للرد على الشائعات، في أحيان كثيرة التقارير دي بتكون مجرد نفي للخبر بدون كشف ايه المعلومة الصحيحة، وعندنا كمان الهيئة العامة للاستعلامات واللي دا جزء من شغلها.
– زي ما قولنا لسه القانون مسودة، لكن احالته للجنة التشريعية في البرلمان علامة سلبية جدا إضافية سواء تم اقراره أو الاكتفاء بالموجود.
********
إيه المشكلة في القانون ده؟
– أول مشكلة إن مصر فيها بالفعل أكثر من قانون لمكافحة الشائعات والأخبار الكاذبة زي قانون العقوبات – مكافحة الإرهاب – تنظيم الصحافة والإعلام – جرائم تقنية المعلومات.
– مثلا المادة 188 من قانون العقوبات بتنص على المعاقبة بالسجن لمدة لا تتجاوز سنة أو بغرامة من 5 – 20 ألف جنيه أو بالعقوبتين، لكل شخص ينشر أخباراً أو بيانات كاذبة “من شأنها تكدير السلم العام أو إثارة الفزع بين الناس”.
– كمان المادة 35 من قانون الإرهاب اللي صدر في 2015 بتنص على الغرامة من 200-500 ألف جنيه لكل من ينشر بأي وسيلة كانت معلومات عن أعمال إرهابية أو عمليات مرتبطة بها بما يخالف بيانات وزارة الدفاع الرسمية.
– كمان قانون تنظيم الصحافة والإعلام الجديد فيه أكثر من مادة لمحاربة الشائعات والأخبار الكاذبة، حتى القانون بيعتبر أنه حسابات التواصل الاجتماعي اللي يزيد عدد متابعينها عن 5000 كوسيلة إعلامية!
– كل التشريعات دي واللي يبدو إن الغرض منها مكافحة نشر الشائعات أو الأخبار الكاذبة، لكن في الحقيقة إنه السلطات في مصر بتستخدم القوانين دي في تقييد حرية المواطنين في التعبير عن آرائهم، وبيساهم في تخويف الصحفيين ووسائل الإعلام من عمل دورهم الرئيسي في البحث عن الأخبار والتحقيقات الصحفية وسرعة نشرها “السبق الصحفي” زي ماهو متبع في العالم كله.
– ونتيجة للبيئة التشريعية دي والبيئة السياسية العامة، اللي خلت الصحافة في مصر مجرد تكرار للبيانات الرسمية بدون تحليل أو تحقيق أو اختلاف آراء، مبقاش موجود غير السوشيال ميديا اللي بتقوم بدور “صحافة المواطن”، بتخلي أي فديو أو بوست ينشر موقف أو خبر سهلة الانتشار للناس بدل انتظار وسائل الإعلام اللي بتتأخر في انتظار التعليمات اللي بتتوجه لرؤساء التحرير والقنوات من ظباط الجهات الأمنية.
– شفنا مثلاً حادثة زي انفجار معهد الأورام، كان المواطنين الموجودين جنب الحادث بيصورو وينقلو أخبار الانفجار والإصابات على الفيسبوك أول بأول، والمصريين كلهم عرفو بعد دقايق اللي حصل، في حين مفيش وسيلة إعلام مصرية قدرت تنشر أي معلومة أو خبر واضح إلا بعد 12 ساعة من الحادثة بعد تعليمات ظباط الأجهزة السيادية بنشر الأخبار عن الحادثة فقط زي بيان وزارة الداخلية بدون كلمة زيادة، وده اللي نشره موقع مدى مصر واللي أكده الواقع من خلال متابعة كل الصحف والقنوات المصرية في تغطية الحادثة دي، فكان ممكن بالمنطق ده حبس أي مواطن نشر أخبار وقتها لو الحكومة قررت تعتبره خبر كاذب.
– حسام الصياد، سولافة مجدي، إسراء عبدالفتاح، محمد صلاح، معتز ودنان، إسماعيل الاسكندراني، وغيرهم كتير من الصحفيين والباحثين والسياسيين محبوسين تحت تهمة نشر الأخبار الكاذبة والشائعات، بدون توضيح إيه هيا الأخبار الكاذبة دي، لكن في الحقيقة هي مجرد ذريعة قانونية لمعاقبة الناس على آرائها الشخصية.
– الشائعات أو الأخبار الكاذبة بقت بتتطبق على أي تحليل أو رأي أو معلومة فيها انتقاد أو بتنشر أي واقعة بتكشف تقصير أو فساد، بدون حتى ما الحكومة أو السلطة تنشر المعلومات الصحيحة، لحد النهاردة مثلاً السلطة حبست آلاف الناس وبتتعامل مع كل الفديوهات اللي نشرها “محمد علي” عن وقائع فساد وإهدار المال العام في الهيئة الهندسية وغيرها من الهيئات ا باعتبارها شائعات وأخبار كاذبة، نفس الأمر مع تقرير مدى مصر عن إبعاد محمود السيسي عن المخابرات العامة.
– وده بدون ما الجهات الرسمية تطلع المستندات اللي بتأكد كذب الأخبار دي لو كانت كذب أو نشوف تحقيق قضائي أو صحفي مستقل موثوق.
– بالوضع ده أي شغل صحفي الدولة ممكن تعتبره شائعات ومش بس تسجن الصحفي لكن تسجن اللي عمل شير على الفيسبوك. طبعاً في صعوبة في حبس كل شخص بيعمل شير، لكن الغرض زي ما قلنا تخويف عامة المواطنين من المشاركة والسؤال، رغم إنه ده حقهم الدستوري.
*****
طيب هل في الدول الديمقراطية مفيش عقوبات على الأخبار الكاذبة؟
– طبعاً في أي بلد ديمقراطي في عقوبات على تعمد نشر الأخبار الكاذبة والشائعات، وعشان كده القنوات والجرايد والصحفيين والإعلاميين بيتحروا الدقة في نشر أي معلومة بيقولوها، لكن العقوبة اللي بيتعرضو ليها هي الغرامة للصحفي أو الجريدة عشان يلتزم بدوره في عدم نشر معلومة بدون التأكد منها وبدون وجود مصدر ليها. وطبعاً ده في حالة إنه الأخبار الكاذبة انتشرت بغرض الخداع والكذب فعلاً.
– لكن في مقابل ده الحكومة متقدرش تمنع الصحفي من دوره في سؤال المسؤولين وطلب منهم بيانات وتصريحات رسمية عن أي معلومة أو خبر، لإن الدولة بتلتزم بقوانين إتاحة المعلومات للمواطنين، وبالتالي من حق الصحفي يحلل المعلومة والخبر زي ميحب طالما بينشر المعلومة الصحيحة.
– شفنا مثلاً الرئيس الأمريكي ترامب لما انفعل على أحد مراسلين ال CNN واتهمه بإنه بينشر أخبار كاذبة، ولغى تصريح دخوله للبيت الأبيض، مقدرش يحبسه أو يسجنه لأنه فعلاً الصحفي مرتكبش خطأ قانوني، وقدر الصحفي إنه ياخد حكم قضائي يسمح ليه بعودته للتغطية في البيت الأبيض وميقدرش الرئيس الأمريكي أو أي مسؤول يمنعه مع حكم المحكمة.
– لما يكون ده المناخ السياسي والإعلامي، مش هيكون في حاجة لانتشار أخبار مش صحيحة، لأن الصحافة هتسأل المسؤولين وتنشر ردودهم، وهيعملو تحقيقات من جانبهم يتأكدوا من المعلومات الصحيحة وينشروها، حتى لما الصحافة أو الإعلام ينشرو أو يكتبو عن جرايم أو وقائع فساد مالي أو سياسي لأي مسؤول فالكلام بيبقى حقيقي لأن محدش بيقدر يمنع الصحفي من شغله أو يخبي عليه معلومة طالما كانت “غير سرية”.
******
– لو في بيانات ومعلومات متاحة للجميع هنقدر نحاصر الشائعات، ولو الصحافة حرة ومستقلة وبتشتغل بدون معوقات والمسئولين بيجاوبوا على أسئلة الصحفيين وبيساعدوهم في عمل شغلهم مش هنلاقي أخبار كاذبة.
– بالتالي محاربة الشائعات لازم تكون اول خطوة فيها هو أن الحكومة تلتزم بالشفافية في كل شيء، ويبقي في رقابة شعبية من خلال الصحافة ومن خلال المواطنين على أنشطتها، إنما التعامل مع أي خبر ميعجبش الحكومة وأي تقرير صحفي مش على مزاج المسئولين على أنه شائعات لازم نسجن أو نغرم اللي قالها دا أسلوب الدول الديكتاتورية، وده اللي بيزود فرصة انتشار الشائعات لأن مفيش وسيلة المواطن يقدر يثق منها في أي معلومة بتتنشر أو تتقال على أي وسيلة.
– لازم السلطة في مصر تفهم أنه عصر الصوت الواحد والإعلام الحكومي وتلفزيون الدولة اللي عنده الأخبار الصحيحة خلص من كل العالم تقريبا، إحنا مش كوريا الشمالية والسلطة مهما كان عندها أدوات للتخويف والقمع مش هيقدرو يراقبوا محتوى ملايين حسابات الفيسبوك للمصريين.
– المواطنين المصريين عايزين حرية تعبير وحرية تداول معلومات وحرية صحافة وحريات سياسية، دا اللي هيدفع البلد لقدام ودا اللي هيخلينا قادرين نحارب الفساد ونحاصر الشائعات ونبقى مع الوقت دولة بتحترم حق مواطنيها في المعرفة. وياريت البرلمان المشغول بعمل قوانين ضد حرية الصحافة والرأي يشوف مهمته الرئيسية في مراقبة الأداء الحكومي.



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *