– من أيام كتبنا في الموقف المصري إشادة بإلغاء حالة الطوارئ مع تخوف من أنه كثير من نصوص قانون الطوارئ موجودة في قوانين تانية، بالتالي في حاجة لتعديل قوانين أخرى بجانب إنهاء حالة الطوارئ.
– دلوقتي في بادرة إن ترسانة قوانين بتتعمل عشان تحل محل الطوارئ، وهيبقى بالشكل دا بنرجع للخلف مش بنطلع لقدام زي ما كلنا بنتمنى.
– أحد القوانين دي هو قانون “حماية المنشآت العامة والحيوية” واللي بيرسخ لوضع استثنائي استمر في مصر منذ 2011 ولحد النهاردة.
– القانون اتقدم لمجلس النواب يوم 23 أكتوبر اللي فات قبل إنهاء حالة الطوارئ من قبل الرئيس السيسي بيومين.
– ايه هو القانون ده؟ وإزاي بيعيد إنتاج حالة الطوارئ؟ وايه اللي ممكن نشوفه من محاولة الحكومة ترسيخ حالة الطوارئ بأشكال تانية؟
****

ايه هو القانون؟

– مشاركة الجيش للشرطة في مهام حفظ الأمن بدأت بعد يناير 2011 مباشرة بسبب انسحاب الشرطة من المهمة دي، لكن ده كان بدون قانون، لحد يناير 2013 لما أصدر الرئيس الراحل محمد مرسي قانون”اشتراك القوات المسلحة في مهام حفظ الأمن وحماية المنشآت الحيوية بالدولة”.
– القانون ده كان بينص على مساعدة الجيش للشرطة في تأمين المنشآت الحيوية لحين انتهاء الانتخابات التشريعية وكلما طلب رئيس الجمهورية منها ذلك، لكنه كان بيأكد على اختصاص القضاء العادي بنظر الوقائع أو المخالفات لهذا القانون، وده اتغير في أكتوبر 2014 لما أصدر الرئيس السيسي قانون تأمين وحماية المنشآت الحيوية، واللي نص على أنه الاعتداء على أي مؤسسة عامة بيأمنها الجيش تحال الجرائم دي للنيابة العسكرية ويحاكم المسئولين عنها أمام القضاء العسكري.
– من المفترض كمان أنه القانون ده ولأنه قانون استثنائي كان يستمر لسنتين بس، لكن تم تجديده مرة تانية من الرئيس خمس سنوات رغم أنه كان وقتها بيمثل عوار دستوري، لأنه الدستور بينص على حق المواطنين كلهم في المحاكمة أمام قاضي طبيعي مش أمام المحاكم العسكرية.
– التجديد الثاني ده كان من أكتوبر 2016 ولحد أكتوبر 2021، وبالتالي اللي بيحصل حاليا هو محاولة إعطاء الصفة المستمرة لقانون استثنائي زي ده، ومش بس التجديد المحدد بمدة معينة، لكن يتم العمل به كقانون عادي يعني بدون أي مدة محددة.
– بالتالي بالشكل ده القوات المسلحة هتكون مشاركة مع الشرطة في حماية منشآت ومرافق كثير مش دورها حمايتها زي محطات وشبكات وأبراج الكهرباء وخطوط الغاز وحقول البترول وخطوط السكك الحديد وشبكات الطرق والكباري.. وغيرها، بشكل دائم.
– وبناء على ده فأي اعتداء أو مظاهرة أو اعتصام أو أي احتجاج من أي نوع من أي مواطن في المرافق دي يعد بمثابة جريمة يحاكم عليها قدام القضاء العسكري، أو حتى لو عملت حادثة على طريق وكسرت عمود هتلاقي نفسك قدام محكمة عسكرية.
– مثلا وبحسب النائبة مها عبدالناصر في مجلس النواب لو اتخانقت في محطة بنزين وطنية أو غيرها من طرق الجيش الجديدة فدي جريمة تحال عليها للمحاكمة العسكرية.
– المثير كمان في التعديلات اللي للأسف وافق عليها مجلس النواب بدون مناقشة هو أنه التعديلات دي هتسري بأثر رجعي من يوم الخميس اللي فات 28 أكتوبر.
– الغريب أيضا في هذا القانون أنه في 2017 لما صدر حكم المحكمة الدستورية بعدم جواز محاكمة المدنيين المتهمين في قانون التظاهر تبعا للقانون ده وضعت المحكمة اللي كانت ساعتها برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق رئيس مجلس الشيوخ حاليا عدد من الضوابط لتطبيق القانون ده.
– من الضوابط دي أنه الاعتداء يكون اعتداء صريح مش مجرد تظاهر أو اعتصام قدام المبنى مثلا، وكمان أنه يكون بالفعل الجيش بمعنى أفراد منه في الوقت ده قدام المؤسسة مش الجيش بيحمي المؤسسة أو المنشأة دي على الورق يعني، وأنه يكون الفعل اللي ارتكبه الشخص ده يعاقب عليه بالأساس في قانون العقوبات المدني يعني مثلا الحرق أو غيره.
– بالتالي الضوابط دي كان المفروض تحد من التوسع يعني في إحالة المدنيين لمحاكمات عسكرية بسبب القانون وهو الأمر اللي كان بيحصل على الفاضي وعلى المليان حرفيا، واتحال آلاف من الناس للمحاكمات العسكرية في السنوات الأخيرة بسبب مشاركتهم في مظاهرة واحدة قدام مبنى عادي جدا.
– ولكن حتى للأسف مفيش أي من الضوابط دي اتاخد بيها في تعديلات القانون المقترحة حاليا، والبرلمان وافق على القانون زي ما بعتته الحكومة، ومفيش غير نائب أو اتنين اللي رفضوا القانون من الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي.
****

ليه القانون ده بيتعدل دلوقتي؟

– للأسف رغم مشكلة القانون الجوهرية وهي أنه بيفتح الباب لمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية في تهم غير الاعتداء على المنشآت العسكرية إلا أنه للغرابة قانون دستوري.
– وده لأنه في تعديل الدستور اللي حصل في 2019 حصل تعديل للمادة 204 الخاصة بالمحاكمات العسكرية واللي كانت في دستور 2014 قبل التعديل لها نص صريح بيقول “لا يجوز محاكمة مدنى أمام القضاء العسكرى، إلا فى الجرائم التى تمثل اعتداءً مباشرًا على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو ما فى حكمها”.
– وأصبح بعد التعديل نص المادة كما يلي “ولا يجوز محاكمة مدنى أمام القضاء العسكرى، إلا فى الجرائم التى تمثل اعتداء على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو ما فى حكمها أو المنشآت التي تتولى حمايتها، أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك، أو معداتها أو مركباتها أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية، أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد، أو الجرائم التى تمثل اعتداءً مباشرًا على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم”.
– بالتالي القانون دلوقتي بعد ما قعد حوالي 5 سنوات من 2014 لـ 2019 قانون غير دستوري حتى أنه طلع حكم من المحكمة الدستورية قبل كده بعدم اختصاص القضاء العسكري بنظر قضايا مثل التجمهر والتظاهر تطبيقا لهذا القانون.
– دلوقتي القانون للأسف بقى دستوري بعد إقرار التعديلات الدستورية الأخيرة واللي كثير من الخبراء الدستوريين وإحنا هنا في الموقف المصري حذرنا منها.
– وهنا النائبة سميرة الجزار، عضو مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي قالت إن هذا النص (اللي جاء في مشروع التعديل) يخالف مبادرة الرئيس الخاصة بالإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، واللي نصت في صفحة 20 في نقاط القوة والفرص في الحقوق السياسية أن الدستور يؤكد على أن التقاضى حق مصون ومكفول للكافة وعلى حق الشخص في أن يحاكم أمام قاضيه الطبيعى.
****

نشوف ايه من كل ده؟

– لما كتبنا عن إنهاء حالة الطوارئ وأشدنا بالخطوة اللي خدها الرئيس كان عندنا تخوفات أنها تكون فقط خطوة شكلية، وأنه تستمر آليات ومكونات حالة الطوارئ عبر قوانين تانية واللي منها طبعا إحالة المدنيين لمحاكمة عسكرية.
– بالتالي إحنا دلوقتي أمام تناقض صريح ومستمر بالمناسبة في سياسة الدولة للتعامل مع المجال العام والمجتمع بشكل عام في مصر، ففي الوقت اللي الدولة بتتكلم عن استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان بتنتهك أبسط حقوق المدنيين في المحاكمة أمام قاض مدني بالقانون ده.
– وفي الوقت اللي الناس بتتكلم عن انفراجة سياسية وفي ملف حقوق الإنسان بسبب إنهاء حالة الطوارئ الدولة بتعيد إنتاج حالة الطوارئ والمحاكمات العسكرية للمدنيين زي ما حصل مع الناشر خالد لطفي وغيره من النشطاء السياسيين والمعتقلين اللي اتحاكموا أو بيتم محاكمتهم حاليا أمام المحاكم العسكرية.
– بالتالي، وبالطريقة الحالية الحديث عن انفراجة أو انتقال ديمقراطي حقيقي في مصر هيبقى مجال شك، لأن فيه إصرار عجيب على عدك المضي قدما في إصلاحات حقيقية تعدي بالبلد لبر الأمان من مأزقها السياسي والاجتماعي، ومن ضمن دا الوصول بالخصومة السياسية مع المعارضين لأبعد درجة ممكنة حتى لو كانت محاكمة مدنيين أمام محاكم عسكرية.
– ترسانة القوانين اللي بنسمع إنها بتتناقش في البرلمان وهتحل محل الطوارئ في استخدمها، بتشكك في جدية الحديث عن إصلاح، وبالتالي بتقول إننا في الاتجاه الخاطئ للأسف حتى الآن.
– بنسمع كل يوم عن الجمهورية الجديدة ومراحل مختلفة جاية، وهنا لازم نقول إن كلنا بنتمنى الخير لبلدنا وإن الكلام دا يكون صحيح، ونتمنى يكون في أصوات عاقلة تدرك أنه الوضع لا يمكن يستمر كده لأبد الدهر وأنه الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي مش هيجي غير بحد أدنى من الإصلاح في المجال العام.
****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *