– يوم الاتنين اللي فات وافق مجلس النواب بشكل نهائي على مشروع بتعديل بعض مواد قانون العقوبات، بتشديد العقوبات على “إفشاء أسرار الدفاع عن الدولة”.
– التعديل ده من ضمن 3 مشاريع قوانين قدمتهم الحكومة الأسبوع ده في البرلمان كلهم بيفرضوا عقوبات جديدة وإضافية تحت ذريعة “حفظ الأمن” اللي مفيش أي حد هيكون ضدها، ولكن ممكن نشوف التعديلات بصورتها دي بتنتهك ايه من حقوق المواطنين.
– وبقالنا فترة بنكتب في الموقف المصري عن إلغاء حالة الطوارئ وأشدنا بالخطوة مع تخوف من أنه كثير من نصوص قانون الطوارئ موجودة في قوانين تانية، بالتالي في حاجة لتعديل قوانين أخرى بجانب إنهاء حالة الطوارئ.
– وبنتابع مع بعض نصوص القوانين اللي بشكل أو بآخر بتحل محل الطوارئ حاليا، زي قانون حماية حماية المنشآت العامة اللي عملنا له قراءة تقدروا تشوفوها من هنا:
– دلوقتي بالشكل دا في بادرة إن ترسانة قوانين بتتعمل عشان تحل محل الطوارئ، وهيبقى بالشكل دا بنرجع للخلف مش بنطلع لقدام زي ما كلنا بنتمنى، لذلك هنفضل نتابع تعديلات القوانين معاكوا في سلسلة إعادة إنتاج الطوارئ.
– إيه التعديل الحالي في قانون العقوبات؟ إيه مضمونه؟ وإيه نتايجه المنتظرة؟ ده اللي هنتكلم عنه في البوست الحالي.
*******

إيه مضمون التعديلات دي؟

– التعديل اللي قدمته الحكومة بيشدد العقوبة بالحبس لمدة من ست شهور لخمس سنوات، وبغرامة من 5 لـ 50 ألف جنيه لكل من:
1-حصل بأية وسيلة غير مشروعة على على سر من أسرار الدفاع عن البلاد ، ولم يقصد تسليمه أو إفشاءه لدولة أجنبية أو تسليمه أو إفشاءه لدولة أجنبية أو لأحد ممن يعملون لمصلحتها.
2- أذاع بأية طريقة سرًا من أسرار الدفاع عن البلاد.
3- كل من نظم أو استعمل أية وسيلة من وسائل التراسل بقصد الحصول على سر من أسرار الدفاع عن البلاد أو تسليمه أو إذاعته.
4- كل من قام بجمع الاستبيانات أوالإحصائيات أو إجراء الدراسات لأي معلومات أو بيانات تتعلق بالقوات المسلحة أو مهامها، أو أفرادها الحاليين أو السابقين بسبب وظيفتهم دون تصريح كتابي من وزارة الدفاع.
– “وإذا وقعت الجريمة في زمن الحرب، أو باستعمال وسيلة من وسائل الخداع أو الغش أو التخفي أو إخفاء الشخصية أو الجنسية أو المهنة أو الصفة، أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات، أو كان الجاني من ضباط القوات المسلحة أو أحد أفرادها أو من العاملين المدنيين لديها كانت العقوبة السجن. يعاقب بالعقوبات نفسها على الشروع في ارتكاب هذه الجرائم”.
– الجديد في القانون ده غير تشديد العقوبات، لكن إضافة الفقرة الرابعة، واللي بتمس بشكل واضح الباحثين الأكاديميين، باستهداف جمع الاستبيانات أو إجراء الدراسات لأي معلومة تتعلق بالجيش أو بأحد أفراده حاليًا أو سابقًا بدون تصريح من وزارة الدفاع.
– المادة 85 من القانون الجديد بتعرف أسرار الدفاع واللي بتشمل:
1. المعلومات الحربية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية والصناعية التى بحكم طبيعتها لا يعلمها إلا الأشخاص الذين لهم صفة في ذلك، ويجب مراعاة لمصلحة الدفاع عن البلاد أن تبقى سرًا على من عدا هؤلاء الأشخاص.
2. الأشياء والمكاتبات والمحررات والوثائق والرسوم والخرائط والتصميمات والصور، وغيرها من الأشياء التي يجب لمصلحة الدفاع عن البلاد ألا يعلم بها إلا من يناط بهم حفظها أو استعمالها، والتي يجب أن تبقى سرًا على من عداهم، خشية أن تؤدى إلى إفشاء معلومات مما أشير إليه فى الفقرة السابقة.
3. الأخبار والمعلومات المتعلقة بالقوات المسلحة وتشكيلاتها وتحركاتها وعتادها وتموينها وأفرادها، وبصفة عامة كل ما له مساس بالشؤون العسكرية والاستراتيجية، ولم يكن صدر إذن كتابي من القيادة العامة للقوات المسلحة لنشره أو إذاعته.
4. الأخبار والمعلومات المتعلقة بالتدابير والإجراءات التى تتخذ لكشف الجرائم المنصوص عليها فى هذا الباب أو تحقيقها أو محاكمة مرتكبيها، ومع ذلك فيجوز للمحكمة التى تتولى المحاكمة أن تأذن بإذاعة ما تراه من مجرياتها.
******

البرلمان كان رأيه إيه؟

– القانون وافق عليه في المناقشات كل الأعضاء باستثناء اعتراض ومقترحات من نواب الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي والنائب محمد عبد العليم داود اللي لازم نحييهم لشجاعتهم بصراحة، لكن باقي النواب اتكلموا عن ضرورة حماية الأمن القومي ومواجهة “حروب المعلومات”، واللواء ممدوح شاهين مساعد وزير الدفاع اللي حضر الجلسة اتكلم عن أهميته في مواجهة “حروب الجيل الرابع والخامس”.
– نائبة الحزب المصري الديمقراطي مها عبد الناصر، أبدت تخوفها من توقيت القانون “لسنا ضد تغليظ العقوبة على إذاعة أسرار عسكرية أو التجسس لكن لدينا بعض التحفظات بشأن التوقيت”، مشيرة إلى تزامن تقديم هذه التعديلات مع قرار الرئيس بإنهاء حالة الطوارئ، وإصدار استراتيجية حقوق الإنسان.
– وتسائلت “ما الفكرة من إيصال رسائل أمن وأمان وطمأنينة، ثم نبدأ نوسع العقوبات وتغليظ العقوبات على البحث والنشر ومفروض من ضمن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان يكون في حرية تداول معلومات، ليس معلومات عسكرية، لكن ما هو تعريف السر؟ نحن نتوسع في هذه الأمور ونعطي رسائل مختلطة للعالم”.
– كذلك النائب محمد عبد العليم داوود، اعتبر التعديل قيد على الباحث والصحفي في أداء مهمته، وقال “أنا ضد أي إخلال بالأمن القومي وأي معارض ضد الإخلال بالأمن القومي للبلاد، نحترم القوات المسلحة علشان ماحدش يزايد علينا”.
– النائبة أميرة صابر عن الحزب المصري الديمقراطي، قدمت مقترح بتعديل الفقرة الرابعة اللي بتتكلم عن جمع الاستبيانات والإحصاءات والدراسات، بإضافة مادة تلزم وزارة الدفاع بالرد على أي طلب في مدة زمنية محددة، عشان متبقاش عائق أمام الباحثين، نظرًا لأن عمل الجيش منتشر في حاجات كتير.
– لكن الاقتراح تم رفضه، ورد عليه اللواء ممدوح شاهين وقال إنه “النص منذ عام 1957 ليس به مدة وأنتم تعلمون أن القوات المسلحة لا تتأخر عن الرد، لو لم نرد يعتبر القرار سلبي لكن أي حد يتقدم نرد عليه خصوصًا البحث العلمي”.
– كمان نائبة المصري الديمقراطي سميرة الجزار، قدمت مقترح بالفصل بين إتمام الجريمة والشروع فيها، لكن المجلس رفض المقترح ده أيضًا.
– اللواء ممدوح شاهين قعد يكرر إنه القضاء العسكري مش بعبع، ومفيش قضاء استثنائي، وإنه الجيش لا يمنع صحفيين أو باحثين لكن بيطلب منهم الرجوع للقوات المسلحة للحصول على المعلومات الصحيحة.
*********

نشوف إيه من ده كله؟

– أولًا إنه تعديل 3 قوانين في يوم واحد كلها بتزود العقوبات وتوسع من المحاكمات العسكرية هو شيء مخالف لأي منطق ليه علاقة بالحريات أو تحسين وضع حقوق الإنسان، واللي هي أشياء يفترض الحكومة بتعمل على تحسينها، مش بتهمل ترسانة قوانين للتضييق عليها.
– خاصة وإنه القضاء العسكري هو في النهاية قضاء استثنائي، مفيهوش أي ضمانات للمحاكمات العادلة، والقضاة فيه بيتم تعيينهم باختيار وزير الدفاع، ويخضعوا لإطاعة الأوامر واحترام التراتبية العسكرية، وبيرسي مبدأ تحقيق أقصى عقوبة للمدنيين، ولحد فترة قريبة أحكامه كانت نهائية ومفيهاش فرص للاستئناف أو النقض.
– تعديل قانون بيتكلم عن التخابر وإضافة فيه الأبحاث والدراسات، هو إضافة لقيود قانونية جديدة يتم بيها حبس الباحثين اللي ممكن يتناولوا شخصية من القوات المسلحة أو جزء من أعمال الجيش، واللي هي دلوقتي فيها أنشطة اقتصادية وسياسية كتيرة جدًا، وبكده بيتم تخويف الباحثين والصحفيين أكتر وأكتر من عملهم، خاصة إنه من المستحيل إنه وزارة الدفاع هتدي تصريح لحد بأي عمل، وهيبقى قيد جديد على حرية تداول المعلومات وحرية البحث العلمي، وكذلك العمل الصحفي والشفافية.
– والأخطر مساواة البحث العلمي والعمل الصحفي بأنشطة التخابر، شيء مش معقول أبدًا إنه الأبحاث العلمية والأكاديمية اللي بتتنشر وبيقراها الناس كلهم في العالم كله، تتصنف زيها زي نشاط التجسس والتخابر اللي فعلًا بيدور على الأسرار العسكرية عشان يديها لجهات عسكرية أو مخابراتية، واللي هي جريمة حقيقية طبعًا، وبيكون الغرض منها جمع معلومات غير معلنة، سواءًا عن تسليح الوحدات أو تحركاتها، أو الخرايط أو الشفرات أو غيرها من الأسرار الحقيقية اللي مبيدورش عليها غير الجواسيس أو اللي ليهم أنشطة غير قانونية.
– لكن الباحث الأكاديمي اللي بينشر الورقة أو الدراسة بتاعته في مجلة أو موقع لمركز بحثي أو جامعة، فده بيتناول المعلومات “المعلنة” بالفعل لأنه البحث العلمي يفترض إنه مش نشاط مخابراتي، ومحظور تمامًا على أي باحث محترم أو مركز دراسات محترم إنه ينشر معلومات سرية بيحصل عليها بطريقة غير علمية، الباحث بيتناول معلومات منشورة من أرشيف صحفي أو أرشيف قرارات أو بيانات معلنة أو مقابلات مع متخصصين بيسجلهم بمعرفتهم وموافقتهم المسبقة على مضمون المقابلة، ده النشاط البحثي والصحفي المعروف في الدنيا كلها.
– وللأسف مصر فيها معتقلين كتير من باحثين وأكاديميين بس عشان قاموا بشغلهم الطبيعي والعادي، من منطلق حرية البحث العلمي، لكن مش معقول إنه بدل مناقشة اللي بيتكتبوه فبيتم حبسهم بتهم الإرهاب، زي إسماعيل الاسكندراني المحبوس بمحاكمة عسكرية، أو الناشر خالد لطفي اللي ترجم كتاب عن أشرف مروان، وعبده فايد، وباتريك جورج، وإبراهيم عز الدين، وغيرهم من الصحفيين والباحثين اللي صعب نعدهم.
********
– مشكلة كبيرة لو إحنا بنتعامل في بلدنا مع ملف حقوق الإنسان باعتباره ورقة ضغط من الغرب، ممكن تقدم فيه شوية تنازلات لو زادت الضغوط، لكن في نفس الوقت بقنن القمع في البنية التشريعية للقوانين المصرية، بتعديل القوانين وبمنح حصانة للإجراءات اللي من النوع ده.
– حماية حق أي مواطن في البحث والمعرفة ده شيء بتحرص عليه أي دولة متقدمة، لأنه في النهاية بيساعد في فهم المشكلات ويساعد على تطوير الأوضاع ووضع حلول لكل ملف بوجهات نظر مختلفة، لكن التخويف ووضع مزيد من القيود قدام الباحثين، عمره ما بيخلي بلد تتقدم أبدًا ولا يبقى فيها باحثين ولا جامعات ولا أكاديميين عندها، وده اللي بيأثر على جامعاتنا وإنتاجنا في البحث العلمي والمعرفة اللي هو ضعيف جدًا مقارنة بمعظم دول العالم.
– لما كتبنا عن إنهاء حالة الطوارئ وأشدنا بالخطوة اللي خدها الرئيس كان عندنا تخوفات أنها تكون فقط خطوة شكلية، وأنه تستمر آليات ومكونات حالة الطوارئ عبر قوانين تانية زي اللي قدمنا دا.
– بالتالي إحنا دلوقتي أمام تناقض صريح ومستمر بالمناسبة في سياسة الدولة للتعامل مع المجال العام والمجتمع بشكل عام في مصر، ففي الوقت اللي الدولة بتتكلم عن استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان بتنتهك حرية تداول المعلومات وبتحط مزيد من القيود عليها.
– دستور 2014 المادة `68 بيقول إن “المعلومات والبيانات والاحصائيات ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة حق تكفله الدولة لكل مواطن…” وينظم القانون “التظلم من رفض إعطائها، كما يحدد عقوبة حجب المعلومات…”.
– فرض قيود دائمة على العمل البحثي والصحفي، هو إنتاج جديد للطوارئ، اللي بتخلي فيه رقابة لمدة بسبب إنها حالة استثنائية، طيب بالشكل دا ترسيخ الرقابة بقوانين دائمة، بتقول إن حتى قانون الطوارئ كان له مدة وتمديد، أما القوانين بالصورة دي هتبقى طوارئ دائمة بدون مناقشة أو تمديد.
– بالتالي، وبالطريقة الحالية الحديث عن انفراجة أو انتقال ديمقراطي حقيقي في مصر هيبقى مجال شك، لأن فيه إصرار عجيب على عدم المضي قدما في إصلاحات حقيقية تعدي بالبلد لبر الأمان من مأزقها السياسي والاجتماعي.
– ترسانة القوانين اللي بنسمع إنها بتتناقش في البرلمان وهتحل محل الطوارئ في استخدمها، بتشكك في جدية الحديث عن إصلاح، وبالتالي بتقول إننا في الاتجاه الخاطئ للأسف حتى الآن.
– وجود حياة سياسية سليمة في نظام دستوري، وقضاء مستقل، وكل أنواع الرقابة الشعبية المباشرة والانتخابية وحرية تداول المعلومات مش طلبات رفاهية، ده لمصلحة كل المصريين.
– ياريت ييجي يوم نشوف فيه بلدنا فيها حرية تعبير وحرية رأي وحرية بحث علمي وحرية تفكير، ومفيهاش محاكمات غير عادلة ولا قضاء استثنائي بيعاقب المدنيين.
****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *