من كام يوم قدمت النائبة أميرة صابر عضو البرلمان الحالي عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، اقتراح لإذاعة جلسات البرلمان على الهواء مباشرة، واللي هو ممنوع من البث المباشر لأكتر من 6 سنين، وده طبعًا اقتراح يستحق تحيتها وشكرها عليه.
كان في مطالب كتير قبل كده بإذاعة الجلسات لكن بدون استجابة، آخرهم دعوات قضائية رفعتها مؤسسة حرية الفكر والتعبير للقضاء الإداري ولسه متمش أخذ قرار نهائي فيها.
ليه إذاعة الجلسات مهمة ؟ وهل ممكن يتم الاستجابة للمطالب دي ؟ وليه أصلًا بيتم منعها دلوقتي ؟ ده اللي هنتكلم عنه في البوست الحالي.
******
مقترح زي ده يستحق الدعم، وخاصة أنه الوضع الحالي اللي مش بتتذاع فيه الجلسات هو مخالف للدستور وبيقوض حق المواطنين في المعرفة والتفاعل مع المجال السياسي حتي وإن كان المجال السياسي في مصر حاليا ملئ بالمشكلات.
المطالبات بإذاعة جلسات البرلمان كانت دائما موجودة من المجتمع المدني، وأخرهم قضية رفعتها مؤسسة حرية الفكر والتعبير في مايو اللي فات قدام القضاء الإداري ولم يبت فيها حتي الأن وغيرها من دعاوي قضائية أقدم للمطالبة بمبدأ العلانية ؟
ليه إذاعة جلسات البرلمان مهمة؟ وهل فعلا ده ممكن يحصل ؟ وإزاي ممكن نشوف الموضوع علي بعضه خاصة مع التحفظات الكبيرة على طبيعة وتشكيل البرلمان الحالي؟
*****
ليه إذاعة الجلسات مهمة؟
في يناير 2016 اتخذ قرار من علي عبدالعال رئيس البرلمان السابق بمنع إذاعة جلسات البرلمان على الهواء، ساعتها حصل تهليل في البرلمان وخاصة أنه كان في نواب كثير عايزين الموضوع عشان يقدروا يتهربوا من المسئولية السياسية قدام الناخبين وخاصة في قوانين جدلية.
قوانين زي زيادة الضرائب والموافقة على التنازل عن تيران وصنافير والموافقة على التعديلات الدستورية وغيرها من القوانين اللي الشارع المصري كان رافضها كلها تمت بدون إذاعة، والاعتماد الأساسي في المعلومات كان عن طريق النشر الصحفي اللي عليه قيود طبعا وعن طريق مقتطفات قليلة بيذيعها النواب لنفسهم ودي غالبا بتبقي الحاجات الإيجابية اللي شايفينها حلوة ليهم يعني.
بالتالي مفيش قدام المواطنين إنهم يعرفوا اللي بيدور في المجلس إلا عن طريق نشر بعض الفيديوهات من النواب نفسهم أو بعض القنوات أحياناً لدقايق معدودة، بالإضافة للمواد اللي بيصورها صحفيين المجلس، لكن الاعتماد الرئيسي بيكون على الأخبار والتصريحات والبيانات اللي بتخرج.
الأهم إنه الدستور والقانون أنفسهم بيعتبروا إنه علانية الجلسات أمر أساسي وشرط بديهي في طبيعة عمل المجالس النيابية، زي المادة 120 من الدستور اللي نصت بشكل واضح على إنه “جلسات مجلس النواب علانية” وبتوضح المادة كمان حالة الاستثناء في طلب الجلسات السرية، اللي بتكون محدودة جداً، زي الجلسات اللي فيها كلام وتفاصيل خاصة عن تحركات عسكرية أو أمور تخص القوات المسلحة من الخطر إنها تعلن وتذاع، زي جلسة التصويت على إرسال قوات خارج مصر في نهاية البرلمان اللي فات، كانت جلسة سرية استثنائية بحكم الدستور والقانون، وليها شروط معينة.
بالإضافة للمادة 68 من الدستور، اللي أكدت على أن “المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية”.
كمان قانون مجلس النواب ولايحته الداخلية بيتكلموا عن علانية الجلسات، وإنه رئيس المجلس هو المسؤول عن ده وبيتابع الإجراءات الخاصة بنشر الجلسات العلنية، وتيسير مهام وسائل الإعلام في ده.
*****
ليه جلسات البرلمان مش بتتذاع بث مباشر ؟
الحقيقة أنه القرار اللي اتاخذ من علي عبدالعال الرئيس السابق للمجلس كان مبرره الحفاظ على هيبة المجلس، واللي هو مبرر غريب جدا، وكمان كانت ناس بتقول طب ما هو في ملخصات والصحافة بتنشر، فليه بيتقال إنه علانية الجلسات متحققتش ؟
الحقيقة ده كان رأي هيئة مفوضي مجلس الدولة في قضية مرفوعة أمامة للمطالبة بإذاعة الجلسات، لكن عمل مونتاج للفيديوهات بيخلي مفيش مبدأ علانية، بالإضافة لوضع الصحافة وحرية الإعلام في مصر واللي بيخلي الصحفيين بيخافوا كثير ينشروا اللي بيحصل في البرلمان بشكل كامل.
وعشان كده مفيش أي مبرر ممكن نشوفه في موضوع عدم إذاعة الجلسات بشكل مباشر غير إنها رغبة الأجهزة الأمنية في مصر، واللي هي رغبة في إبعاد الرأي العام والمواطنين عن أي مظاهر للحياة السياسية السليمة، اللي فيها الناس بتتابع الجلسات وبتشوف أداء الأحزاب والنواب وتعرف القوانين اللي بيتم إعدادها وتحضيرها وتتناقش فيها وتقدر تقيم ده كله.
فهل الأجهزة الأمنية اللي خدت القرار ده بغرض إنه ميتكررش اللي حصل من ردود فعل على قوانين زي التسجيل العقاري مثلاً، أو مواقف زي تمرير اتفاقية تيران وصنافير أو غيرها من الإجراءات اللي معروف إنه غالبية المواطنين هيعترضوا عليها ويهاجموا كل شخص يوافق على فرض ضرائب جديدة عليهم، أو التنازل عن قطعة من أرضنا زي تيران وصنافير، وغيرها من الأمور، وبالتالي زي ما قلنا الأول الناس تبعد عن المتابعة والمراقبة.
ممكن نسأل ونقول هل فيه رغبة إنه ميبقاش فيه نواب ليهم شعبية ومصداقية عند المواطنين بقدر الإمكان؟ وبالتالي صعود نموذج زي أحمد طنطاوي وهيثم الحريري مثلاً أو زمان زي حمدين صباحي والبدري فرغلي وأبو العز الحريري وغيرهم هو شيء خطر، فكلما قل ظهور ناس زي دي ومتابعتهم، كل ما هتقل فرص شعبيتهم، وبالتالي ده يخلي مفيش تقييم ونوصل لاستنتاج إن الناس كلها زي بعض، بدون ما نشوف أداء نواب معارضين أو نواب الأغلبية ونقارن ما بينهم.
وبالتالي لما المنع بيحصل طبيعي متابعة الناس للقوانين والقرارات هتكون أقل في أمور تمس حياتهم وهي لسه مشاريع سواء ضرايب أو رسوم جديدة، أو قوانين جديدة ذات خطورة وأهمية زي الأحوال الشخصية مثلاً.
وطبعاً التصورات دي أيا كان مصدرها فهي في منتهى الخطورة على أي مجتمع، لأنه البرلمان موجود عشان الناس تقدر تشارك في صياغة حياتها والقوانين اللي بتتحكم بيها عن طريق ناس بتنتخبهم وتحاسبهم على أدائهم وحماية مصالحهم، ومنع الناس من متابعة شغلهم بشكل مباشر شيء مش مفهوم.
*****
ناس كثيرة ممكن يكون عندها نوع من الاستعلاء أوالتجاهل لأهمية الموضوع ده، سواءًا بمنطق إنه النواب الحاليين هما من الأساس اختيارات الأجهزة الأمنية في القوائم أو بدفع الرشاوي الانتخابية وبالتالي مش فارق إذاعة الجلسات دي من عدمها لأن كله بيتم إدارته.
والحقيقة كل الأفكار دي جزء منها حقيقي، لكن ورغم كل ده فالبرلمان شغال فعلًا وبيناقش قوانين بتمس حياتنا اليومية، وبالتالي سواءًا احنا راضيين عنه أو لأ، فمتابعتهم هتفضل مهمة لأن قراراتهم وإجراءاتهم متعلقة بكل حاجة من تعليم وصحة وصناعة وموازنة وتعديلات تشريعية وغيره.
الأجهزة اللي خدت قرار عدم إذاعة الجلسات دي، عندهم رغبة في إنه الناس متعرفش ومتهتمش باللي بيحصلها، وبالتالي متهتمش أوي بالانتخابات ولا بالسياسة ولا بتأثير ده على حياتها، عشان ميبقاش ليها رأي.
وده نمط التفكير في الدول الديكتاتورية، اللي البرلمانات بتاعتها برغم إنه انتخاباتها بتتزور وبيتم التلاعب فيها، لكن في دايمًا غرض في تغييب الناس وإبعادهم عن معرفة الواقع.
والفرق كبير بين ده وبين دول متقدمة زي ألمانيا وأمريكا وانجلترا، هنلاقي الجلسات بتتذاع بشكل كامل، والصحافة بتقدر تحضر وتغطي وتناقش وتسأل بدون أي مشاكل، ودول كتير بتتيح للمواطنين إنهم يدخلوا البرلمان بنفسهم بدون أي شروط غير عدم تعطيل سير الجلسات، يقدروا يقعدو في أماكن مخصصة ليهم، يتفرجوا ويسمعوا من جوة البرلمان مش بس من التلفزيون والانترنت.
*****
شكرًا لأي حد بيحاول يساهم في إجراء حقيقي لمصلحة الناس، ونتمنى ييجي يوم نشوف فيه حياة سياسية طبيعية ديمقراطية زي باقي العالم، فيه برلمان حقيقي بيشرع وبيراقب الحكومة ويحاسبها، وفيه صحافة حرة تنقل وتسأل وتحاسب، وفيه مواطنين مبيتفاجئوش بقوانين نازلة عليهم من غير ميتناقشوا فيها ويكونوا راضيين عنها.
*****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *