– في ابريل اللي فات أطلقت شركة ” ثروة العالم الجديد” -new world wealth – تقريرها السنوي عن الثروة في العالم، الشركة دي هي شركة أبحاث اقتصادية مهمة مقرها في جوهانسبرج بجنوب أفريقيا.

– التقرير فيه عدد كبير من النتائج تخص ال 90 دولة اللي بيغطيهم التقرير، اللي يخصنا معلومة أنه في خلال السنة اللي فاتت زادت معدلات هجرة المليونيرات من مصر.
– هنحاول نفهم معاكم في البوست ده ليه المليونيرات بيهاجروا من مصر رغم الإصلاح الاقتصادي اللي بتقول عليه الحكومة؟ وايه خطورة ده؟ وايه معناه؟ وايه اللي ممكن يتعمل عشان نحارب الظاهرة دي؟

*******

ايه وضع الثروة في مصر؟

– مصر هي ثالث أكبر اقتصاد في افريقيا كحجم ناتج محلي بعد نيجيريا وجنوب أفريقيا، وثاني أغنى دولة في أفريقيا بعد جنوب أفريقيا من حيث حجم الثروة الكلية .. على مستوى المدى القاهرة هي ثالث أغنى مدينة بمجمل ثروة حوالي 140 مليار دولار بحسب تقرير الثروة في افريقيا 2018. ولكن مع ذلك مصر هي سادس دولة في أفريقيا من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي.
– مصر تعتبر من أكبر دول العالم بحسب التقرير في هجرة المليونيرات، مفيش إحصاء دقيق عن الأعداد بسبب نقص البيانات، لكن التقرير بيقول على الأقل في أكثر من 100 مليونير السنة اللي فاتت هاجروا من مصر.

– طبعا أرقام زي دي مهمة وبتدي مؤشرات مهمة عن صحة الاقتصاد المصري، واللي المفترض يعني أنه بيمر بعملية إصلاحات دلوقتي وبالتالي هروب رجال الأعمال وأصحاب المال مفروض شيء غريب جدا.

– هنفهم الوضع قد ايه غريب لما نعرف انه مصر محطوطة في نفس التصنيف مع كل من فنزويلا اللي فيها أزمة اقتصادية وسياسية عنيفة، وإيران اللي بقالها أكثر من 15 سنة في عقوبات اقتصادية، وأوكرانيا اللي بتعيش أزمة سياسية عنيفة جدا من 2014 لحد دلوقتي.
– التقرير كمان قال أنه في الفترة من 2008 – 2018، يعني في عشر سنين قلت حجم الثروات الصافية للأغنياء في مصر بنسبة 10 %. ده راجع بشكل أساسي لخروج الأموال أو لهجرة أصحابها.

*******

ليه المليونيرات والأغنياء بيهاجرو من مصر؟

– بحسب التقرير في عدد من العوامل بتساهم بشكل كبير في الظاهرة دي وهي كالأتي:

1- الأمان بشكل عام في البلد، وده مش معناه الأمن بس لكن معناه الأمان الاجتماعي، يعني نظام سياسي مستقر، نظام تعليم كويس، رعاية صحية كويسة، شبكة طرق الحوادث عليها قليلة، وكل اللي ليه علاقة بأنه الفرد يكون آمن على نفسه وعلى أسرته وبالتأكيد على فلوسه في البلد.

2- حقوق ملكية فردية قوية، وده معناها وجود سيادة قانون ومنظومة قضائية محايدة وقوية، وده مش متوفر في مصر اللي سنة 2018 كانت في المرتبة 77 علي مستوى العالم وال11 عربيا من 125 دولة في مؤشر حقوق الملكية، وترتيبها ال 121 من 126 في مؤشر حكم القانون.
واللي كلنا عارفين ان الأمر الواقع فيها بيتفوق على أحكام القضاء وقوة القانون أحياناً، خصوصاً لو حصل نزاع مع أصحاب نفوذ سياسي أو مؤسسة حكومية / أمنية.

3- حرية وحيادية الإعلام، لأنه ده ضمانة لوجود مساحات إعلامية متساوية للجميع، والأهم وجود شفافية في نقل المعلومات بشكل متساوي للجميع بغض النظر عن النفوذ السياسي على الاعلام، وده أشياء مهمة خصوصاً للناس اللي بتستثمر في البورصة والأوراق المالية اللي بتتأثر بالاعلام والأخبار، وضمان إنه أي منافسة استثمارية ميكونش الاعلام بيلعب فيها دوري سيء في تضليل أو تشويه البعض.

4- نمو اقتصادي مستدام، وده بدأ بتحقق بارتفاع معدلات النمو في السنتين اللي فاتوا بشكل طفيف، ولكن لسه في مشاكل كتير بسبب اعتماد معدلات النمو اللي بنحققها على القطاع العقاري بشكل كبير، وبدأ قطاع السياحة ينتعش لكن لسه في مشاكل كبيرة في قطاعات أساسية زي الصناعة والزراعة.

5- انعدام أو عدم قدرة الحكومة على التدخل في الاقتصاد كميسر أو منظم بين الفاعلين، وده مش متحقق في مصر خاصة بعد زيادة تدخل الجيش وتوسعه في كتير من الأنشطة الاقتصادية وده بدأ يخنق كتير من القطاعات اللي بقت مجبرة إنها إما تشتغل تحت مشاريع الجيش وبالأسعار اللي يحددها يا إما مش هتشتغل، والأزمة ده واضحة في قطاعات كتير زي المقاولات، إعلانات الطرق، ونشاطات تانية زي الاستزراع السمكي، والتكييفات، والحديد، وغيرها. وكتبنا بوست سابق عن الموضوع ده وخطورته.

6- سهولة الاستثمار وتأسيس الشركات، ورغم أنه وزارة الاستثمار عملت خطوات كويسة وفيه تحسن في ده زي الشباك الواحد للمستثمرين، وغيره إلا أنه البيروقراطية في ملفات كتيرة زي المرافق، بالاضافة للفساد والمحسوبية لسه بتشكل عوائق كبيرة.

– عشان كده بتزيد هجرة المليونيرات في مصر، لأنه مفيش مناخ عام يسمح بأنه الإصلاحات الاقتصادية دي تجيب نتايج حقيقية تعزز فرص المنافسة الحرة، إلى جانب في رأينا إنه ضعف الحركة التجارية ومعدلات الشراء في قطاعات كتير نتيجة التعويم وانخفاض قيمة الجنيه وفقدان المدخرات والتضخم خلى النشاط الاقتصادي ضعيف بحالة “ركود تضخمي”، ومازال محتاج وقت طويل ليتعافى.

*****

طيب ليه الأرقام دي مقلقة؟
لثلاث أسباب أساسية
– أولا: لأنها بتعكس بشكل كبير مستقبل الاقتصاد في أي بلد، لما الناس اللي معاها فلوس تهاجر ده بيخلي الاقتصاد يخسر ثروات كان ممكن تفضل في مصر وتستثمر وتشغل ناس وتدور عجلة الاقتصاد بشكل أسرع.
– ثانيا: أنه هجرة المليونيرات دي بتدي إنطباع سيء للمستثمرين الأجانب، إزاي الأجنبي هيجي يستثمر هنا، وأصحاب الثروة والأعمال المحليين فيهم نسبة قررت تخرج بالشكل ده.
– ثالثا: أنه ده بيعكس مشكلة كبيرة في الاقتصاد وبالطبع في الإصلاح الاقتصادي اللي بيتعمل دلوقتي، أرقام ومؤشرات الدخل والثروة في مصر بتوضح تحديدا إيه هي المشكلة .

– هنلاحظ مثلا أنه أكثر الدول اللي بيهاجر منها المليونيرات والملياديرات هي الدول اللي فيها معدلات لا مساواة عالية يعني فجوة كبيرة جدا بين الأغنياء والفقراء، في حين أنه أقل الدول هي الدول اللي الامساواة فيها قليلة وفيها عدالة أكتر.

– في اليابان مثلا اللي فيها معدلات اللامساواة منخفضة من حيث أنه الأشخاص الأغنى بيمتلكوا 24 % من الثروة هنلاحظ أنها أقل الدول الغنية في تصدير المليونيرات، كذلك في نيوزلندا اللي فيها أغنى فئة من السكان بيمتلكوا 27 % ومفيش هجرة مليونيرات فيها.
– على العكس في مصر مثلا، أغنى 10 % بيمتلكوا 73.3 % من الثروة بحسب تقرير بنك كريدي سويس سنة 2014، وعلى الرغم من كدا ال10 % دول بياخدوا 30-35 % من الدخل السنوي ( الناتج المحلي).

– ده معناه ان الناس دي مش بتستثمر ثرواتها بالشكل الكافي اللي بيدر عليهم ربح أكبر، وأنه الثروات دي معظمها أصول ثابتة زي العقارات، لا تساهم بفاعلية بالاقتصاد ولا بتشغل ناس وممكن التخلي عنها بسرعة.
– ومعناه كمان أن عدم المساواه بحد ذاته سبب من أسباب عدم الاستقرار وعدم الأمان.
– كمان ده بيعني أنه النظام الضريبي في مصر في مشاكل كبيرة، بالذات في جزئية الضرائب التصاعدية والعدالة الضريبية، لأنه مفيش دولة فيها التراكم الكبير ده للثروة ومبيتاخدش فيها ضرائب تصاعدية تسمح بتدوير الفلوس دي في عجلة الاقتصاد وسد فجوات أساسية في الخدمات.
– لو الحكومة مثلا بتفرض ضرائب على العقارات المقفولة لتشجيع ملاكها يأجروها أو يبيعوها، أو بتفرض ضرائب على الثروة الضخمة، أو ضرائب علي رأس المال وضرائب البورصة كانت نسبة كبيرة من الثروة دي دارت واشتغلت ودفعت الاقتصاد لقدام، لكن للأسف ده مش حاصل بحجة الحفاظ على المستثمرين واللي بيطفشوا برضه لأسباب تانية.
– الفساد وضعف القضاء والتدخل الحكومي بمعناه السيء والاحتكاري – زي اللي بيحصل من الجيش – ده بيمنع أي استثمار أجنبي حقيقي إنه يبقى موجود، لأنه القانون والنظام السياسي مش هيحمي الا المستثمر الكبير جداً اللي علاقته بالسلطة ومسؤولينها كويسة وتقدر تحميه وتقلل العقبات قدامه، إنما المستثمر المتوسط اللي هيشغل أنشطة اقتصادية كتير برضه وهيساهم في زيادة معدلات النمو، يخاف ييجي مصر لأنه عدالة القانون مش مضمونة ولأنه في الاغلب علاقته بالسلطة مش موجودة زي المستثمرين الكبار جداً، وبالتالي البلد بتخسر فرص استثمارية كبيرة جداً.
– وعشان نفهم المثل الأخير ده بشكل مبسط لكن أن تتخيل الفرق بين 10 مستثمرين كبار كل واحد هيحط في مشروع مليار دولار، وبين 500 مستثمر متوسط كل واحد هيحط 50 مليون دولار، آه رقميا المستثمر الكبير مغري لكن حجم المستثمرين المتوسطين الاجمالي هيبقى بيضخ أرقام أكتر (25 مليار ) أنشطة اقتصادية أكتر، عمالة أكتر، ضرايب أكتر، حركة سوق أكتر، وده أفضل بكتير لبلد زي مصر.

******

طيب ايه المفروض يتعمل؟

– لازم يحصل تحسين لمناخ الأعمال، ومحاربة للفساد والمحسوبية في الاقتصاد وتكون دي عملية شاملة نابعة من إرادة سياسية حقيقة مش مجرد تصفية حسابات أو شو إعلامي وخلاص.
– من المهم والضروري جداً في مكافحة الفساد هو إرساء العدالة القانونية بين الجميع عشان يضمن للكل إنه يقدر ياخد حقه القانوني بغض النظر عن وضعه المالي والاجتماعي وعلاقته بالسلطة، وده بيتطلب إبعاد كامل للأجهزة الأمنية عن تدخلاتها في القضاء ومنح استقلالية أكبر للقضاة، وده ملف كبير.

– بالطبع وقف المعاملة التفضيلية لتدخل الجيش في الاقتصاد لأنه ده زي ما قولنا أحد أهم الأسباب لهجرة الأنشطة الاقتصادية لأنه بيقتل المنافسة في أي قطاع يدخل فيه بفضل وضعه المميز أمام كل الجهات الحكومية، وبانه لا يدفع أجور أو ضرائب أو تمن أرض.
– تحسين وضع الخدمات العامة زي التعليم والصحة لأنه ده بيحسن مستوى الأيدي العاملة والأمان.
– إصلاح النظام الضريبي واتكلمنا أكتر من مرة هنا في الموقف المصري علي الموضوع ده.
– أخيرا، لازم الحكومة والمواطنين المصريين يفهموا أنه إصلاح الاقتصاد مش مجرد إصلاح لأرقام الموزانة وأنه في صورة كلية لازم نشتغل عليها لأن الاقتصاد المصري كبير ومعقد وعاوز مجهودات كبيرة عشان إصلاحه وتطويره.
****




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *