نرجع مرة تانية للموضوع الأهم في مصر في الفترة الحالية وهو التعديلات الدستورية، في البوست ده هنتكلم عن تعديل الدستور في عهد السادات والظروف السياسية المحيطة بيه ونتايج التعديلات دي.
*****

– مع بداية حكم السادات وفي إطار خناقته مع رجال عبدالناصر الأقوياء استخدم خطاب الديمقراطية في خلق شرعية جديدة ليه هوا، قرر يقبض عليهم ويحرق كل تسجيلات المخابرات وأجهزة الأمن اللي كان فيها تجسس على المعارضة، وهدم للمعتقلات وإتاحة التظاهر للشباب اللي كانت بتضغط عليه عشان الحرب، واتعمل في السياق ده دستور سنة 1971 اللي اتسمى بدستور مصر الدائم، وده إسقاط على نظام عبدالناصر اللي كتب مجموعة دساتير في وقت حكمه.
– السادات استخدم شرعية الديمقراطية والانفتاح لحد حرب أكتوبر اللي دشن بيها شرعيته الحقيقية في الحكم، ورجع مرة تانية يمارس نفس الأساليب الأمنية والقمعية بتاعت نظام عبدالناصر لكن بقيود أقل، وبطريقة انفتاحية أكتر من خلال البرلمان وتعددية للأحزاب بشرط موافقة السادات عليها، وده برضه عشان يفتح مساحات أكتر للعلاقات مع أمريكا. لكن مفيش ديمقراطية حقيقية، البرلمان مثلاَ إتحل بسبب اعتراض بعض النواب على اتفاقية كامب ديفيد.
*****

جت إزاي فكرة التعديلات ؟

– من بدايات سنة 1979 اترددت إشاعات عن رغبة السادات في تعديل الدستور عشان يستمر في الحكم.

– الموضوع بدأ من مجلس الشعب بالطبع، تحديدا من النائبة فايدة كامل، واحدة من أشهر واكتر نائبات مجلس الشعب في تاريخ مصر الحديث، فضلت في مجلس الشعب من 1971 لحد 2005 ودخلت موسوعة جينس كاكتر نائبة برلمانية في الخدمة حوالي 35 سنة تقريبا.
– فايدة كامل كانت مطربة شعبية في الستينات، قبل ما تتجوز اللواء النبوي إسماعيل، وزير الداخلية أيام السادات، وتبقى واحدة من أهم سيدات المجتمع في الفترة دي نتيجة صداقتها بجيهان السادات.
– التعديلات ده كانت بتوجيه من السلطة خصوصا إنه فايدة كامل هي زوجة وزير الداخلية وصديقة شخصية لجيهان السادات زوجة الرئيس، وأدارت فايدة مع بعض النائبات داخل البرلمان حملة تقديم التعديلات الدستورية، وللسبب ده شعبياً اتروج ليها بمسمى تعديلات الهوانم “فايدة كامل ونوال عامر وكريمة العروسي” لكن هي بالطبع تعديلات السادات.
*****

ايه مضمون التعديلات ؟
– التعديلات اللي اقترحتها فايدة كامل كانت بالأساس علشان تعديل المادة 77 من الدستور، تحديدا حذف التاء من كلمة ( مدة أخري )، واستبدالها بالدال، فتبقى (مدد أخرى )
– لكن عشان ميتروجش للتعديلات إنها لاستمرار حكم السادات فكان لازم إضافة مجموعة من التعديلات التانية، شملت تعديلات للمواد الأولى والتانية والرابعة والخامسة واستحداث بابين جداد في الدستور عن إنشاء مجلس الشورى وسلطة الصحافة.
– ورغم إنه التعديلات دي كانت لتمرير المادة 77 لكن كان ليها تأثير عشان تمرر استمرار السادات، أهمها على الإطلاق كانت المادة التانية من الدستور واللي كانت بتنص قبل التعديل على أنه ” مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع ” بعد التعديل بتاع 1980 اتضاف الألف والام عشان تكون ” مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع “. وده كان ترويج مهم لأفكار السادات طول فترة حكمه إنه مصر هي دولة العلم والإيمان، ولقب نفسه بالرئيس المؤمن.

– كمان المادة الأولى والرابعة والخامسة اتحذف منهم كل ما ينص على التوجه الاشتراكي السابق في النظام الناصري، واتروج للمادة الخامسة اللي لما اتعدلت خلت مصر بلد متعدد الأحزاب بدل الاتحاد الاشتراكي أنها مادة على طريق الديمقراطية والإصلاح الاقتصادي اللي بيتبناه الرئيس السادات، وفعلياً كانت النصوص حبر على ورق، النظام الاقتصادي كان اتغير بالفعل لنظام رأسمالي وكان في بالفعل تعددية حزبية قبل التعديلات.

– وافقت أغلبية مجلس الشعب على التعديلات في يوليو 79 واستفتي الشعب عليها وصدرت في يوليو 80 والنتايج الرسمية كانت موافقة 98.8 %، باجمالي حوالي 11 مليون صوت وافقوا عليها ورفضها 60 ألف، ومع كده السادات وصف الستين الف دول بعدها بالعناصر الشاذة.
*****

ايه التشابه مع اللي بيحصل دلوقتي ؟
– بالطبع نفس المبررات اتساقت تقريبا لتمرير التعديلات، وهو انه الرئيس ليه إنجازات ولازم يحكمنا بقية حياته بقا عشان تستمر.
– السادات اللي كان عايش ساعتها على شرعية انتصار أكتوبر واسترداد الأرض، كان بيتقال انه اقل تكريم ليه انه يفضل رئيس مع انه مفيش أي تناقض بين أنه رئيس يمشي يعني وهو عنده إنجازات حتى لو بيتقال عنه بطل الحرب والسلام.

– موضوع التعديلات اتسوق له داخليا انه جاي على عكس رغبة السادات، اللي قال اكتر من مرة انه عايز يسلم السلطة لجيل أكتوبر في نهاية 81 موعد الاستفتاء المفترض على الرئيس ومقالش أبداً إنه عاوز يستمر في الحكم.

– لكن زي ما كلنا عارفين ازاي القدر خلا الرئيس السادات مستفادش من التعديلات دي واتقتل بعد أقل من سنة ونص، واللي استفادو من التعديلات كانت فايدة كامل اللي فضلت في مجلس الشعب لحد سنة 2005 واعتزلت السياسة، واستفاد برضه نائب الرئيس اللي هو حسني مبارك وحكم بالتعديلات ده 30 سنة من غير ما يخطط ليها.

– نفس الطريقة في عمل التعديل هي اللي بتتم، الرئيس ينفي ويقول انه هيمشي لما مدته تخلص وانه معندوش رغبة في الحكم، وتيجي المطالبات من النواب والاعلاميين وبعض المواطنين، والتعديلات تتعمل.
– الرئيس السيسي بيعمل نفس الأداء ده من كذا سنة، لدرجة انه اتسأل عن التعديلات دي في لقاء مع محطة سي بي اس الامريكية وقال نصا ” أنا مع الالتزام بفترتين رئاسيتين مدة الواحدة منهما أربعة أعوام ومع عدم تغيير هذا النظام.. وأنا لست مع إجراء أي تعديل في الدستور في هذه الفترة”.، لكن بعدها بدأت التعديلات بشكل رسمي.
– حتي نفس الطريقة في التسويق للتعديلات داخليا وهو حشر عدد كبير من التعديلات عشان تمرر مادة مدد الرئاسة معاها، والدعاية انه التعديلات دي مهمة زي مجلس الشورى والتعددية الحزبية أيام السادات، وزي مجلس الشورى برضه ونسبة الشباب والأقباط دلوقتي.
– مصر مستفادتش عملياً من مجلس الشورى اللي كان الرئيس بيعين تلته، ومستفادتش من التعددية الحزبية بسبب تضييق مبارك 30 سنة على الأحزاب، مكنش في منافس للحزب الوطني حقيقي.
– وبنفس المنطق فهو مستحيل يكون في استفادة ديمقراطية من زيادة كراسي الشباب والمرأة ووجود مجلس الشورى، في الوقت اللي مفيهوش تداول للسلطة والأجهزة الأمنية بتتحكم في كل شيء حتى مع وجود نصوص دستورية بتتيح العمل السياسي وحرية التعبير وتمنع الاعتقال.
– تعديلات السادات خلت مصر تدفع 30 سنة من حكم لمبارك مليان استبداد وفشل اقتصادي وإهدار موارد وتدمير للتنظيمات المدنية، والتعديلات الحالية هتخلي مصر تكمل في نفس المسار لحد ٢٠٣٤، سنوات طويلة إضافية من سياسة اقتصادية بتضر الطبقة الوسطى والفقراء وقبضة أمنية واسعة بتقتل الأحزاب، وإعلام متسيطر عليه، وقضاء بيتحكم فيه الرئيس، بلا أمل بمسار سلمي وحر للتغيير والمشاركة.
*****




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *