– من أيام لجنة الشكاوى في المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام أصدر توصية للمجلس، بتوقيع غرامات على 2 صحفيين، بسبب بوستات كتبوها على حساباتهم على فيسبوك.
ليه ده حصل؟ وهل من حق المجلس يعمل ده؟ ده اللي هنتكلم عنه في البوست.
*****
إيه اللي حصل؟
– الصحفي الرياضي أحمد درويش أحد الصحفيين اللي صدر بحقه توصية بالغرامة، بيشتغل في قناة دي إم سي وراديو 9090، المملوكين للمخابرات العامة، ورئيس تحرير برنامج رياضي على قناة النهار.
– أحمد كتب على صفحته الكلام ده: “المهندس منح كل عضو من مجلسه حصة وبلغت بواقع 43 ألف جنيه لكل عضو من الدرجات المختلفة أول أمس في الفندق عدا الرجل الثاني الذي حصل علي نسبة أعلي بكثير في نفس الفندق أمس الثلاثاء” ورغم إنه مقالش كلام واضح عن المقصودين، لكن اتحاد الكرة قدم شكوى في الصحفي، وقالوا إنه بيتهم رئيس الاتحاد بالفساد في بيع تذاكر مباريات أمم أفريقيا.
– لجنة الشكاوى في المجلس الأعلى للإعلام فحصت الشكوى، واعتبرت إنه نشر أخبار كاذبة، وأوصت بتغريمه 10 آلاف جنيه وإلزامه بالاعتذار على حسابه الشخصي، وإنذاره نهائياً بإغلاق الحساب لو تكررت المخالفات. التوصيات دي صدرت، من غير ما يحصل أي نوع من المناقشة، ولا حد طلب منه يوضح المقصود بالكلام اللي في البوست.
– الصحفي التاني هو وجيه الصقار، صحفي في الأهرام، كان نشر على حسابه الشخصي مقالات بيعترض فيها على السياسات الخاطئة والفاسدة اللي بيقول إنها موجودة في وزارة التعليم. الدكتور محمد عمر نائب الوزير اعتبر إن المقالات فيها سب وقذف، وتنال منه ومن الوزير والوزارة. عشان كده اللجنة أوصت بتغريمه 15 ألف جنيه، وقالت إن كلامه خرج من إطار النقد.
*****
أنهي قانون اللي بيقول كدا؟ وهل اللجنة التزمت بيه؟
– قانون الإعلام الموحد بيدى الحق للمجلس الأعلى للإعلام، باعتبار أي شخص عنده أكتر من 5 آلاف متابع على مواقع التواصل الاجتماعي، أنه وسيلة إعلامية. ولو ارتكب جريمة نشر تطبق عليه لايحة العقوبات.
– وقت صدور القانون واللايحة كان فيه انتقادات شديدة ليهم باعتبارهم بيقضوا على حرية الإعلام، وحرية المصريين على مواقع التواصل، وبيحطوا عقوبات ملهاش أي شبيه في العالم.
– وعلى الرغم من كده فالمجلس الأعلى للإعلام بيتجاوز القانون لأن في حالة الصحفي وجيه الصقار شوفنا إن عنده 600 متابع بس، وبالتالي مش مفترض إن القانون ده ينطبق عليه أصلا، أي مستخدم للفيس بوك يعرف إن الأصدقاء غير المتابعين “فولوورز” المذكورة بنص القانون، ومع كده اللجنة جمعت قائمة الأصدقاء مع المتابعين عشان يزيدوا على 5 الاف وتطبق عليه اللايحة!
– الخبر اللي نشرته صحيفة المصري اليوم عن غرامة الصقار، بينقل عن لجنة الشكاوى، إن العبارات اللي كتبها الصقار “لو صحت” تحط من شأنه، وتوجب احتقاره ومسائلته قانونيا.
– بعيدا عن إن مافيش أي قانون يدي الحق للجنة إنها تحط من شأن حد أو تحتقره، محتاجين نقف شوية عند تعبير” لو صحت”، إزاي اللجنة اللي المفروض تفحص وتحقق في الشكاوى طلعت توصية بتغريم شخص وهي مش متأكدة إنه أخطأ، ولا حتى سمعت منه.
*****
إيه نتايج وجود القانون ده؟
– ببساطة إحنا قدام ناس بتشتغل بمنهج الرقابة الأمنية حتى على فيس بوك، أيوة طبيعي لو حد ارتكب “السب والقذف” أو حرض على العنف ضد شخص إنه يتعاقب، لكن مش المفروض إنه يتعاقب على رأيه في قرار حكومي أو سياسة وزير طالما مبيتكلمش عن حياته الشخصية.
– المجلس الأعلى للإعلام بيعاقب المواقع اللي بتنشر محتوى في وجهة نظرها “مخالف للآداب العامة” أو”النظام العام” بغرامة بتوصل لربع مليون جنيه، والمصطلحات دي مطاطة وبتدي سلطة تقديرية ومطلقة للمجلس عشان يحدد على مزاجه إيه اللي ينطبق عليه وإيه لأ.
– فمثلًا تابعنا نشر جريدة اليوم السابع لكاريكاتير أقل ما يقال عنه إنه “مشين”، عمله الرسام أحمد قاعود، عن قوى اليسار وجماعة الإخوان المسلمين، وصورهم الكاريكاتير في شكل علاقة جنسية، في مشهد مسىء وبيرسخ لمفاهيم سلبية باعتبار العملية الجنسية شيء مهين للمرأة، غير إهانة الأحزاب والتيارات السياسية اللي بتعتبر نفسها “يسارية” بتوصيفات جنسية غير لائقة!
– ومع ذلك المجلس الأعلى للإعلام ونقابة الصحفيين متناولش الموضوع، ولا أصدر أي توصيات ولو بلفت النظر. في حين إن صحفي بينتقد وزير التعليم على صفحته بيتعاقب وبيتوقع عليه غرامة، وكمان بيتشتم في بيان رسمي!
– لائحة العقوبات بتعاقب على نشر “ما يؤذي مشاعر الجمهور أو يشكك في الذمم المالية لأي شخص” يعنى لو جرنال سأل عن الذمة المالية لكبار المسؤولين (اللي القانون بيقول إنها لازم تعلن للشعب) وارد جداً يتعرض لغرامة قيمتها تصل لربع مليون جنيه.
– اللايحة بتدي كمان الحق للمجلس يمنع ظهور أي شخص يثير الجمهور أو يضر مصالح الدولة، ويجوز لفت نظر الوسيلة الإعلامية لو استضافت “شخصيات غير مؤهلة”. وبرضو مش بتقول مين هما المؤهلين وغير المؤهلين، مع إن لو في معيار مهني حقيقي فالنص ده المفروض يطبق على كمية غير عادية من اللواءات اللي خرجوا على المعاش وبيتكلمو بصفة “خبير إستراتيجي” عن السياسة وعن حروب الجيل الرابع والخامس والمؤامرات وكمية معلومات خاطئة في السياسة والاقتصاد غير عادية.
– شوفنا تطبيق اللايحة بشكل متعنت في مواقف كتير، زي تغريم صحيفة المصري اليوم 150 ألف جنيه في أبريل 2018، وإلزامها بالاعتذار عشان كتبت مانشيت عن حشد الدولة للناخبين في الانتخابات الرئاسية.
– وفي نفس الوقت، توقيع غرامة 50 ألف جنيه على موقع مصر العربية، عشان نشر تقرير مترجم من نيويورك تايمز عن الرشاوى الانتخابية. رغم إن الموقع “محجوب” ومتمش رفع الحجب عنه، ولا في أي توضيح رسمي عن أسباب الحجب!
– وفي شهر مارس صدر قرار بحجب موقع صحيفة المشهد لمدة 6 شهور مع غرامة 50 ألف جنيه، بحجة انهم نشروا تقرير فيه صورة إباحية. مجدي شندي رئيس تحرير المشهد أنكر حدوث ده، وقال إن السبب الحقيقي هو نشر موضوع عن الرشاوى بالمواد الغذائية اللي تم توزيعها في منطقة البساتين بالقاهرة، لتمرير التعديلات الدستورية، خصوصا أنه تلقى اتصالات تحذره من التقرير.
– من مارس 2017 لمارس 2019، المجلس أصدر 86 قرار عقابي على وسائل إعلام وعاملين في المجال الإعلامي، منهم 29 قرار إيقاف لبرامج أو مذيعين، و18 إحالة للتحقيق الإداري، و10غرامات مالية، و7 إنذارات و14 لفت نظر، و4 قرارات منع من الظهور، وإحالة واحدة بس للتحقيق القضائي، حسب تقرير المرصد المصري للصحافة والإعلام.
*****
ده نتايجه إيه على الصحافة والإعلام؟
– بشكل عام الصحافة والاعلام في مصر بقت أشبه بالمريض على أجهزة التنفس الصناعي، لإن حركته مشلولة ومقيدة تمامًا، ملكية الصحف ووسائل الإعلام إما للدولة بشكل مباشر زي الصحف القومية والتلفزيون الرسمي، أو مملوكة لجهاز المخابرات عن طريقة شركة “إعلام المصريين”، يا إما بملكية تانية لكن عليها قيود أمنية ومالية وقانونية، زي قلة الإعلانات وقلة المساحة المسموح العمل فيها أو الحجب أو الحبس.
– النتيجة إن:
١- صحفيين كتير بقت أوضاعهم الاقتصادية سيئة نتيجة عدم توافر فرص عمل.
٢- قلة المؤسسات الإعلامية وإغلاق بعضها.
٣- على مستوى المحتوى الكل شايف الوضع، قايمة كبيرة من المحظورات، وبقى صعب تلاقي فرق بين محتوى الصحف والقنوات سواء حكومية أو خاصة. لأن مفيش مساحة للتحقيقات الجادة ولا نقل صوت الناس بحرية.
– “كرم جبر” رئيس الهيئة الوطنية للصحافة نفسه، قال في تصريح انتشر ليه إنه مش قادر يلاقي فرق بين الجرايد وبعضها. طبعًا من غير ما يقول سبب ده إيه. لكن دي شهادة مهمة من شخص ضمن أدوات السيطرة والرقابة على الإعلام.
– التضييق على الصحافة مش بيأثر على الصحفيين لوحدهم، لكن على كل المواطنين اللي الصحافة بترصد مشاكلهم وتضغط لحلها. طول الوقت كانت الصحافة ملجأ للمواطنين: من أول اللي عنده مشاكل مع الحي، واللي بيبعت لبريد القراء، لحد مراقبة الأموال العامة وفضح أي محاولة لسرقتها، وبالطبع رصد الفساد السياسي واستغلال السلطة. ولسه من أيام فريق الموقف المصري نشر بوست عن دور الصحافة في كشف فساد محاكمات قضائية في البرازيل والأمثلة كتيرة في العالم عن أهمية حرية الصحافة والتعبير.
– وضع مصر في حرية الصحافة يعتبر الأسوأ تاريخيا، إحنا الدولة الـ161 من 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة، وتالت أعلى دولة في عدد الصحفيين المحبوسين، مفيش تشويه لسمعة مصر أكتر من وجودنا في المراكز دي.
– بنتمنى الرقابة والقيود والحجب ضد الإعلام تبقى قضية ليها اهتمام شعبي، ونقدر نغير الوضع ده في أسرع وقت. لإن الصحافة والإعلام هما الضامن الأقوى لمحاربة أي فساد ولمواجهة الشائعات. ولإن حرية الفكر والتعبير هي أساس لأي تنمية وبناء حقيقي للمجتمع.
*****