– من أيام حصل خلاف حكومي كبير بين رئيس مصلحة الضرائب، اللي قال إن المصلحة هتطلب تعديل القانون بما يسمح ليها بالاطلاع على بيانات حسابات البنوك، وبين محافظ البنك المركزي طارق عامر اللي رد فوراً بالرفض التام وقال ان ده متعارض مع قانون البنك المركزي واستقلالية القطاع المصرفي، بعدها رئيس المصلحة تراجع وقال الخبر صياغته غلط ومكنتش أقصد!

– في البوست دا هنحاول معاكم نفهم الموضوع ده اللي يهم أي مواطن عنده حساب بنكي.
*****

إيه القصة؟

– الفكرة مش جديدة، في اكتوبر 2016 اتقدم بعض نواب البرلمان باقتراحات أثناء مناقشة ضريبة القيمة المضافة، للسماح للضرائب بالاطلاع على حسابات البنوك عشان تقارنها بالاقرارات الضريبية اللي بتتقدملها.
– الكلام ده اختفى من وقتها لحد ما رجع تاني بتصريح رئيس مصلحة الضرائب اللي اتكلمنا عنه.
– جريدة المال نقلت عن مصادر حكومية أنه السبب هو أنه مصر هتوقع على اتفاقية دولية في الفترة الجاية خاصة بمكافحة التهرب الضريبي مع منظمة دول التعاون الاقتصادي والتنمية، لكن ده مش دقيق لإن الدول دي برضه عندها اجراءات لكشف السرية حسب الحالة.
*****

طيب ايه مشكلة الاجراء ده؟

– أهم خطر هوا ان ناس كتير فوراً هتخاف وتسحب فلوسها من البنوك وتشيلها “تحت البلاطة” أو تجمدها في أصول وتخفيها، وده ضد فكرة “الشمول المالي” اللي الدولة عاوزة توصلها بدخول المواطنين المنظومة البنكية، ولو وصلنا لانهيار لحجم الفلوس المتداول في قطاع البنوك، هنتعرض لآثار اقتصادية سيئة جداً.
– وثانياً الأولوية في النظام الضريبي الناجح انك تدي حافز للي برة شبكة دافعي الضرايب للدخول باجراءات زي اعفاءات بداية النشاط وغيرها مش تخوفه منها.
– وثالثا النظام الضريبي نفسه عندنا مش متطور وفيه تدخلات يدوية كتير، وبالتالي من الممكن التشهير ببعض الناس في أرصدتهم البنكية لو اتعرفت، أو يسهل خضوع البعض لابتزازات غير قانونية، وده ممكن يسبب مشاكل كبيرة في ثقة الناس في المنظومة البنكية.
وكمان ده هيكون له تأثير سلبي على الاستثمار الاجنبي، خاصة ان البلد فيها بالفعل ما يكفي من مخاطر الاستثمار.
*****

طيب موضوع سرية الحسابات ده عامل ازاي في العالم؟

– السائد في دول العالم هو الموازنة بين 3 عناصر: الأسباب الأمنية لمكافحة تمويل الارهاب والجريمة، ومكافحة التهرب الضريبي، وحق المواطن في السرية وثقته في المنظومة البنكية.

وده بيتحقق غالبا بفصل المجالات دي عن بعض، الاجراءات الأمنية بتتولاها البنوك المركزية مثلا أي تحويل كبير تطلب توضيحات وفي حال الشك تبلغ جهات أمنية .. لكن الضرايب بتخضع لترتيبات تخص الطلب المُسبب لكل حالة.
ولكل دولة ظروفها المختلفة.
– مثلا في أمريكا عندهم قانون من السبعينات يلزم بسرية الحسابات، لكنه يتيح للسلطات الضريبية أنها تطلب بيانات حسابات أشخاص قيد التحقيق، وكمان يسمح بكشف السرية بقضايا تتعلق بغسيل الأموال وتجارة المخدرات بالذات، لكن دا بعد ما يكون في قرائن للشك في تورط الشخص.
– لكن مؤخراً أمريكا بدأت تطبق عالمياً قانون “الامتثال الضريبي – فاتيكا” لأن عندها نموذج فريد ان الضرايب على الجنسية مش بمكان النشاط، يعني مجرد انك مواطن أمريكي حتى لو شركتك بره وارباحك بره هتدفع لو ضريبة بلد النشاط أقل من أمريكا، وبموجب ده طلبت من كل بنوك العالم عمل مشاركة لبيانات الأمريكيين وإلا هتفرض عقوبات عليها.
– انجلترا بتستند لحكم قضائي من المحكمة العليا (قضية توينر ضد بنك الاتحاد الوطني) سنة 1924، قضت أن الالتزام بالسرية المصرفية التزام قانوني نتيجة للعقد بين البنك والعميل، مش مجرد التزام أخلاقي أو أدبي، واي خلل في الالتزام ده يدي للعميل الحق في طلب تعويض.
والحكم ده حدد حالات قليلة للكشف عن سرية الحسابات زي موافقة العميل، أو وجود شبهة جنائية، أو التهرب من الضرايب وبالتالي يتم الكشف عن الحساب بناء على طلب مصلحة الضرائب.

– في المقابل سويسرا ليها وضع مختلف تماماً، لأن مبدأ سرية الحسابات مقدس، وكمان بيعملوا انظمة معقدة زي الكود الرقمي مكان اسماء العملاء وغيرها، وبالتالي سويسرا صناعتها القومية هي “سرية البنوك” وبقت واحدة من أهم مصادر دخلها القومي .. لكن ده في المقابل تلقى انتقادات كتير انها بقت ملجأ لأموال الفساد، وعشان كده بدأوا يغيروا الوضع شوية، وشفنا ازاي بناء على طلب قضائي مصري قرروا تجميد اموال لشخصيات من نظام مبارك وأعلنوا حجمها، ومؤخراً سويسرا من 2017 بدأت تطبيق “المساعدة الإدارية المتبادلة في المسائل الضريبية” اللي هتخليها تشارك قدر من البيانات مع الدول الموقعة لمكافحة التهرب.
*****

ازاي ممكن نوازن بين مكافحة التهرب وبين سرية الحسابات؟

– من الناحية القانونية نعتقد ان دولة بظروف مصر مش محتاجة أكتر من الوضع الحالي .. القانون عندنا بينص على السرية التامة للحسابات، إلا بأسباب قانونية زي طلب النيابة من قاضي استئناف “اذا اقتضى ذلك كشف الحقيقة في جناية او جنحة قامت الدلائل الجدية على وقوعها”، أو حكم محكمة، أو بعد صدور قرار بالحجز على الأموال.
– القانون الحالي بيتيح كمان للرقابة الإدارية الحق في معرفة أرصدة وتعاملات الأشخاص اللي بيعملوا تحقيقات عنهم (موظفي الدولة)، للمساعدة في كشف الفساد، وده قد يكون مفهوم بالنسبة لموظفي الدولة لأنهم بيقدموا خدمة عامة.
– كمان الجوانب الأمنية محطوطة بالفعل تحت رقابة دقيقة جداً من البنك المركزي المصري، أي ايداع نقدي كبير مريب، أي تحويل داخل أو خارج مصر بالذات لو بالعملة الأجنبية بيتم رصده، وبيتطلب من صاحبه تقديم توضيحات، وبتتدخل الأجهزة الأمنية لو استدعى الأمر.

– محدش ممكن يعترض على زيادة الحصيلة الضريبية عبر مكافحة التهرب خاصة في المهن الحرة اللي فيها معدلات تهرب عالية لصعوبة إثبات دخلها الحقيقي، في الموازنة الأخيرة متوقع أنه ضرائب المهن الحرة توصل ل 2.6 مليار جنيه وهي نسبة قليلة جدا، ولا تتناسب مع عدد ونشاط المهن الحرة في مصر.
– لكن الحل مش بيكون بكشف سرية الحسابات بكل مخاطره الكبيرة .. على المدى القصير فيه حلول بدأت فعلا مصلحة الضرائب في تطبيقها زي مثلا تغيير معاييير إختيار العينة العشوائية للفحص الضريبي، والعينة العشوائية دي هي عينة بتختارها المصلحة وتخضع للتحقق من مطابقة اقراراتهم الضريبية لأنشطتهم الواقعية، ولو فيه ما يريب بيتم سلوك المسار القانوني لكشف السرية وغيرها من الاجراءات، وده لو اتطبق باحترافية بجد هيساعد في خفض التهرب.
– بشكل عام الحصيلة الضريبية فى مصر قليلة جدا، 14 % بس من الناتج المحلي، من أهم ملاحظات صندوق النقد علي الاقتصاد المصري أنه نظامه الضريبي غير كفؤ، وده بيتطلب اجراءات كتير طويلة المدى.
– عندنا جوانب قانونية تخص “العدالة الضريبية” زي ما اتكلمنا سابقا عن ضرائب أرباح البورصة المعطلة، وعندنا جوانب تقنية زي ان الحكومة توسع جداً نطاق التعاملات البنكية للمواطنين عبر اجراءات كتير، ولاحقاً ده هيتيح حساب دقيق لضرايب الأنشطة الحرة.
– وعندنا جوانب سياسية مهمة جداً، لأن جانب رئيسي من الأزمة ان المواطن معندوش ثقة في ان ضرايبة بتتصرف لمصلحته فمش حاسس انه بيشوفها في تعليم وصحة وغيرها من الخدمات .. وكمان معندوش ثقة في كفاءة أجهزة الدولة وعدالتها فهيخاف يتصادر من حسابه البنكي ضرايب أكتر من المستحق.
– وبنكرر التأكيد على أهمية وجود نقاش مجتمعي حقيقي، ومجالس محلية وبرلمانية منتخبة بنزاهة، لان أي قوانين بتمس حياة الناس ضروري يحصل مشاركة شعبية فيها مش اتنين مسؤولين كبار يردو على بعض بمعزل عن الناس.
*****




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *