– من أول الشهر الحالي، سعر الصحف القومية الورقية زاد جنيه لكل صحيفة، حسب قرار الهيئة الوطنية للصحافة بغرض تقليل الخسائر بعد زيادة تكاليف الطباعة.

– في البوست هنتكلم عن حجم خسائر المؤسسات الصحفية القومية وأسبابها، ومشاكل خطة الهيئة الوطنية لحل الأزمة.

*****

خسائر الصحف القومية أد إيه؟

١- من حيث تكلفة الإصدارات: الهيئة الوطنية للصحافة بتقول إن تكلفة طباعة الصحيفة اليومية 8 جنيه، والأسبوعية 12 جنيه. وعشان كده سمحت بزيادة جنيه على السعر الحالي، فتبقى الصحف بتتباع بسعر 3 جنيه.
الأسباب هي ارتفاع أسعار الورق والحبر بنسبة 100%، وارتفاع وكهربا تشغيل المطابع، وبنزين السيارات اللي بتقوم بتوزيع الجرايد.

٢- من حيث أرقام التوزيع: وفق كرم جبر رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، فتوزيع كل الصحف المصرية لا يتجاوز 300 ألف نسخة يوميا. مقارنة بـ 2011، كان بيتباع 2 مليون نسخة تقريبا يومياً، أو سنة 2000 لما كان توزيع الصحف المصرية 3.5 مليون نسخة. بينما كل الإصدارات الصحفية (صحف يومية وأسبوعية ومجلات) وزعت خلال 2018، 930 ألف نسخة. 90% انخفاض في نسب التوزيع مقارنة بالوضع في 2010، حسب كلام ضياء رشوان نقيب الصحفيين.

٣- من حيث الديون المتراكمة: عندنا 8 مؤسسات قومية، بيصدروا 52 مطبوع، وبخلاف الخسائر بسبب تكلفة الطباعة وأرقام التوزيع، فجزء من المشكلة هي الديون المتراكمة من سنين، واللي بتوصل مجتمعة لـ19 مليار جنيه لوزارة المالية، حسب تصريحات أسامة هيكل رئيس لجنة الإعلام في البرلمان.

*****

ليه كل الصحف وخاصة القومية بتخسر؟

– أغلب الصحف القومية عندها أصول مالية كبيرة، ومطابع وأراضي غير مستغلة في أماكن مميزة، وشركات دعاية وإعلان. لكن إدارة غير المتخصصين ليها خلاها توصل للوضع ده.
– كمان تفتت الإعلانات على عدد كبير من الإصدارات، وتوزيعها بين الإنترنت والتلفزيون والصحف خلى العائد أقل.

– لكن أقوى الأسباب اللي خلت الصحف كلها تخسر وتحديدا القومية، هو بالتأكيد إن مفيش محتوى بيتقدم. الصحف القومية معروفة من زمان إن مساحة النقد فيها قليلة جداً، وبالتالي هي أقرب لنشرة دعاية للحكومة طول الوقت، حتى التغطية الخبرية فيها منقوصة ومتأخرة وبتخضع لرقابة ومصداقيتها أقل. ومع وفرة الإنترنت والسوشيال ميديا، ومعرفة الأخبار في لحظتها طبيعي الناس تتجاهل شراء الجرائد.

– فيه فنون صحفية للمحتوى الورقي تخليه يتميز، زي: ١- مقالات الرأي المميزة لكتاب ومثقفين كبار. ٢- التحقيقات الاستقصائية اللي ممكن تاخد شهور وسنين لكشف مواضيع تهم المجتمع أو قضايا فساد. ٣- التحليل المتعمق للأخبار بزوايا جديدة. 4- انفرادات خبرية حصرية خارج التغطيات الخبرية المعتادة اللي أكيد الانترنت أسرع فيها.
دي كلها موضوعات فيها تراجع بسبب الوضع الحالي اللي خلى كل الجرايد نسخة واحدة شبه بعض. وبالتالي بنشوف كتير نفس الأخبار بنفس العناوين لنفس التغطية.

– الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز بيقول إن عدم وجود دراسة جدوى عند الصحف مخليها تخسر، وإن الاستثمار في المجال الإعلامي مش بيحكمه عوامل استثمارية، بل معظم الوسائل الإعلامية بتشتغل كأداة دعاية، سواء للدولة أو رجال أعمال بيحاولوا يفرضوا وجودهم في المجال السياسي.

– المؤسسات القومية كمان فيها تضخم غير عادي في العمالة غير مفيدة أو مستغلة. جزء من عدد العاملين الكبير فيها كان بسبب تحولها لترضيات مجتمعية قبل الثورة. وجزء من أهمية الترضيات دي للنظام هي ضمان السيطرة على نقابة الصحفيين عن طريق المؤسسات القومية دي، اللي بينتمي ليها آلاف الصحفيين والعمال اللي معاهم “كارنيه النقابة”.

*****
إيه خطة التطوير اللي مفترض تتنفذ؟
– كرم جبر بيقول إن زيادة السعر جنيه مش هو اللي هيحل المشكلة، وإن بعد رفع أسعار الصحف أصبح الوضع مرهون بوضع خطة لتطوير المحتوى.

– فيه لجنة عمل مشتركة بين الهيئة ومجلس الوزراء، كان رئيس الوزراء السابق شريف اسماعيل شكلها من سنة، ومستمرة في عملها لدلوقتي. وحسب كلام رئيس الهيئة، فالمفروض فيه خطة للتطوير تستمر 3 سنين، المرحلة الأولى فيها هي تقليص الخسائر، والحصول على دعم حكومي أقل.

– وفعلا الحكومة خفضت الدعم اللي كانت بتدفعه للصحف القومية لتلت اللي كان بيتدفع قبل كده. صحيفة الأهالي بتقول إن الدعم للهيئة الوطنية للصحافة كان بيوصل لمليار و200 مليون جنيه. لكن خلال أول 6 شهور من 2019 وصل 260 مليون جنيه بس.

– كمان فيه حصر لأصول المؤسسات الصحفية، وسعي لجدولة الديون عليهم. والهيئة الاستشارية التابعة للهيئة الوطنية للصحافة بتناقش عمل مشاريع مشتركة بين المؤسسات القومية. كمان الهيئة بتعمل بروتوكول مع وزارة الاتصالات عشان تدخل الشبكة القومية للمعلومات، عشان يعرضوا أرشيفهم، وتكون خدمة مدفوعة الأجر.

*****

هل الحلول دي كفاية؟

– بالتأكيد أي جهود لتقليل خساير المؤسسات دي هيكون أمر إيجابي، رغم إن لسه مفيش تفاصيل كتير عن الخطوات التنفيذية اللي هتتعمل. لكن بغض النظر عن خطة التطوير فهي للأسف مبتعالجش المشكلة الرئيسية، وهي إن المؤسسات ده مبتقدمش فعلاً أي شيء يذكر صحفياً وإعلامياً يخلي ليها مبيعات وقراء.

– بشكل عام فالصحافة الورقية حول العالم بتنتهي لصالح الصحافة الإلكترونية والسوشيال ميديا اللي إيقاع الأخبار فيها أسرع وغير مكلف، وفي بلدنا أهميتها تزيد لأن سقف الحرية فيها، رغم التضييق، لازال أفضل بكتير.

– وعشان كده كتير من صحف العالم دلوقتي بتتجه لإغلاق الإصدارات المطبوعة أو تخفيض حجمها، والاعتماد على المواقع الإلكترونية، وتقديم محتوى خاص أو شكل مختلف: تحليل معلوماتي، أو عرض جرافيك أو انفوجراف للأرقام، أو معتمد على الفيديوهات التوضيحية، أو مواكبة لحظية للإخبار. بحيث المواقع تتميز عن بعضها، وبالتالي يقدر يخطط خلال وقت قصير في جعل الوصول لمحتواه باشتراكات.

– لكن للأسف فإدارات الصحف القومية لما قررت ترشد النفقات، كان من قراراتهم وقف 20 موقع إلكتروني لإصدارات زي: السياسة الدولية، أخبار الأدب، مجلة الديمقراطية، الأهرام العربي، الأهرام الاقتصادي، الأهرام ويكلي، وغيرها. وبدون حتى ما ينشروا إنهم هيعملوا خطوة زي دي!!

– بعد ثورة يناير، ورغم وجود سوشيال ميديا وصحافة إلكترونية، إلا إن صناعة الإعلام كان فيها طفرة، من حيث زيادة أعداد القنوات وبرامج التوك شو، وزيادة الصحف ومبيعاتها وتوزيعها. كان فيه إقبال على السياسة ومناخ من حرية الفكر والتعبير والتعددية اللي خلت الناس تصدق وتتابع، لكن بعد ما بقت الصحافة كلها شيء واحد، التراجع استمر، لحد ما بقت حتى الصحف اللي بتقدم محتوى مختلف نسبيا، بقت بتقل أو بتوقف إصداراتها أو بتتحجب.

– التلقين والنقل من سكريبت واحد بيتبعت من خلال “جهاز السامسونج”، عمره ما هيخلي الناس مهتمة أو مصدقة الصحافة أو برامج التوك شو اللي متسيطر فيها على المحتوى والمقدمين والضيوف.

– المؤسسات القومية تحديداً محتاجة إعادة هيكلة، وربما إغلاق لكتير من الإصدارات بشكل نهائي لأن استمرار طباعتها بالوضع الحالي يمثل إهدار للمال العام. عدد العاملين بالمؤسسات القومية الـ8 يوصل لـ80 ألف عامل، وده رقم كبير جدا. والأفضل إن يتم تسويات لتخفيض العمالة بهذه المؤسسات، بطريقة قانونية تحترم حقوق العمال وتديهم تعويضات ومعاشات مناسبة، أفضل كتير من خطط زيادة أسعار مطبوعات مبتتباعش ولا في احتمالية إن يحصل طفرة في محتواها.
– الدعم اللي بتتلقاه الصحف القومية، ومخليها تستمر، مش جي غير من أموال الشعب ودافعي الضرائب، وعشان كده لما يكون المواطن فوق الخساير اللي بتحققها المؤسسات دي، مش بيحصل خدمة صحفية محترمة، يبقى الأمر محتاج رقابة ومحاسبة أكتر من كده.
– كل ده وإحنا متكلمناش عن وسائل الإعلام المملوكة لجهاز المخابرات العامة، تحديدا مجموعة اعلام المصريين المهمينة على أغلب الإعلام الخاص، وده برضه مال عام محدش يعرف أي حاجة عنه، أو عن من يتحمل خسائره أو يحصد كاسبه.
– مهنة الصحافة في مصر محتاجة إنقاذ عشان المجتمع يستفاد منها بجد، وده مش هيحصل غير بالحرية، ومنع حبس الصحفيين ورفع السيطرة الأمنية اللي قتلت صناعة الإعلام.
*****

 




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة