– من يومين افتتح الرئيس 1300 صوبة زراعية جديدة في قاعدة محمد نجيب العسكرية بالساحل الشمالي، كمرحلة تانية ضمن مشروع “المليون فدان”. وخلال الافتتاح ألقى الرئيس كلمة عن مشروعات الجيش والسوق والفساد.

– الكلمة دي مهم نقف عندها عشان نفهم إزاي الرئيس واللي حواليه بيديروا اقتصاد البلد، وإزاي طريقة التفكير دي ده ممكن تنتج مشاكل كبيرة على المدى الطويل.
******

“أنت بتقبض كام يا سيادة اللواء؟”.. “الفاسد ملهوش مكان بينا”

– بشكل كان صادم لحد كبير، سأل الرئيس وسط كلمته اللواء محمد عبد الحي رئيس الشركة الوطنية للزراعات المحمية، أحد الشركات التابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية (الجيش)، وقاله: أنت بتقبض كام؟

– اللواء محمد رد بأن راتبه 14,200 جنيه. فكمل الرئيس كلامه بإن “أنتوا عارفين محمد عبد الحي مش لو غمض عينيه، غمض شعراية من جفن عينيه في مشروع زي كده، يعمله كل يوم 10-12 مليون جنيه”، وبعدها قصة ان اللواء محمد بيته بعيد عن المشروع ولما الرئيس قاله خد بيت قريب عشان يوفر كلفة الانتقال قاله أنا لا أملك إلا شقتي دي.

– الحقيقة إن دي طريقة عاطفية وملهاش أي منطق في إدارة الدول، اللواء محمد عبد الحي ممكن يكون فعلًا إنسان نزيه وبعيد عن أي فساد، لكن ده مش معناه إن كل أفراد الجيش بالضرورة زيه، وكلنا سمعنا قصص الفساد اللي تم إعلانها عن أفراد ينتموا للجيش، زي لواءات تولوا رئاسة أحياء بعد المعاش واتقبض عليهم برشاوى، وزي الكلام اللي ظهر في الإعلام أيام القبض علي الفريق سامي عنان رئيس الأركان السابق، أو ضد أحمد شفيق لما فكر يترشح للرئاسة، وبعدها الكلام ده كله اختفى ومحدش من الإعلاميين اللي قالوه اتحاسب كان كذب.

– كل القصص دي بتقول إن الجيش بيحصل فيه فساد، زيه زي كل المؤسسات تقريبا. بس الفرق إننا
١- عمرنا ما بيكون عندنا القصة الكاملة فيما يتعلق بفساد أشخاص من الجيش.
٢- معندناش آليات رقابة فعالة على الفلوس والمشاريع اللي الجيش بيتولاها واللي هي مشاريع بالمليارات. ٣- في أحيان كتير مبنعرفش تسريبات قصص الفساد أخرها بيكون إيه، والمتهمين فيها اتعاقبوا إزاي.

– وهنا يجي أهم سؤال لازم نفضل نطرحه طول ما همنا مصلحة البلد: إزاي المواطن المصري البسيط صاحب الحق في المال العام واللي بيدفع ضرايب ورسوم، يمارس حقه في إنه يراقب كل المسؤولين بما فيهم قادة الجيش؟ هل عندنا برلمان منتخب بنزاهة؟ هل عندنا محليات منتخبة بنزاهة وصلاحيات كافية؟ هل عندنا قضاء مستقل خارج السلطة التنفيذية؟ هل عندنا أجهزة رقابية لا يملك الرئيس تعيين وعزل رؤسائها؟
دي الطرق اللي بتتم في العالم مش الكلام العاطفي الفردي.
– وخلينا نفتكر كويس إن الرئيس المخلوع مبارك، واللي هوا كان قائد الطيران بحرب أكتوبر، كان بيقول إنه بيحارب الفساد وإن الكفن ملهوش جيوب، وتم إثبات فساده وسرقته بأحكام نهائية بقضية القصور الرئاسية، فالكلام العاطفي والشعارات مفيش أسهل منها.

– زاوية تانية مهمة: عن الذمة المالية للمسؤولين
بما إن الرئيس أتكلم عن الدخل اللي بيجي للواءات: ليه الرئيس مبدأش بنفسه وطبق القانون والدستور بنشر ذمته المالية؟ وليه احنا منعرفش حاجة عن مرتبه هوا وثروته هوا رغم اننا ممكن نعرف المعلومات دي بسهولة عن رؤساء كتير في الدول الديمقراطية زي ما شرحنا سابقا؟
– وحتى ما يخص اللواء محمد، واللي الرئيس قال بعدها انكو بتسمعو كلام مش مظبوط قصده عن ضخامة مميزات قادة الجيش، الحقيقة ان بافتراض ده اجمالي دخل اللواء محمد النقدي فعلا، فهو يظل له مزايا من مؤسسته زي دعم وتقسيط شراء الشقق والسيارات، واشتراكات النوادي، والهدايات العينية في الاحتفالات والمناسبات، وغيرها من امتيازات مش بيحصل عليها أغلبية العاملين بالدولة بمختلف الجهات.

– وده ياخدنا إلى أنه لو اتطبق عندنا فعلا قانون الحد الاقصى والأدنى بالكامل، وده يشمل كامل الدخل مش الأجر الأساسي فقط، هيبقى عندنا شفافية تمنع الشائعات، وبدل ما كان الرئيس يسأل اللواء عبد الحي عن مرتبه، كنا هنبقى عارفين بمنشور يشبه اللي بيتنشر عن رواتب الموظفين المدنيين حسب الدرجة الوظيفية.
– جانب تاني إننا كنا السنة اللي فاتت غطينا صدور قانون معاملة كبار ضباط الجيش اللي نشرناه، وتضمن انهم يعاملوا معاملة درجة “وزير”، وده معناه الحد الأقصى للأجور 42 ألف جنيه، وطبعا منعرفش اللواء عبدالحي منهم أم لا لإن القانون ده محددش درجة معينة قال ان الرئيس بس هوا اللي بيدرج مين ينطبق عليه القانون ومي لا!
– نقطة مهمة كمان هنا، وهي “الكفاءة”. إذا كان فعلًا المشروع ده يستحق مديره مرتب 100 ألف جنيه مثلًا زي ما قال الرئيس بشرط إنه يكون عنده كفاءات وخبرات معينة، نضمن منين ده لما يكون التركيز ان ده شخص كل مواصفاته إنه مخلص ومش فاسد؟
يعني وارد يكون اللواء محمد قمة الكفاءة، ووارد لا، وعشان كده تاني الكلام عن سياسات: إيه معيار الاختيار؟ ليه متنشرش مثلا إعلان مسابقة للادارة جايز يتقدم حد أكفأ مثلا مهندس زراعي أو دكتور بكلية زراعة عندهم خبرة، أو إداري سبق له إدارة شركة زراعية ناجحة؟

*******

” أنت لسّه هتدرس؟”

– اتكلم الرئيس على نقل سوق الحضرة لاستكمال محور المحمودية، وسأل عن معاد افتتاح السوق الجديد، فرد عليه محافظ اسكندرية: إحنا خلصنا التصميمات، فممكن أدرس وأرد على سيادتك. فكان رد الرئيس: أدرس إيه؟ هو أنت لسه هتدرس؟
– دي مش أول مرة يتكلم فيها الرئيس عن دراسة جدوى المشروعات اللي بتعملها الدولة بشيء من الاستخفاف. وده مؤشر خطير عن طريقة تفكير الإدارة السياسية والاقتصادية حاليا. مينفعش نتعامل بالمنطق ده مع مشاريع بتتكلف مليارات.

– كتبنا قبل كده عن مشروع قناة السويس الجديدة، واللي لسه لم يحقق المرجو منه بسبب ضعف دراسات الجدوى، وعدم اعتمادها على التوقعات بالتجارة العالمية والتغيرات الكبيرة اللي بتحصل في النقل والشحن الدولي. ونتج عن ده إننا صرفنا 8 مليار دولار علي المشروع بدون أي زيادات تذكر في العوائد من القناة. والعاصمة الإدارية الجديدة ومشاريع تانية كثير، كلها بمليارات، وفي منها اللي كان ممكن يتأجل، أو يتعمل على وقت أطول فياخد تكاليف أقل والفرق يروح لاجراءات عاجلة أكتر.
وشفنا التمن في بحث الدخل والانفاق الي فيه تم الكشف رسميا عن نزول ملايين المصريين تحت خط الفقر.

– المحافظ قال هيدرس، وده الطبيعي، لأنه بيتكلم عن نقل سوق عايش عليه آلاف المواطنين والتجار الصغار، وبالتالي قرار نقلهم لمكان تاني بيحتاج فعلًا دراسة وآلية تنفيذ.

– وجود دراسة علمية متخصصة لأي مشروع، ووجود آلية تنفيذ فعالة قبل البدء، وموازنة التكاليف والمكاسب والأولويات، دي حاجة بديهية، وعشان كده صعب يكون رأس النظام شايف ومقتنع إن “أنت لسه هتدرس؟” أو “سنة واحدة كفاية لمشروع قناة السويس” أو “ليه سنتين للقضاء على فيروس C كفايه سنة” أو “الهيئة الهندسية قالت أخلص في 5 سنين وأنا ميعادي معاهم سنة واحدة”.
*******

الجيش والقطاع الخاص

– الرئيس اتكلم عن دور الجيش والقطاع الخاص في السوق، وان الجيش بيدخل عشان يعمل توازن والأسعار تنخفض للناس، وإن مش هدفه المنتجين الصغار يطلعوا من السوق.

– والحقيقة كلام الرئيس بعيد كل البعد عن الواقع. كتبنا قبل كده عن إن استحالة المنتجين الصغار أو حتى الكبار، يقدروا على منافسة الجيش في السوق لمزايا واضحة:
1- مشاريع الجيش مبتدفعش ضرائب
2- ما يستورده الجيش مبيدفعش جمارك
3- المستورد العادي يحصل على الدولار بقيود كبيرة وبالسعر الجمركي، الجيش وضعه مختلف.
4- كتير من مشاريع الجيش يعمل بها العساكر يعني عمالة أرخص بكتير جدا.
5- الأرض يخصل عليها مجانا بالتخصيص المباشر.

– ولسه كاتبين قريب عن أزمة صناعة الأسمنت اللي بتعاني بعد فتح الجيش مصنع العريش، واللي فيها مصانع كبيرة قفلت بسبب زيادة المعروض من السلع دون تخطيط مسبق.

– على سبيل المثال بالتأكيد كويس ان الناس تلاقي خضار أو لحوم بأسعار أرخص، لكن الرخص ده سببه المزايا دي مش كفاءة، لو القطاع الخاص أخد نفس المزايا هيوفر بأسعار أقل!
لو العلف هيتم استيراده أرخص للفلاحين هيبيعوا أرخص . والنتيجة إن كتير من صغار المنتجين (زي ملايين الفلاحين بمجالات الزراعة أو تسمين الحيوانات) بقو بيعانو.
– ولو تجاوزنا الكلام عن الانتاج هنلاقي نفس الكلام في التوزيع!
ليه بنشوف أكشاك ومنافذ بيع صغيرة ومتنقلة تتبع الجيش أو الشرطة مباشرة بمناطق حيوية لا تعاني نقص توزيع؟ النتيجة إن أصحاب الاكشاك والمحال الصغيرة، هما كمان بينضروا وبعضهم بيقفل خالص، ودول مينفعش نقول عليهم جشع تجار.
– فوق كل ده سؤال مهم هيفضل يسأله أي حريص على البلد بردو: هل ده دور الجيش؟ هل دور الجيش أنه يستورد لحمة أو يزرع صوب زراعية؟ ليه مش وزارة التموين اللي بتستورد اللحمة دي؟ وليه مش وزارة الزراعة اللي بتعمل الصوب دي؟

*******

تعليقات عامة

– كلام الرئيس المتكرر عن الجيش بوصفة كيان كفء في إدارة المشاريع، في مقابل الكلام المبطن عن إن الحكومة والمحافظين والمسئولين المدنيين عموما غير أكفاء، كلام خطير. وبياخدنا للأسف لعقليات مؤمنة إننا دولة متعرفش تمشي من غير جيش يحكم ويتدخل في كل أمور حياتها.. وده كلام لا يصح، ومنطق تجاوزه العالم والزمن.

– الرئيس في الوقت اللي بيتكلم فيه عن محاربة الفساد، بيهدم بشكل ممنهج كل آليات محاربة الفساد. مش بس بحبس رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات هشام جنينة بعد إقالته وتكذيبه وحذف تقريره، لكن بسيطرة وشراء الدولة لأغلب القنوات الفضائية، والسيطرة على الصحافة وتوجيهها، وحجب المواقع.

– إدارة الدول بتحتاج الشفافية والرقابة والكفاءة. بتحتاج حرية وديمقراطية وعدالة. بتحتاج مؤسسات قانون، وصحافة حرة ومجتمع بيشارك. لما ده ميبقاش موجود فالإنجاز بيبقى طفرات مؤقتة ومحدودة، والفشل والفساد احتماليتهم بتفضل أكبر طول الوقت.

*******




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *