من أسبوعين، مجلس القضاء العدلي في تونس (مجلس تأديب قضائي) قرر تجميد عضوية كبير القضاة الطيب راشد، على خلفية شبهة تورطه في فساد قضائي، بعد أيام من قرار المجلس الأعلى للقضاء رفع الحصانة عنه، وتكليف النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بالتحقيق في التهم المنسوبة ليه.
راشد هو الرئيس الأول لمحكمة التعقيب (زي محكمة النقض عندنا)، ورئاسة الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين (تشبه المحكمة الدستورية في مصر).
خلال الأسابيع اللي فاتت، ظهرت اتهامات وتسريبات متبادلة بين الطيب راشد، ووكيل الجمهورية السابق بالمحكمة الابتدائية البشير العكرمي، وكل منهما اتهم الآخر بارتكاب مخالفات أثناء التحقيق في جرائم تتعلق بقضايا إرهابية وقضايا فساد مالي.
هنتابع في البوست ده
*****
ايه المخالفات اللي عملوها، وازاي اكتشفت؟
قبل أسابيع، المجلس الأعلى للقضاء في تونس أقال العكرمي قبل أشهر بسبب شبهات حول أداه في القضايا المتعلقة بالإرهاب.
لكن العكرمي اتهم الطيب راشد بالتورط في الفساد المالي وتلقي رشاوى من بعض السياسيين، والثراء غير المشروع، وقدم خطاب مدعم بالوثائق لوزارة العدل، يطالب برفع الحصانة عن راشد.
خلال الفترة دي، البعض تداول وثائق تبين تضخم كبير وغير مبرر في ثروة راشد، واتكلموا عن عن دوره في تكوين دائرة قضائية عملت أثناء العطلة الصيفية للقضاة بالمخالفة للقانون، وأصدرت أحكام بالبراءة (مشكوك في عدالتها) على متهمين في قضايا تهريب كبرى.نتج عن الأحكام دي خسائر للدولة بحوالي 6 مليار دينار تونسي.
– في المقابل، الطيب راشد اتهم العكرمي بالتلاعب في ملفات محاكمة المتهمين باغتيال السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وتعطيل النظر في الملف، وقال إنه لم يتعمد شهادة متهم اعترف بضلوعه في اغتيال الاتنين، وان الاختبارات الفنية ما تعملتش على جهازين كمبيوتر كانوا من ضمن الأحراز.
– اتهمه أيضا بتلفيق التهم لخصومه، والتستر على جرائم إرهابية من خلال إغلاق بعض الملفات.
*****
ازاي القضاء والبرلمان اتعاملوا مع الموضوع؟
– في البداية المجلس الأعلى للقضاء ماخدش موقف من تبادل الاتهامات ده، والبعض فسر صمت المجلس بإنه خوف من أن المجلس يصبح طرف في تصفية حسابات بين الرجلين.
– في المقابل، أعضاء في مجلس النواب فتحوا الموضوع للنقاش أكتر من مرة، وكشفوا عن تفاصيل تلقى بعض القضاة رشاوي من رجال أعمال، ووجهوا العديد من الأسئلة لممثلي المجلس الأعلى للقضاء، وتساءلوا عن مدى جديته في التحقيق في الوقائع المذكورة.
– ده ساهم في اعتراف المجلس الأعلى للقضاء بوجود قضاة فاسدين، بعد ما كان رافض أي حديث يتعلق بوجود “قضاء أسود” في تونس.
– أيضا الكتلة الديمقراطية قامت بتجريح (الطعن في نزاهة) الطيب راشد، ورفعت دعوى للمجلس الأعلى للقضاء طالبت بإيقافه عن مزاولة نشاطه في الهيئة لحين البت في الشبهات المنسوبة ليه.
– أيضا أصدرت أحزاب سياسية وبيانات تدعو لمساءلة القاضيين، خصوصا إن الأمر أصبح محور حديث الشارع التونسي كله، خصوصا إن راشد ظهر في حوار تلفزيوني هاجم فيه بعض خصومه وهاجم نواب في البرلمان، كمان العكرمي عمل حوار صحفي، وده أمر مش معتاد من قضاة بالحجم ده.
– بالتزامن مع ده، القضاة أضربوا عن العمل لعدة أسباب، من ضمنها المطالبة بالتحقيق في التسريبات دي، وده ساهم في دفع المجلس الأعلى للقضاء باتخاذ القرارات بحق القاضيين.
– جمعية القضاة اعتبرت أن مافيش مبرر لتأخر مجلس القضاء العدلي لمدة شهرين للبت في رفع الحصانة عن راشد.
– كمان جمعيات حقوقية على رأسها جمعية “أنا يقظ ” المعنية بمكافحة الفساد، طالبت برفع الحصانة عن القاضيين وطالبت التحقيق معهما، خصوصا إن اللي حصل ينال من سمعة القضاء ككل.
*****
– قرار بالتحقيق مع قاضي بهذا الحجم هو قرار مهم. لكن الأهم هو حرص البرلمان والرأي العام والجمعيات الحقوقية والقضاة أنفسهم على التحقيق وكشف الحقيقة.
– في المقابل بنشوف في مصر، البرلمان بيعمل قانون مخصوص عشان يسمح للرئيس بتعيين القضاة اللي يختارهم هو، على رأس الهيئات القضائية، بدل ما كان المجلس الأعلى للقضاء هو اللي بيختار القيادات القضائية. القانون ده استخدم في ابعاد المستشار يحي دكروري اللي حكم بمصرية جزر تيران وصنافير عن رئاسة المحكمة الإدارية العليا.
– رغم وجود اتهامات فساد في بعض المحاكم في تونس، لكن بالفعل تونس عندها هامش معتبر من استقلال القضاء، لدرجة إن لما المجلس الأعلى للقضاء نقل زوجة الرئيس التونسي القاضية إشراف شبيل لمدينة صفاقس البعيدة عن تونس العاصمة ب180 كيلو متر، ماحدش قدر يتدخل ويلغي القرار ده، ده لدرجة البعض بيقول ده نقل تعسفي بسبب خصومة سياسية ضد جوزها، وبرضه محدش قدر يلغي القرار.
– اللي يهمنا من الحديث عن الوقائع دي، إننا نشوف الوضع في دول مجاورة، وضعها فيها مش أحسن وضعنا بكتير، وعندها مشاكل كتير اقتصادية وسياسية، لكنها في طريقها للتحول الديموقراطي، وبتحاول يكون عندها قضاء مستقل.
*****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة