– كتبنا من يومين عن الاتفاق الجديد بين عبد الفتاح البرهان قائد الجيش السوداني، وبين رئيس الوزراء عبدالله حمدوك اللي رجع لمنصبه مرة تانية بحكم الاتفاق الجديد مع البرهان وحميدتي.

– حمدوك لما رجع قال إن الحفاظ على المكاسب الاقتصادية اللي تحققت خلال السنتين اللي فاتوا كان من بين الأسباب اللي دفعته للعودة إلى منصبه بموجب اتفاق مع الجيش بعد نحو شهر من عزله عقب سيطرة الجيش على مقاليد البلاد.

– عارض رفاق حمدوك من أحزاب سياسية بارزة وحركة الاحتجاج الرئيسية في السودان قراره بتوقيع الاتفاق مع الجيش، والبعض شايفه إنه “بيمنح الانقلاب غطاء سياسيا”.

– إيه تطورات الوضع في السودان من بعد الاتفاق الجديد؟ وإيه المتوقع في الأيام القادمة؟ ده اللي هنتكلم عنه في البوست الحالي

*****

إيه اللي بيحصل؟

– من وقت توقيع الاتفاق الجديد ده والسودان فيه حالة من “الترقب الحذر”، عندنا بشكل واضح تجمع المهنيين السودانيين وصف الاتفاق بالخيانة، واعتبروه شرعنة لـ الانقلاب العسكري اللي قام بيه عبد الفتاح البرهان، وإنه حمدوك بينتحر سياسيًا بالاتفاق، وإنه الشباب السوداني هو من سيحدد مستقبل السودان.
– وشاركهم في نفس الرأي حزبا المؤتمر والشيوعي وهيئة محامي دارفور وحركة جيش تحرير السودان، واللي اعتبروا الاتفاق بيحول دون قيام الدولة المدنية الديمقراطية.
– وبعد ما بدأ تنفيذ عمليات الإفراج عن المعتقلين السياسيين اللي تم اعتقالهم من يوم 25 أكتوبر بعد الانقلاب، واللي من ضمنهم سياسيين ووزراء وغيرهم، تقدم 12 وزير في حكومة عبد الله حمدوك من المحسوبين على تجمع المهنيين السودانيين وقوى الحرية والتغيير، بتقديم استقالتهم من الحكومة لرئيس الوزراء حمدوك، لاعتبار عودته شرعنة لعملية الانقلاب.
– وأوضحوا في بيان، إن الاستقالات قُدمت من مريم الصادق المهدي وزيرة الخارجية، ووزراء العدل والزراعة والري والاستثمار والطاقة والتعليم العالي والعمل والنقل والصحة والشباب والرياضة، والشؤون الدينية.
– أما بقية الوزراء الخمسة المحسوبين على ائتلاف قوى الحرية والتغيير، وهم وزيري الإعلام والاتصالات، لم يتمكنوا من حضور الاجتماع التشاوري للوزراء اللي قدموا استقالاتهم، بالإضافة لوجود وزيرين وهما خالد عمر يوسف وزير شؤون مجلس الوزراء، وإبراهيم الشيخ وزير الصناعة، لا يزالوا رهن الاعتقال، وبالتالي لم يتمكنوا من إبداء رأيهم.
– وفي مدن سودانية عديدة، خرجت تظاهرات رافضة للاتفاق وطلبوا إنهاء الشراكة مع العسكر والحكم المدني الكامل، وإجراء تحقيق ومساءلة المسؤولين عن مقتل 41 شخصا خلال الاحتجاجات من 25 أكتوبر
*****
– في المقابل ظهر عبدالله حمدوك في أول لقاء صحفي له بعد عودته، وأكد إنه ما حدث يوم 25 أكتوبر هو عملية استيلاء من الجيش على السلطة بشكل غير دستوري، ولا يمكن تعريفه إلا بكونه انقلاب عسكري، لكنه رجع على أمل إعادة مسار التحول الديمقراطي مرة تانية، وإنه السودان متدخلش في العزلة الدولية والتراجع عن رفع الديون، وإنه يأمل في الوصول لتوافق يحقق التحول الديمقراطي ويمنع تكرار الانقلاب مرة تانية، وإنه ده أفضل شيء ممكن في الظروف الراهنة، واللي ممكن تسوء لو مكانش عمل الاتفاق الحالي.
– حمدوك قال صراحة “من ضمن أسباب عودتي هي المحافظة على المكاسب الاقتصادية والانفتاح الاقتصادي على العالم”.
– حمدوك اتكلم برضه عن لحظات الانقلاب، وإنه دخل بيته مجموعة كبيرة من القادة العسكريين الساعة 3 الفجر، وبلغوه إنه هيتم تغيير الوثيقة الدستورية والحكومة، مع تطمينه بإنه سيظل رئيس للحكومة ولكن تحت الإقامة الجبرية، وبعدها بساعات تم إبلاغه بإنه هيتم التحفظ عليه في مكان آخر ونقلوه بالفعل لمنزل آخر بعيد عن منزله.
– اتكلم كمان حمدوك عن ظروف حبسه، وقال رغم إني كنت محبوس في منزل، ولكن الحبس ولو لمدة ساعة ولو كان في قصر مش زنزانة هو نفس الشعور، حريتك مسلوبة وحقك في الحركة والاتصال ممنوع ومؤلم، لكن في النهاية تضحيتي بحريتي لفترة قليلة لا يقارن بتضحيات الشعب السوداني بالدماء من أجل الحرية.
– حمدوك اتكلم عن ائتلاف الحرية والتغيير، وطلب منهم التركيز في الاتصال بالمواطنين والبحث عن ما بعد الفترة الانتقالية، وإنه الشرعية الحقيقية هتكتسب من الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وهي الأهم بكثير من السلطة المؤقتة في الفترة الانتقالية اللي فاضل عليها سنة ونص، واللي شرعيتها غير دائمة ولا مستقرة.
– ​​ وجهة نظر حمدوك إن حكومة التكنوقراط يمكن أن تساعد في تحسين الاقتصاد السوداني اللي بيعانى من أزمة طويلة شهدت واحدا من أعلى معدلات التضخم في العالم بجانب نقص في السلع الأساسية.
– مع استمرار ترقب حذر لمسار الأيام القادمة، واللي فيها أسئلة عن صلاحيات حمدوك، ومصير الوثيقة الدستورية بعد التعديل الجديد اللي تم إقراره في اتفاق حمدوك مع البرهان، وعن شكل الحكومة الجديدة اللي المفروض إنها حكومة تكنوقراط، وعن تجمع المهنيين وائتلاف الحرية والتغيير ومشاركتهم في العمل السياسي بعد الاتفاق الجديد.
– حمدوك أكد احترامه للمختلفين مع الاتفاق والغاضبين منه ولا سيما الشباب، لكن الدافع الرئيسي بالنسبة له في الاتفاق هو حفظ الدماء ووقف الانتهاكات ضد المواطنين، والتوافق والتفاوض هيحفظ الدماء وهيعيد مرة تانية مسار الانتخابات والتحول الديمقراطي.
– وركز حمدوك إنه هيهتم ببناء مفوضية الانتخابات والانتهاء من الدستور والفترة الانتقالية بأقل الخسائر.
– حمدوك ضمن جدوله قال أن حكومته قد تعمل أيضا على إتمام اتفاق سلام وُقع العام الماضي مع بعض الجماعات المتمردة لإنهاء سنوات من الصراع، وقال إن “الحفاظ على السلام وتنفيذ اتفاق جوبا وإكمال عملية السلام مع الأطراف التي لم توقع على اتفاق جوبا في أعلى جدول أعمال الحكومة الجديدة”
*****

إيه موقف المجتمع الدولي؟

– رحبت الولايات المتحدة ودول غربية بالاتفاق الجديد، وأعرب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين عن تفاؤل بعد الإعلان عن الاتفاق، لكنه حذر السلطات من استخدام “القوة المفرطة لقمع الاحتجاجات”.
– وكتب بلينكين “متشجع بالتقارير التي تفيد بأن المحادثات في الخرطوم ستؤدي إلى إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين، وعودة رئيس الوزراء حمدوك لمنصبه، ورفع حالة الطوارئ، واستئناف التنسيق”.
– وقال “أكرر أيضا دعوتنا لقوات الأمن بالامتناع عن استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين”، لكنه حذر في نفس الوقت إنه أمريكا مش هتقدم أي مساعدات للسودان إلا لما تشوف تقدم ملحوظ وحقيقي في عملية التحول الديمقراطي.
– وصف الاتحاد الأفريقي الاتفاق بأنه “خطوة مهمة نحو العودة لاحترام الدستور”، ودعا طرفي الاتفاق لتنفيذه بشكل كامل وفعال.
– كمان صدر بيان من الأمم المتحدة بيأكد على” الحاجة لحماية النظام الدستوري من أجل حماية حرية العمل السياسي، وحرية التعبير والتجمع السلمي”، وصدرت بيانات عديدة ترحيبية من الاتحاد الأوروبي وبريطانيا.
– وأشادت بيانات عربية بالاتفاق، مثلًا صدر بيان عن الخارجية المصرية بيشيد بـ”الحكمة والمسؤولية التي تحلت بها الأطراف السودانية في التوصل إلى توافق حول إنجاح الفترة الانتقالية بما يخدم مصالح السودان العليا”.
– كمان رحبت السعودية بما توصل إليه أطراف المرحلة الانتقالية، وأكدت وزارة الخارجية السعودية على ثبات واستمرار موقف المملكة الداعم لتحقيق السلام والأمن والاستقرار في السودان
*****

إيه المتوقع في الفترة القادمة؟

– الحقيقة التنبؤ بمصير الأيام القادمة في السودان صعب جدًا، لكن قد يكون من الواضح إنه كان أحد دوافع الجيش في إتمام الاتفاق مع حمدوك هو خلق انقسام واضح بين مكونات القوى المدنية، وده اللي حصل بالفعل وجعل حمدوك يبدو وكأنه ملوش أي أنصار أو ظهير شعبي أو سياسي يستند عليه إلا سمعته الدولية اللي دفعت أطراف دولية كتير إنها تدخل في التوسط والتفاوض للإفراج عنه.
– وهناك تخوفات مشروعة إنه بعد ما العجلة تمشي والأمور تستقر يتم التضحية بيه، في وقت هيكون الشارع غاضب منه بالأساس.
– لكن في نفس الوقت موقف السودان لا يزال مرهون بحدوث تقدم في الفترة الانتقالية، لأنه مفيش ترحيب أو دعم بموقف البرهان من أي جهة، وبالتالي استمرار شرعية الوضع الجديد متوقف على بقاء عبد الله حمدوك لفترة قد تطول أو تقصر.
– على الناحية التانية قوى الحرية والتغيير واقعة في مأزق، لأنه استمرار الاحتكام للشوارع من ناحية هيخلق صدام جديد وقوي مع الجيش يدفع الجيش فيها لاعتقالات جديدة، ومن ناحية تانية التراجع هيظهر باعتباره تنازل وضعف وقبول بالأمر الواقع، وده ممكن ميبقاش مقبول لقطاع من الشباب السوداني، رغم إنه هيكون في ترحيب بقطاعات تانية من الشعب السوداني بعودة الحياة وحقن الدماء وعدم دفع البلد للمجهول وانتظار إجراء الانتخابات، خاصة مع الانقسامات المستمرة لأحزاب ائتلاف الحرية والتغيير.
– لكن في كل الأحوال المحصلة من وقت الانقلاب، هو انقضاض الجيش السوداني على الوثيقة الدستورية اللي كانت بتلزمه بتسليم رئاسة المجلس السيادي للمدنيين في الشهر الحالي لحد نهاية الفترة الانتقالية، وأيًا كانت دوافع الجيش المختلفة سواءًا رفض التخلي عن السلطة والامتيازات المادية للجيش وقوات الدعم السريع، أو الخوف من المحاكمات والملاحقات القانونية لبعض القادة واللي شباب الحرية والتغيير استفزوهم بيها أكتر من مرة، لكن في النهاية قيادة الجيش مكملة في الحكم حتى إشعار آخر.
– الفريق الصغير اللي حوالين حمدوك شايف إن الاتفاق السياسي ممكن إنه يمهد لحوار وطني واسع يشمل كافة قوى البلاد، لكن حتى الآن مفيش أي ضمانات لدا عند السودانيين
*****

على الهامش

– هيظل نجاح السودانيين وصمودهم طول شهر تقريبا شيء لازم يفتخر بيه كل عربي وكل منادي بالحرية والديمقراطية، كون هذه التضحيات حاليا بتخضع لتجاذبات سياسية وموازين قوى لا يمنع إنها كانت درس من دروس التحول الديمقراطي قدمه السودانيين لكل العالم بكل تضحية وإخلاص.
– حمدوك والاتفاق بيضع القوى السياسية السودانية المدنية في مواجهة الشارع وسقف مطالبه المرتفعة، ودا هيتطلب حكمة من نوع خاص وتسوية من نوع جديد مع القواعد قبل ما تكون مع النظام السياسي أو الجيش.
– العمل على إيجاد ضمانات داخلية لالتزام الجيش بنقل السلطة بسلاسة هيكون العملية الأصعب على حمدوك وغيره من القوى السياسية، لأن الاعتماد فقط على الدعم الخارجي لا يمكن يكون هو المحرك والضاغط الوحيد، والصدام مع مزاج الحراك هيكون كذلك صعب، ولازم كمان يتحط في الاعتبار الناس غير المسيسة اللي محتاجة الأمور تهدى والاقتصاد يستقر، لأن الجيش بيحاول يلعب دايما على الفئة دي.
– نقطة الاقتصاد هتكون هنا محورية لأن حمدوك وفريقه الاقتصادي لازم يراجعوا نفسهم في برنامج الإصلاح الاقتصادي العنيف اللي شغال بما إنه بيقول إنه مهتم بالاقتصاد والمكاسب الاقتصادية، لأنه منذ تعيين حمدوك رئيسا للوزراء لأول مرة في عام 2019 بموجب اتفاق لتقاسم السلطة بعد الإطاحة بعمر البشير، نفذ السودان إصلاحات اقتصادية منها رفع دعم الوقود وتعويم العملة بشكل منظم، وطبعا السياسات دي أدت بشكل ما لوجود أزمة اقتصادية اجتماعية عند الناس ومعدلا فقر زيادة.
– طبعا لو فيه حكومة منتخبة هي اللي هتكون قادرة على اتخاذ القرارات الحساسة فيما يتعلق بالإصلاح الاقتصادي، ولكن لازم فعلا يكون الشغل الشاغل للجميع هو الوصول للنقطة دي بأقل قدر من الخسائر.
– وارد حمدوك ينجح في بناء التوافق اللي بيحلم بيه لعمل الانتخابات والانتقال الديمقراطي واستمرار الدعم الاقتصادي الدولي للسودان، ودي مهمة صعبة جدًا ومطلوب فيها إنه المدنيين يعاونوه، ووارد يفشل ويستقيل ويسافر أو الجيش يقرر تكرار الانقلاب مرة تانية، ووقتها السودان للأسف هيدفع أكتر للتمزق والعنف، وده بالتأكيد كلنا لا نرغب فيه.
– كل التحية لشهداء الشعب السوداني في مقاومتهم المستمرة للديكتاورية العسكرية، وبتنمنى نشوف في يوم من الأيام اللي تسببوا في إراقة دماء السودانيين يتقدموا للمحاكمة.
– كل تمنياتنا لأشقائنا وأهلنا في السودان بإنهم يقدروا يوصلوا لأفضل الحلول اللي تضع بلدهم على الطريق الصحيح
*****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *