خلال الفترة اللي فاتت أعلنت هيئة الرقابة المالية أنها هتقدم بمقترح تشريعي للبرلمان بتعديلات على قانون رأس المال، وخاصة في باب العقوبات والتعديلات تتضمن حظر وتجريم نشر توصيات الأسهم، وبتحط عقوبات مغلظة على الأشخاص اللي بيعملوا ده.

التعديلات أثارت غضب الكثير من المتداولين في البورصة خاصة أنه مفيش حد في العالم كله بيعاقب الناس اللي بتحلل حركة أسهم البورصة وبترشح أسهم للتداول.

ليه الموضوع ده مهم؟ وممكن يأثر ازاي عالبورصة والاقتصاد بشكل عام؟ ده اللي هنتكلم عنه في البوست الحالي

*****

إيه أسباب التعديل ده وأهميته ؟

التعديل القانوني اللي قدمته هيئة الرقابة المالية خطير وتوقيته أخطر، خاصة إنه البورصة بتعاني من بعض المشكلات، سواءًا بسبب مشاكل الاقتصاد المصري بشكل عام، أو بسبب عملية إدارة البورصة، أو ببعض سلوكيات المتداولين في البورصة.
البورصة بتخضع لهيئتين، هيئة إدارة البورصة المصرية واللي رئيسها محمد فريد، والهيئة العامة للرقابة المالية اللي رئيسها محمد عمران، وتم تجديد فترتهم مؤخرًا.
وفكرة البورصة ببساطة للي مش عارف، هي أشبه بسوق، الشركات بتدخل السوق ده عشان تطرح أسهم من ملكيتها للتداول بين الأفراد وبتستفيد هيا من عرض الأسهم للتداول بزيادة التمويل بتاعها، يعني تطرح من ملكيتها 10 آلاف سهم مثلًا السهم ب 100 جنيه بالتالي هتكسب مليون جنيه تمويل ليها.
والأسهم بعد كده بتصعد وتهبط حسب البيع والشراء اللي المفروض بيتحكم فيها نشاط الشركة الاقتصادي، يعني توسع في أعمالها أو تحقيقها لنجاحات، وأحيانا بتوزع الشركات دي جزء من الأرباح لملاك الأسهم، بخلاف قيمة السهم نفسه اللي بتزيد طالما الشركة بتنجح.
ودي واحدة من طرق الاستثمار المعروفة في العالم، زيها زي الودايع وشهادات الاستثمار وغيرها من أساليب تكوين الثروة، واللي فيها قصص نجاح كتير عالمية ومعروفة.
التعديلات اللي قدمتها الرقابة المالية ليها خلفية من بعض الممارسات اللي بتحصل في الفترة الأخيرة في البورصة المصرية، وهي إجراءات عملتها الرقابة المالية ضد بعض التلاعبات والمضاربات غير القانونية.
المضاربات دي يعني مجموعة من المتداولين بيقرروا بشكل جماعي اختيار شركة ما يشتروا أسهمها المعروضة للتداول في وقت واحد، وده هيتسبب في رفع قيمة السهم بسبب الإقبال عليه، فمثلًا السهم ممكن يبدأ بـ 4 جنيه، ويوصل في نهاية اليوم مثلًا ل 8 جنيه، يعني مكسب 100%، وبالتالي لو بنتكلم في 10 الاف سهم هيبقى المكسب بتاعها في العملية دي 40 ألف جنيه في كام ساعة، ده بينتج فقاعة في السوق لازم الهيئة تتدخل للسيطرة عليها.
وطبعًا دي بتبقا عمليات بيتفق عليها مجموعات من المتداولين التقال، واللي عملياتهم دي بتتسبب في خساير كتير للبورصة، وتحقيقهم لأرباح كبيرة جدًا بدون ضرايب أو قيمة مضافة للاقتصاد، وحاجة شبيهة جدًا بالقمار أكتر منها استثمار مالي.
حد ممكن يقول إنه ده الطبيعي في شغل البورصة، لكن لأ، ده نوع من الاحتيال، لأنه هنا الناس بتشتري بشكل جماعي وبعدين يبدأ البيع، فعمليًا هما بيكسبوا وبيخسروا ناس تانية فلوسهم، مش إنه الناس بتشتري الأسهم بناءًا على أخبار وتقارير وبيانات مالية منشورة زي البورصات المتقدمة عالميًا زي البورصة الأمريكية وبورصة لندن وغيرهم.
توصيات شراء الأسهم بتاعت المضاربات كانت بتيجي من على بعض جروبات ومواقع التواصل الاجتماعي، ولأنه أحجام التداول اليومية في البورصة – بمعنى الفلوس اللي داخلة وخارجة يوميًا – بتيجي من الأفراد الطبيعيين واللي عددهم كبير جدًا وبالتالي ليهم تأثير كبير على السوق، وبيستفيد منها مجموعات قليلة من اللي بيحركوا التداول في اتجاه المضاربات اللي شرحناها من شوية.
في مشكلة في السوق المصري إنه مش سوق مؤسسات كبيرة، لأنه غير جاذب للمؤسسات، لأن غالبيات الشركات اللي في البورصة المصرية مش كويسة ونتايج أعمالها مش أحسن حاجة، وده اللي بيخلي رؤوس الأموال اللي بجد بتروح البورصات الحقيقية زي البورصة الأمريكية، مبيجيش عندنا إلا نوعيات المضاربين.
وبالتالي لما كانت الرقابة المالية بتتدخل وتوقف تداول سهم عشان عمليات مضاربة غير قانونية، فاللي بيتضرر هما أصحاب الفلوس القليلة اللي بيشتروا أو بيبيعوا بناءًا على حركة السوق والمؤشرات اللي شايفينها، مش لأ،هم مرتبطين بشبكات المضاربة بتاعت الكبار.
وعشان كده صغار المتداولين في البورصة – اللي رؤوس أموالهم أقل من 100 ألف جنيه مثلًا – مش عاجبهم اللي بتعمله الرقابة المالية وعندهم تحفظات كبيرة ورفض لوجود رئيس الرقابة محمد عمران ودوره الرقابي اللي بيتشاف على أنه مدمر للسوق.
وطبعًا لأن المواضيع دي معقدة أوي فنيًا ومش كل الناس بتفهم فيها، فالسوق ده شغال فيه عمليات تربح وفساد وصعب جدًا إنك تضبطها قانونيًا، زي القضية الشهيرة بتاعت التلاعب في البورصة بتاعت جمال وعلاء مبارك واللي القضاء مقدرش يجزم فيها بوجود التلاعبات دي، رغم إنه معروف للمتخصصين في البورصة إنه ده كان موجود فعلًا
*****

طيب التعديل ده إيه محتواه ؟ وإيه رأينا فيه ؟

الرقابة المالية قدمت مقترح بتغليظ العقوبات على توصيات الأسهم من غير الناس المختصة واللي عندها رخصة زي المحللين الماليين.
العقوبات دي بتتضمن 3 أجزاء:
الجزء الأول بتكون غرامة مالية التى تتراوح بين 50 ألف، ولا تزيد عن مليون جنيه أو عقوبة الحبس أو كلاهما، فى حالة الإخلال بالقانون والنشر دون أى أضرار أو منافع شخصية.
الجزء الثاني، فرض عقوبة لنشر تحليلات واستشارات فنية للأسهم المقيدة، يترتب عليها منفعة شخصية لمُصدر تلك النصائح ، تصل عقوبتها للحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة مالية تتراوح بين مليون إلى 10 ملايين جنيه.
الجزء الثالث، نشر توصيات وتحليلات يترتب علىها ضرر للسوق، يتم توقيع عقوبة السجن لمدة تتراوح بين 3 إلى 10 سنوات، بالإضافة إلى غرامة مالية تزيد عن 10 ملايين جنيه.
ممكن تكون الفكرة بتاعه عقاب المضاربين اللي بيضروا بالمستثمرين كويسة ، وخاصة في سوق غير ناضج زي السوق المصري، لكن تغليظ العقوبات بالشكل ده بيخوف كثير من الناس، وخاصة أنه نشاط المضاربات بمعنى شراء السهم بدون ما يكون السهم فعلا يساوي الرقم الفلاني ده موجود في كل بورصات العالم بنسب متفاوتة، وبالتالي مش منطق إنه تحبس حد بيحلل حركة الأسهم ويقول رأيه فيها، لأنه في النهاية دي اراء غير ملزمة، واللي عاوز يجيب مستشار مالي يديله نصايح في إدارة فلوسه هيختار محلل مالي أو شركة تعمله النشاط ده، زي أي مكان في العالم.
الأصل في البورصات هو أنه الناس عاقلة وفاهمة وحرة في التداول لأنها فلوسهم في الأول والاخر، بالتالي اللي بيتعمل دلوقتي من الرقابة المالية هو اللي بيتسمى over regulation أو الرقابة المفرطة ودي عامل بيطفش الناس من السوق أكتر وأكتر ويليق على ظابط أمن وطني مش مسؤول مهمته إدارة البورصة اللي هي أصلًا ضعيفة جدًا وبتعاني أشد المعاناة.
*****

هل مشكلة البورصة عندنا هي المضاربات بس ؟

الحقيقة لا، المضاربات مشكلة كبيرة بس مش هي المشكلة الأساسية للبورصة المصرية، البورصة المصرية ضعيفة جدا ومعدلات التداول فيها قليلة جدا وبتقل مع مرور السنين.
من حوالي 15 سنة كانت البورصة المصرية فيها حوالي 1200 شركة، ودلوقتي بقوا حوالي 240 شركة بس، كل الشركات دي خرجت أو اندمجت لأنه الوضع الاقتصادي في السنوات اللي فاتت مش مشجع للدخول في البورصة.
أهم حاجات مش بتحفز البورصة سعر الفايدة العالي والتضخم واللي كان عندنا منهم كثير في السنوات اللي فاتت، وده لأنه طبيعي مفيش مستثمر صغير أو كبير هيجي يخاطر بفلوسه في البورصة وعنده أسعار فائدة عالية كانت بتوصل ل 16 و 20٪ وحتي السعر الحالي للفائدة بتاع 11.25 ٪ ده سعر عالي برضه، أفضل من المخاطرة في البورصة واللي ممكن تعمل في الاخر 20% سنويًا وغير مضمونة.
وكذلك مع التضخم اللي وصل ل 30% على أساس سنوي بعد التعويم مفيش حد يحب ياخد المخاطرة مع الوضع ده عشان متخسرش فلوسها أكثر من خلال التضخم.
ده خلي المؤسسات العربية والأجنبية وصناديق الاستثمار تهرب تدريجيا من الاستثمار في الأسهم اللي في البورصة وتروح لاستثمارات أضمن على رأسها طبعا أدوات الديون الحكومية ( السندات وأذون الخزانة) واللي هي بتديك عائد مضمون بنسبة مخاطرة صفر.
ده ساهم على مدار سنوات إنه البورصة المصرية تنهار وتضعف جدًا، وبدل ما كانت بتعمل من 20 سنة 400 مليون دولار تداول يومي، انهردة بتعمل فقط 20 مليون دولار تداول يومي، و تراجع حجم البورصة كنسبة من الناتج المحلي من 106٪ في سنة 2000 لـ أقل من 16٪ حاليًا وتاخد لقب أسوأ بورصة في العالم.
*****

إيه الحل ؟

القاعدة الاقتصادية بتقول إنه الاقتصاد الجيد بيخلق بورصة جيدة، يمعنى إنه البورصة المصرية سيئة عشان في مشكلات في الاقتصاد.
لو الاقتصاد بينموا بشكل طبيعي، عن طريق النمو في قطاعات إنتاجية حقيقية بتعمل قيمة مضافة في الاقتصاد زي الصناعة مثلًا، كنا هنلاقي شركات أكثر من القطاع الخاص عايزة تتوسع وتخش البورصة عشان تزود رأس مال وتوسع عملياتها وإنتاجها ونشاطها زي أي شركة في اقتصاد طبيعي.
ولكن لأنه الإطار الاقتصادي العام حاليًا مش أفضل حاجة والتنافسية بين الجيش والقطاع الخاص معطلة كثير من الإمكانات الإنتاجية للقطاع الخاص فبنلاقي أنه طرح شركات مملوكة للحكومة للتداول في البورصة هي الحاجة الوحيدة اللي بتنشط البورصة، وإلا الناس هتستثمر في الحاجات الأسهل زي سندات الخزانة أو العقارات.
كل يوم في أمريكا أو في بورصات عالمية أخرى بنشوف طروحات عامة جديدة، في مصر الطروحات العامة تتعد على صوابع الايد، شركة أو شركتين كل سنة، وده لأنه الدولة مش عاوزة تسيب الشركات اللي بتحقق أرباح للتداول وشراء الأسهم من الأفراد، وبالتالي الناس دي تشوف الميزانيات وتراقب الأداء وباقي التفاصيل الطبيعية لأي شركة مطروحة في البورصة.
بالتالي احنا محتاجين إجراءات كتير لإصلاح الاقتصاد ثم البورصة عشان يحصل جذب حقيقي للاستثمارات في البلد، ممكن يكون من الإجراءات دي:
1 – خفض سعر الفايدة لتنشيط الاقتصاد، مع مراعاة التضخم وخطورته على السلع الأساسية اللي بيستهلكها الفقراء، وكمان أسعار الفايدة في الاقتصادات الرئيسية زي الاقتصاد الأمريكي.
2- إعادة النظر في تدخل الحكومة والجيش في الاقتصاد، وتوجيه الانفاق الاستثماري الكبير على مشروعات البنية التحتية لمشاريع إنتاجية بمشاركة مع القطاع الخاص وطرح الشركات دي في البورصة في أسرع وقت، خاصة مع الوعود المتكررة من وزيرة التخطيط وغيرها بطرح بعض شركات الجيش في البورصة للتداول، لكن ده محصلش لحد دلوقتي.
3- تحفيز الشركات اللي تطرح نفسها في البورصة بإعفاءات ضريبية عشان الشركات فعلًا تلاقي مكسب من طرحها في البورصة للتداول.
4- تطوير حقيقي للتشريعات اللي بتنظم البورصة زي التشريعات اللي في دول الخليج اللي بتنافس البورصة بتاعتنا، بعيد عن لغة الحبس والاعتقال اللي مش موجودة في أي مكان في العالم.
في المجمل كل الحاجات دي وغيرها محتاجة مناقشة مع خبراء حقيقيين في البورصة والاقتصاد بشكل عام، وبعدها الحكومة تطلع بأجندة عمل تنشط البورصة وتخلي معدلات التداول أحسن ويكون عندها خطة لجذب صناديق الاستثمار الأجنبية طويلة الأجل في الأسهم المصرية.
وده عشان يحصل محتاج احتواء ومناقشات مع المتخصصين والخبراء وأصحاب رؤوس الأموال، مش لغة الحبس والتهديد لأن مفيش بورصة في العالم اتبنت بالطريقة دي
*****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *