– لو قولنا إن مشاركة 3.5 مليون مصري في احتجاج سياسي سواء بمظاهرات أو بأشكال أخرى من العمل السياسي المنظم السلمي هيؤدي بالضرورة لتغيير النظام، ممكن ناس كتير تستغرب جدا، عشان إزاي رقم صغير زي ده ممكن يغير البلد؟ وإيه العوامل اللي اتبنى عليها هذا التحليل؟

– شوفنا الشهور اللي فاتت إزاي الثورات في الجزائر والسودان نجحت في إزاحة رأس النظام الدكتاتوري. ورغم إن الثورتين لسه في الشارع ولم يكتمل نجاحهم، وأسلحة الثورة المضادة حاضرة ضدهم، إلا أن أحد الروابط المشتركة بينهم وبين تجارب أخرى كتير، هوا ان اللي حصل كان حراكات سلمية.
– عشان نفهم أكثر ليه بعض الثورات السلمية بتنجح؟ وليه بعضها بيفشل؟ أو ممكن تنجح في البداية ثم تفشل؟ وإيه العوامل اللي بتخلي الثورات والحراكات السلمية أكثر قدرة على النجاح من المسلحة؟ هنعرض في البوست كتاب نعتقد مهم أي حد يقرأه.
الكتاب هو “why civil resistance work: the strategic logic of nonviolence conflicts” للأسف هو غير مترجم للعربي رغم أهميته، العنوان ممكن نترجمة لـ”لماذا تنجح المقاومة المدنية: المنطق الاستراتيجي للنزاعات غير المسلحة”.

– الكتاب شارك في كتابته دكتورة العلوم السياسية في جامعة هارفرد ايريكا تشينويث، والباحثة الزائرة ماريا جيه ستيفان اللي بتشتغل بقالها كتير على حركات التغيير السلمي.

********

إيه ملخص الكتاب؟

– أهمية الكتاب الأساسية جايه من انه عمل دراسة معملة لـ323 حركة احتجاجية وثورة وحركات مسلحة من بداية 1900 وحتى 2006، وبالأرقام ثبت إن نسبة نجاح الحركات السلمية في تحقيق أهدافها بتوصل لـ53%، بينما الحركات المسلحة كانت نسبة النجاح في تحقيق أهدافها مش بتعدي 27%.

-بالتأكيد إحنا عندنا موقف مبدئي رافض للعنف أو التخريب لأسباب أخلاقية ووطنية، وكمان شفنا مصير التجارب دي حوالينا، لكن كمان من واقع الدراسة العلمية التاريخية بالكتاب الثورات أو الحراكات السلمية كان عندها فرص في النجاح تقريبا ضعف الحركات المسلحة. وحتى في حالة النجاح الجزئي للحركات السلمية فالمطالب اللي كانت بتتحقق نتيجة للحراك، بتكون أكثر بكتير من الحركات المسلحة، ومخاطرها أقل بكتير.

– في الـ323 حركة اللي درستهم الكاتبتين، لاحظوا إن مفيش حكومة تقدر تقمع ثورة بيشارك فيها بشكل مباشر 3.5% من السكان. وإن في كل الحالات اللي كان عدد المشاركين في الحراك 3.5% من السكان، نجحت الثورة على الأقل في تغيير راس النظام وهيكله الأساسي.

– الكتاب بيعرض تجارب متنوعة لتطبيق نظريته عن التغيير السلمي من الثورة الإيرانية 1979، لثورة صربيا 2000 واللي أزاحت الرئيس وقتها سلوبودان ميلوشيفيتش بعد فضيحة الانتخابات الرئاسية، كمان الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وحركة قوة الشعب في الفلبين من 1983 لـ1986، وأوكرانيا 2004 و2005، وتيمور الشرقية، وغيرها من الأمثلة.
– في المجمل ومن ضمن 25 حركة سلمية كبيرة بيتعرض ليهم الكتاب بشيء من التفصيل كان في 20 حركة سلمية، نجح منهم 14 بشكل كلي. يعني قدروا يزيحوا النظام السياسي اللي خرجوا ضده.

******

ليه الحركات والثورات السلمية بتنجح أكتر؟

– حسب الكتاب ففرص الحركات السلمية في حشد الناس بتكون أكبر بكتير من حركات التمرد والعنف لأسباب كتير:

١- في الحركات السلمية كل الناس، باختلاف أعمارهم، ممكن يشاركوا. على عكس الحركات المسلحة اللي بتميل دايما للشباب لأنهم أقدر على حمل السلاح.

٢- الحركات السلمية بتقدر تكسب تعاطف أكبر شريحة من المجتمع ضد قمع المشاركين فيها، خاصة لو كانت الحركات دي بتضم ناس من خلفيات اجتماعية وطبقية مختلفة. في المجمل بحسب أرقام الكتاب الحركات السلمية قادرة أنها تجذب على الأقل 4 أضعاف أعداد المشاركين في الحركات العنيفة.

– الكتاب بيقول إن الحركات السلمية أكثر احتمالًا للنجاح، لأنها قادرة تستوعب عدد أكبر من المشاركين في تشكيل طبقات سكانية مختلفة. وفي أنها تكون متنوعة من حيث الجنس والعمر والحزب السياسي والطبقات والتوازن بين مشاركة المناطق الحضرية والريفية. وده ممكن يسبب اضطراب يعطل الحياة المعتادة وأداء المجتمع. عشان كده قدرة الحركات السلمية على النجاح بتكون مرهونة بقدرتها على تجميع المطالب المختلفة والمتعارضة ظاهريا في مطلب واحد جامع.

– على سبيل المثال في ثورة يناير، شارك كبار وصغار، وأغنياء وفقراء، وغير مُسيسين، وليبراليين ويساريين ومنتمين لتيارات إسلامية مختلفة، كل تيار من دول كان ليه رؤية مختلفة عن الدولة وشكل الحكم والنظام السياسي، واختلاف في أولوية المطالب، لكن تجميع المطالب دي في شعار واحد يجمع كل القوى وهو: عيش حرية عدالة اجتماعية، خلى ثورة يناير تكتسب تأييد شعبي، وبالتالي تقدر تزيح مبارك.

٣- الحركات السلمية بتكون أكثر قدرة على استمالة مؤسسات الدولة ليها، زي الشرطة والجيش والقضاء. كمان بتكون أكثر قدرة على استمالة الموظفين في الهيكل الإداري. وده بيديها فرصة تكون أكثر تأثيرا، لو حصل عصيان مدني شامل أو إضرابات، ويمكن شوفنا جميعا العصيان المدني اللي لسه حاصل من شهرين في السودان، ونتائجه في الضغط لصالح الثورة السودانية.

٤- كلفة القمع السياسي والأمني للحركات السلمية الجماهيرية بتكون أعلى في الغالب سياسيا بالداخل والخارج، من الحركات المسلحة اللي سهل على قوات الأمن والجيش سحقها، كونها بتحارب الدولة واستقرار المجتمع.

٥- قدرة الحركات السلمية على مخاطبة المجتمع الدولي مهمة جدا. مهم أن الحركات تعرف إزاي تخاطب المجتمع الدولي، ومهم أنه المجتمع الدولي يقف ورا الحركات. طبعا بيفرق مين اللي واقف ورا الحركة، لكن في حالات كثير، لما كان المجتمع الدولي متغافل عن الحركات أو بيدعمها بس مش بصورة كبيرة، كانت الحركات دي بتتعرض لقمع عنيف.

*******

هل فيه حركات سلمية فشلت؟

– بالتأكيد، زي ما قلنا نسبة النجاح كانت 53% من التجارب مش 100%، لأن الموضوع مش متوقف بس على سلمية الحركة، لكن فيه عوامل كثير تانية زي طبيعة الدولة والاقتصاد والمجتمع، وتعامل القوى السياسية. لكن اللي الكتاب بيحاول يقوله ببساطة إنه الحركات السلمية بتكون احتمالات نجاحها أكتر.

– الكتاب بيؤكد على إن السلمية فايدتها الأهم مش أنك تكتسب “أرضية أخلاقية عليا” على النظام، لكن انه يكون عند الحركات السلمية الحس الاستراتيجي للسياسة. بمعني أنها تعرف: إزاي تحشد، وتقرر امتى تنزل الشارع، وامتى تتفاوض مع الحكومة، وامتى ترفض التفاوض.

– ده بيتوقف على عوامل كثيرة منها طبيعة الحركة، ومكوناتها السياسية، شخصيات القيادة فيها، ومدى وعيهم بالوضع الحقيقي، وعوامل تانية تتعلق بطبيعة السلطة.

– في الكتاب مثلا دراسة حالة عن ثورة بورما الفاشلة سنة 1988، واللي قادها الطلاب ضد نظام الحكم العسكري. ونجحت الثورة فعلا في البداية انها تغير النظام، وصوت أكتر من 90% من ممثلي الحزب الحاكم لصالح التحول لنظام تعددية ديمقراطي وتم تحديد موعد انتخابات، لكن بعد شهور قليلة حصلت مشاكل وأخطاء سياسية وانهيار بمسار التفاوض منح الفرصة انه يحصل انقلاب عسكري وقمع دموي لكل النشطاء السياسيين والطلاب، وبعض التقديرات وصلت انه اتقتل أو فُقد 10 آلاف شخص، والأوضاع رجعت أسوأ مما كانت.

*******

مين الأنجح على المدى الطويل؟
– طيب وبعد انتهاء الثورة إيه اللي بيحصل؟ الكاتبتان في الفصل الأخير من الكتاب بيأكدوا إن السلمية لازم تستمر للنهاية، مينفعش حركة تبدأ سلمية وبعدين تتجه أنها تكون قمعية لما تستولي على السلطة.

– وإن في الأمثلة الناجحة للحركات السلمية اللي درسوها لقوا أن 57% منها حصل فيها تحول ديمقراطي في خلال 5 سنين من الثورة. بينما 6% بس من الحركات اللي استخدمت العنف حصل في مجتمعاتها تحول ديمقراطي في خلال 5 سنين.

– وعلى الرغم من وجود أمثلة كان فيها الثورة السلمية جابت حكومات دكتاتورية (زي الثورة الإيرانية)، إلا إنه مازال التحول الديمقراطي أكثر إمكانية مع الثورات السلمية.

– كمان في معظم الحالات كانت الحركات غير السلمية، زي المجموعات المسلحة ومجموعات المتمردين بتدخل في حروب أهلية حتى بعد نجاحها في إزاحة النظام السياسي. لكن في معظم الحالات كانت الحركات العنيفة دي بتجيب أنظمة دكتاتورية تانية.

– دا غير طبعا الأضرار اللي كانت بتسببها الحركات دي للمجتمع نفسه، واللي بتصعب بشكل كبير حاجات زي العدالة الانتقالية وغيرها من الإجراءات الضامنة للتحول الديمقراطي.

– على المدي الطويل، الحركات والثورات السلمية أكثر نجاحا لأن السلطة الجديدة بعد الثورة بتكون دايما في بالها عدم تكرار حدوث ثورات تانية، وبالتالي السماح بهوامش أكبر للحرية والديمقراطية.

*****

– في المجمل الكتاب مهم قرايته لأي حد عايز يفهم ليه الثورات بتنجح وليه بتفشل، الكتاب فيه كم كبير من المعلومات عن الحركات السلمية والثورات وحركات العنف القرن اللي فات. وطبعا المجال لا يتسع أننا نعرض لكم التجارب دي كاملة.

– الأهم من الأمثلة الكتير اللي ممكن نقراها وننقلها من الكتاب هي الفكرة اللي بيطرحها وبيدلل بالأمثلة عليها: أنه أي فعل جمعي الأفضل لنجاحه مش بس السلمية لكن القدرة على المناورة والذكاء السياسي وجذب الناس للحركة وخطابها.
– مهم جدا أننا نقرى ونتعلم من التجارب دي، ونستفيد منها، وفي نفس الوقت لازم ندرك إنه “السياق” السياسي والاقتصادي والاجتماعي في أي بلد بيفرق، يعني مفيش خطة محددة إزاي تعمل ثورة أو ازاي تعمل ديمقراطية، وكل تجربة ديمقراطية في العالم كان ليها سياق خاص بيها رغم التشابه في الأهداف وفي الوسائل، وإنه نجاح أي حراك سياسي أو اجتماعي لازم يكون ليه قيادة عندها فهم جيد في السياسة كمعرفة وممارسة، إنما التجرد والعشوائية والاندفاع وعدم الفهم دايماً نتايجهم بتبقى كارثية، ومش محتاجين نذكر أمثلة كتير على ده.

– بنطرح الموضوع ده، وإحنا كبلد لسه متعرضين من أيام لحادثة بشعة تسببت في قتل أكتر من 20 مواطن مصري، ومؤكد إن استخدام العنف والإرهاب كان المسئول الرئيسي عن هذا الحادث، وبنشوف ببلدنا وحولنا ازاي العنف بتؤدي لسقوط أبرياء، وبتؤدي كمان لحركات إرهاب ملهاش أي علاقة بالدعوة للديمقراطية والإصلاح بالتأكيد!
– وكربيع عربي شفنا تجارب بتنجح سلميا زي الثورة التونسية، ومؤخراً المسار اللي فيه الثورة السودانية والجزائرية، ونجحوا في الحصول على مكاسب كتير، وبالمقابل شفنا بالطبع المسارات الفاشلة الأخرى في الربيع العربي ومهم نتعلم من النجاح والفشل.

– نتمني يجي اليوم اللي نشوف فيه مصر بتتغير للأحسن. مصر فيها ديمقراطية وممارسة حريات ومستوى معيشة أفضل لكل المواطنين، ولحد ما يجي اليوم ده مهم نقرا ونتعلم.
******




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة