– من يومين كشف تقرير صحفي استقصائي نشره موقع “ديسكلوز” الفرنسي، أنه مصر استخدمت معلومات استخبارية وفرتها فرنسا من خلال مهمة عسكرية سرية في مصر لاستهداف مهربين مدنيين على الحدود المصرية الليبية أثناء عمليات مكافحة الإرهاب.

– التقرير أحدث صدى كبير لأنه اعتمد على وثائق عسكرية مسربة من جوه المخابرات الفرنسية، وعلى الفور أمرت وزارة الدفاع بفتح تحقيق في الموضوع، وحصل دعوة من نواب في البرلمان الفرنسي لإجراء تحقيقات أخرى.

– مفيش رد فعل رسمي لحد دلوقتي من مصر، بس تم حجب رابط الأوراق المسربة في مصر بعد يوم واحد من نشر التقرير.

– إيه القصة؟ هل حقيقية أم لا؟ إيه اللي ممكن نشوفه؟ وإيه اللي محتاجين نلتزم به أثناء الحرب على الإرهاب؟

*****

إيه القصة؟

– موقع ديسكلوز اعتمد في التقرير بتاعه على مئات الوثائق العسكرية اللي حصل عليها من مصدر مجهول، وطبقا للتقرير فكان في في الفترة بين 2016 – 2018 مهمة عسكرية سرية في مصر.
– المهمة دي كانت مشتركة بين الاستخبارات العسكرية الفرنسية والجيش المصرية واسمها “سيرلي ” وكان هدفها توفير معلومات استخباراتية عن المسلحين اللي بيشكلوا خطر إرهابي على مصر من جهة الحدود الغربية.
– العملية كانت عبارة عن مراقبة للحدود المصرية الليبية من خلال طائرة مراقبة واستطلاع خفيفة مستأجرة من مديريّة الاستخبارات العسكريّة الفرنسية.
– بعد المراقبة وتجميع البيانات دي من خلال الصور من المفترض أنه يتم مقارنتها للتأكد من هوية الأشخاص دول وحقيقة التهديد المحتمل وهل هما إرهابيين ولا لأ؟
– لكن اللي كان بيحصل هو أنه كان بيتم استخدام المعلومات الأولية دي في استهداف عربيات بغض النظر فيها إيه، وفي الغالب يعني دول بيكونوا مهربين عبر الحدود.
– مهمة جمع المعلومات كان الجانب الفرنسي المنوط بيها، لكن أعضاء الفريق الاستخباراتي الفرنسي لاحظوا استخدام الجيش المصري للمعلومات اللي بيقدموها له في إطار التعاون العسكري ده في استهداف مهربين مدنيين لا علاقة لهم بالإرهاب.
– التقرير بيقول كمان إنه أعضاء الفريق دول أبلغوا رؤسائهم بالتجاوزات دي أكثر من مرة، وده من بعد شهرين بس من بداية المهمة في فبراير 2016، وفي أحد المرات بحسب الموقع أبلغ ضابط الاتصال للبعثة الفرنسية أن المصريين يريدون “اتخاذ إجراءات مباشرة ضد المتاجرين بالبشر”، ولم تعد مكافحة الإرهاب أولوية.
– التقرير بيقدر أنه في الفترة من 2016 لـ 2018 تم استهداف ما يقرب من 19 هدف مدني بهجمات من الجيش المصري، معظمهم كانوا مهربين مدنيين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 سنة، بيسوقوا عربيات تحمل سجائر ومخدرات وأسلحة وبنزين وحبوب وأرز.
– أحد الهجمات دي كانت في 6 يوليو 2017 وفيها قتل 3 مواطنين في الواحات البحرية إثر سقوط صاروخ عليهم، ودول مكنوش مهربين دول تم استهدافهم بالخطأ، وكان منهم مهندس شغال في رصف الطرق اسمه أحمد الفقي.
– الحادثة حصلت لما كان المهندس ومعاه 3 عمال رايحين بعربية دفع رباعي لأحد الآبار في منطقة المناجم، ونزل واحد من العمال يجيب مياه من البير عشان يطلع يلاقي طيارة ضربت العربية وفيها المهندس و2 من العمال.
*****

هل القصة حقيقية؟

– محدش يقدر يجزم بتفاصيل الأمر الدقيقة لأنه كان بيتم في إطار عملية عسكرية سرية، لكن عموما فيه تفاصيل كتير لازم يحصل تحقيق فيها من جانب مصر بشكل شفاف، وبالتأكيد يحصل كذلك في فرنسا، عشان نقدر نقف على حقيقة الأمر بشكل كامل.
– لكن في شواهد كثير بتؤكد أنه القصة على الأقل في جزء منها حقيقي، وهي قصة المهندس اللي اتقتل بجانب أنه في الفترة دي كان فعلا في تعاون استخباراتي وعسكري مكثف بين مصر وفرنسا.
– مصر في الفترة دي وفي فترات لاحقة ليها عملت أكثر من صفقة تسليح مع فرنسا منها طائرات الرافال، وفرقاطة بحرية هجومية وأربع طرادات للبحرية المصرية وناقلتي المروحيات ميسترال.
– كمان اللي بيؤكد أنه دي قصة حقيقية أنه في قصص مشابهة حصلت ضرب فيها الجيش مدنيين بالخطأ وخدوا تعويضات من الدولة والرئيس نفسه اعتذر لهم على الهواء.
– لكن في الحالة دي كان واضح أنه في استهداف مباشر، وكان معروف أنه المستهدفين بالطائرات ممكن يكونوا مهربين مش إرهابيين مسلحين.
*****

طيب ايه المشكلة؟

– في ناس ممكن تقول إيه المشكلة هو مش معظم اللي اتضربوا كانوا مهربين، وممكن يكونوا مهربين مخدرات أو سلاح يعني.
– الحقيقة أنه المنطق ده فيه مشكلة لأنه بيهدد نجاح استراتيجية مكافحة الإرهاب نفسه، لو دول مهربين سلاح فمن المهم القبض عليهم واستجوابهم عشان تعرف طرق تهريب السلاح، وتقدر تفهم الوضع أكثر، ولو دول مهربين مخدرات فمكانهم الحبس والمحاكمة مش الاستهداف بالطائرات.
– كمان طبعا بالشكل دا وارد وحصل إنه يكون فيه مدنيين عاديين اتقتلوا بدون أي ذنب، وعندنا حالة مهندس طرق عادي مع عمال يعني، وممكن شخص مدني عادي يكون سواق عربية تهريب بنزين أو سكر في غيره يكون راح في قصف زي ده عادي يعني.
– المفروض الدولة بتستخدم العنف لفرض قوة القانون مش للانتقام أو التصفية الجماعية، فمش منطقي أبدا التغاضي عن القصص دي لأن فيه أرواح أبرياء بتموت خارج إطار القانون زي المهندس أحمد الفقي وغيره.
*****

ايه اللي محتاجينه في الحاجات الشبيهة اللي زي دي؟

– عشان نفهم ليه عملية تحليل المعلومات اللي بتصورها طائرات الاستطلاع دي مهمة، وإزاي عملية التأكد من هوية الشخص قبل الضرب مهمة جدا، ممكن نشوف أشهر قصة لأشهر إرهابي اتقتل وهو أسامة بن لادن.
– السي آي أيه فضل متتبع المنزل اللي ساكن فيه بن لادن لشهور والمحللين اللي عندهم حللوا كل حاجة حتي حبل الغسيل وعدد قطع الملابس اللي عليه، وتصرفات الناس والشجرة اللي كان بيطلع يشم هواء تحتها واكتشفوا منها أنه ممكن يكون هو فعلا.
– بعد شهور من التحليل وجمع المعلومات كانوا حاطين احتمالية أنه ممكن بنسبة 70% يكون هو، وفريق محللين تاني كان حاطط احتمالية 40% بس، وحتي بعد كل الدراسة والتحليل ده بايدن اللي كان ساعتها نائب الرئيس موافقش عليها لأنه مكنش مقتنع ووزير الدفاع كذلك لكن أوباما صرح بالعملية ووافق عليها.
– من القصص دي كتير عن تعقب الإرهابيين وحتى منها قصص للمخابرات الفرنسية، وده بيقولنا أهمية أنك تستهدف الشخص الصح، وتحقق أقصى استفادة من الموارد الاستخباراتية الموجودة عندك مش تضرب عمال على بطال وخلاص.
– وفيه أمثلة تانية على عمليات فاشلة أنتجت مجازر بحق مدنيين، منها الضربة الجوية الأمريكية بطائرة مُسيّرة في العاصمة الأفغانية كابل اللي أسفرت عن مقتل 10 أشخاص من عائلة واحدة، بينهم 6 أطفال.
– وقال الجيش الأمريكي وقتها إنه استهدف مركبة كانت تقل شخصا واحدا على الأقل على صلة بتنظيم داعش الإرهابي، والحقيقة إن الرجل طلع مجرد مسعف ملوش في أي حاجة.
– قائد القيادة المركزية الأمريكية، كينيث ماكنزي طلع خلال مؤتمر صحفي قال “نعتذر عن ذلك، وأتحمل المسؤولية الكاملة”، ووصف الغارة بأنها “خطأ مأساوي”.
– وخرج بعده وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن يعتذر في بيان، عما وصفه بـ”الخطأ الفادح” بسبب وقوع ضحايا مدنيين بسبب الغارة، وقال: “سنسعى للتعلم من ذلك”.
– بالتالي إحنا محتاجين مكاشفة في الملف ده، ويطلع المتحدث العسكري أو وزارة الخارجية أو أي جهة مسئولة في الدولة تقولنا فين الحقيقة، وتعترف بالخطأ لو حصل، وتعتذر، وتحاسب المسئول اللي أخطأ، وتعوض الضحايا، دا أقل القليل.
– وكمان بالعكس الاعتراف بقتل مدنيين بالخطأ وتعويضهم في العمليات اللي زي دي مهم لإعطاء مصداقية لعملية مكافحة الإرهاب ككل.
– احنا في انتظار توضيحات عن معلومات خطيرة زي دي، ومكنش ينفع يكون رد الفعل الأول على انتشار التقرير هو حجب الموقع وخلاص لأنه ليس هكذا تنجح الدول في محاربة الإرهاب.
– لا بديل عن الشفافية والحرفية في عملياتنا ضد الإرهاب، عشان نتجنب وقوع مظالم في المناطق اللي بتدور فيها الحرب.
*****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *