خلال الأيام اللي فاتت كان الموضوع الأول المتعلق بمصر داخليا وخارجيا هوا الإعدامات، سواء اللي تم تنفيذها خلال الشهر الحالي (15 شخص في قضايا سياسية، آخرها تسعة في قضية اغتيال النائب العام)، أو كمان أحكام الإعدام اللي صدرت ضد راهبين بتهمة قتل الأنبا ابيفانيوس.
– من أيام صدرت من الأمم المتحدة انتقادات كبيرة لتنفيذ الاعدامات الأخيرة. روبرت كولفيل، المتحدث باسم مكتب حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، دعا مصر إلى إيقاف كل الإعدامات وإجراء تحقيق مستقل حول مزاعم التعذيب.
– 9 خبراء أمميين منهم تلاتة من “المقررين الخواص” – يعني المسؤولين عن ملفات عالميا – أصدروا بيان وصفوا فيه المحاكمات بأنها “تبدو معيبة بشكل خطير”، وقالوا إن المحاكمة شهدت “سرداً تفصيلياً بشأن التعذيب”، والمقصود طبعا هوا محمود الأحمدي اللي قال للقاضي انه اضطر للاعتراف بعد تعذيبه بالكهرباء.
– في قضية مقتل الأنبا ابيفانيوس حصل مشهد زي ده بالظبط، بعد ما الراهبين اعترفوا في تحقيقات النيابة، راحو قدام المحكمة أنكروا وقالوا انهم اضطروا للاعترافات دي.
– الراهب أشعياء المقاري قال إن ظابط ذكره بالاسم عذبه، قلعه ملابسه وجاب جهاز صعقه بيه بالكهرباء لدرجة أشعياء قاله في الآخر “هاعمل اللي انت عايزه بس متهيننيش”، والظابط هوا اللي حفظه يعمل ايه في تمثيل الجريمة (الفيديو بالمصادر)
– إحنا كمواطنين منقدرش نملك بشكل يقيني إدانة أو تبرئة أي حد، المعلومات والأدلة مش كلها قدامها وهيا كمان عملية معقدة وبعض القضايا ورقها بآلاف الصفحات، لكن إحنا كمواطنين نقدر نسأل ونبحث:
هل تم الالتزام بكامل الاجراءات القانونية؟
هل تم توفير كامل ضمانات المحاكمة العادلة؟
لما أي حد يقول انا اتعذبت ايه اللي مفروض يحصل عشان نتأكد هل هوا صادق وتم اجباره فعلا، ولا بيكذب ومتعذبش ولا حاجة؟
وبعيد عن السياسة خالص هل نقدر نثق تماما في كفاءة الأجهزة المسؤلة بعدم وجود أقل خطأ في مسألة بخطورة اعدام انسان؟
ولو اتكلمنا عن السياسة هل فعلا الأجهزة دي قادرة تحافظ على الحياد التام في ظل الأوضاع الحالية؟
دي الأسئلة اللي هنناقشها سوا النهاردة عن الإعدامات بشكل عام في ظل منظومة العدالة الحالية، خاصة إنه حسب مركز عدالة مازال فيه 50 شخص صادرة بحقهم اعدامات نهائية ممكن تتنفذ بأي لحظة، ده غير أعداد أكبر صدرت عليهم أحكام الدرجة الأولى.
*****

هل من الوارد حد يتحكم عليه بتهمة القتل بعد كل درجات التقاضي ويطلع بريء؟
نور خليل، الباحث في المفوضية المصرية للحقوق والحريات، نشر نماذج على قضايا قديمة كلها بتؤكد ان ده وارد يحصل عندنا من زمان:
– في 1991 تم الحكم على 4 أشخاص في كفر شكر بتهمة السرقة والقتل بالجناية 427/ لسنة 1991، أحدهم اخد اعدام في الدرجة الأولى، واتخفف للمؤبد بعد النقض، والاتنين اخدو 15 سنة.
في 2004 مسجون جديد في السجن كان بيتفاخر بارتكابه للجريمة وبعدها تمت اعادة المحاكمة، التلاتة قدام المحكمة قالوا انهم تم تعذيبهم بشكل بشع عشان يعترفوا .. خرجوا بعد ما اتسجنوا 13 سنة ظلم، لكن السؤال لو كان حكم الاعدام بالدرجة الأولى اتنفذ كان مين هيرجع اللي مات؟!
– في 1996 كان فيه قضية شهيرة في الإسكندرية لأب تم اتهامه بقتل بنته. الأب: محمد بدر الدين جمعة إسماعيل راح قسم شرطة المنتزه وبلغ عن اختفائها، بعدها الشرطة لقت جثة فتاة مجهولة الهوية والملامح، ظابط الشرطة عشان يقفل القضية راح قبض على الأب بالقضية 43806/1997 جنايات المنتزه، والأب اعترف بقتل بنته.
في الواقع بنته مكانتش ماتت أصلا، كانت هربانه من البيت وراحت عند أمها اللي هي طليقته، في 1998 بعد سنتين من حبسه خبر القضية بتاعته اتنشر في الجرايد، فالأم صعب عليها فخدت البنت وراحت القسم فقام الظابط حبسها هي وبنتها وفضلوا محبوسين فترة لحد ما جه تفتيش بالصدفة على القسم واكتشفوا وجودهم، وتم محاكمة الظباط المتورطين.
في جلسة المحاكمة بعدهاا القاضي سأل محمد ليه اعترف ، فكان رده: “لو مكنتش اعترفت كنت هموت من التعذيب، فالاعتراف هيأجل الموت شوية وهيخليه أرحم”.
– في 1999قصة مشهورة تانية، تم اتهام حبيبة محمد سعيد سالم ( الفنانة حبيبة ) بقتل جوزها/ عطا الله جعفر عطا الله ” قطري الجنسية”، واعترفت، واتحكم عليها نهائي بالسجن عشر سنوات.
في 2004 تم التوصل لاحد الجناة بعد ما باع ساعة غالية من مسروقات القتيل، في جلسة اعادة المحاكمة حبيبة قالت انها اعترفت تحت التعذيب، وخرجت بعد 5 سنين ظلم.
*****

” بس دي حالات قليلة والأخطاء واردة؟”
– مينفعش يبقى فيه أي خطأ وارد في حياة انسان .. الراجل اللي اتسجن 13 سنة ظلم، اوالفنانة حبيبة اللي اتسجنت 5 سنين ظلم، أمكن انهم يخرجوا وياخدوا تعويض عن اللي حصلهم، لكن لو كانوا اتعدموا كان ايه اللي هيحصل؟
– في الأمثلة دي وغيرها بنتكلم عن قضايا جنائية عادية جدا، فمابالنا بالقضايا السياسية.
*****

لكن كده يبقى أي حد ممكن يقول انا اتعذبت ونطلعه براءة، إيه اللي يفصل؟

– فيه اجراءات قانونية مطلوب انها تحصل بمجرد ما المتهم يقول انا اتعذبت من الشرطة، دي مسؤولية النيابة، ولو النيابة قصرت أو المتهم خاف يقول قدامها – لأنه بيكون لسه في حوزة الشرطة – تبقى الاجراءات دي مسؤولية القاضي في المحكمة.
– الاجراءات أولها العرض الفوري على الطب الشرعي، لأن التأجيل ممكن يؤدي لاختفاء الآثار.
– الطب الشرعي لوحده مش كفاية، لأنه وارد التعذيب مسابش أثر، عشان كده الاجراء بيتضمن فتح بلاغ جديد تماما في الواقعة.
– يتم اخذ اقوال المتهم كمجني عليه.
– يتم استدعاء المُدعى عليهم للتحقيق – زي الفيديوهات اللي شفناها بيتقال فيها اسماء ظباط للقاضي – وكمان المسؤولين عن مقرات الاحتجاز يعني مدير السجن أو مأمور القسم اللي المُدعي بيقول اتعذب فيهم.
– يتم طلب شهادة المحتجزين في نفس المكان بنفس التوقيت.
الخلاصة: بنعمل تحقيق قانوني في البلاغ.
– الواقع ان ده مش بيحصل، وده بقى سلوك متكرر بقضايا كتير.
– المبادرة المصرية للحقوق الشخصية نشرت تقرير فيه تفاصيل التعامل القانوني اللي تم في ادعاءات التعذيب قضية النائب العام، اللي فيها بعض المتهمين ذكروا بشكل رسمي في اقوالهم بالنيابة تعرضهم للتعذيب، لكن النيابة رغم اثبات الإصابات في المحضر ببعض الحالات، لم تحقق كبلاغ في أي حالة، وتجاهلت طلب 4 متهمين بعرضهم على الطب الشرعي، وعرضت متهمين آخرين بعد مماطلة، زي حالة محمود الأحمدي اللي اتعرض على الطب الشرعي فعلا لكن بعد 33 يوم ما يسمح بزوال الآثار. (وده تفسير ليه القاضي باول الفيديو كان بيكلمه على الطب الشرعي وبيرد عليه)
*****

هل الشرطة والقضاء محايدين في النوع ده من القضايا؟
– أولاً إحنا أصلاً مش بنتكلم عن المسار القضائي العادي، دي دواير خاصة اسمها “دوائر الإرهاب” فيها قضاة ثابتين تم اختيارهم للغرض ده فقط، وهما بقو شخصيات عامة وبيطلعوا في الإعلام، وشفنا مثلا في 2015 المستشار ناجي شحاتة بيقول لجريدة الوطن: “سعيد بلقب قاضي الاعدامات”.
– وشفنا قضاة بالدواير دي بيقولو آرائهم السياسية في الإعلام أو من على المنصة! زي المستشار شيرين فهمي في قضية أحمد دومة اللي حكينا سابقا ازاي القى خطبة عن رأيه في ميدان التحرير وثورة يناير، وواضح ان ده يخليه يفقد أي حياد في القضية دي بالذات.
– وشفنا طبعا رجال الشرطة في الخدمة بيقولو آرائهم السياسية على التلفزيون، وشفنا رجال شرطة عذبوا مواطنين في قضايا بعيد عن السياسة خالص لأنه مصلحته يقفل القضايا، فمابالنا بالضغط اللي على الظابط نفسه يقفل القضايا السياسية.
– شفنا مثلا واقعة تصفية 5 اشخاص في مكروباص التجمع بحجة انهم “عصابة” قتلت ريجيني، وبعدين النائب العام المصري نفسه نفى مع الجانب الإيطالي، لكن متمش محاسبة أي حد على الجريمة دي، وحياة الخمسة الغلابة دول راحت هدر!
– شفنا كمان بشكل واضح اختلاف الأحكام الصادرة لما يكون المتهم هوا ظابط في قضية تعذيب حتى الموت لمواطن، زي ما حكينا هنا مثلا عن قضية الشاب عفروتو بالمقطم، والمحكمة أدانت الظابط لكن الحكم كان 3 سنوات فقط لأن التهمة القانونية كانت “ضرب أفضى إلى موت”.
*****

– الخلاصة من كل ما سبق إنه رغم إننا كمواطنين منقدرش نكون متأكدين تماما من براءة أو إدانة أي شخص بعينه، لكن نقدر نشوف بوضوح في القضايا بشكل عام، والسياسي بشكل خاص، وجود مشاكل في توافر الكفاءة التامة والحياد التام للجهات المسؤولة، ومشاكل بحصول المتهمين على كافة الضمانات والحقوق القانونية.
– وبالبلدي كده اذا كان كتير من المواطنين بيخافوا يدخلوا أي قسم شرطة حتى لو محتاجين حاجة، وبيفضلوا يحلوا مشاكلهم بره المحاكم، أكيد ده مؤشر على وجود قصور على أقل تقدير.
-المناخ السياسي الحالي خلا فيه استسهال في الدم، مصر صدر فيها من 2013 لحد دلوقتي أكتر من 2500 حكم إعدام مبدئي .. ده احنا شفنا قاضي واحد في المنيا في قضية واحدة درجة اولى حكم ب 600 إعدام ودي عمرها ماحصلت في تاريخنا!
– بحسب مركز عدالة حاليا فيه 50 متهم وارد يتعدموا بأي وقت، بعد استنفاذهم درجات التقاضي، ده غير أعداد أكبر لسه في المسارات القضائية.

رسالتنا لكل مؤيد لتنفيذ الإعدامات:
– مهما كان موقفك السياسي مع أو ضد المتهمين، ومهما كانت قناعتك بخصوص القضايا شايفها حقيقية ولا مش حقيقية، دي كلها أمور لم نناقشها خالص، عندنا سؤال واحد بس: هل تقدر بقلب جامد تكون متأكد 100%، مش 99%، إن كل اللي اتعدموا واللي هيتعدموا مفيهومش ولا نفر واحد فقط مظلوم؟!
السؤال هنا مينفعش يكون عن رأيك السياسي، أو قناعتك لمتهم بعينة أو قضية بعينها، شوف الصورة الكبيرة وفكر: هل مفيش أقل احتمال ان نفر واحد فقط هيتعدم وارد يحصل غلطة واحدة في قضيته؟!
– لو تمن ضمان ان مفيش واحد بس يتعدم ظلم، هوا إن مجرمين ينجوا أكيد ده تمن متسق مع العدالة اللي هدفها الأول ألا يُظلم بريء مش ألا يهرب مدان، خاصة انه اللي مش هيتعدموا دول هيفضلوا في السجن، يعني الإرهابي أو القاتل أو تاجر المخدرات أو المغتصب ده هيفضل بعيد عن أي ضرر للمجتمع.
*****

– الأحداث الأخيرة فتحت النقاش بين مؤيدي ومعارضي عقوبة الإعدام أصلاً، خاصة إن أغلب دول العالم مفيش عندها إعدام (170 دولة)، ومن أهم الأسباب لالغائها دوليا هوا الخوف من حدوث أقل خطأ ممكن تروح فيه حياة انسان واحد، مهما كانت الدولة عندها استقرار سياسي وعندها شرطة وقضاة بمستوى ممتاز، فمابالنا بالأوضاع عندنا.

– موقفنا الحالي هوا تأييد دعوة الأمم المتحدة بتعليق الإعدامات في مصر، بنتكلم عن كل الإعدامات بكل القضايا مش السياسية بس، ونتمنى في المستقبل نوصل لمرحلة استقرار سياسي ومصالحة مجتمعية، ونقدر ساعتها ندير “نقاش مجتمعي” حقيقي تقرر فيه كل فئات وأطياف الشعب موقفها من استمرار أو إلغاء العقوبة دي، ونناقش ازاي كل مواطن يكون مطمئن لكفاءة وحياد كل الجهات المسؤولة عن الأمن والعدالة لكل المصريين.
*****




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *