– في نهاية أكتوبر اللي فات أصدر بنك كريدي سويس، واحد من أهم بنوك الإستثمار في العالم، تقريره السنوي المعروف عن الثروة في العالم لسنة 2019.هتلاقوا التقرير والبيانات الكاملة ليه في أول كومنت.

– التقرير قال إنه إجمالي الثروة في مصر السنة اللي فاتت زاد 108 مليار دولار عن 2018، لكن الرقم دا مش هو الرقم المهم، زي ما بيقولوا “الشيطان يكمن في التفاصيل ” فخلينا نشوف التفاصيل دي.

***

ايه أهم نتائج التقرير فيما يتعلق بمصر؟

– التقرير بيعرف الثروة أنها الأصول العقارية، والسيولة، والأوراق المالية.

– التقرير بيقول أنه مجموع ثروات المصريين البالغين، 898 مليار دولار، دا يمثل نسبة ضئيلة جدا من إجمالي الثروة في العالم 0.2 % تحديدا، المصريين البالغين دول 58.3 مليون مصري، يعني تقريبا 58 % من السكان.

– دا يعني أنه مجموع ثروات المصريين زاد في السنة الأخيرة بس 108 مليار دولار، ودا مؤشر إيجابي انه الثروات بدأت تتعافى من صدمة التعويم.

– لكن التفاصيل بقى بتقول أنه فيه 45.6 ألف مصري صافي ثروتهم أكثر من مليون دولار (16 مليون جنيه)، وعلى قد ما الرقم يبان كبير إلا أنه في الحقيقة متواضع جدا، لأنه ال45 الف دول 0.1 % بس من عدد البالغين في مصر.

– العدد يبقى أقل لو سألنا كام مصري ثروته تتعدى المليار جنيه، العدد بالظبط 245 شخص فقط. وده عدد نادر جداً بالقياس للمصريين، لكن كمان هوا عدد أكبر من المتوقع في دولة ثروتها مش كبيرة زي مصر.

– التقرير بيقول أنه 71.4 % من المصريين ثروتهم أقل من 10 آلاف دولار، يعني 71 مليون مصري تقريبا إجمالي ثروتهم لا تتعدى ال160 الف جنيه بأسعار الصرف الحالية، يعني مش معاهم ثمن شقة في منطقة شعبية فقيرة في القاهرة.

– نيجي للطبقة الوسطي واللي ثروتهم تتراوح بين 10 ألاف -100 الف دولار، يعني معاهم ما بين 160 ألف، و1.6 مليون جنية، هنلاقي أنه دول 26.9 % من البالغين في مصر، ودي نسبة ضئيلة جدا وبتعبر قد ايه الطبقة الوسطى المصرية فقيرة من ناحية الثروة لو قارنتها بدول كثير في العالم.

– يعني مثلا دول فقيرة زي غينيا الاستوائية النسبة دي فيها 27 %، السلفادور 46 %، والمتوسط العالمي هو 32 %، ودا يعني أنه الطبقة الوسطي المصرية فقيرة جدا في الثروة مقارنة بدول العالم.

– هنفهم دا برضه لو قارنا بين متوسط الثروات الفردية في مصر واللي حوالي 15.3 ألف دولار وبين متوسطات الثروات الفردية في العالم في حين أنه المتوسط العالمي لثروة الشخص البالغ يساوي 70.8 ألف دولار.

***

كل ده معناه إيه؟

– زيادة الثروات كرقم مش هي المهمة لكن المهم هو توزيع الزيادة دي كان إزاي؟ الموضوع مرتبط بشكل كبير بمعدلات “اللامساواة”، واللي فيه اقتصاديين كتير بيشوفوا أنه معدلات اللامساواة في الثروة بتعتبر بشكل أكبر عن وضع العدالة الاجتماعية في البلد، ده على عكس معدلات المساواة في الدخل واللي هنلاقي مصر وضعها فيها أفضل بكتير بمقاييس زي “معامل جيني” اللي بيقيس توزيع الدخل.

– معامل جيني نسبته في مصر 47 % بحسب إحصاءات 2018، نسبة كبيرة لكن مقبولة، لكن لو بصينا على تفاوت توزيع الثروة هنلاقي أنه أغنى 10 % من المصريين بيملكوا 73.3 % من الثروة في مصر، دي أرقام 2014 وهي أخر تقديرات رسمية بحسب تقرير كريديت سويس 2014. و على الرغم من كدا ال10 % دول بياخدوا 30-35 % من الدخل السنوي ( الناتج المحلي).

– دا يعني أنه معظم الزيادة اللي حصلت السنة اللي فاتت في الثروات راحت لأكثر 10 % أغنياء في مصر، ودا يفسر بشكل كبير إزاي الثروات بتزيد في الوقت اللي فيه 1 من كل 3 مصريين تحت خط الفقر.

– بعيدا حتى عن العدالة الاجتماعية، فالفرق بين معدلات المساواة في الدخل اللي كبيرة لكن مقبولة، وبين معدلات المساواة في الثروة اللي كبيرة جدا في مصر بيوضح قد ايه الاقتصاد المصري مشوه، ودا نتاج سياسات اقتصادية كلية فاشلة في مصر.

– إزاي ؟ معني أنه ال10 % اللي بيملكوا الثروة مبيقدروش يحصلوا إلا على 30-35 % من الدخل أنه الناس دي مبتستثمرش، يعني بتراكم ثروات غير منتجة، زي العقارات، العربيات، الذهب، الأراضي، كلها أصول ثابتة غير منتجة بشكل كبير.

– ودا نتاج سياسات اقتصادية منها السياسات المالية زي رفع أسعار الفائدة في البنوك بالتالي الشركات والأشخاص اللي عايزين يعملوا توسعات في المصانع بتاعتهم مش هيقدروا ياخدوا قروض، وعدد الناس اللي بتفكر في الاستثمار فعلاً هيبقى أقل من الناس اللي بتجمد فلوسها في عقارات أو أراضي.

– أو سياسات ضريبية زي أنه الضرائب على الثروات منخفضة، بالتالي الناس بتميل لتخزين الثروات في حاجة متدفعش فيها ضرائب على الأرباح والدخل، كمان غياب أنواع تانية من الضرايب زي ضرايب التركات الموروثة، والضرائب على العقارات وضريبة البورصة اللي نسبها منخفضة جدا.

– كمان ده بيعني أنه النظام الضريبي في مصر في مشاكل كبيرة، بالذات في جزئية الضرائب التصاعدية والعدالة الضريبية، لأن مش منطقي دولة فيها التراكم الكبير ده للثروة ومبيتاخدش فيها ضرايب تصاعدية تسمح بتدوير الفلوس دي في عجلة الاقتصاد وسد فجوات أساسية في الخدمات.

– لو الحكومة مثلا بتقدر تجمع ضرايب على العقارات المقفولة اللي بأعلى من قيمة معينة لتشجيع ملاكها يأجروها أو يبيعوها وقادرة قبل ذلك تنهي الأزمة المزمنة للتسجيل العقاري، أو بتفرض ضرائب على الثروة الضخمة (ودي مسألة مطروحة حاليا حتى في برامج مرشحي الرئاسة الأمريكية)، أو ضرائب علي “الأرباح الرأسمالية” زي ضرائب مضاربات البورصة، كانت نسبة كبيرة من الثروة دي دارت واشتغلت ودفعت الاقتصاد لقدام.

– ودي حلول أفضل من ضريبة القيمة المضافة، لأن ضريبة القيمة المضافة الكل بيدفعها فعلياً في الاستهلاك لأنه بيتم تحميلها من كل القطاعات الانتاجية على المستهلك، عشان كده هي بتجيب فلوس للموازنة لأنها بتتدفع إجباري من الفقير والغني واللي من الطبقة المتوسطة، بعكس الضرايب الموجهة لفئات بعينها.

*********

ده يتحل إزاي ؟

– عشان نقلل الفجوة في توزيع الثروة في مصر محتاجين سياسات اقتصادية كلية، تشمل سياسات ضريبية جديدة، سياسات نقدية من البنك المركزي والحكومة توسعية في الاقتصاد.

– سياسات عامة من الحكومة تحاول تقلل الاستثمارات اللي بتضخ في قطاعات العقارات وتوجه الاستثمارات دي ناحية قطاعات منتجة زي الصناعات التحويلية والزراعة.

– استراتيجيات متكاملة لمكافحة الفساد والاحتكار تخلي كل المستثمرين سواء الأجانب أو المحليين يقدروا يستثمروا بشكل متساوي بغض النظر عن علاقه بالحكومة ودواير الحكم.

– الكلام دا مش كلام حالم أو كلام عن العدالة الاجتماعية بس، لكنه كلام عن بناء اقتصاد متكامل في أنشطة إنتاجية كبيرة، وفيه طبقة وسطى واسعة ومشروعات صغيرة ومتوسطة بتشغل عمال كثير، دا اللي بيحارب الفقر ويقلل مساحة الاقتصاد غير الرسمي ويزود الإنفاق على التعليم والصحة والخدمات العامة.

– يعني الكلام دا في مصلحة الحكومة زي ما هو في مصلحة الشعب، لما نوزع التورتة بتاعة الاقتصاد سواء الدخول أو الثروات بمعدلات تساوي أفضل ده بينعكس علي معدلات النمو، بالتالي التورتة بتكبر مع الوقت.

– كل التجارب الاقتصادية الناجحة في العالم بشكل ما أو بآخر عملت ده، حتى الدول اللي كانت في وقت من الأوقات نامية زي الصين والهند اضطرت أنها توسع حجم الطبقة الوسطى وتدخل ناس كثير في هيكل الإنتاج، لأنه دا اللي بيضمن استدامة النموذج الاقتصادي.

– كالعادة الاقتصاد مرتبط بالسياسة، وجانب مهم من التحول ده مرتبط بوجود ممثلين منتخبين بنزاهة بالبرلمان عشان يمرروا قوانين لصالح عامة الناس مش لمصالحهم، والأهم وجود مجالس محلية بصلاحيات قانونية واقتصادية حقيقية بمناطقها بحيث كل منها شريك عن التنمية في مكانه.

– الكلام عن الاقتصاد مش بس هو الكلام عن معدلات النمو لكنه كلام عن توزيع ثمار النمو ده، ومين هيستفيد منه؟ وازاي نخلي أكبر عدد يستفيد عشان على المدى الطويل يرتفع مستوى معيشة الناس وتشتغل عجلة الاقتصاد صح .

– نتمنى أنه السلطة في مصر ييجي عليها وقت وهي بتفكر في الإصلاح الاقتصادي تاخد في الاعتبار الصورة الكاملة اللي زي دي، عشان الإصلاح يكون شامل ومكاسبة وخسايره تتوزع بالتساوي على المصريين، مش ناس ثروتها تزيد، بينما ملايين تانية بينزلوا تحت خط الفقر زي ما اتكلمنا سابقا عن أرقام الجهاز المركزي للإحصاء الأخيرة بارتفاع الفقر إلى 32.5%.




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *