أحمد السيد النجار، رئيس مجلس إدارة الأهرام السابق يكتب:

الاستمرار في الحكم أو الرئاسة لآجال طويلة أو مفتوحة يفتح في أي دولة في العالم بوابات الاستبداد ويخلق بيئة مواتية لتفشي الفساد وتدهور كفاءة النظام وتحلله تدريجيا، لذا جاء الدستور المصري عام 2014 قويا وصارما في جعل مدة حكم الرئيس 4 سنوات مع التأكيد على عدم جواز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة فقط (المادة 140) بحيث تكون الفترة القصوى لحكم أي رئيس هي 8 سنوات فقط. وجاءت المادة 226 من الدستور لتنص على أنه “في جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقا بالمزيد من الضمانات”. والضمانات هنا تعني التشديد على المدة وعلى عدم التجديد إلا لمرة واحدة. وبالتالي فإنه طالما بقي هذا الدستور فإنه لا يجوز المساس بهذا الأمر وفقا لتحصينه لتلك النصوص بعدم جواز تعديلها أصلا. لقد جاء الدستور المصري عام 2014 ليعكس إرادة الأمة والتوافق بين مكونات تحالف 30 يونيو بكل تنوعه، قبل أن تزيح أجهزة الدولة غالبية تلك المكونات، وقبل أن يضيق براح الحرية كليا على ضوء قانون تنظيم التظاهر الذي يمنع التظاهر عمليا ويتسم بطابع بوليسي.
أما ما يُقال عن أن تداول السلطة كملمح أساسي للنظم الديموقراطية أمر لا يناسب الدول النامية فإن الواقع يشير إلى عكس ذلك فالهند يقودها نظام ديموقراطي مدني وهي أكبر ديموقراطية في العالم منذ استقلالها وحتى الآن وبها انقسامات طائفية هائلة ورغم ذلك تقدمت بفضل نظامها الديموقراطي وتداول السلطة وصارت صاحبة ثالث أكبر اقتصاد في العالم من زاوية الحجم (7910 مليار دولار قيمة الناتج المحلي وفقا لتعادل القوى الشرائية)، وخرجت من تصنيف الدول الفقيرة إلى دول الدخل المتوسط، وتساهم بفعالية في الصادرات عالية التقنية، ولديها رصيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة حوالي 378 مليار دولار، وتتلقى استثمارات أجنبية مباشرة قيمتها نحو 39 مليار دولار سنويا في المتوسط خلال السنوات الخمس الأخيرة، وصارت ضمن الدول النووية واقتحمت الفضاء بأقمار وصواريخ حاملة صنعتها بنفسها وليست مشتراة أو مؤجرة. وقد أصبحت النظم الديموقراطية التي يتم تداول السلطة فيها هي القاعدة في غالبية الدول النامية وضمنها عدد كبير من الدول الإفريقية الفقيرة أو المتوسطة الدخل من السنغال إلى إثيوبيا مرورا بكينيا وليبيريا وجنوب إفريقيا وغيرها من الدول.
ربما يجوز أن تتفهم الأمة والأجيال القادمة تحصين بعض الأفعال والأشخاص والمؤسسات في الفترة الانتقالية الحرجة، كثمن مرحلي لتداول السلطة، لكن التاريخ لن يغفر مطلقا لأي شخص أو جهة مسألة العبث بالدستور من أجل إعادة بناء نظام استبدادي يغلق الأفق أمام التطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي للبلاد وللدولة نفسها. وإذا كان الرئيس قد أعلن سابقا أنه سيحترم تحديد الدستور لفترة الرئاسة وتجديدها لمرة واحدة، فإن ذلك يستدعي منه إيقاف محاولات العبث بالدستور وتجاهل كل الدعوات الخبيثة التي تحرض على ذلك، فعلينا احترام الدستور لمصلحة الدولة والأمة معا، ولأجل مستقبل هذا الوطن العظيم الذي نشرف بالانتماء إليه.




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *