– طول الأيام اللي فاتت الرأي العام مشغول بقضية الشاب محمود البنا اللي اتقتل في المنوفية بسبب دفاعه عن بنت ضد التحرش.
– شفنا تخوف واسع عند الناس إن المتهمين يفلتوا من العقوبة، وده دفع بعض الأهالي يتظاهروا أمام بيت البنا بشكل سلمي، لكن الداخلية قبضت على بعضهم وشفنا فيديو مؤلم لسحل بنت في الشارع عشان كانت بتصور.
– يوم الثلاثاء الداخلية أعلنت عن القبض على 22 شخص، قالت إنهم من جماعة الإخوان وكانوا بيحرضوا الناس على استغلال الواقعة، والتظاهر ضد النظام!
وبعدها الداخلية نشرت فيديو فيه اعترافات للمقبوض عليهم، من ضمنهم البنت دي اللي تعرضت للاعتداء.
*****
ايه اللي حصل؟
– ملخص القصة حسب بيان النائب العام وأسرة الضحية اللي حصل ان محمود البنا استاء من تصرفات راجح تجاه إحدى الفتيات، وكتب على انستجرام عبارات تستنكر اللي حصل. راجح بعت له تهديدات.
– والد محمود البنا بيقول “ابني قالهم مش رجولة واعتبرها زي أختك”.
– يوم الحادث المتهمين انتظروا محمود، راجح كتفه وفتح المطوة أدام وشه، والتاني رش مادة حارقة في عينه. لما صوتهم علي، أصدقاء البنا رجعوا وخلصوه من إيدهم، ولما جري عشان يهرب قابله المتهم التالت وفتح عليه مطوه وعرقله، في الوقت ده كان راجح لحقه، وضربه بالمطوة في وشه وفخذه الأيمن، والمتهمين التانيين رشو مادة حارقة على زملائه عشان ميتدخلوش، وبعدها راجح ركب موتوسيكل ورا المتهم الرابع.
– البنا اتوفى بشكل رئيسي من النزيف بسبب إصابة شريان الفخذ.
– الكاميرات في المكان سجلت الواقعة، والنيابة اطلعت عليها وعلى رسائل التهديد.
****
ليه الناس مش واثقة في القضاء؟
– ليه الناس يكتبوا على هاشتاج منتشر يدعو للقصاص من القاتل؟ وبعدها يحاولوا يتظاهروا لدعم القضية؟ واحنا هنا بنتكلم عن قضية مش سياسية على الإطلاق؟ .. دي إشارة خطيرة جدا للتخوف وعدم الثقة في إن المنظومة القضائية هتحمي الحقوق ومش هتخضع لضغوط أو مثلاً يحصل تلاعب في الشهادات أو الأوراق.
– فيه أخبار انتشرت عن محاولات لقفل القضية، زي إن أسرة راجح عرضت فلوس على أسرة القتيل، وهددوهم بنفوذهم، وطلبو منهم ياخدوا الفلوس ويسكتوا لأن ابنهم هيخرج من القضية، لكن أسرة البنا نفت الكلام ده وقالت انه محصلش.
– كمان تردد إن البنت اللي تم التحرش بيها شهدت ضد محمود البنا، لكن برضو ده كلام غير دقيق، ونفته أسرة البنت وأسرة البنا.
– ناس كتير متخوفة كمان انه ياخد حكم سجن مش مشدد، وبالفساد يدخله مميزات داخل سجنه، ويخرج قبل ما ينهي عقوبته كمان زي ما شفنا بقضايا جنائية تانية، بعكس القضايا السياسية للأسف اللي بنشوف فيها أحكام كبيرة جدا وتشدد في ظروف السجون لدرجة حرمان المتهمين من حقوقهم القانونية!
والوضع ده خلل كبير بميزان العدالة، وهو سياسة لأولوية الأمن السياسي على الجنائي في كامل شغل الشرطة والقضاء.
– مع كل التقدير لمشاعر أسرة الشهيد، لكن لازم نقول بالمقابل برضه ان المطالبة بإعدام راجح وكمان بث الإعدام على التلفزيون أمر غير منطقي. هوا تاريخ ميلاده حسب الأوراق اللي قدمها محامي البنا نفسه هو 11 نوفمبر 2001، يعني مازال تحت 18 سنة، وبالقانون لا يجوز اعدام قاصر.
– تحديد السن ده مرتبط بدراسات علمية كتير عن سن النمو العقلي وتحديد المسؤولية، وكمان مرتبط باحصاءات غرضها تعميم قاعدة لأن مينفعش تخلي كل حالة ليها معيار مختلف .. ده زي ما سن الرشد اللي فيه الشخص يحق له التصرف بممتلكاته 21 سنة، رغم ان وارد حد أصغر يكون عاقل يدير امواله وحد أكبر ميقدرش.
منطق الدولة والقانون مختلف عن عواطف الناس حتى لو كانت نبيلة.
– أما مسألة البث التلفزيوني والاعدام في ميدان عام دي بالتأكيد ممارسات انقرضت في العالم كله لأسباب كتير، ومحدش بيشوفها الآن إلا في حاجات زي إصدارات داعش!!
– للأسف بعض تصريحات المحامين اللي قالت انه ممكن نطلب من الرئيس السيسي تعديل القانون ووضع استثناء لإعدام راجح، برضه غير قانونية، لأن مفيش قاعدة قانونية بتتطبق “بأثر رجعي”!
يعني حتى لو حصل تعديل وتم تخفيض السن أو تم وضع استثنائات لجرائم معينة، برضه ده مش هيتطبق في القضية دي لكن في القضايا اللي بعدها، وأي محامي عارف ده لكن للأسف البعض بيحاول يغازل المشاعر الشعبية، ويحصل على شهرة حتى لو هوا عارف كويس ان كلامه غلط قانونا.
****
– القضية فيها أبعاد عديدة سببت الغضب الشعبي ده.
الأولى هي انتشار التحرش، وحالة التسامح معاه، واللي بتشجع أشخاص كتير انهم يتحرشوا بالستات طالما مافيش ردع جاد، لدرجة إن متحرش يقتل شخص بيلومه على فعله!
– الموضوع بقى منتشر جدا في مصر، لدرجة إن من بين 18 مدينة كبرى في العالم، القاهرة احتلت المركز اﻷول كأكثر المدن خطرًا على النساء في 2017، وفقا لإحصائية مؤسسة تومسون رويترز.
– ده مش أول قتيل يسقط بسبب دفاعه عن بنت أو ست من التحرش. في شهر يناير اللي فات مثلاً، شاب اسمه سيد طه وعنده 28 سنة، شاف شخص بيتحرش بسيدة في منطقة البساتين، ولما دافع عنها المتحرش اتخانق معاه وقتله بطعنات في قلبه .
– اللي بيحصل ده ممكن يخوف ستات كتير من الإعتراض على التحرش، أو يخوف برضه الشباب من التصدي ليه.
-عشان كدا لازم يكون فيه إدانة واضحة للفعل ده من المجتمع وكمان تطبيق صارم للقانون، ولازم كمان يتم إنشاء وحدات خاصة في جهاز الشرطة لبلاغات التحرش تحديداً لأن إثبات التحرش اللفظي أو الجسدي مش سهل، لأن مش كل ست هتمشي بكاميرا متعلقة في هدومها مثلاً.
********
– تاني نقطة مهمة لازم نتكلم عنها هي انتشار ظاهرة البلطجة، وتوسعها خاصة بين صغار السن. يعني مثلا بنشوف توسع في استخدام الأسلحة البيضاء من قبل شباب صغيرين وأحيانا أطفال، مع حالة احتفاء بيها، باعتبارها نوع من الشطارة.
– والأسباب كتير، الفقر والبطالة ونقص التعليم، وغياب الدولة عن مناطق عشوائية وشعبية فالناس بتحل نزاعاتها بالقوة وتأجير البلطجية، ده غير أعمال فنية تمجد الظاهرة، وغيرها عوامل كتير محتاجة جهود حكومية ومجتمعية جادة على مستوى الثقافة والتعليم والتنمية.
*****
– النقطة التالتة، هي إن اصلاح القضاء واستعادة الثقة فيه ده محتاج إجراءات كتير، زي من الأول مراجعة لطريقة إختيار القضاة ووكلاء النيابة واللي فيها شبهات كبيرة للوساطة والمحاباة لصالح أبناء القضاة والظباط، وزي إصدار قوانين حماية للشهود والمبلغين، تطوير العمل القضائي باساليب الكترونية توفر الزحام والمراحل البيروقراطية، وكمان أصلا إتاحة أعداد أكبر من القضاة نظراً لأن أعداد القضايا فعلاً في زيادة كبيرة وده بيأدي إلى تساهل في الحكم على قضايا بدون تحقيقات عادلة، استقلالية حقيقية للقضاء بعيد عن تدخلات ونفوذ الأجهزة الأمنية، إبعاد القضاة عن التسييس نهائياً لأنه مينفعش يبقى القضاة أصحاب إنحيازات سياسية تأثر على أحكامهم وقناعاتهم في نظر القضايا أو التحقيقات، وده كله محتاج إرادة سياسية ونية حقيقية للإصلاح في المجتمع كله.
****
– في العالم علماء الاجتماع والجريمة وعلم والنفس وغيرهم من المتخصصين بيناقشوا مسألة وجود عقوبة الإعدام أصلا (حاليا العالم فيه 58 دولة تطبق الإعدام من بين 195 دولة)، وعندنا حقوقيين مصريين بيطالبوا بذلك، وفي المقابل فيه أصوات تانية رافضة جدا، وكل طرف له أسبابه، والمسائل دي بتحتاج “النقاش المجتمعي” بشكل واسع لطرح الآراء والحجج بأسلوب هاديء وعلمي، للوصول لقدر من التوافق حولها، وده اللي مفيش عندنا آلياته للأسف.
– مهم وجود احترام لرأي الناس، فلما يبقى واضح ان ناس كتير القضية دي لمستها وقلقانين الجاني يفلت من العقوبة، يبقى دور الجهات الرسمية تطمئن “الرأي العام”، نشوف تواصل على أعلى مستوى مع أسرة الشهيد البنا، ونشوف تواصل مع أهالي منطقته، لو كان عندنا مجالس محلية كنا هنقول لازم الممثلين المنتخبين للمنطقة يكون ليهم دور.
– وبالتأكيد اللي حصل بالاعتداء على اللي طالبوا بحق الشهيد والقبض على ناس منهم وتصوير اعترافات تحت الضغط أو التعذيب كل ده بيزود حالة عدم الثقة بالشرطة والقضاء، لأن طبيعي كده أي حد يفكر انه كده ممكن بنفس أسلوب الضغط والترهيب تتغير أي حقايق.
****
– خالص العزاء لأسرة محمود البنا، ونتمنى يكون فيه وقفة جادة مش بس مع القضية دي لكن مع كل مظاهر البلطجة والعنف والتحرش، وده محتاج مجهودات وإرادة حقيقية لوقف الظواهر دي.