من أهم الأسباب اللي بنسمعها كتبرير لتعديل الدستور لمدة فترات الرئاسة هيا ان مصر في اللحظة دي مش مستعدة لتغيير القيادة السياسية بعد نهاية فترة الرئيس السيسي 2022، وإنه أوضاع الاقتصاد، وحرب الإرهاب، وتآمر دول خارجية علينا هيا أسباب للظرف الاستثنائي ده.

ده اللي هنناقشه النهاردة بنماذج دولية، وكمان بتحليل تاريخي لأوضاعنا وقت نقل السلطة بين عبدالناصر والسادات ومبارك وهل فعلا التغيير ده بالظروف الصعبة أثره كان إيجابي ولا سلبي؟
*****

هل الدول التانية بتتأثر لما يحصل تغيير برأس النظام وقت الأزمات؟

بالعكس إحنا شُفنا دول كتير جدًا كانت بتمُر بظروف أسوأ مننا زي الحروب والاحتلال الخارجي، وبتقدر تعمل انتقال سلطة دون خوف من عدم الاستقرار.

– ده حصل في أمريكا مثلًا خلال الحرب العالمية التانية مع وفاة روزفلت، وبكل سلاسة انتقلت السلطة لترومان بدون أي تأثير على مسار الحرب المشتعلة، وأمريكا وصلت للنصر بعدها.

– حصل كمان في إندونيسيا اللي مرت بأزمة اقتصادية عنيفة سنة 1998 أدت لمظاهرات ضخمة أجبرت سوهارتو على الاستقالة بعد 32 سنة من الحكم، والنتيجة كانت تولي نائبه الرئاسة لحد ما عملوا أول انتخابات ديمقراطية، وتعافى اقتصادها من الأزمة دي بعدها.

– وقريب حصل مع تونس في 2014-2015، لما رغم كل الأزمات الاقتصادية وإرهاب داعش وغيرها تم نقل السلطة لحزب نداء تونس بعد انتخابات ديمقراطية، وبالعكس المسار الديمقراطي كان عامل استقرار، وتونس قدرت تتجاوز مظاهرات ضخمة، وتعمل تعديلات حكومية، بسبب استقرار نظامها اللي فيها الاحزاب والقوى المختلفة شريكة بالحكم بمحدش منهم يقدر يحمل التاني كل المسؤولية.

وعشان محدش يقول الدول دي مش شبهنا ومصر مختلفة هنحلل أوضاع أهم نموذجين لانتقال السلطة بمصر في تاريخنا الحديث.
*****

الانتقال من عبد الناصر للسادات

– الفترة الممتدة من أواخر الستينات لحد حرب أكتوبر 1973 كانت أصعب فترة عدت على الدولة المصرية وحصل فيها أزمات ضخمة لا تُقارن بأي شيء حصل بعد كده لأسباب كتير:
أولًا لأن مصر كانت لسه محققة السيادة الكاملة بعد جلاء الاحتلال الإنجليزي سنة 1954، وكانت الطموحات كبيرة جدًا مع صعود عبد الناصر للحُكم، بدءًا من تحقيق النمو الاقتصادي وتأسيس صناعة وطنية، لحد مشاريع إقليمية ضخمة زي الوحدة العربية والأفريقية وحركة عدم الانحياز.

وثانيًا لأن التهديد الإسرائيلي كان مباشر وعلى حدودنا، وقدر فعلًا يحتل سينا بالكامل في كارثة غير مسبوقة، وفوق خسائرها المادية والبشرية، أدت لتحطم معنويات جيل كامل آمن بالأحلام الكبرى.

وثالثًا لأن الاقتصاد تدهور جدا مع عجز ميزان المدفوعات في 1965، وبعدها تدهور أكتر بعد هزيمة 1967، ده غير عبء مجهود الحرب اللي كلفنا كتير.

وبالتالي وفاة عبد الناصر المفاجأة كانت لحظة حساسة جدا ومعرّضة إنها تؤدي لانهيار كل شيء؛ جهود الحرب، ومعنويات الشعب، وإعادة بناء الجيش والاقتصاد وغيرها كتير.

لما السادات تولّى السُلطة كان فيه توقعات بإننا مش هنقدر نحارب إسرائيل بعد كل الضغوطات، خصوصًا والسادات كان مشغول بمعركة سياسية مع مراكز القوى.

لكن إيه كانت النتيجة؟ العكس!

– اللي حصل إن انتقال السلطة معطّلش أبدًا المعركة مع إسرائيل، بل أدى لإن مصر تشن الحرب الوحيدة اللي حققت فيها دولة عربية مكاسب عسكرية غير مسبوقة ضد إسرائيل منذ تأسيسها، ومن أسباب ده إن القيادة الجديدة – اللي بدون شرعية شعبية واضحة لحد 1973- كانت حريصة على إنها تثبت وجودها وشرعيتها بالانجاز في الحرب.

– كمان حصل بعدها تحوّل سياسي إيجابي بالتخلي ولو جزئيًا عن فكرة سيطرة الحزب الواحد وقرار السادات بإنه النظام السياسي يسمح بوجود أحزاب معارضة، وتفوز بمقاعد برلمانية، وهامش انفتاح سياسي وإعلامي محصلتش من 1952.

– ده غير إنه انتهاء الحرب رفع العبء الاقتصادي عن الشعب شوية ناهيك عن تدفق مساعدات من دول عربية كتير.

الخلاصة إن انتقال السلطة ده كانت نتايجة إيجابية مش سلبية .. لكن طبعًا المسار ده مستمرش بنفس الصورة، والسادات في آخر سنواته في الحكم تراجع عنه، وده اللي يوصلنا للتجربة التانية.
*****

الانتقال من السادات لمبارك

– فترة أواخر السبعينات كانت فترة عصيبة في تاريخ مصر، أولًا لإنه الاستبداد تزايد جدًا مع انفراد السادات المطلق بالسلطة، وتجاهله للمعارضة واللي انتقدت مساوئ المسار الاقتصادي، وخلافات كتير حول اتفاق كامب ديفيد مع إسرائيل. شهدت المرحلة دي اعتقال الآلاف بل وتهديد الرئيس ليهم بشكل صريح في البرلمان بصورة مشوفنهاش قبل كده وصلت للشتيمة علنًا.

– وشهدت كمان خسارة العلاقات الدبلوماسية مع دول عربية كتير أدت لنوع من العُزلة في المنطقة.

– الأخطر كمان كان ظهور جماعات متطرفة بتمارس العنف والإرهاب، ودي كانت موجة أخطر بكتير من أي حاجة بتحصل دلوقتي لأنها كانت بتحصل في قلب العاصمة ومدن الوادي مش منطقة بعيدة زي شمال سينا، وده وصل بينا لاغتيال رئيس الدولة بنفسه في واقعة غير مسبوقة، واللي اغتالوه من جوا الجيش، وبالمناسبة عبود الزمر نفسه كان وقتها ظابط في المخابرات الحربية، يعني الجماعات دي وصلت لقدر من اختراق الدولة والأجهزة الأمنية والعسكرية!

– الظروف دي خلت انتقال السلطة بمرحلة حساسة جدا وخطيرة جدا، لكن كانت إيه النتيجة؟

النتيجة كانت إيجابية.

– التغيّر اللي حصل من أسلوب السادات الصدامي في أواخر أيامه مع المعارضة لأسلوب مبارك الأكثر هدوءًا، واللي بدأ عهده باطلاق سراح مئات من المعتقلين السياسيين، واستقبل رموزهم في القصر الجمهوري، وبدأ يعمل حوار مع أطراف سياسية، وعمل مؤتمر اقتصادي كبير، كل ده ادى إحساس لمصريين كتير بتخفيف التوتر.

– الإرهاب تراجع تدريجيا لحد ما انتهى تماما بعد اقرار مبادرات وقف العنف أو المراجعات في السجون.

– ده غير إنه أرسى استقرار اقتصادي معقول خلال التمانينيات والتسعينيات يمكن في من جيلنا عاش طفولته وقتها فاكر منه حاجات كتير.

– طبعًا مبارك مكنش عليه عبء القيام بأي معركة عسكرية زي السادات، لكنه واجه مشكلة كبيرة في العلاقات مع إسرائيل هي أزمة طابا، لما إسرائيل أثارت حجج إن العلامة الحدودية الخاصة بطابا غير صحيحة تاريخيًا، وكمان قررت تبني فندق وقرية سياحية كأداة ضغط.

لكن مصر قررت خوض المعركة الدبلوماسية واستغرقت حوالي 7 سنين لحد ما نجحت بالفوز بالتحكيم الدولي، وإسرائيل انسحبت سنة 1989، وده حصل رغم إنها منطقة صغيرة وموقعها مش بنفس مركزية تيران وصنافير، وكان ممكن ببساطة التخلي عنها قصاد مقابل سياسي أو اقتصادي، لكن من أسباب إن ده محصلش إن الدولة في الفترة دي كانت حريصة إنها تكتسب شرعية لرئيسها الجديد، زي ما عمل السادات في أكتوبر.
*****

دروس من تاريخ الدولة المصرية

– الدرس الرئيسي هو إنه في لحظات أخطر بكتير أمنيا واقتصاديا بيكون انتقال السلطة شيء ممكن ومش مستحيل أبدًا، لأن الدولة المصرية رغم مشاكلها الكتير تظل دولة كبيرة ومتشعبة على إن مصيرها يتوقف على شخص واحد مهما كان.

– وإذا كنّا شُفنا انتقال من عبد الناصر للسادات في لحظة فيها حرب كاملة واقتصاد مستنزف، وشُفنا كمان انتقال تاني للسلطة لمبارك في ظل موجة إرهاب وعنف، وفي ظل تعقّد المفاوضات مع الإسرائيليين بخصوص طابا، فالمؤكد هو إننا نقدر نشوف انتقال للسلطة انهاردة وإحنا في ظروف أفضل بكتير!

– الحقيقة إنه انتقال السلطة مش بس مش هيأثر أبدًا على أي معارك مهمة مصر بتخوضها، بل ربما العكس زي ما شُفنا في انتقال السلطة من السادات لمبارك؛ أحيانًا بتكون في قيادة وصلت لطريق مسدود ومصممة على طرق معيّنة للتعامل مع الوضع السياسي والاقتصادي وبيكون ده سبب في استمرار الأوضاع، وبالتالي تغيير القيادة السياسية بيكون إيجابي في حد ذاته لحل الأزمة زي ما حصل بعد تولي مبارك.

– نفس الكلام ينطبق بالمناسبة على مبارك نفسه، شفنا إن رحيله وبقاء السلطة خالية من أي رئيس لسنة ونُص رغم مشاكل كتير اقتصادية وأمنية حصلت طبعا، لكن واقعياً البلد موقعتش، ولا غياب الشرطة عمل حرب أهلية بين المصريين، وكمان مشوفناش بالوقت ده انحدار شديد للعملة المصرية زي ما شُفنا بعد قرار التعويم وخطة صندوق النقد ولا عدد الشهداء اللي بيسقط في سينا.

– شفنا كمان إزاي انفتاح سياسي على القوى والأحزاب بيدي أثر إيجابي جدا، مع انه كان دايما انفتاح شكلي وعمره ما وصل لمجرد شراكة في السلطة.
– مش منطقي إن النظام نفسه مش قادر يطلع بديل من داخله، من رجال القوات المسلحة أو أي مسؤول غير شخص واحد فقط يتعدل الدستور على مقاسه. الرئيس السيسي اتكلم كذا مرة إنه هيموت وهيحصل بعدها كذا، ليه الوسيلة الوحيدة لانتقال السلطة هيا الوفاة؟! طيب ولو حصلت فجأة هل البلد هتقع برضه؟
*****

– على مدار الستين سنة اللي فاتوا تقريبًا من تحرّك الجيش في 1952 كنا بنشوف إنجازات مهمة في بداية عهد أي رئيس بيحاول يخلق لنفسه شرعية، ومعظم إنجازات الدولة المصرية لو قيّمنها هنلاقيها في النصف الأول من عهود عبد الناصر والسادات ومبارك لما كانوا حريصين على كسب تأييد الناس؛ زي تأسيس قاعدة للصناعة الوطنية في الخمسينات، انتصار أكتوبر 1973، استعادة طابا سنة 1989، إلخ.

– في المقابل، وعكس النظم الديمقراطية اللي القيادة فيها بتتغير خلال 8-10 سنين، القيادة المصرية لما كانت بتعتمد على شرعية مكتسبة لفترة طويلة وبتفضل في السُلطة أكتر من اللازم كانت بتتجه لزيادة قمع المعارضة، وزيادة العنف الأمني، وبيحصل تدهور اقتصادي وغضب شعبي تجاه ملفات حيوية كتير بدأ يظهر فيها فشل الدولة، وتنازلات دبلوماسية غير مقبولة زي ما شُفنا في أواخر السبعينيات وآخر عشر سنين من حُكم مبارك، والتالي بيكون الحل لعدم الاستقرار ده هو التغيير ومش العكس ما بيقولولنا إنه التغيير هيزوّد عدم الاستقرار.

– لما نبُّص على مصر انهاردة، والتأزُّم الاقتصادي اللي غالبية الشعب بتعاني منه مقارنة بالأوضاع قبل رئاسة السيسي، والعنف الشديد مع المعارضة بما فيها الأحزاب القانونية، واستمرار الانقسام، وعدم انتهاء الإرهاب في سينا، والتنازل اللي حصل في موضوع تيران وصنافير، كل ده يخلينا متأكدين إنه تغيير القيادة السياسية مش استمرارها هو اللي هيكون مفتاح لاستقرار حقيقي يفتح باب الحريات السياسية من جديد، وتظهر معاه بدائل للتعامل مع ملفات الاقتصاد والأمن.

– التغيير مش سبب في عدم الاستقرار، عدم الاستقرار بييجي من انتهاء صلاحية نظام فشل بملفات تهم الناس وبقى سبب لغضبهم، أما التغيير فهو الشرط الوحيد لتحقيق استقرار حقيقي وإنتاج حلول جديدة بدايرة شراكة أوسع لحل الأزمات اللي بتعاني منها مصر.
*****




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *