– استكمالا للبوست السابق عن تحول مساجين إلى التطرف والإرهاب داخل السجون، والقصص اللي تم توثيقها عن الكارثة دي وأسبابها:
– النهاردة هنكمل معاكم بعرض عدد من التجارب لدول زي (المغرب – فرنسا- بلجيكا) تعاملت مع التطرف في السجون باستراتيجية علمية شاملة، وبخطط مدروسة بتراعي أبعاد سياسية واجتماعية جنب البعد الأمني لأن النجاح الأكبر مش اننا نحارب الارهابيين بل انه الناس ميتحولوش إرهابيين إصلا.
*****
المغرب .. برنامج “مصالحة”
– سنة 2003 واجهت المغرب تفجيرات إرهابية في الدار البيضاء – عاصمة المغرب – وحصل بعدها حملة اعتقالات لمئات المنتمين لتيار السلفية الجهادية شبابا وشيوخا.
– بسرعة لاحقاً تم الإفراج عن الغالبية اللي لم تثبت عليهم أدلة، وهنا لازم ناخد بالنا ان الحبس الاحتياطي في المغرب الحد الأقصى ليه في الجنح 3 شهور، وفي الجنايات سنة واحدة .. بينما في مصر مفيش حد أقصى، وعندنا مثلا حاليا الصحفي الأستاذ هشام جعفر بيمضي العام الثالث حبس احتياطي!
– في 2017 أطلقت المغرب برنامج مصالحة بشراكة مع برنامج الأمم المتحدة للتنمية – عندنا اعلاميين بيقولو عليها مؤامرة وضد مصر – بهدف “المصالحة مع الذات، المجتمع، النص الديني”.
– بدأ البرنامج في سجن العرجات 1 في المغرب عن طريق إختيار 25 سجين بيمثلوا عينة من مختلف الاتجاهات المتطرفة في السجن، كان بيشمل لقاءات وورش عمل مع السجناء بيعملها متخصصين وأكاديميين بداية من علماء الدين، وحتى علماء النفس والاجتماع والخبراء الأمنيين.
– ركزت اللقاءات والورش على 4 أبعاد هي البعد الديني واللي بيشمل الحديث عن تفسير النصوص الدينية مع علماء من الرابطة المحمدية في المغرب، والبعد الثاني وهو البعد النفسي عشان يعرف التحولات اللي مر بيها الشخص لحد التطرف، والبعد الثالث هو علاقة الفرد بالمجتمع، وأخيرا البعد الاقتصادي لإعادة دمج السجناء المتطرفين السابقين في المجتمع بعد خروجهم وإكسابهم مهارات عشان العمل.
– كمان اللقاءات دي شملت عرض فيديوهات وتسجيلات للتفجيرات اللي قام بها الإرهابيين ومقابلات مع عائلات ضحايا التفجيرات.
– بعد سنة واحدة، نجح البرنامج في تأهيل واعادة دمج ال25 عينة اللي كان بيركز عليهم، وقرر برنامج الأمم المتحدة للتنمية التجديد لتمويل البرنامج.
– يتم التعاون بين إدارات السجون والمجلس الوطني لحقوق الإنسان للبحث الدقيق في تصنيف كل مسجون والتأكد من عملية الفصل بين المساجين، وهي عامل رئيسي اتكلمنا عنه سابقا.
– تم السماح لمنظمات المجتمع المدني والحقوقيين للمشاركة في الاستراتيجية، بعض المنظمات بدأ يدرب الموظفين والمشرفين على السجون في فهم ومعرفة تحول أي مسجون باتجاه التطرف، وكيفية التعامل مع السجين المتطرف.
– ده مش البرنامج الوحيد اللي بتعملة الحكومة المغربية لمحاربة التطرف جوة السجون لكن فيه برنامج تاني اسمه ” التثقيف بالنظير (الآخر)” واللي بدأ في 2016 بتمويل من اليابان وتنسيق مع برنامج الأمم المتحدة للتنمية واللي بيشمل مجموعة من اللقاءات المتكررة مع مجموعات أكبر من السجناء، لحد دلوقتي 22 ألف سجين، لنشر ثقافة التسامح والحوار بين السجناء.
– وده كله كان بيتم بالتوازي مع خطوات عامة بتحصل في المغرب تدريجياً للتهدئة السياسية زي انهم في التسعينات الملك أغلق سجن تزمامارت أبشع سجن في المغرب وكان مسجون فيه ظباط حاولو عمل انقلاب على نظام الحكم، وزي كيفية تعامل الملك مع أول مظاهرات 2011 بتعديلات دستورية سمحت للناس تاخد مسار سياسي للانتخابات والإصلاح بدون تغيير النظام.
– ده جنب خطوات كبيرة في اصلاح الخطاب الديني بالمساجد.
– وبسبب الاستراتيجية دي الإرهاب تراجع جدا في المغرب، وباستثناء تفجيرات مراكش سنة 2011 فالنشاط الإرهابي وعدد الخلايا اللي بيتم القبض عليها محدود جدا، رغم الأزمات الاقتصادية اللي بيعاني منها معظم الطبقة الوسطى والفقيرة هناك اللي أدت لأحداث مظاهرات الريف، وحملة مقاطعة السلع اللي اتكلمنا عنها سابقا وشفنا رد الفعل الحكومي نحوها.
– بالتأكيد الوضع في المغرب مش مثالي، وعندهم مشاكل كبيرة سياسية واقتصادية وحقوقية، لكن احنا لما نعقد مقارنة باللي عندنا أكيد هنشوف المغرب دولة عربية عندها رؤية مختلفة وتعامل مختلف بيؤدي لنتائج مختلفة.
*****
فرنسا .. الخطة الوطنية لمكافحة التطرف داخل السجون والمدارس
– بعد الهجمات الإرهابية اللي تعرضت لها فرنسا في 2015 و2016، بدأت الحكومة الفرنسية تدرك خطر اهمال السجون، وازاي بعض أبرز الإرهابيين ظهر انهم كانوا اتسجنو بقضايا جنائية عادية جدا ولا يعرفو أي حاجة عن الاسلام، لكن اتعرفو على متطرفين جندوهم جوا السجون.
– تم إعلان الخطة الوطنية في فبراير 2018 على ايد اداورد فيليب رئيس الوزراء.
– بدأت الخطة بتصنيف الإرهابيين والمتهمين بالإرهاب جوا السجون واللي عددهم حوالي 1600 إرهابي تبعا لخطورتهم، وتم إقرار عزلهم تماما عن باقي المساجين.
– كمان الحكومة الفرنسية عن طريق أجهزة الأمن عملت احصاء لعدد المرشحين للتحول للتطرف سواء برة السجون أو جواها من ضمنهم الأشخاص العائدين من سوريا والعراق – لأن دي في حد ذاتها مش جريمة فمش بيسجنوهم إلا لو ثبتت تهم في حقهم – وجدوا أنه في حوالي 320 رجعوا لفرنسا، وحوالي 700 لسه موجودين هناك، وحوالي 20 ألف شخص مرشح للتطرف، قرروا ان متابعة الناس دول أمنيا ممكن يمنع حدوث الجرائم وينبه لأي علامة خطر، لكن في نفس الوقت بدون أي مساس بيهم أو بحريتهم وحقوقهم ما دام محدش فيهم عمل حاجة.
– ده بالإضافة لحوالي 68 قاصر أصغر من 13 سنة رجعوا من سوريا وبيتم متابعتهم ورعايتهم النفسية بشكل دقيق.
– كمان الخطة ركزت على تطوير التعاليم الدينية اللي بتدرس في المدارس اللي فيها أغلبية مسلمة في فرنسا.
– أثناء مناقشة الخطة الحكومية داخل مجلس مجلس الشيوخ حدث اعتراض من بعض النواب على بعض البنود، وطلب بعضهم تسليم البيانات الخاصة بال 20 ألف المُراقبين للمحافظين ورؤساء البلديات لمعرفتهم والوقاية منهم، لكن رئيس الوزراء رفض تماماً وقال إنه مش منطقي نخلي المحافظين عملاء للأجهزة الأمنية، وأكد كمان ان أي مراسلات عن أشخاص بعينهم هتكون في “غاية السرية”، خوفا من تسريب المعلومات واللي ممكن تسبب خطر على على ال 20 ألف شخص دول .. نقارن ده بالوضع عندنا ناس بتدعو لقتل المشتبه فيهم بدون تحقيق ولا محاكمة!
*****
برنامج ” DeRadex ” بلجيكا.
– الحكومة البلجيكية بعد تفجيرات بروكسل في 2016، بدأت في تطبيق برنامج دي راديكس لمكافحة التطرف جوة السجون، خصوصاً مع زيادة عدد المسافرين لسوريا والعراق مؤخراً.
– البرنامج ركز على بناء 3 سجون كبيرة، فيها عزل للمدانين في قضايا الإرهاب بعيدا عن السجون العامة، وتشديد المراقبة عليهم حتى جوة السجن بدون منعهم من الخروج من الزنازين، لكن مراقبة صارمة لكل أنشطتهم ونقاشاتهم جوة السجن، بتسمح لهم بكل الأنشطة المتاحة للسجناء العاديين زي ممارسة الرياضة والقراءة لكن تحت مراقبة.
– الحكومة بتركز في السجون المعزولة دي علي عملية تأهيل السجناء عن طريق تنظيم ندوات ولقاءات دورية مع دعاة بيمثلوا وجهات نظر وسطية للإسلام.
– ورغم اعتراف الحكومة أن صعب جدا تغيير وجهة نظر السجناء دول هناك إلا أنها قررت دعم ده بحوافز ممكن تشمل إطلاق السراح المشروط قبل نهاية مدة الحكم للي يعلن تراجعه عن الأفكار المتطرفة.
******
– في كل التجارب دي وغيرها ممكن نشوف إيجابيات أو سلبيات، لكن الأكيد بنشوف (رؤية)، يعني إدراك لوجود المشكلة وبالتالي سعي لحلها، بعكس الوضع عندنا التجاهل التام من الداخلية لإن ده بيحصل أصلا، تجاهل تام لكل المواضيع الصحفية والشهادات اللي اتنشرت عن الموضوع.
– بالوضع ده الأزمة مش بتخلص، كده أي مسجون بما فيهم مسجونين جنائيين عاديين جدا ممكن هوا اللي يكون الارهابي القادم أول ما يخرج، والتعامل مع منع الأفكار المتطرفة من الانتشار أصلاً هوا التحدي اللي حلوله مش أمنية فقط.
– في مصر عندنا تجربة مع المراجعات الفكرية مع الجماعة الإسلامية في التسعينات، لكنها كانت تجربة قاصرة محصلش فيها مشاركة مجتمعية، ولا تتبع دقيق للتطرف داخل السجون أو خارجها، ولا إعادة تطوير للخطاب الديني العام، ولا تحسين للوضع داخل السجون اللي قلنا ان سوء أوضاعه ومنع زياراته بتكون عامل مؤثر، ولا تم رفع كفاءة أجهزة الشرطة لمنع توسيع الاشتباه أو القبض على حد بدون جريمة حقيقية.
– نتمنى إن المسؤولين عن ملف الإرهاب في مصر يدرسوا تجارب الدول الأخرى زي اللي قلناها وغيرها، ويعملوا سياسات شاملة للمكافحة الحقيقية للإرهاب، وبالتأكيد ده مش هيتم من غير حرية صحافة وعمل مدني ومشاركة سياسية، دي الخطوات الرئيسية لأي استراتيجية محاربة إرهاب ناجحة.
*****