– الخارجية المصرية أعلنت يوم الأحد عن فشل اجتماع وزراء الخارجية والري في الدول الثلاثة بشأن سد النهضة.
– جنوب أفريقيا بصفتها رئيس الاتحاد الافريقي راعي الاجتماع قالت إنها تأسف لوصول المفاوضات لطريق مسدود.
– طبعا ده مش التعثر أو الفشل الأول للمفاوضات، لكن الاجتماع الأخير ده مهم لأنه المرحلة التانية لملء خزان السد في يونيو القادم، والمسؤولين الإثيوبيين قالوا انه هيتم في معاده حتى لو مفيش اتفاق، في استمرار لنهجهم المتعنت والمستفز!
– حنشوف النهاردة ليه الاجتماع الأخير فشل ؟ وايه اللي ممكن يحصل في ملف السد في المستقبل ؟ وايه الخيارات المتاحة أمام مصر في الموضوع ؟
*****
ليه فشل الاجتماع الأخير ؟
– السبب الجذري المستمر معانا هوا رفض أثيوبيا لأي آلية تخلي الاتفاق “ملزم قانونا” وتخليه شامل وثابت للمستقبل.
– في الاجتماعات الأخيرة دخل متغير جديد وهوا خلاف الدول التلاتة حول مين يحدد الجانب الفني، وعلى غير العادة مصر وإثيوبيا متفقين إن الآلية الأفضل هيا اللجان الفنية من البلدان الثلاث تناقش القضايا الخلافية خاصة قواعد ملئ الخزان.
– لكن السودان على الجانب الأخر هي اللي بتطلب خبراء فنيين مستقلين من الاتحاد الافريقي هما اللي يصيغوا تلك الجوانب.
– مصدر حكومي اتكلم مع “مدى مصر” وقال أنه فشل الاجتماع الأخير مش بسبب عدم رغبة مصر في تقديم تنازلات، ولكن لأنه أثيوبيا مستمرة في المناورة لإهدار الوقت عشان ميبقاش فيه اتفاق كلي حوالين ملئ الخزان أو حتى إتفاق جزئي لحد ما تبدأ المرحلة التانية من ملئ السد في يونيو الجاي.
– الرغبة الأثيوبية دي وراها أكثر من سبب أهمها أنه داخليا ورقة سد النهضة مهمة جدا في إيد حكومة أبي أحمد اللي عندها صراعات داخلية كبيرة أخرها الحرب اللي حصلت في إقليم التيجراي والسد هو حاجة مهمة لتجميع الأثيوبيين في ظل الخلافات الكبيرة دي.
– جزء برضه من الموضوع هو محاولة أبي أحمد تصدير نفسه داخليا على أنه الزعيم الإثيوبي القوي اللي بيتحدى المجتمع الدولي، خاصة أنه رفض مؤخرا استقبال اتصال من ترامب فيما يتعلق بالسد.
– المناورات الأثيوبية منها برضه جزء فني مهم وهو أنه بعد انتهاء الملئ الثاني للخزان في يونيو اللي جاي يبدأ السد فعليا في توليد الكهرباء، ممكن ساعتها يتم تشغيل 2 توربين على الأقل بحسب أحد الخبراء اللي أتكلم مع مدى مصر، وبالتالي أثيوبيا هتكمل.
– الاجتماع ده أظهر أنه رغم التقارب الكبير في مواقف مصر والسودان المستاءة من أفعال إثيوبيا، لكن برضه بقى فيه خلاف بينهم بمسألة الخبراء بحسب بيان الخارجية قالت “إن تحفظها على المطلب السوداني يعود لكون خبراء الاتحاد الإفريقي غير متخصصين في الجوانب الفنية والهندسية المرتبطة بالموارد المائية وتشغيل السدود”.
– الموضوع تعقد من جانب أخر، خاصة بعد الدور الأثيوبي في الضغط على السودان في موضوع التطبيع واللي بحسب خبراء خلي الأمريكان اقل ضغطا علي الجانب الأثيوبي في موضوع السد.
– كمان مصر لحد دلوقتي مستفادتش بشكل مؤثر من حلفاؤها الخارجيين سواء الأوربيين واللي ممارسوش أي ضغط يذكر على أثيوبيا أو حتي السعودية والإمارات واللي ليهم استثمارات جيدة في أثيوبيا من المفترض أنها كانت تكون ورقة ضغط في ايد مصر في كل المراحل التفاوضية اللي فاتت، ولا حتى بالعلاقة الجيدة والخاصة بين إدارة ترامب والسلطة المصرية.
– وده محتاج يتغير مع الوقت أكتر، خاصة وإن إدارة بايدن مع انها مقالتش أي موقف واضح لكن فيه تعاطف بين العديد من الشخصيات النافذة بالحزب الديمقراطي مع إثيوبيا لأنهم نجحو في تسويق أنفسهم عن طريق تكتل “السود” الديمقراطيين الكونغرس، وفيه شغل احترافي بيتعمل في مخاطبة المجتمع الدولي لصالح وجهة النظر الأثيوبية في السد، باعتبارها حق لأثيوبيا في التنمية، ومحاربة اضطهاد أصحاب البشرة السوداء، ومصر غايبة عن أي دور فاعل بنفس الكفاءة دي.
*****
ايه الموقف الحالي ؟
– لو فشل الاجتماع الأخير متمش استغلاله بسرعة لتحرك مختلف هيبقىي بقاء الوضع على ما هو عليه في مصلحة أثيوبيا، اللي مش عايزة أي اتفاقات ملزمة، وعايزة الموضوع يعدي زي ما حصل في المرحلة الأولى السنة اللي فاتت، لما خزنت أثيوبيا حوالي 5 مليارات متر مكعب بدون أي مشكلات.
– طبعا السد ظهرت آثاره السلبية على السودان، وخاصة أنه بيمثل تهديد مباشر لخزان الروصيرص السوداني، واللي تبلغ سعته التخزينية أقل من 10% من سعة سد النهضة.
– وخلونا نفتكر كويس إنه الملأ الأول سبب آثار سلبية على السودان، اضطرابات ف المياة انخفاض منسوب وبعدين فيضان وخساير في محطات المياه وبيوت المواطنين، وده كله كان مع ملئ 5 مليار متر مكعب، لكن الملء التاني في يوليو هيبقى 13 مليار متر! وده معناه دمار وخسائر أكبر في جزء مش هين من أراضي السودان، وده موقف لازم يتم تداركه.
– من الناحية النظرية أثيوبيا والسودان من الممكن أنهم يوصلوا لإتفاق ثنائي لوحدهم حوالين خزان الروصيرص، يشمل الاتفاق ده تبادل يومي للبيانات حوالين مستويات المياه ورا الخزانين وإتاحة أثيوبيا المياه بمعدل ثابت عشان تروح للسودان لتشغيل خزان الروصيرص.
والسودان بالمجمل كان التصور في الأول إنه أقرب لإثيوبيا لأن مفيش عندهم شح مائي زي مصر بالتالي معندهاش مشكلة كبيرة مع الحصص المائية السنوية، وممكن يتشاركوا في كهرباء السد، ده غير التقارب بينهم في ملفات أخرى سياسية واقتصادية زي التطبيع مع إسرائيل، والتعاون الاقتصادي والتنموي.
– لكن واضح ان ده اختلف بالفترة الأخيرة، بعد ما إثيوبيا صممت على التعنت التام حتى مع السودان بشكل ثنائي، ورافضين أي اتفاق ملزم، وأي ادارة مشتركة، وأي تعهد واضح بحصص مياة ثابتة للمستقبل.. ده غير الخلافات الحدودية المتصاعدة بين البلدين مؤخرا واللي تطورت لاشتباكات سقط فيها ضحايا من الجيش السوداني.
– وبالتالي واضح ان السيناريو الأقرب لأثيوبيا هوا انهم قرروا تجاهل مصر والسودان وفرض الأمر الواقع، وشفنا تصريحات زي تصريح وزير الري إنه تم الانتهاء من 78% من أعمال السد، أو التصريح بإنه أثيوبيا غير ملزمة بتبادل المعلومات والبيانات عن السد مع مصر والسودان، أو بإعلان أثيوبيا عن مشروع سد جديد على النيل.
*****
نشوف ايه في كل ده ؟
– فشل المفاوضات المستمر ده على مدار 9 سنين بحالهم، يخلينا نفكر في السياسة الخارجية المصرية تجاه دول افريقيا ومدى نجاحها، وبالطبع ما يخص السودان بالذات اللي موقفها بيختلف كل فترة تقاربا أو بعدا، ومفروض أولوية قصوى نثبت الموقف السوداني معانا بكل وسائل التحالف السياسي والاقتصادي بدل ما نرجع لسيناريو احتمالات تنسيق أثيوبي سوداني على حسابنا.
– مهم ده يكون لكل مكونات الحكم بالسودان لأن جزء من اختلاف العلاقات ده جاي من أن “المكون العسكري” بمجلس السيادة السوداني اللي هوا المجلس العسكري أقرب لمصر، عكس العلاقة بين المكون المدني اللي كانت أقرب لإثيوبيا خاصة إن آبي أحمد عمل دور في اتفاق تقاسم السلطة بعد الثورة السودانية.
– قبل كدة بالتفصيل عن حلول مقترحة لأزمة سد النهضة، منها نقاش الخيارات الخاصة بالسد زي تفعيل جاد لمجلس الأمن والتحكيم الدولي، وليه الخيار العسكري عوامله صعبة ومعقدة جدا، وحلول داخلية تتعلق بترشيد استهلاك المياه، وحلول تتعلق بتفعيل الدور المصري في أفريقيا، وخاصة في دول حوض النيل، وحلول تنموية للدول دي تشارك فيها مصر بفعالية.
– ممكن تشوفوا اللي كتبناه من هنا :بتاريخ 9 مارس 2020
او من هنا : بتاريخ 11 أكتوبر 2019
– حاجة مهمة لازم أي مصري يشوفها في تعامل أثيوبيا معانا طول المسار ده، إنه دايما كان فيه حساب لرد الفعل الشعبي الأثيوبي، المسؤول اللي وصل للسلطة بانتخابات نزيهة بيكون دايما مجبر يظهر قدام شعبهم مدافع عن كل الحقوق، خوفاً من العقاب الانتخابي والمحاسبة الشعبية، ده غير انه قادر يقول للأمريكان أنا عندي انتخابات ومينفعش اعمل اتفق ثم اخسر بعده بشهر وييجي حد تاني يلغيه، يعني الرأي العام الشعبي ورقة ضغط إضافية في ايد المفاوض. بينما للأسف الصورة في مصر مختلفة جدا.
– وده طبعا لا ينفي ان اللي حاصل تعنت شديد و”خطاب شعبوي” بيتم فيه استخدام عواطف الشعب الأثيوبي لأغراض سياسية، ولما السياسيين يشحنوا الجماهير حتى لو بالكدب والخداع والمزايدات بيكون صعب التراجع.
– تقييم المصالح والتحالفات السياسية بين الدول والأنظمة مهم جداً، أدينا شايفين حلفاء للسلطة المصرية زي السعودية والإمارات وأمريكا مش بيقدموا دعم حقيقي لمصر في ملف مصيري زي السد رغم كل اللي قدمته السلطات المصرية لكل منهم في قضاياهم بالمنطقة.
– تقييم السياسات ده المفروض بتقوم بيه مؤسسات دولة، والمفروض إنه المجتمع عن طريق البرلمان والأحزاب والمراكز البحثية بيشارك في التأثير في صناعة ودراسة القرار، وتحمل نتائجه، لكن إن الموضوع يتم إدارته بشكل فردي أو غير مؤسسي أو غير مدروس، فنتايجه بتبقى زي اللي إحنا فيها دلوقتي.
– بنكرر كلامنا السابق ان مسألة مياه النيل أكبر حتى من كونها أمن قومي لكل مصري، دي حياة أو موت لمصر حرفيا، مفيهاش مؤيدين ومعارضين، ونتمنى نشوف تعامل على مستوى الخطر الرهيب بتطرح كل الخيارات ومكاسبها وخسائرها، وتشارك فيه كل الأطراف الرسمية والشعبية في مصر.
*****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *