– من أكتر من أسبوع وقع صندوق مصر السيادي اتفاق مع شركة جديدة اسمها “بدايات مصر” لتطوير منطقة باب العزب بقلعة صلاح الدين عشان تكون منطقة إبداع متكاملة.
– الاتفاق بين الصندوق والشركة مكنش لافت للانتباه بقدر وجود رشيد محمد رشيد وزير صناعة نظام مبارك من 2004 -2011 في حفل التوقيع بوصفه رئيس مجلس إدارة شركة بدايات.
– رشيد محمد رشيد رجع بشركة في “ملاذ ضريبي” بتشتغل مع صندوق مصر السيادي وبنفس أسلوبه السابق اللي أدانه القضاء المصري في تهريب فلوسه وأرباحه، وهنسرد دا بالتفاصيل.
– وكمان هنشوف مع بعض إزاي العقد دا ممكن يضيع حقوق المصريين في الضرائب؟ وإزاي رجع رشيد؟ وايه هي شركته الجديدة دي؟ ونشوف ايه من اللي بيحصل في ملف عودة رموز مبارك ككل؟ دي الأسئلة اللي هنحاول نجاوب عليها في سياق البوست.
****
– شركة بدايات مصر هي شركة تابعة لمجموعة السارا، وهي شركة عملها رشيد محمد رشيد في سويسرا، وبدايات مصر هي فرع منها، بحسب ما أثبت تحقيق بالوثائق والمستندات لموقع المنصة (هتلاقوا لينك التحقيق والمستندات في التعليقات).
– المفروض بموجب اتفاق مع صندوق مصر السيادي، هتقوم شركة بدايات ببحث فرص التعاون في تطوير منطقة باب العزب التاريخية في القاهرة، وتقديم دراسة بهدف تحويلها إلى “مركز إبداع لاحتضان المبدعين من الشباب المصري”، وأصحاب الشركات الناشئة المتخصصة في مجالات إبداعية منها التصميمات الهندسية، وصناعة الأثاث، والحلي، والموضة، وكذلك الأفلام والكتب، لحد هنا ممكن يكون عادي جداً وجميل كمان.
– اللي مش جميل خالص إن مجموعة السارا هي شركة أوف شور يعني شركة في ملاذ ضريبي اللي هو سويسرا للتهرب من الضرائب في مصر ومع ذلك الصندوق السيادي وقع معاها عقد في الوقت اللي الحكومة لازم تشتغل فيه على مكافحة الملاذات الضريبية.
– الجدير بالذكر أنه محكمة الجنايات المصرية كانت حكمت على رشيد بالسجن بتهمة استغلال النفوذ والحصول على 700 مليون جنيه بدون وجه حق عن طريق الكسب غير المشروع، وتهريبها عبر شركة “أوف شور” إلى الخارج وقائمة أدلة الثبوت من أقوال الشهود على ذات القضية.
– وكان فيه تصريحات لمصدر بجهاز الكسب غير المشروع قال إلى أن الجهاز تتبع الأموال الخاصة برشيد محمد رشيد وأثبت تهريبها خارج البلاد بطرق غير مشروعة، وأكد أن ما نشر عن امتلاكه ملايين في بنك سويسري، هي أمور أثبتتها تحقيقات الجهاز واتهمته حينها بتزوير تقرير الذمة المالية الخاص به.
– بالتالي يعني رشيد اللي اتحكم عليه في قضية كان جزء من الحكم فيها هو أنه عنده شركات في ملاذات ضريبية، عمل شركة تانية في ملاذ ضريبي وراجع يشتغل مع الحكومة عادي جدا.
– بالتالي مش بس رشيد رجع بصفقة تصالح مفيهاش أي شفافية، وثروة تقدر بـ 4 مليار جنيه في 2011 في أحكام تخصها في قضايا كسب غير مشروع، ولكنه كمان رجع بنفس الطريقة عن طريق شركة في ملاذ ضريبي واشتغل مع الحكومة عشان ياخد عقود تطوير منطقة هندفع إحنا كمصريين تكلفة تطويرها بدون ما رشيد أو بدايات مصر يدفعوا أي ضريبة للبلد عن أرباحهم من العقد ده، أو من أي أعمال تانية.
****
– بعد هروبه من مصر في يناير 2011، راح رشيد على دبي، وبعدها وفي خلال سنوات اتحاكم في أكثر من قضية واتحكم عليه من القضاء في ثلاث قضايا هي قضية تراخيص الحديد، والكسب غير المشروع، والاستيلاء على المال العام، وأدين فيهم جميعاً.
– وبلغ إجمالي الأحكام في الثلاث قضايا حوالي 35 سنة سجن، بالإضافة لغرامات مالية. لكن خلال كل الفترة دي فضلت شركات رشيد اللي زود من حصصها السوقية أثناء عمله كوزير شغاله عادي في مصر تحت إدارة أخته حسنة رشيد.
– وفي نوفمبر 2016 (شهر التعويم) تم التصالح مع رشيد مقابل تسوية مالية في مصادر اتكلمت مع جرنال الشروق أنها 1.6 مليار جنيه، لكن في رقم تاني نشرته الصحافة الرسمية عن لجنة استرداد الأموال بيقول أنه حوالي 500 مليون جنيه.
– بعدها في 2017 رجع رشيد محمد رشيد لمصر بشكل نهائي وبدأ يشتغل، المثير في القصة أنه رشيد لما زار مصر كان مقرب جدا من العائلة الحاكمة في قطر واشتغل مستشار اقتصادي ليها، ومسك مجموعة شركات قطرية مملوكة للعائلة الحاكمة.
– حاليا رشيد هو رئيس مجلس الإدارة لشركة موضة كبيرة في إيطاليا اسمها فالنتينو وشركة بالمان في فرنسا ودي شركات مملوكة لقطر، وكمان بيشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة ميهوله للاستثمار المدعومة من العائلة المالكة، وترتبط بالشيخة موزة بنت ناصر والدة أمير قطر الحالي.
– بالتالي مش عارفين إذا كانت عودة رشيد للاستثمار حاليا في مصر والفوز بعقد تطوير من الصندوق السيادي الحكومي مرتبط بالمصالحة اللي حصلت مع قطر في الفترة الأخيرة ولا لأ، لكن دي معلومات في السياق والخلفية.
****
– عودة رشيد عن طريق شركة في ملاذ ضريبي هو شيء مش جديد ولا حاجة، الصندوق السيادي الفترة الأخيرة بيضخ استثمارات في قطاعات كثيرة بالشراكة مع شركات مسجلة في ملاذات ضريبية وخاصة في قطاع التعليم والصحة.
– شغل الصندوق مع هيرمس في الاستثمار وهيرميس شركات كثيرة بتملكها أو بتملك حصص فيها مسجلة في ملاذات ضريبية.
– إحنا هنا في الموقف المصري كتبنا أكثر من مرة عن خطورة التجنب الضريبي وتسجيل الشركات المصرية في ملاذات ضريبية لأنه عمليات تحويل الأرباح اللي بتتعمل في مصر على الورق لبره بتهدر كثير جدا على الحكومة، لحد دلوقتي مفيش تحركات جدية من الحكومة في إنهاء المشكلة دي.
– ومع إدراكنا أنه دي مشكلة عالمية، مصر مش هتعرف تحلها لوحدها بس على الأقل الجهات الحكومية زي الصندوق السيادي ووزارة التخطيط مينفعش تدخل في شراكات استثمارية مع شركات في ملاذات ضريبية، أو تدي للشركات دي عقود حكومية لأنه حرفيا دا إهدار مباشر من أموال دافعي الضرائب في مصر.
– ولازم نعرف كمان إن الوسائل اللي بتستخدم للنوع دا من التهرب الضريبي فيها تحايل ولسه مش مجرمة بحكم القانون بشكل كافي، لكن في الآخر شغلها بيعيق تحقيق العدالة والنزاهة الضريبية، وبمرور الوقت بتعمل على تآكل الوعاء الضريبي بتاعك، واللي الحكومة بتعمل على تزويده.
– تسجيل الشركات في دول الملاذات الضريبية بيضمن بشكل أو بآخر سرية معلومات الملاك ، وبيدي إمكانية لتسجيلها بأسماء وهمية، وبتستخدم كأماكن للتحويل الصوري للأرباح بغرض التهرب من الجهات الضريبية الموجودة في البلدان اللي بتحقق فيها أرباحها المالية، زي حالة مصر مع رشيد محمد رشيد.
– وهنا لازم نذكر إن تكلفة التهرب الضريبي في مصر تقدر بنحو 68 مليار جنيه سنويًا في دراسة منشورة سنة 2015، والتهاون في مكافحة التحايل دا بيزود المبلغ الضخم دا الضائع من خزينة المصريين.
– وسويسرا نفسها اللي شركة رشيد ناوية تهرب أرباحها فيها بدون دفع ضرائب مسؤولة عن 5.1% من الخسائر العالمية المترتبة عن التهرب الضريبي، بإجمالي مبلغ قدره 12.8 مليار دولار سنويًا.
– وبكده هتقدر شركة رشيد محمد رشيد تهرب أرباحها وتخفيها بسهولة من مصر، دا بجانب إنه بالقانون فيه إعفاء للصندوق السيادي ومعاملاته البينية والكيانات المملوكة له بالكامل من جميع الضرائب والرسوم وما في حكمها، عشان تشمل الإعفاءات والمعاملات البينية بين صندوق مصر والصناديق الفرعية والشركات اللي بيساهم فيها الصندوق.
– كمان كتبنا قبل كدة عن التصالح مع رموز فساد مبارك، وأنه إزاي كان في فشل رهيب في عملية استرداد الأموال المنهوبة من قبل رموز نظام مبارك زي حسين سالم، ورشيد ويوسف بطرس غالي وغيرهم، وإزاي عمليات التصالح مع الناس دي تمت بدون أي شفافية ورجعوا بعد التصالح زي حالة رشيد تاني يشتغلوا بدون ما نفهم على أي أساس تم التصالح، وفي ظل حتى تضارب الأرقام اللي دفعوها في التصالح.
– شيء مهم آخر هو الصورة اللي بنشوفها عن الدولة لما تتصالح مع واحد من اللي أفسدوا الاقتصاد ورسخوا لاحتكار سلع استراتيجية زي الحديد في مقابل فلوس، النوع ده من التصالح بيدي صورة أننا بنتسامح مع الفساد مقابل الفلوس وخلاص بدون أي سيادة حقيقية للقانون ومحاسبة حقيقية لعمليات الإفساد اللي تمت على مدار عقود في وقت النظام السابق.
– رشيد محمد رشيد وغيره من رموز مبارك وحتي ولدية علاء وجمال رجعوا للساحة مرة تانية عشان مفيش آليات حقيقية لمكافحة الفساد، ولا القضاء قدر يتواصل صح مع جهات التحقيق في الأماكن اللي الناس دي هربت فلوسها ليها زي سويسرا أو غيرها بالتالي اضطرينا في النهاية نلجأ للتصالح بدون أي شفافية.
– المطلوب كمان إرادة سياسية للإصلاح الضريبي الحقيقي في مصر تسمح بأننا نوقف تحويل الأرباح للخارج من الشركات، ونعمل قوانين لمحاربة الملاذات ونقدم كجزء من القوانين دي تحسين لمناخ الاستثمار وتسهيل للمعاملات الضريبية للشركات.
– من ضمن الإصلاحات الضريبية دي مثلا هي أنه مصر لازم تتوسع في فرض الضريبة المستقطعة على الأموال والأرباح المحولة إلى ملاذات ضريبية إلى حين التأكد من طبيعة هذا التحويل. والأسلوب ده بيتم اتباعه في أميركا وبريطانيا وحتى دول أقل نموًا زي السلفادور اللي قامت بفرض ضريبة مستقطعة إضافية بنسبة ٢٥% على التحويلات المالية للأفراد والشركات إلى الملاذات الضريبية.
– نتمنى أنه الحكومة يكون عندها خطط جدية لمكافحة الملاذات الضريبية والأهم يكون عندنا إستراتيجية لمكافحة الفساد، ويكون فيه استقلال للقضاء وآليات عدالة تقدر أنها تمنع تكرار اللي حصل في نظام مبارك.
المصادر
مشاركة: