– يوم الاثنين، وافقت اللجنة التشريعية بمجلس النواب على مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل أحكام المحكمة الدستورية العليا، عشان تتمكن المحكمة من الرقابة والاعتراض على قرارات الهيئات والمنظمات الدولية!
– المؤيدين للقانون بيقولو إن ده لمنع أي تدخل خارجي في ملف حقوق الإنسان، وأيضاً لأسباب اقتصادية هيا عدم الاستجابة لدفع مبالغ ممكن يتحكم بيها ضد مصر بقضايا التحكيم الدولي في الخلافات الاستثمارية مع الشركات زي ما حصل سابقا عدة مرات.
– إيه قصة المقترح ده؟ وهل هو منطقي؟ وإيه خطورته؟ ده اللي هنتكلم عنه في البوست الحالي.
*****
إيه حكاية المقترح ده؟
– من حوالي أسبوع أرسلت وزارة العدل مقترح للبرلمان، بتعديل قانون المحكمة الدستورية العليا.
– التعديل المقترح بإضافة المادة 27 مكرر، بيدي حق الرقابة الدستورية والتشريعية للمحكمة الدستورية على قرارات وأحكام المنظمات والمؤسسات وهيئات التحكيم الدولية، اللي بيتطلب تنفيذها من الدولة المصرية.
– والمادة 33 مكرر بتنص على إنه من حق رئيس الوزراء، إرسال أي قرار يتشكك في دستوريته للمحكمة الدستورية العليا، عشان يطلب منها عدم الاعتداد بالقرار أو الحكم والالتزامات الدولية المترتبة على التنفيذ، ويختصم الجهة صاحبة الحكم بناء على قرار المحكمة الدستورية، ويتم إرسال نسخة مترجمة من قرار المحكمة الدستورية للجهة اللي بيتم اختصام قرارها.
– والهدف المعلن اللي بيتم الترويج ليه إعلاميًا “إتاحة المجال أمام الدولة للتعامل الإيجابي، وفقا للمصالح الوطنية، وفي إطار من الدستور والقانون مع أي من القرارات الدولية التي تؤثر على أمنها القومي”!
– طبعًا في وجه غرابة كبير جداً إنه المقترح ده يكون جاي من وزارة العدل وخبرائها القانونيين، والأغرب إنه اللجنة التشريعية تلقت موافقة من المحكمة الدستورية على القانون. وبالتالي القانون هيتم إرساله للتصويت في الجلسة العامة لمجلس النواب تمهيدًا لإقراره بشكل نهائي.
*****
هل المقترح ده منطقي قانونيًا وسياسيًا؟
– طبعًا المقترح شديد الغرابة لأنه ببساطة قرارات المنظمات الدولية اللي بتشترك فيها الدول لا يمكن وقفها بقرارات محاكم وطنية! يعني لو دولة مش عاجبها قرار منظمة هي مشتركة فيها أو اتفاقية موقعة عليها، فعليها إنها تعترض قدام نفس الجهة الدولية، أو تنسحب من الاتفاقية أو المؤسسة الدولية، وتتحمل التبعات السياسية والاقتصادية لقرارها.
– لكن مفيش منطق قانوني بيقول أصل عندي حكم محكمة داخل الدولة إني منفذش قرار دولي أنا اللي بإرادتي وافقت على الاحتكام ليه قبلها!
المفروض إنه شيء بديهي ومفهوم. فضلاً عن المخالفة الصريحة لاتفاقية فيينا لقانون المعاهدات اللي مصر وقعت عليها بشأن المعاهدات الدبلوماسية، والحاكمة لجميع اتفاقيات الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها.
– اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات بتسمح للدول بالتحفظ على بعض بنود أو مواد الاتفاقيات اللي بتوقع عليها، زي ما مصر مثلاً متحفظة على إلغاء عقوبة الإعدام لكنها جزء من الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، لكن مفيش شيء اسمه وقف تنفيذ القرارات والأحكام الخاصة بالاتفاقيات، بأحكام قضائية محلية.
– الأمر المهم بقا إنه باستثناء القرارات الصادرة من “مجلس الأمن”، مفيش منظمات دولية تملك إلزام لقراراتها أصلا، ومعظمها بيتم استخدامها تحت بند “توصيات”، الدول بتشترك في اتخاذ القرارات والتوصيات وبتعترض وتتفاوض في حدود الإطار القانوني لاتفاقية تأسيس المنظمة، والدول بتحترم التوصيات وبتتحفظ على تطبيق بعضها، ولو الدولة دي مش شايفة إنه مصلحتها الاستمرار في المنظمة دي فتقدر تنسحب منها، لأنه عضوية المنظمات الدولية ليست أمر إجباري.
*****
إيه أكتر شيء خطير في الاقتراح؟
– الأمر الأكثر خطورة واللي حصل حتى جوة اللجنة التشريعية اعتراضات كبيرة من بعض النواب، زي ضياء داوود وسليمان وهدان وعاطف مغاوري، هو ما يتعلق بملف هيئات التحكيم، وإنه ده معناه انسحاب استثمارات دولية وأجنبية من مصر، لأنك ببساطة بتقول إنك مش هتعترف بالتحكيم الدولي في أي منازعة استثمارية ! وعشان كده النواب دول طلبوا حضور خبراء تحكيم دولي عشان يوضحوا تأثير مقترح زي ده على الاستثمار في مصر.
– هيئات التحكيم كمان بتتشكل بإرادة مشتركة بين الدول والشركات، وبيشتركوا في تعيين أعضاء هيئة التحكيم الدولي، وكمان القواعد القانونية اللي هيرجعوا ليها، والتحكيم ده مصر ملتزمة بيه طول تاريخها بأحكامه الإيجابية والسلبية.
– يعني مثلاً مصر استردت ” طابا” من إسرائيل بالتحكيم الدولي بيننا وبين إسرائيل، مصر استعدت بخبراء قانونيين ودبلوماسيين، وقدروا يقنعوا هيئة التحكيم بأحقيتنا التاريخية في طابا، وده واحد من أهم الانتصارات الدبلوماسية اللي خدتها مصر بالتحكيم الدولي.
– وفي المقابل خسرت مصر طبعًا قضايا كتيرة في التحكيم بالذات القضايا والنزاعات مع الشركات والكيانات الاقتصادية، نتيجة أخطاء حكومية تجاه الشركات زي رفض سداد مستحقات أو إلغاء تعاقدات، ومصر برضه كانت بتلتزم بالأحكام دي وتدفع الغرامات أو تتفاوض مع الشركات وتسوي مستحقاتها زي ما كان بيحصل من عدة سنوات مع شركات التنقيب عن الغاز، واتعدل قانون داخلي زي الطعن على العقود الحكومية، عشان ميتمش إلغاء تعاقدات حكومية مع شركات بأحكام قضائية نتيجة فساد أو غيره، وتضطر الدولة لدفع غرامات كبيرة في التحكيم الدولي لاحقًا.
– نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا الأسبق، المستشار محمد الشناوي، قال تصريحات كارثية لموقع مدى مصر، وبرر إن التعديلات “تستهدف إعفاء الحكومة من دفع أموال طائلة بسبب أحكام جائرة صدرت عن جهات دولية ومراكز تحكيم دون استماع لدفاع مصر عن نفسها خلالها”.
– وهنا مش مفهوم ليه ممكن حد عاقل يفكر إنه يقول الحكومة متعتدش بأحكام التحكيم الدولي لو صدرت ضد مصر أو ضد شركات مصرية؟! مهو ده معناه ببساطة زي ما قلنا إنها دعوة مباشرة لعدم الثقة في التعامل مع مصر والاقتصاد المصري والشركات المصرية في الخارج، فهل الدولة والحكومة مستغنية عن أهمية الاستثمارات والتجارة الدولية، والسياحة، واكتشافات واتفاقيات الغاز، وقناة السويس؟!
– طيب بلاش، لو صدر حكم من المحكمة الدستورية بعدم الاعتراف ورفض قرار هيئة تحكيم أجنبية ضد الحكومة أو شركة مصرية بالخارج، هل المحاكم الأجنبية هتعترف بحكم المحكمة الدستورية المصرية؟ ولا هتفعل قانونها المحلي قدام الشركات والممتلكات المصرية على أراضيها؟ وبالتالي ممكن يتم مصادرة أصول وأموال مصرية لسداد قيمة تحكيم دولي مستحق؟!
– في 2012 حصلت واقعة شهيرة لما الدائنين أخدوا حكم بالاستحواذ على السفينة “ليبرتاد” التابعة للبحرية الأرجنتينية اللي كانت في رحلة لغانا وقتها لسداد ديون مستحقة على الأرجنتين.
*****
– في نقطة تانية ذكية جداً بيطرحها الدكتور إبراهيم عوض – أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية – في مقال ليه عن خطورة المقترح ده على سد النهضة، وهي إذا كانت مصر هتعمل خطوة زي دي، ليه بنسعى في نفس الوقت من سنين للحصول على اتفاق دولي ملزم لأثيوبيا في عملية تشغيل سد النهضة؟!
– ما هو الوصول لاتفاق دولي ملزم، ده هينتج عنه اتفاق قانوني واضح وتحديد مرجعية لحل النزاعات والخلافات والتسوية والتفاوض، واللي هي هتكون هيئة تحكيم أجنبي، نظرًا لأن أثيوبيا غير موقعة على اتفاقية محكمة العدل الدولية، فهل ساعتها هيكون شيء منطقي نقوله للعالم إنه احنا عاوزين اتفاق مع أثيوبيا يشمل هيئة تحكيم دولية لحل الخلافات أو النزاعات، بس مصر مش هتعترف بأي قرار يصدر ضدها بناءًا على أحكام من محكمة مصرية! شيء طبعًا واضح عدم منطقيته.
*****
طيب ليه المقترح ده؟ إيه الفكرة منه؟
– أمين سر لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في مجلس النواب، علي بدر بيقول في تصريحات لموقع مدى مصر: “لو في قرار أو حكم صادر من جهة أجنبية يُلزم مصر بقرار يتعارض مع الشأن الداخلي، فالمحكمة الدستورية من حقها أن تقول: مش هنفذه، سواء الأمر يتعلق بالأمن أو الاقتصاد أو حقوق الإنسان أو غيره”.
– ودا شيء مش مفهوم بالمرة، يعني لو الغرض منه مثلاً التهرب من أي التزامات دولية في ملف حقوق الإنسان، تحت المبررات المعتادة – الأمن القومي والسيادة الوطنية – زي مابيقول كمان النائب أشرف رشاد زعيم كتلة مستقبل وطن، فهي مصر بالفعل على مدار سنوات مبتتفاعلش بشكل إيجابي مع أي توصيات دولية بتخص سجل الدولة في حقوق الإنسان، بما فيها قرارات وتوصيات مجلس حقوق الإنسان. ومفيش أي قرار ملزم بأي عقوبة لمسؤول مصري عن انتهاكات حقوقية.
– والدولة المصرية موقعتش على الاتفاقية الجنائية الدولية، وبالتالي مفيش إمكانية لأن مسؤول رسمي مصري يتم محاكمته على جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، لأن مصر مش طرف في الاتفاقية لحد دلوقتي.
– طيب هل الغرض منه مثلاً استباق أي أحكام أو قرارات بخصوص ملف ريجيني؟ احتمال بس يعني هو شيء غير مقنع لأنه اللي بيحصل في محاكمة قتلة ريجيني هو عمل قضائي محلي في إيطاليا، وملوش إلزامية دولية، فضلاً عن التعاون السياسي بين حكومة البلدين، والاتفاقيات في الغاز وصفقات السلاح اللي جمدت عمليًا أي عقوبات حقيقية على قتلة الباحث الإيطالي ريجيني.
– فالحقيقة مش مفهوم مقترح الحكومة ده غرضه إيه تحديدًا، غير إنه هيكون هيسيئ لسمعة مصر الدولية، وهيكون له تبعات في منتهى السوء على الاقتصاد المصري اللي لا يتحمل عزلة دولية ولا سحب استثمارات أو تجميد أصول مصرية بالخارج، وهيكون ليها تبعات تانية في ملفات خطيرة زي سد النهضة مثلاً.
– ناهيك عن إن الخطوة دي بمثابة توريط للمحكمة الدستورية وقضاتها في شؤون سياسية، ودا بيعتبر تجاوز لدورها الدستوري، اللي بيقول إنها محكمة بتراقب تنفيذه في مصر، واللي بيحصل مجرد نوع من التحايل على الالتزام الدستوري اللي بيلزم الدولة باحترام الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
– وبالنسبة لسمعة مصر الدولية، فقرار زي دا وفي التوقيت دا تحديدا كفيل إنه يخسر البلد كتير قدام مؤسسات دولية كبيرة، في ظل حاجتنا لاجتذاب المؤسسات دي والرأي العام الدولي لجانبنا أثناء خلافنا مع إثيوبيا على تشغيل سد النهضة.
– نتمنى إنه المقترح ده يتسحب ويتم التراجع عنه، أو طرح بديل منطي زي رقابة مسبقة من المحكمة الدستورية على الاتفاقات قبل ما تتمضي، ونتمنى يكون في حد عاقل يوقف هذه الخطوات غير المحسوبة، واللي خطورتها على البلد كبيرة جداً.
*****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *