بنواصل معاكو سلسلتنا اللي بنستعرض فيها أوضاع مطالب الثورة، والنهاردة هنكلم عن مطلب “حرية” في الهتاف الشهير، وفي القلب منه حرية التعبير بأنواعها، سواء انتخاب حر، أو صحافة حرة، او مظاهرات سلمية، وده كله شفناه تحقق بعد رحيل مبارك حراك واسع لمجتمع كان بيحاول يعبر على نفسه بكل طريقة ممكنة.
إيه اللي حصل بعد الثورة؟
– رغم بعض محاولات للتضييق من حكومات ما بعد الثورة المختلفة في أول عامين، والمجلس العسكري من اول لحظة طلع قانون لتجريم الاعتصامات وشفنا محاولات للتضييق على الإعلام، لكن المكتسبات الكبيرة تحققت فعلا.
شفنا صحف جديدة وقنوات جديدة وسقف حرية غير مسبوق، وبقى ممكن على التلفزيون تشوف حقوقيين بيناقشو خطة مقترحة قدموها لإصلاح الداخلية، أو تشوف عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة عامل مداخلة مع مذيع أو مذيعة وبيترد عليه بشجاعة وبيتطرح عليه أسئلة الناس.
– سابقا مبارك كان سايب هامش على مراحل مختلفة في الإعلام أو الشارع، إلا إن لو الأمور خرجت عن السيطرة من وجهة نظر النظام كان بيتم مواجهة التظاهرات بالعنف والاعتقالات أو قمع الاحتجاجات العمالية، زي ما حصل في احتجاجات 6 إبريل في المحلة سنة 2008 واللي كانت أقرب مثال لشكل قمع ثوار يناير بعد كده.
أو على صعيد الصحافة اللي كان ليها هامش معقول جدا، لكن برضه اللي يتجاوز الخطوط الحمراء ممكن تتقفل جريدته زي ما حصل أكتر من مرة.
– الهامش ده توسع جدا بعد، الثورة لكن للأسف بعد انهيار المسار السياسي الناشيء عن الثورة في 2013، والانقسام الحاد اللي حصل، رجع النظام القديم للسيطرة ورجع الحال أسوأ من أيام مبارك بمراحل.
*****
وصلنا لفين النهاردة؟
للأسف الشديد الوضع بقى أسوأ بمراحل كتير مما كان عليه قبل الثورة، لأسباب هنلخصها في النقاط الجاية:
1- حبس الصحفيين، وحجب المواقع على الانترنت
– سنة 2017، النظام بدأ يحجب محتوى عشرات المواقع المستقلة، اللي بتقدم محتوى صحفي أو حقوقي سواء كانت بتعمل من خارج مصر أو داخلها، وتجاوز عدد المواقع دي 600 موقع، دون سند قانوني، أو معرفة الجهة سبب الحجب.
– على سبيل المثال حجبت مواقع صحفية زي مدى مصر والمنصة ورصيف 22، ومواقع مؤسسات حقوقية زي منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش.
– ده حصل بالتزامن مع سيطرة الأجهزة الأمنية على الإعلام الخاص، وشراء وإدارة معظم الصحف والقنوات الفضائية من خلال شركة مملوكة لجهاز المخابرات، وطبعا مابقاش مسموح لهم إلا بتناول موضوعات معينة أو استضافة ضيوف معينين، حالة تأميم كامل.
– أيضا سجن عشرات الصحفيين لإنهم عملوا على موضوعات كانت الأجهزة الأمنية مش عايزة حد يتكلم فيها. فمثلا سجنت الصحفي معتز ودنان لإنه عمل حوار مع المستشار هشام جنينة، وقت ما كان عضو في حملة الفريق سامي عنان، اللي كان مرشح نفسه للرئاسة سنة 2018.
– وقتها اتقبض أيضا على عنان بسبب ترشحه قصاد السيسي، بحجة إنه ترشح دون الحصول على موافق الجيش، رغم إنه متقاعد، واتقبض على جنينة بعد اعتداء بلطجية عليه.
– الخطوط الحمراء تضاعفت بشكل كبير، لدرجة إن الباحث الاقتصادي الكبير عبدالخالق فاروق اتقبض عليه لعدة أيام، واتهم بنشر أخبار كاذبة، لأنه نشر كتاب اسمه “هل مصر دولة فقيرة حقا؟” يحلل فيه إحصائيات متعلقة بالفقر، من واقع الأرقام الرسمية اللي بيعلنها الجهاز المركزي للإحصاء التابع للحكومة.
– نشر موضوعات صحفية بخلاف البيانات الرسمية في موضوعات بعينها بقى يعرضك للحبس، بل بقى يتبقض على صحفيين وهما رايحين يعملوا شغلهم في التغطية قبل ما يوصلوا لأماكن الأحداث، على مجرد نيتهم، وكل التهم شبه بعضها من ناحية الاتهام بنشر أخبار كاذبة أو “الانضمام لجماعة إرهابية”.
– كل دا ترتب عليه إن مصر تبقى في المرتبة من 166 من أصل 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة لسنة 2020 التابع لمؤسسة مراسلين بلا حدود، اللي طلعت تقرير في ذكرى الثورة عنوانه بس “حرية الصحافة في الحضيض بعد عشر سنوات على الثورة”.
*****
2- منع التظاهرات بالقوة وحبس المتظاهرين
– سنة 2013، الحكومة أقرت قانون يمنع التظاهر، إلا بعد الحصول على ترخيص، ومنح الشرطة حق تفريقها بالقوة. لما حصلت مظاهرات ضد القانون، الشرطة قبضت على المشاركين فيها وحبستهم لعدة سنوات، وبقت أي مظاهرة أيا كانت أسبابها هدف لقمع الأمن بدون تفريق.
– حتى بعد خروج بعضهم من السجن، كانوا بيقضوا 12 ساعة كل يوم في القسم تحت المراقبة الشرطية، وبعضهم عاد للسجن بتهم ملفقة جديدة.
– النظام استخدم الحبس الاحتياطي كوسيلة لحبس مئات المحبوسين في قضايا تظاهر لشهور طويلة، وكمان خلق أدواته الخاصة لاستمرار حبس أي شخص لأجل غير مسمى، رغم تجاوزهم الحد الأقصى للحبس الاحتياطي، باستغلال ثغرات قانونية، أو من خلال التحايل على القوانين لإعادة اتهامهم بنفس التهم في قضايا جديدة كلما أفرجت عنهم النيابة، وظهر مصطلح “التدوير” في القضايا.
– النظام توسع في استخدام قانون التجمهر، الموجود من سنة 1914 أيام الاحتلال الإنجليزي، ويعاقب أي شخص بالسجن على مجرد التظاهر حتى لو مارتكبش أي جريمة. كمان بيحمل كل المشاركين والداعين للتظاهر، مسؤولية جماعية لأي مخالفة قانونية تحصل.
– السياسة دي مطبقتش بس في وجه أي تظاهرات سياسية، بل طبقت كمان ضد المئات من الناس العاديين اللي نزلوا يعترضوا على غياب حقوق أساسية، زي اللي خرجوا في سبتمبر 2019 يطالبوا بتحسين الظروف الاقتصادية، بعد ما انتشرت معلومات عن صرف مبالغ مهولة لبناء قصور واستراحات رئاسية، أو اللي اعترضوا على التفريط في الأرض المصرية، وتسليم جزر تيران صنافير للسعودية، أو ضد العمال في المصانع اللي دعوا لإضرابات أو تظاهرات عشان حقوقهم أو أي مشاكل تخصهم.
*****
3- حبس الناس بسبب أي رأي معارض، حتى لو على فيس بوك
– رغم إن حظر التظاهر أصبح أمر واقع، وسائل التواصل الاجتماعي كان لسه فيها مجال للتعبير عن الرأي. لكن الأجهزة الأمنية ماسكتتش، وبتقبض على أي حد يعارض سياسات النظام، وبيتعمل له قضية لمجرد كتابة بوست.
– في حالات كتير اتقبض على ناس مالهاش أي نشاط سياسي ، لمجرد إنهم قالوا رأيهم، زي شادي سرور اللي اتقبض عليه بعد ما عمل فيديو انتقد فيه سياسات الرئيس السيسي. التهم اللي اتوجهت لشادي كانت عبارة عن تلقى تمويل من الخارج، والانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة، ودا نموذج بسيط لحالات كتير.
– الموضوع تخطى القبض على أصحاب الآراء الحرة، ووصل للقبض على أي حد سلوكه ما يعجبش الأجهزة الأمنية، حتى لو بيعمل فيديوهات على تيك تيك زي حنين حسام أو مودة الأدهم، اللي النظام شايفهم بيهددوا القيم الاجتماعية.
– في يوليو 2018 أقر البرلمان قانون لـ”تنظيم الصحافة والإعلام”، ودا بيسمح بمراقبة حسابات مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي، والقانون دخل حيز التنفيذ في سبتمبر من نفس السنة بعد مصادقة الرئيس عليه
*****
إيه الحل؟
بعد 10 سنين من الثورة، السلطة بقت تحبس الناس عشان كلمة قالوها أو حق طالبوا بيه. أعمار ناس بتضيع في السجون عشان نزلوا مظاهرة، وأسر بتفرق أو بتتحرم من عائلها عشان طالبت بمحاسبة المسؤولين المقصرين أو بتحسين الأوضاع الاقتصادية، والأمر نفسه طال كل شيء حتى حرية الإبداع والنشر والحريات الأكاديمية والحريات الطلابية، وبقى فيه معتقلي رأي من كل الأطياف المجتمعية، إيه اللي يخلى نظام يقف للناس على مجرد الكلمة؟
– لازم نعرف إن سياسات القمع للحريات مهما طالت بيجي لها لحظة وتنفجر، ولازم نفتكر إن أحد أسباب ثورة يناير كان البطش الأمني بحرية الرأي والتعبير رغم الفارق اللي شرحناه فوق.
– إيجاد هامش لحرية الرأي والتعبير ضرورة فورية لتخفيف الاحتقان، وسماع رأي الناس أكيد هيساعد في حل مشكلاتهم سواء كانوا في مصنع أو حي بسيط أو جامعة أو في السياسات العامة.
– الإفراج عن الناس المحبوسين في قضايا حرية الرأي والتعبير سواء متظاهرين أو إعلاميين أو مشجعي كرة هيخفف عن آلاف الأسرة المكلومة في ولادها لأسباب غير قانونية وغير دستورية، وهيخف كتير من المظالم، وهيخلي المناخ العام صحي أكتر.
– مراجعة التشريعات اللي بتقييد حرية الرأي والتعبير سواء في الإعلام أو قوانين التظاهر اللي هي مش مناسبة أبداً للعصر دا، ومش عيب أبدا التراجع لمصلحة البلد كلها.
– لازم الحكومة تعرف إن تحسين السمعة الدولية للبلد مش مجرد بيانات رد على ما تنشره الصحافة الأجنبية أو المؤسسات الحقوقية الدولية، ولكن بخطوات جادة وفي نفس الوقت بسيطة هتوفر وقت ومجهود وفلوس بتندفع في خطوات غير ذات مصداقية عند الكل.
بعد عشر سنين من ثورة يناير، لسه عايزين بلد بتحترم شعبها، وتحقق مطالبهم المشروعة. عايزين حكومة بتحترم الرأي وبتسمح بالتعبير عنه، والرد على الكلمة يكون بالكلمة، بدل القضبان.
*****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة