– بدأنا السلسلة دي من كام يوم. وقيمنا في البوست الأول وضع البحث العلمي في مصر، وأسباب ودلالات ارتفاع عدد الأبحاث العلمية المنشورة عندنا مؤخرا (https://bit.ly/33UYKEJ ).

– بنكمل معاكم النهارده تاني أجزاء السلسلة، بكلامنا عن دولة مش بس الرابعة على مستوى العالم من حيث براءات الاختراع، لكن مستشارة البلد نفسها، أنجيلا ميركل، كانت عالمة فيزياء، ومهتمة بشكل شخصي بالبحث العلمي. وهنشوف ممكن نتعلم إيه من التجربة الألمانية.

– فيه أسباب كتير تخلي المهتمين بالكلام عن البحث العلمي يروح للتجربة الألمانية زي إنها من أكتر الدول اللي بيسافرلها الكفاءات، أثر الأبحاث العلمية الظاهر على الصناعة الألمانية، و زي إنها كانت بلد بدأت تقريبا من الصفر بعد دمارها في الحرب العالمية التانية.

******

إيه وضع البحث العلمي في ألمانيا؟

١- ألمانيا هي الدولة الرابعة على مستوى العالم من حيث تسجيل براءات الاختراع في 2018، بعد أمريكا والصين واليابان. في 2018 كان فيه 19750 براءة اختراع مسجل لألمانيا.

٢- هي تاني أكبر دولة في عدد الخريجين من كليات العلوم والهندسة، بعد كوريا الجنوبية.

٣ – كمان معدل الاستشهاد بالبحوث الألمانية في العالم بيوصل لـ45% أعلى من المتوسط العالمي.

٤- العلماء الألمان حصلوا على 108 جائزة نوبل.

٥- 20% من براءات الاختراع المتعلقة بالقطاع الصناعي على المستوى الأوروبي اتعملت في ألمانيا.

٦- في عام 2005، كان فيه 9 جامعات ألمانية فقط في قايمة “تايمز للتعليم العالي” لأفضل 200 جامعة في العالم. وفي 2018، فيه 22 جامعة ألمانية.

٧- نسبة الأكاديميين الأجانب في الجامعات الألمانية زادت من 9.3% في 2005 لـ12.9% في 2015. وبتتفوق ألمانيا على أمريكا في نسبة الأوراق البحثية اللي بتنشرها ضمن الـ10% الأعلى في الاستشهادات المرجعية.
********

ليه ألمانيا متقدمة في البحث العلمي؟

– بالتأكيد وجود حد كان عالم فيزياء على رأس السلطة أمر فارق في الاهتمام بالبحث العلمي. لكن ألمانيا من قبل ميركل عندها استراتيجية أكبر بكتير بتربط البحث العلمي بالاقتصاد، بحيث بتتحول البحوث العلمية لمنتجات تدخل الصناعة والزراعة والتصدير، هنلاقي ده واضح مش بس من ضخامة الانفاق الحكومي، لكن كمان لما نعرف أن 68% تقريبا من الفلوس اللي بتتصرف سنويا على البحث العلمي في ألمانيا بيقدمها القطاع الخاص.

– وبنشوف ده أكتر في قطاع السيارات والأدوية في ألمانيا، اللي بينفق بشكل كبير على البحث العلمي. لأن دي صناعات مش ممكن تتطور أو تنافس بقية دول العالم من غير إنفاق على البحث العلمي.

– من 2005 لحد 2015 زاد الإنفاق على البحث العلمي في ألمانيا بمعدل ثابت، وهو 5% كل سنة، في المجمل ألمانيا مقلش إنفاقها على البحث العلمي عن 2.5% كنسبة من الناتج المحلي سنويا. وفي 2016 كان وصل الإنفاق على البحث العلمي في ألمانيا لـ92 مليار يورو.

– مفيش نجاح بدون إحساس دائم بالمنافسة والتشجيع. وده اللي عملته ألمانيا بمبادرة “التميز”. ودي مبادرة اتصرف عليها أكتر من 43 مليار يورو خلال 13 سنة. وفلوس المبادرة دي بتتوزع على الجامعات وفق تفوقها في معايير كتير متعلقة بالبحث العلمي. وده بيخلي الجامعات زي فرق الكرة في أي دوري تتنافس على استقطاب أفضل العلماء، وتهتم بزيادة المنشور من البحث العلمي.

– بجانب الإنفاق الكبير، وزيادة الإنفاق بشكل دائم، فألمانيا واحدة من أكبر دول العالم جذبا للعلماء والباحثين بسبب أنها دولة فيها تقاليد مستقرة للبحث العلمي وأخلاقيات البحث العلمي. في 2015 لوحدها تم توظيف 43 ألف عالم وباحث من برة ألمانيا في الجامعات الألمانية والمراكز البحثية المختلفة.

– مهم دايما دافع الضرائب يشعر بقيمة اللي دفعه وساهم بيه، ومهم كمان الباحث العلمي يشعر بالفخر والتقدير من أهل بلده قبل أي حاجة، وعشان كده ألمانيا بيصدر فيها سنويا تقرير رسمي بالإنجاز والأرقام اللي تحققت في مجال التعليم والبحث العلمي، وبيكون فيه تفاصيل الإنفاق الحكومي من الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات على أنشطة وميزانيات البحث العلمي. بالاضافة لتقارير تانية زي التقرير الفيدرالي عن البحث والابتكار، والتقرير الوطني عن صغار العلماء.

– التعاون بين الجامعات الألمانية وبقية جامعات العالم كبير جدا وده بيدي فرصة أكبر للباحثين للاطلاع على آخر مستجدات العلم في كل المجالات.

*******

إيه اللي ممكن نتعلمه من كل ده؟

– عندنا في مصر الوضع معكوس تقريبا، الإنفاق على البحث العلمي ضعيف ولا يصل للمعدل العالمي، ولا حتى بالالتزام الدستوري بـ1% من الناتج المحلي الإجمالي.

– كتبنا قبل كده عن الحريات الأكاديمية في مصر، وإزاي الأمن متحكم في كل حاجة بتحصل في الجامعات المصرية تقريبا. من أول التدخل في اختيار رئيس الجامعة المعين وليس المنتخب، وحتى تصاريح السفر واستضافة الأكاديميين، وتصاريح البحث.

– في ألمانيا في دور فاعل للقطاع الخاص في تمويل البحث العلمي. في مصر ده مش موجود غير بنسب ضئيلة لأنه طبيعة الاقتصاد نفسها مش بتحفز إنفاق القطاع الخاص على البحث العلمي.

– الواضح في تجربة ألمانيا هو أن كان في إرادة سياسية من ميركل من أول ما وصلت لمنصبها للاهتمام بالبحث العلمي، وده ساهم بشكل كبير في تقوية الاقتصاد الألماني، وأنه يفرق بشكل كبير عن نظرائه في أوروبا.

– لكن في مصر، فيه مشاريع قومية لبناء مدن جديدة ولعمل مشاريع طرق مختلفة، لكن أهم مشروع، اللي مفروض يكون مرتبط بتطوير وزيادة الانفاق على البحث العلمي، وربط الجامعات والمراكز البحثية ببعضها، وربط وتوجيه الأبحاث دي بالصناعة وبخدمة المجتمع، لسه مش موجود.

– الاستثمار والانفاق على البحث العلمي مبقاش رفاهية، خاصة لو إحنا دولة نامية عايزين نعمل تقدم اقتصادي كويس.. والنماذج كتير لدول تقدمت من خلال زيادة الإنفاق على البحث العلمي والتعليم، زي كوريا الجنوبية وماليزيا وغيرهم.

– نتمنى يجي اليوم اللي نشوف فيه مستوى التعليم والبحث العلمي في بلدنا في مكان أفضل، لأن كل حاجة من الاقتصاد لتنمية المجتمع هتبقى أفضل بناء على ده.
*****




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *