– يوم الأحد اللي فات 2 يناير، بدأت في كازاخستان مظاهرات محدودة للاحتجاج على رفع أسعار الغاز المسال اللي بيستخدم في تموين السيارات هناك.

– المظاهرات تحولت بسرعة كبيرة أدهشت كل المتابعين للمشهد لمظاهرات حاشدة في كل المدن في البلد، وبقت ثورة مطالبها تتخطى موضوع أسعار الغاز المسال.

– ايه اللي بيحصل؟ إزاي ممكن نفهم اللي بيحصل في كازاخستان خاصة أنه بلد وسط آسيا مجهول لحد كبير بالنسبة لكثير من المصريين؟

*****

ايه اللي بيحصل في كازاخستان؟

– المظاهرات اللي بدأت على أنها ضد ارتفاع أسعار الوقود تحولت بسرعة لمظاهرات واسعة وصدامات مع الشرطة، وسيطرة للمحتجين على مباني مهمة جدا في البلد زي وزارة الداخلية والمطار.
– الوضع خرج عن السيطرة بالنسبة للحكومة حتى بعد استجابة الرئيس الكازاخستاني الحالي قاسم جومارت توكاييف واللي حل الحكومة ، وأعلن حالة الطوارئ.
– لكن الإحباط السياسي والاقتصادي في البلد أدى لاستمرار المظاهرات وتحولها لمواجهات بين الشرطة والمحتجين وانضمام مجموعات من الشرطة للمحتجين في مدن صغيرة كثير.
– مركز الاحتجاجات طبعا هي مدينة ألماتي، العاصمة السابقة للبلاد، وأهم المدن الكازاخستانية، وهي دلوقتي العاصمة الاقتصادية.
– في حين العاصمة الحالية للبلاد “نور-سلطان” كان عمل طفرة عمرانية فيها الدكتاتور السابق للبلد “نور سلطان نزارباييف” وسماها حتى على اسمه ولغى اسمها الرسمي السابق أستانة.
– جزء كبير من الاحتجاجات الحالية هي على الرئيس السابق نور سلطان واللي استقال من منصبه في مارس 2019 بعد حوالي 3 عقود من حكمه للبلد في 1991 مع تفكك الاتحاد السوفيتي.
*****

إزاي ممكن نفهم ده؟

– كازاخستان هي دولة كبيرة جدا، أكبر دولة حبيسة في العالم وهي في موقع استراتيجي جدا في تنافس دائم فيها بين أربع قوى دولية الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من ناحية وروسيا والصين من ناحية تانية.
– عشان كده الروس تدخلوا وبعتوا قوات لقمع المظاهرات الحالية تحت غطاء منظمة معاهدة الأمن الجماعي (سي إس تي أو)، المنظمة دي بتضم مجموعة من الدول هي روسيا وكازاخستان وبيلاروسيا وطاجيكستان وقرغيزستان وأرمينيا، وتم تشكيلها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق.
– روسيا شايفة كل دول آسيا الوسطى ضمن مجالها الحيوي، واللي من المهم أنه ميحصلش فيهم أي تحول ديمقراطي جاد، وتدخلها مفهوم في هذا السياق لأنها سبق وتدخلت في 2014 في أوكرانيا وفي 2020 في بيلاروسيا.
– الحاكم التاريخي الأوحد لكازاخستان من الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي نور سلطان نزارباييف، واللي مسمي نفسه زعيم الأمة وتماثيله حرفيا في كل حتة في البلد.
– نور سلطان نزار باييف، احتفظ هو والحزب الشيوعي الحاكم هناك بعملية إدارة البلد وعملوا انفتاح اقتصادي تضمن ضخ استثمارات أجنبية كبيرة جدا، خاصة في قطاع البترول والغاز الطبيعي اللي البلد هناك غنية به بشكل كبير جدا.
– الانفتاح الاقتصادي اللي حصل هناك عمل معدلات تشغيل كويسة وخاصة في القطاعات المرتبطة بالاستثمارات الأجنبية زي البترول والغاز، ووصل متوسط الراتب الشهري هناك لحوالي 500 دولار شهريا.
– لكن أغلب السكان هناك مش بيحصلوا على الرقم ده، وفي مستويات عالية من الفساد واللامساواة في البلد مع طبيعة النظام السلطوية اللي مفيهاش حرية صحافة أو حريات سياسية بشكل عام.
– لكن في المجمل سياسات نور سلطان كانت ناجحة جدا في جذب الاستثمارات الأجنبية وخاصة في قطاعات البترول والبنية التحتية، واللي خلت معدلات الفقر تنزل في البلد من حوالي 56% في بدايات التسعينات لحد 5 % بس حاليا دلوقتي.
– الوضع الاقتصادي مكنش أفضل حاجة في ظل كورونا، مع ارتفاع معدلات التضخم وتناقص العائدات من بيع النفط والغاز واللي بيشكل 70% من الصادرات في كازاخستان ، بالإضافة لـ21% من الناتج المحلي في البلد.
– في 2011 البلد حصل فيها مظاهرات وثورة شبيهة باللي بيحصل دلوقتي لكنها لم تنجح في إقالة الرئيس السابق نور سلطان، وبرضه في 2019 لكنها نجحت في أنه يقدم استقالته مع احتفاظ الحزب الشيوعي بكل المناصب في البلد وسيطرة نور سلطان اللي عنده 81 سنة على كل مقاليد الحكم.
– نور سلطان حاليا هو رئيس ما يسمى بمجلس الأمن القومي هناك، وهو مؤسسة فوق رئاسية ليها دور مهم جدا، كثير من الناس بتعتقد أنه نور سلطان ما زال الحاكم الفعلي للبلد وأنه الرئيس الحالي قاسم جومارت توكاييف هو مجرد واجهة.
*****

نشوف ايه من كل ده ؟

– كازاخستان نموذج مثالي على النجاحات الاقتصادية بدون ديمقراطية واللي بيكون أفقها محدود، ومش بتحافظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي لمدى بعيد، وبتعتمد على السلطوية والقمع.
– النجاحات الاقتصادية اللي عملها نور سلطان والحزب الشيوعي في كازاخستان نتيجة سياسات الانفتاح الاقتصادي وتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة للبلد واللي التقديرات بتقول أنها في حدود 330 مليار دولار في الـ30 سنة اللي فاتوا.
– يعني 10 مليار دولار كل سنة في المتوسط وده معدل كبير جدا وبيؤكد نجاح الدولة فعليا في الملف ده واللي هي بالمناسبة مضرب الأمثال فيه بالنسبة للدول النامية نتيجة اعتمادها على ما يسمي بالدبلوماسية الاقتصادية واللي فيها بتقدم حوافز كبيرة جدا للمستثمرين الأجانب.
– لكن مع النجاحات الاقتصادية دي البلد فضل فيها معدلات فساد عالية، بلد غني بالبترول والغاز زي كازاخستان لما تكون في المرتبة الـ94 عالميا يبقي ده مؤشر خطر.
– البلد أيضا فيها معدلات لامساواة مرتفعة، والفجوة كبيرة بين الفقراء والأغنياء في البلد بشكل ملحوظ، لدرجة أنه 162 شخص فقط من النخبة السياسية والاقتصادية في البلد بيملكوا 50% من الثروة بحسب تقارير من 2019، رجال الأعمال والسياسيين في كازاخستان يعتبروا الأنشط في التهرب من الضرائب عبر الملاذات الضريبية.
– البلد حرفيا ثروتها منهوبة، التقديرات بتقول أنه تقريبا في لندن فقط عقارات بنص مليار دولار مملوكة لسياسيين من كازاخستان.
– كل ده حصل بسبب غياب الديمقراطية وتبادل السلطة والانتخابات واللي كانت ممكن تكون مصفاة طبيعية للأشخاص الفاسدين علشان كده على رأس مطالب المحتجين الحالية إجراء انتخابات محلية بدل تعيين المسئولين دول من قبل الرئيس.
– اللي بيحصل حاليا في كازاخستان بيقول لنا كثير عن مخاطر غياب الديمقراطية حتى مع النجاحات الاقتصادية، غياب الديمقراطية بيؤدي لمستويات مرعبة من اللامساواة والفساد واللي مع الوقت بيغزي الاحتقان المجتمعي على النخب السياسية وبيساهم في تفجير الاحتجاجات دي من وقت للتاني.
– وده لأنه في الدول الديمقراطية إنت مش محتاج لثورة عشان تغير النظام، فقط ممكن تروح تحط صوتك ضد السياسي الفلاني في صندوق الاقتراع كل أربع أو خمس سنين.
– غياب الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة في العالم دلوقتي هو الاستثناء، عاجلا أم أجلا التناقضات الداخلية والاقتصادية للأنظمة السلطوية بتنفجر في وشهم وبيبقي الوضع زي ما إحنا شايفين في كازاخستان ، عنف مجتمعي وثورة حتشيل الكل، كنتيجة مباشرة للسياسات السلطوية.
– اللي بيحصل ده درس لكل ديكتاتور في العالم يعتقد أنه ممكن يستمر عكس حركة التاريخ وعكس حركة الزمن ويفضل محافظ على الكرسي فوق أي اعتبار تاني حتى لو الاعتبار ده هو مصلحة البلد نفسها.
*****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *