– النهاردة هنحكي لكم قصة عن المسلسل الأمريكي space force ( قوة الفضاء)، اللي بيتعرض حاليا على نت فليكس. المسلسل بيتضمن محتوى ساخر من الجيش الأمريكي، ومن الرئيس الأمريكي.
– النهاردة حنشوف قصة المسلسل، وهل حصلت ردود أفعال ليه؟ وليه البنتاجون معتبرش اللي بيحصل خطر على الأمن القومي الأمريكي؟
*****
ايه قصة المسلسل؟
– قوة الفضاء هو فرع حقيقي في الجيش الأمريكي أعلن الرئيس ترامب عن إنشاؤه في ٢٠١٨، لضمان الهيمنة العسكرية الأمريكية في الفضاء، وده جزء من صراع بين القوى الكبرى زي الصين وأمريكا وروسيا اللي بيتسابقو من سنوات طويلة بمجال الأقمار الصناعية ذات الاستخدام العسكري .. نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس حذر من أن الصين وروسيا يملكو القدرة على تدمير الأقمار الصناعية باستخدام صواريخ، وأيضا عندهم أسلحة ليزر محمولة جوا.
– رغم الأسباب دي ترامب تعرض لموجة انتقاد من معارضيه، اللي بعضهم اعتبرها طريقة لإهدار الموارد بعد ما ظهر تقدير هتتكلف ١٣ مليار دولار في أول ٥ سنوات، بينما الجيش الأمريكي شغال بالفعل في المجالات دي بدون الإدارة الجديدة.
وبعد منازعات مع الكونجرس حول المزيانية العسكرية تم إقرار ان ميزانية القوة الفضائية لأول سنة هتكون ٤٠ مليون دولار.
– ترامب تعرض كمان لسخرية حادة، مثلا الممثل جيم كاري نشر رسم كاريكاتير بيظهر فيه ترامب وبوتن وهما لابسين بدل فضاء، وكتبله “هل تعلقت رئاستك بآخر قشة؟ إذن استدعِ القوة الفضائية .. إلى الغباء وما بعده” (بيقصد جملة إلى اللانهاية وما بعدها اللي كان بيقولها رائد الفضاء باز في فيلم الأطفال حكاية لعبة Toy story)
– في يناير ٢٠٢٠ أعلنت نتفليكس عن مسلسلها، اللي ب ده عرضه في مايو الماضي،واشتمل على سخرية من الرئيس والجيش وحتى لمحات سخرية من الكونجرس، ورغم انه ركز على الجمهوريين، لكن برضه اتريق بشكل غير مباشر على عضوة الكونجرس الديمقراطية الشابة المعروفة أوكازيو كورتيز.
– المسلسل من بطولة “ستيف كاريل” اللي بيقوم بدور الجنرال “مارك نيرد” قائد قوة الفضاء، و”جون مالكوفتيش” اللي بيقوم بدور “دكتور أدريان” العالم ورئيس الأبحاث في قوة الفضاء.
– المسلسل بيمشي على خط السخرية من غباء الجنرالات العسكريين في الجيش الأمريكي بشكل عام، وبيرسم شخصيات كوميدية غبية منهم في مقابل ذكاء الأشخاص المدنيين زي الدكتور أدريان، وبتحصل بينهم مواقف طريفة كتير .. ده غير ان المسلسل انتقد بشكل صريح الانفاق العسكري الكبير اللي بتصرفه الولايات المتحدة على الجيش وازاي الانفاق ده في حالات كتيرة بيكون غير مبرر وبيتم هدر موارد كتيرة.
– كمان بينتقد بشكل صريح الرئيس ترامب، سواء بابراز السخرية من غباؤه، أو انتقادات بأفعاله زي ان الرئيس عايز يدي عقود وقود الصواريخ لحد من رجال الأعمال أصدقاؤه مثلاَ.
*****
ايه رد فعل البنتاجون؟
– البنتاجون أو وزارة الدفاع الأمريكية، مطلعش أي رد فعل على المسلسل، ولا حد طلع قال أنه المسلسل بيرسم شخصياتنا كجنرالات بشكل ساخر وبيقول علينا أغبياء واحنا مش أغبياء.
– ولا حد طلع قال ان التفاصيل في المسلسل مش حقيقية، لأن إهدار الموارد بدون محاسبة مثلا مش وارد بسبب وجود آليات محاسبة كتير سواء قبل إقرار الموازنة العسكرية أو بعدها.
ليه ده محصلش؟
– أولا لأن دي متطلبات الكوميديا اللي بتعتمد على التضخيم عشان تضحك الناس، في النهاية هو عمل فني وخيالي، ومحدش هيفقد ثقته في قدرات جيش بلده مثلا بسبب المسلسل ده.
– وثانيا لأن لأنه البلد فيها حرية تعبير، ليك الحق تقول كل اللي انتا عايزه بأي شكل وبأي وسيلة تعبير طالما مش بتحرض على العنف أو ارتكاب الجرايم، حتى لو بتسخر من الرئيس أو جنرالات الجيش الأمريكي.
– والأهم لان البلد فيها آليات ديمقراطية بيستخدمها الكل، يعني ممكن انصار ترامب يعملو أفلام ومسلسلات تسخر من معارضيه، وقناة فوكس نيوز منحازة ليه زي ما قنوات تانية ضده، وفي الآخر بتحصل انتخابات سواء محلية على مستوى الولايات أو فيدرالية للكونجرس والرئاسة ودي آلية الحفاظ على السلطة أو التغيير فيها مش المسلسلات ولا المظاهرات ولا أي آلية تانية.
*****
ليه حاجة زي دي مهمة بالنسبة لنا؟
– تخيل لو مسلسل بالشكل ده كان هنا في مصر؟ تخيلت؟ طيب بالتأكيد يعني أول رد فعل هيكون القبض على كل من له علاقة بالمسلسل ومحاكمتهم محاكمة عسكرية، ده طبعاً غير الحملة الإعلامية الضخمة اللي هتتم لتخوين صناع المسلسل غير الوطنيين العملاء للخارج اللي مش بيحبو مصر.
– طيب نسأل سؤال تاني: إيه اللي أضر (الدولة) الأمريكية من السخرية دي؟
– هل السخرية مثلا خلت الجنرالات الأمريكيين في وضع هش قدام المواطنين، وبالتالي مش قادرين يفكروا وياخدوا قرارات سليمة؟ لا بالعكس.
– هل النقد وطرح الأسئلة المتعلقة بالشفافية وفي بعض الأحيان إقالة جنرالات في الجيش الأمريكي، وكتابة الصحافة عن شبهات الفساد في عقود الأسلحة مع الشركات الخاصة ده أضر الجيش الأمريكي؟ لا بالطبع بل العكس اللي حصل، الناس لما شافت أنه بيحصل في رقابة ومحاسبة اطمنت أكثر على فلوس ضرائبها اللي بتروح لتمويل الجيش.
– عندنا في مصر حالات كتيرة لناس اتحاكمت محاكمات عسكرية بتهم متجيش 1 على مليون من اللي حصل في المسلسل ده وملوش دعوة نهائي بالسخرية من الجيش، على سبيل المثال خالد لطفي الناشر اللي نشر كتاب الملاك عن “أشرف مروان” اتحبس 5 سنين في محاكمة عسكرية رغم إن الكتاب منشور برة مصر باللغة الانجليزية، إسماعيل الاسكندراني الصحفي والباحث اللي كان بينقل أخبار سيناء وأول من كتب عن قصة هشام عشماوي واتحاكم عسكريا واتحكم عليه بعشر سنين سجن، العقيد أحمد قنصوة، الفريق سامي عنان وغيرهم كلهم اتحاكموا عسكريا لأنهم بشكل ما أو بآخر وجههوا انتقادات غير مباشرة لتدخل الجيش في العمل السياسي، أو حاولوا يترشحوا للرئاسة، ودي كلها ممارسات طبيعية ولايمكن تتصنف كجرائم.
– ونفتكر برضه إنه من فترة قصيرة اتوفى المخرج “شادي حبش” جوة سجن طرة بعد أكتر من سنتين من حبسه بدون أي محاكمة، وحبس كل من كان ليه علاقة بأغنية ساخرة من الرئيس السيسي.
– هل حبس الناس دي جه بنفع على الدولة والمجتمع؟! بالتأكيد لا، بل بالعكس كان له أثر سلبي.
– دي طبعاً مش دعوة لعمل أعمال فنية ساخرة من الجيش في مصر، وطبيعي ناس كتير يبقوا ضد الأعمال اللي من النوع ده، لأسباب عديدة ومتنوعة، خصوصاً في أوقات الحروب والتحديات الصعبة زي موقفنا الحالي في أثيوبيا وليبيا، وإحنا هنا حتى في صفحة الموقف المصري مبنستخدمش أسلوب السخرية من أي شخص أو مؤسسة. لكن في إطار عام مهم لازم يبقى موجود في أي بلد، وهو الحق في السؤال والكلام والرأي والتعبير.
– وبالتأكيد محدش حتى في أمريكا بيسخر من تضحيات ظباط وجنود جيشهم، بل بيتكلموا عنهم كأبطال والأعمال الدرامية بتركز على ده، لكن كمؤسسة مفيش مؤسسة في أي بلد ديمقراطي هي فوق النقد والمسائلة السياسية، ومن الطبيعي إن المواطنين يسألوا المسؤولين السياسيين عن الجيش عن سياسات إدارة الحروب والمخاطر، ونسأل عن ميزانية الجيش وتدخلاته في السياسة والاقتصاد، دي أسئلة طبيعية جدا، وحق أي مواطن على أي مؤسسة جوة بلده.
– في أمريكا أقوى وأغنى دولة بالعالم بنشوف إنه الرئيس بيتعرض لكل السخرية والانتقادات دي بالصحافة والاعلام بدون خوف، لأنه الرئيس ميقدرش يحبس صحفي أو يحبس مواطن بينتقده، حتى لو بأسلوب ممكن البعض يشوفه غير مهذب، طالما مفيهوش تحريض على العنف أو ارتكاب الجرائم.
– مفيش مجال لمعالجة الأخطاء في أي مؤسسة من مؤسسات الدولة بدون حرية تعبير وصحافة حرة تكشف الفساد وتفعل دور الرقابة الشعبية، وهيا جزء من مناخ ديمقراطي كامل فيه انتخابات نزيهة للرئاسة والبرلمان والمحليات، وفيه حرية للجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني. كل الدول اللي عرفت تكافح الفساد وتعمل إصلاحات إدارية كبيرة في مؤسساتها بدأت كده، واحنا مش استثناء عن باقي العالم.
– في النهاية بندعوكم لمتابعة المسلسل للي متاح له ذلك، وهيا فرصة نقارن أوضاعنا بأوضاع غيرنا، ونفكر نفكر في مستقبل بلدنا هيبقى يبقى حياتنا فيها ازاي مع حرية الرأي والتعبير والابداع، ونتصالح شوية كمصريين مع فن السخرية اللي عندنا معاه مشاكل بالعموم وكل طرف عايز يشوف سخرية بلا حدود من أفكار ورموز خصومه، ويزعل ج ده لو حصلت أصغر سخرية لفريقه.
*****