– قبل يومين توفي المشير محمد حسين طنطاوي عن عمر تخطى الـ 85 سنة، مليانين بأحداث تاريخية عسكرية وسياسية شارك فيها إيجابًا وسلبًا، وبالطبع مع وفاة أي شخصية عامة بيحصل جدل عن تاريخه.
– في البوست ده هنتناول شخصية المشيرالله يرحمه وتاريخه زمنه عسكريًا وسياسيًا، باعتباره شخصية مؤثرة في أحداث هامة جدا في تاريخنا، بعيد عن لغة التراشق.
*****
– المشير حسين طنطاوي هو صاحب أطول فترة في منصب وزير دفاع في التاريخ العسكري المصري لمدة تخطت الـ 21 سنة، ووراه المشير عبد الحكيم عامر اللي فضل في نفس المنصب ده برضه لمدة 15 سنة، ومفيش وزير دفاع في مصر استمر أكتر من المتوسط من 6 – 7 سنوات.
– وطبعًا زي مهو في أحداث كتير متوفر عنها معلومات عن المشير طنطاوي ودوره، ففي أحداث أكتر وأكبر مفيش عنها معلومات محددة ودقيقة، لأنه مفيش وثائق رسمية بتتنشر عنها، رغم إنه منها أحداث عدى عليها عشرات السنوات، فما بالنا بأحداث مهمة في السنوات الأخيرة.
– دي مشكلة كبيرة بتواجهنا دايمًا في مصر، لأننا بلد مفيهاش قانون حرية تداول معلومات، وتاريخنا مليان بأحداث مهمة، الوثائق الرسمية بتاعتها من محاضر اجتماعات وقرارات وخطط لا تزال محجوبة.
– وللسبب ده خلينا نتناول بعض المحطات الإيجابية والسلبية في حياة المشير طنطاوي وننهي البوست بتعليق عام.
*****
– المشير طنطاوي قبل ما يكون في منصب وزير الدفاع هو رجل عسكري مقاتل، شارك في حروب العدوان الثلاثي والنكسة وحرب أكتوبر، وكمان شارك في حرب تحرير الكويت عام 1991 وكان رئيس لهيئة عمليات القوات المسلحة، وكمان نال طنطاوي عددا من الأنواط والأوسمة العسكرية بينها نوط الشجاعة العسكرية، وتقلد مناصب مختلفة في الجيش المصري، فكان رئيس فرع التنظيم، قسم العمليات، بالجيش الميداني، وعضو هيئة تدريس في الكلية العسكرية، وملحقا عسكريا في باكستان وأفغانستان، كمان رأس عمليات قيادة المشاة، ورأس فرع العمليات في هيئة عمليات القوات المسلحة، وتولى قيادة فيلق مشاة، وقيادة الحرس الجمهوري، ورئاسة أركان قوات المشاة.
– لكن تظل قصته العسكرية الأشهر والأهم هي أثناء قيادته للكتيبة 16 مشاة، في معركة “المزرعة الصينية”.
– معركة “المزرعة الصينية” يوم 15 أكتوبر، هي واحدة من نتايج قرار الرئيس السادات بتطوير الهجوم شرق قناة السويس، واللي نتج عنها لاحقًا ثغرة الدفرسوار المشهورة، والمزرعة الصينية هي عبارة عن محطة زراعية تجريبية عملتها الحكومة في الخمسينات لدراسة إمكانية زراعة المحاصيل في صحراء سيناء القاحلة، ومكانها على بعد 15 ميل من شرق قناة السويس، وسبب تسميتها بالصينية إنه المعدات والآلات اللي كانت فيها مستوردة من اليابان، ولما الإسرائيليين احتلوا سيناء وشافوا الحروف المكتوبة باللغة الصينية، تم تسميتها بالمزرعة الصينية.
– أهمية المعركة دي إنها وقفت أول محاولات الإسرائيليين للعبور ناحية غرب القناة لإحداث الثغرة، وتقدمت بالفعل قوات مشاة إسرائيلية كان بيتم رصدها من القوات المصرية الموجودة في المزرعة ( فرقة 16 مشاة و كتيبة 16 مشاة )، وتمهل “المقدم” حسين طنطاوي بانتظار القوات الإسرائيلية أكثر وأكثر لحد ما بقت المسافة بين قوات الجيشين 1 كم فقط.
– ونتج عن المعركة دي إن ما تبقى من قوات إسرائيلية قدرت تهرب، حاولت تشوف أي ثغرة تانية للوصول لغرب القناة بعيد عن الكتيبة 16 مشاة ومدفعيتها التقيلة اللي دمرتلهم أكتر من 70 دبابة و 300 قتيل، وكانت القوات المصرية قادرة تحاصرهم وتضرب النار عليهم من 3 جهات عن طريق الخنادق اللي حفرتها الكتيبة المصرية، ولما أرسل الإسرائيليين قوات مظلات لدعم القوات الإسرائيلية تم برضه استهدافهم، ولذلك كانت معركة شرسة جدًا قدرت فيها الكتيبة 16 مشاة إنها تحافظ على الموقع الهام اللي يبعد 3 كم فقط من قناة السويس.
– للأسف فيه اشاعات خاطئة تماما على السوشيال ميديا بتنكر دور المشير طنطاوي بل بعضها بيتهمه بالخيانة والعمالة لإسرائيل وقصة خيالية انه باع الكتيبة وهرب لوحده.
ده كلام غير حقيقي بالمرة ولم يذكره أي مرجع عسكري معتمد مصري أو إسرائيلي، المصادر الإسرائيلية بتتكلم عن ضراوة القتال في المعركة دي، ده حتى المختلفين مع إدارة السادات لجوانب في الحرب وقتها على رأسهم الفريق الشاذلي في مذكراته عمره ما قال كدة أبدا.
– مش معنى إن فلان هو خصم سياسي ليك إنه بالضرورة شيطان طول الوقت، لأنه مثلًا حسني مبارك كان قائد القوات الجوية في حرب أكتوبر ويعتبر بطل حرب فعلًا، وده ملوش أي علاقة بكونه كان رئيس فاسد وتم إدانته بالسرقة بحكم محكمة، غير باقي جرايمه السياسية في فترة حكمه.
*****
– إيجابيات تانية غير منشورة في الوثائق المصرية هنشاور عليها وهتلاقوها بالتفصيل في المصادر، زي مثلاً إنه حسب وثائق ويكيليكس لفترة طويلة كان المشير طنطاوي بيقاوم ضغوط أمريكية لتقليل عدد وعتاد الجيش تحت ستار إنه في سلام مع إسرائيل بالتالي انتا محتاج في ايه طيارات ودبابات قتال رئيسية خلينا نغير نوع السلاح لأسلحة حرب الإرهاب زي مدرعات خفيفة وأجهزة رؤية ليليلة، لكنه كان بيرفض ومصمم على التوازن في التسليح مع إسرائيل باعتبار إنه ده اللي بيحمي السلام وليس العكس، لذلك اتوصف في الوثائق بأنه “مقاوم للتغيير”.
– وأخيرًا موقفه من ثورة يناير في الـ 18 يوم، واللي طبعًا الجيش كان سعيد بيها لرفضهم مشروع التوريث لجمال مبارك، وفي العديد من الشهادات المنشورة كانت بتأكد رفض طنطاوي لسياسات جمال مبارك وأحمد عز ورجال لجنة السياسات بشكل ما.
– عشان كده في بداية الثورة شفنا نزول الدبابات بتعامل مختلف تماما مع المتظاهرين عن تعامل الداخلية، ورفض الجيش طول الـ18 يوم إطلاق النار على المدنيين، وصولا لإجبار مبارك على التنحي، لكن طبعًا دا للأسف في مقابل الحماية.
– وكمان نقدر نشوف إن طنطاوي قاد المجلس العسكري لعقد انتخابات “نزيهة” (فيه آراء متنوعة عن تعريف النزاهة دي ومداها، لكن على الأقل مؤكد ان الأصوات اللي كانت في الصناديق هيا الاصوات الحقيقية ومحصلش أي تزوير) في الاستفتاء والبرلمان ثم الرئاسة، وتسليم السلطة في نهاية الفترة الانتقالية، رغم عدم رضا الجيش ولا طنطاوي عن نتايج الانتخابات.
طبعًا النقطتين الاخيرتين دول حصلوا بضغوط كبيرة جدًا من الشارع والثوار قبل عزل مبارك وبعدها طول سنة ونص، وبسبب إرادة شعبية حقيقية في التغيير، وبسبب طبيعة الجيش اللي هوا جزء من الشعب المصري مش يمثل قبيلة او طائفية بعينها، لكن في النهاية طنطاوي مدفعش ناحية العند ودفع الجيش لحماية مبارك بالقوة زي ما حصل في دول عربية أخرى، ولا دفع نحو تزوير الانتخابات لصالح شفيق، وتقبل الموقف لصالح انه ميحصلش انقسام في الجيش أو تصاعد في العنف الأهلي.
*****
– لكن بالطبع في سلبيات كتيرة جدًا أبرزها فترة إدارته للمرحلة الانتقالية، نتيجة التخبط الكبير في المسار السياسي وشق المسار الثوري من أول استفتاء 19 مارس والإعلانات الدستورية المتتالية اللي كانت بترسخ لوجود الجيش وسيطرته على العملية السياسية.
– وبالتأكيد هو مسؤول بحكم موقعه عن أحداث مهمة سالت فيها دماء عدد كبير من الشهداء، زي أحداث ماسبيرو، ومحمد محمود، ومجلس الوزراء، واستاد بورسعيد، ومينفعش حالة النفي المطلق لكونه مسؤول أو إنها كانت مؤامرات خارجية.
– في أحداث ماسبيرو مثلاً تمت محاكمة 3 مجندين عسكريا بتهمة “القتل الخطأ”، والنيابة العسكرية وجهتلهم رسميا تهم إنهم “تسببوا بخطئهم في موت أربعة عشر شخصا من المتجمهرين أمام مبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون، وكان ذلك ناشئا عن إهمالهم وعدم احترازهم وذلك حال كونهم سائقي المركبات والمدرعات التابعة للقوات المسلحة بأن قادوها بطريقة عشوائية لا تتناسب وحالة الطريق الذاخر بالمتجمهرين”
وبالتالي الكلام عن إن في أشخاص تانيين خطفوا المدرعات وساقوها ده كلام غير صحيح.
– نفس الكلام مثلًا في أحداث محمد محمود، فاكرين كلنا الظابط “الشناوي” اللي اتشهر بقناص العيون بتاع “جدع يا باشا جت في عينه”، الظابط ده حقيقي واتحاكم وخد طبعًا حكم مخفف بالسجن 3 سنوات فقط، لكنه المهم مكانش فيديو وهمي ولا اللي في الصورة كان ظابط أمريكي مثلاً!
– وعمليًا الجيش هو اللي كان بيدير كل شيء، حتى وزارة الداخلية وأمن الدولة كان بيتم إدارتهم من الجيش والمخابرات الحربية، وبالتالي على أقل تقدير فيه حاجة اسمها المسؤولية السياسية لحماية الناس بحكم المنصب ودي اللي كان بيتحاكم عليها مبارك تحديدا في قضية قتل المتظاهرين لما ملقوش ورقة أو شهادة تثبت انه شخصيا أصدر الأوامر دي.
– وسرعة النفي اللي قام بيها الرئيس السيسي، هي في الحقيقة لازم عندها وقفة، لأنه ببساطة لو مكانش المشير مسؤول وهوا وقتها قائد المجلس العسكري وبيقوم بأعمال رئيس الجمهورية، فيبقى مين مسؤول؟ حتى لو افترضنا حد عمل مخالفات بدون أوامر مش هما مسؤولين عن محاسبته؟ أيوة، دي الأعراف والتقاليد العسكرية، وبالتالي أي كلام تاني هيكون بيخالف الواقع ورأي شخصي بلا تحقيق صريح أو نتائج لجان تقصي الحقائق في الأحداث دي.
– جانب تاني مهم هوا إن الفترة الانتقالية كانت فرصة للتفاوض بين المدنيين والعسكريين لإدارة رشيدة للعلاقات المدنية العسكرية، لكن للأسف الطرفين ضيعوها.
وعمل المجلس العسكري بقيادة طنطاوي على تكريس وضع الجيش الاستثنائي داخل الدولة سياسيًا واقتصاديًا القائم منذ ثورة يوليو 1952 عن طريق الامتيازات الخاصة بالحكم وإدارة الشؤون العليا في الملفات الخارجية والداخلية والعسكرية، والحفاظ على مصالح الجيش الاقتصادية من مشروعات وأراضي وامتيازات للظباط، والتعيينات والترضيات للخارجين من الخدمة في جميع المؤسسات، وفي المقابل انشغل الإسلاميين بمكاسب الانتخابات.
– ومع إطالة المرحلة الانتقالية شوفنا إن الهدف كان إما رجوع حد من الحرس القديم لرأس السلطة، أو التفاوض السري الفردي مع ناس من اللاعبين السياسيين الجدد سواء إسلاميين أو مدنيين، ويقدروا يسيطروا على الشارع، وبرضه يحافظوا للجيش على نفس الامتيازات دي.
– لكن مكانش أبدًا في أي انحياز حقيقي في لحظة تغيير مهمة زي ثورة يناير، إنه البلد يحصل فيها مشروع ديمقراطي فعلًا ويحصل تداول سلطة راسخ، وتبقى السيادة للشعب وللمواطنين واختياراتهم في الصناديق، مش في الغرف المغلقة، حتى لو ضمن التفاوض يتم التوافق على وضع استثنائي للجيش وتحول تدريجي زي ما حصل في تجارب في أمريكا الجنوبية، مهو مستحيل الوضع القائم سياسيا ومجتمعيا من ستين سنة يتغير بين يوم وليلة.
– في النهاية ده تقييمنا اللي بنشوفه متوازن ومنطقي لمسيرة المشير طنطاوي عسكريًا وسياسيًا بعيد عن التراشق أو التهوين أو التهليل، وتاني ده اللي متوفر عندنا من معلومات وروايات واللي عاصرناه بنفسنا في فترة الثورة.
– وبالطبع في حكايات كتيرة مش منشور ليها وثائق ولسه هنعرفها بعدين، خاصة إنه طنطاوي كان بمثابة صندوق أسود عنده مئات وآلاف الأسرار، واتروى عنه مئات الروايات من العسكريين والمدنيين اللي عرفوه، لكن لحد وفاته وهو مبيتكلمش ومقررش يحكي التاريخ من وجهة نظره بصورة مباشرة، والحكم والتقييم متروك لكل المصريين.
*****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *