– خلال الأيام اللي فاتت نشر موقع مدى مصر تغطية خبرية مهمة عن كتاب دوري صادر عن مجلس الوزراء، تحديدا الأمين العام اللواء أركان حرب عاطف عبد الفتاح بيطالب فيه جميع الوزراء بالتنبيه على العاملين في الوزارات بعدم رفع أي دعاوى قضائية ضد أي جهة حكومية.
– الكتاب الدوري بالتوجيهات دي غريبة جدا لأنه في مصر وفي أي دولة في العالم المواطن له كامل الحق في مقاضاة الحكومة، دي قاعدة قانونية اتبنت عليها وعلى غيرها دساتير الدول الحديثة وهي أنه الحكومة هي ممثل عن المواطن وممثل لمصالحه بالتالي من حقه مقاضاة الحكومة أو السلطة التنفيذية قدام السلطة القضائية.
– ايه هو القرار الأخير ده؟ ايه مدى دستوريته؟ وليه القرار صدر؟ وايه المشكلة في القرار ده؟
*****
– المعلومات المتوافرة زي ما قولنا إنه كتاب دوري صادر عن أمين عام مجلس الوزراء وتم تداوله من قبل عدد من القضاة في مجلس الدولة وهي الجهة اللي من ضمن اختصاصاتها الفصل في النوع ده من النزاعات القضائية، حاجات زي قضايا التعويضات وصرف البدلات والتظلم على المعاش وغيرها من قضايا موظفي الحكومة.
– الكتاب الدوري صدر للتنبيه على الوزراء بالتنبيه على العاملين في الوزارات بتاعتهم بعدم رفع أي دعاوى قضائية ضد أي جهة في الحكومة وعقاب من يقوم بذلك.
– البديل عن القضاء هو تسوية المنازعات دي في لجان مختصة في وزارة العدل بدون اللجوء للقضاء، وده فعليا يعني نهاية دور مجلس الدولة القضائي واللي كان مختص بنظر النوعية دي من القضايا.
– القرار اللي صدر من مجلس الوزارء ده غير دستوري لأنه بينهي مبدأ حق التقاضي اللي أقره الدستور لكل المواطنين سواء ضد بعضهم أو ضد الحكومة، حاليا لو موظف أتوقع عليه جزاء ظالم أو لم يرقى في معاده أو حصل مشكلة معاه في تسوية معاشه فهو مضطر بروح يتظلم للحكومة من الحكومة.
– كمال عباس مدير دار الخدمات النقابية أتكلم عن القرار وقال “الموظف أصلًا يلجأ أولًا إلى اللجان التي يتحدث عنها القرار كبديل للقضاء، وعادة لا تنصفه، ولذلك يذهب بعدها لمحاكم مجلس الدولة المختصة للحصول على حكم قضائي ملزم، ولكن لو افترضنا أن الموظف ذهب إلى لجان إنهاء المنازعات بوزارة العدل للتظلم من قرار خاص برصيد إجازته أو تخطيه في الترقية أو عدم حصوله على علاوة مثلًا، وأنصفته تلك اللجان وأصدرت قرار في صالحه، فالمفارقة أن هذا القرار تنفيذه مرهون بموافقة طرفي الخصومة على تنفيذه، ومن ثم إذا رفضت الجهة الإدارية تنفيذه يكون قرار اللجنة بلا قيمة”.
– ناصر أمين المحامي الحقوقي أعلن أيضا أنه هيرفع قضية بعدم دستورية القرار ده وقال “قانون مجلس الدولة الذي يلزم الموظف باللجوء إلى لجان فض المنازعات بالجهة الحكومية التي يعمل بها قبل إقامة دعاوى قضائية أمام أي من محاكمة، ولكن المفارقة أن تلك اللجان منذ إنشائها عام 2000 تصدر توصيات ترفض الجهات الحكومية تنفيذ 98% منها، ولهذا يلجأ الموظفون إلى إقامة دعاوى قضائية أمام محاكم مجلس الدولة، ولكن أن يصدر مجلس الوزراء قرارًا بعقاب من يلجأ إلى القضاء فهذا أمر منافي لكافة المبادئ القضائية”.
– بالتالي دور مجلس الدولة مهم جدا في الموضوع لأنه رأي لجان فض المنازعات في الوزارات دي هو رأي غير ملزم وبالتالي الموظف بيلجأ لمجلس الدولة عشان يحصل على فتوى من قسم التشريع بالمجلس تعتبر بعد كده بمثابة حكم نهائي على الحكومة.
– ودا كله بيحصل في سياق واتجاه عام بدأته الحكومة بالتوسع في وصف القرارات الصادرة عن السلطة التنفيذية بأنها “سيادية أو سياسية”، والاتجاه لمنع محاكم مجلس الدولة من الرقابة على مشروعيتها واتفاقها مع القوانين، ثم بإلغاء إلزامية عرض التشريعات على مجلس الدولة قبل إقرارها من البرلمان وإصدارها من رئيس الجمهورية وجعلها سلطة جوازية للبرلمان أو الحكومة في العرض من عدمه.
– ومؤخرًا قال 3 من قضاة مجلس الدولة تحدثوا لـ«مدى مصر»: “إعطاء أوامر صريحة للجهات الحكومية بتجاهل سلطة الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع المختصة، بالفصل في النزاعات بين الجهات الحكومية وبعضها، بإصدار قرارات ملزمة للطرفين، واللجوء إلى لجان تابعة لوزارة العدل بدلًا منها من ناحية، وحجب اختصاص الفصل في مظالم العاملين بالدولة عن محاكم مجلس الدولة، من ناحية أخرى.
– كمان فكرة عقاب من يتقدم بحقه في ممارسة التقاضي ضد الحكومة برضه دي فكرة غير دستورية وغير قانونية ومفيش لحد دلوقتي أي شيء في أي قانون في مصر يمنع حدوث ده، بالتالي قرار مجلس الوزراء الحالي مش بس تجاهل الدستور لكن كمان تجاهل القانون لأنه حرفيا مفيش قانون بيعاقب على ده لأن مفيش جريمة أصلا، بالتالي القرار استحدث عقوبة بدون قانون في سابقة تدرس يعني في إهدار القانون.
*****
– اللي بيحصل دا هيكون معناه تحييد دور القضاء في كل شيء حتى في الحاجات اللي مينعفش أنه يتم تحييد دوره فيها زي النزاع بين الدولة والمواطن واللي هو ركن أساسي مكفول بالدستور في أي بلد في العالم.
– تطبيق القرار ده هيعني تحييد دور مجلس الدولة على أرض الواقع وهيبقى كل هؤلاء القضاة حرفيا انتزع منهم جزء كبير من وظفيتهم، ودا مش مفهوم أبدا.
– لكن الأهم واللي بنعتقد أنه له دور أساسي في القرار ده هو إنه فيه اتجاه مالي في الدولة مش عايز الحكومة تدفع أي فلوس أو تعويضات لأي موظف ولأي سبب، بنشوف ده على أرض الواقع من التباطؤ في تنقيذ أحكام التعويضات للموظفين واللي بتوصل لسنوات، وبنشوفه النهارده في القانون اللي بيخلي كل شيء في يد لجان فض المنازعات.
– بالتالي الحكومة فعليا دلوقتي بتقول للموظفين لو عايز تيجي قدام لجان الفض وتاخد حكمها بغض النظر بقى عن القضية بتاعتك تعالى، مش عاوز تيجي خلاص مبقاش في دور لمجلس الدولة، ولو روحت رفعت قضية هيتم عقابك ومش من خلال قانون الخدمة المدنية أو الإجراءات اللي فيه لكن عقاب تأديبي لحد دلوقتي محدش عارف هو ايه.
– دا كله علما بإن القضاء الإدارى انتهى إلى إلزام الجهة الإدارية بتنفيذ قرارات لجنة فض المنازعات الصادرة بأحقية العامل لمستحقاته المالية التى لا تجاوز قيمتها 40000 جنيه لدى جهته الادارية، وان قرارات لجنة فض المنازعات متى صدرت أصبحت واجبة النفاذ ودون عرضها على طرفي النزاع، وإن تم الطعن عليها أمام المحكمة لا يوقف تنفيذ القرار، لكن حتى الواقع دا فيه مشاكل التهرب الحكومي من أحكام لجان فض المنازعات بحجة إنها “غير ملزمة”، وفي النهاية كان لجوء الموظف للقضاء هو الخيار الطبيعي، ودا الحق اللي بيتسحب منه دلوقتي.
*****
– من المتعارف عليه أن المنازعات بين الوزارات والجهات الحكومية مثلا لا تعرض على المحاكم أصلًا، واللي بيعرض بس هو المنازعات الخاصة بتظلم الموظفين والعاملين في الجهات الحكومية بالأساس من قرارات الجهة الإدارية، ودا بحسب نواب رئيس هيئة قضايا الدولة لـ«مدى مصر»، يعني في النهاية القرار مستهدف الموظفين وحقوقهم.
– اللي بيحصل دا هيكون إهدار جديد لقيمة العدالة واستقلال القضاء حتى في القضايا العادية اللي زي دي مش في القضايا السياسية.
– دا هيترتب عليه عند الناس غياب أي ثقة في منظومة العدالة، وانعدام الثقة في منظومة العدالة هو بداية انعدام استقرار أي مجتمع وإهدار لقيمة المواطنة الأساسية اللي فيها الحكومة ممثلة للناس فقط مش فوق القضاء.
– من حق الموظف أو المواطن س أو ص أنه يختصم الحكومة لو وقع عليه ضرر، ومن حقه أنه يكون في قضاء مستقل يحكم له أو يحكم عليه لأنه في الحالتين لو عنده ثقة في القضاء ومنظومة العدالة مش هنلاقي مشكلة.
– بنشوف في دول تانية بيتحكم بتعويضات بمبالغ خيالية من القضاء على الحكومة، وده لأنه التعويض في حالة الضرر هو آلية مهمة للرقابة على جودة العمل في المؤسسات الحكومية وضمان عدم تعرض الموظفين للتمييز بالتالي هي آلية مهمة للحوكمة وضمان عملية مكافحة الفساد.
– س أوص اللي شغال مدير أي مصلحة حكومية لازم يعاقب ولازم تعاقب المؤسسة اللي هو فيها لو في ظلم حصل على الموظف عشان المصلحة الحكومية زيها زي القطاع الخاص زي أي مجتمع في الدنيا لازم تكون فيه آليات للعدالة واضحة وناجزة.
– طبعا من المفترض أنه اللي أصدر قرار زي ده يتعرض للمسائلة لأنه مخالف للدستور والأعراف القانونية، وده سواء القرار اتطبق أو لا لأنه مجرد إصدار قرار زي ده مشكلة كبيرة جدا.
– بنتمنى التراجع عن هذا القرار، وإن البرلمان يقوم بأي جزء من دوره في سؤال الحكومة عن سبب القرار ومدى مطابقته للدستور اللي المفروض الجهات دي أقسمت على احترامه.
*****
مشاركة: