– تطورات متسارعة جدا شهدتها الأيام الأخيرة في ملف سد النهضة. إعلان إثيوبيا عن انتهاء 80% من أعمال بناء السد، وإصرارها على تنفيذ الملء الثاني للسد في موعده الشهر القادم.
– مصر من جانبها عملت خطوات كتير لاجتذاب الدعم الأفريقي. امبارح الرئيس السيسي كان في جيبوتي، وقبلها بيوم رئيس الأركان المصري وقع اتفاق تعاون عسكري مع كينيا.
– كمان شفنا انخراط أمريكي أكبر في الملف، وفرض عقوبات على إثيوبيا بسبب الجرائم في إقليم التيجراي.
– التحركات السياسية بتحصل بالتزامن مع تلويح عسكري متمثل في مناورات “حماة النيل” مع السودان.
– هنتابع في البوست ده آخر التطورات المتعلقة بمحاولة الوصول لحل لأزمة سد النهضة.
*****
إيه أهمية زيارة الرئيس السيسي إلى جيبوتي؟
– أثيوبيا دولة حبيسة، وبسبب مشاكلها التاريخية مع إريتريا فالمنفذ الوحيد ليها على البحر هوا موانيء جيبوتي، وكل واردات أثيوبيا بتيجي من هناك، وبالتالي جيبوتي ليها تأثير مهم عليها.
– زيارة الرئيس السيسي تم فيها الاتفاق على رفع العلاقات الاقتصادية بين البلدين، ومنها خطوات محددة زي افتتاح فرع لبنك مصر في جيبوتي، وانشاء منطقة لوجستية مصرية في جيبوتي، وبدء اجراءات انشاء مستشفى مصري.
– تم الاتفاق كمان على فتح المجال لمساهمة الشركات المصرية في مشاريع البنية التحتية، والتعاون بمجالات الاستزراع السمكي وربط الموانيء والصحة.
– أيضا تم الاتفاق على تكثيف نشاط الأزهر الشريف في تأهيل الدعاة في جيبوتي بهدف مكافحة التطرف.
– الرئيس السيسي أكد في المؤتمر على رفض مصر أي اجراء أحادي بشأن سد النهضة وسعيها لاتفاق ملزم.
– طبعا العلاقات دي مش بتتبني بين يوم وليلة، ومصر تأخرت جدا في الالتفات الجاد لعمقها الأفريقي، لكن الخطوة دي وأمثالها كلها بواجه الدعاية الإثيوبية المضللة عن مصر باعتبارها قوة استعمارية على الأفارقة.
*****
إيه طبيعة الدور الأمريكي في الملف حاليا؟
– بعد فشل المفاوضات اللي اتعملت في واشنطن السنة اللي فاتت، الدور الأمريكي ماكنش فعال، خصوصا في ظل فترة انتقال السلطة من إدارة الرئيس الأمريكي السابق ترامب.
– في بداية فترة بايدن، ماكنش واضح سياسة الإدارة الجديدة تجاه الملف، خاصة لما ألغت عقوبات كانت فرضتها إدارة ترامب على إثيوبيا بسبب سلوكها فيما يتعلق بالسد، لكن رجعت أخيرا للملف.
– من حوالي ٣ أسابيع، السفير المصري في العاصمة الأمريكية واشنطن قال أثناء كلمة ألقاها أمام كلية الحرب الأمريكية إن “تكرار ممارسات إثيوبيا الأحادية في أحواض الأنهار سيكون له تبعات وآثار جسيمة في نهر النيل”وطالب بدعم الولايات المتحدة لدور الاتحاد الأفريقي.
– في نفس الوقت، كان فيه وفد من الكونغرس الأمريكي بيزور الخرطوم، واستمع لرؤية المسؤولين هناك، وأكد استعدادهم للقيام بدور فاعل في الملف.
– وكان الرئيس السيسي قبل كده لوح باستخدام القوة لو تم تهديد حصة مصر من مياه النيل، والولايات المتحدة الأمريكية أكدت على تمسكها بحل أزمة سد النهضة بشكل سلمي، وأعلنت رفضها للإجراءات أحادية الجانب.
– ده تزامن مع تعيين مبعوث أمريكي لمنطقة القرن الإفريقي، اللي بدأ زيارة للثلاث دول بالإضافة إلى إريتريا، واستقبله الرئيس السيسي في القاهرة، والسيسي وضح إن سياسة مصر قائمة على السعي لاتفاق سلمي ومتوازن وملزم قانونيا.
– بعدها وزارة الخارجية الأمريكية قالت قبل أسبوع، إن حل الأزمة يجب أن يتم بسرعة، وتم التأكيد على نفس النقطة في مكالمة الرئيسين السيسي وبايدن قبل أيام.
*****
تأثير المتغيرات الإقليمية على الملف
– مكالمة السيسي وبايدن كانت الأولى من نوعها بعد ٤ شهور من تولي الأخير منصبه، وجاءت بينما كانت مصر بتلعب دور مهم جدا في الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، قدرت تتوصل لتهدئة بين الطرفين بعد ١١ يوم من التصعيد العسكري، وهو الدور اللي أشادت بيه كتير من الدول.
– في المقابل أمريكا فرضت عقوبات يوم الاثنين الماضي، على إثيوبيا ومسؤولين إثيوبيين بسبب انتهاكات حصلت في إقليم تيجراي.
– أداء مصر في ملف فلسطين والعقوبات على إثيوبيا هي تطورات مهمة جدا، حتى وإن كانت مالهاش صلة مباشرة بموضوع السد، لكنها بتعزز صورة مصر كدولة ذات ثقل إقليمي وحريصة على السلام، وفي المقابل هيضعف موقف المسؤولين الإثيوبيين، وهيوضح للمجتمع الدولي إلى أي مدى إثيوبيا بتعتمد على سياسة محاولة فرض الأمر الواقع وإلى أي مدى بتتصرف بمسؤولية واتساق مع القانون الدولي، وبالفعل البيانات الإثيوبية رداً على البيانات والعقوبات الأمريكية مخيبتش ظننا.
– وسياسة الأمر الواقف وتضييع الوقت نقدر نشوفها بعد ما مسؤول في وزارة الري السودانية قال لرويترز: إن “إثيوبيا اتخذت عمليا قرار الملء. بدأت فعلياً المرحلة الثانية لملء سد النهضة ببدء حجز المياه منذ الأسبوع الأول في مايو عبر العمل في تعلية جدار السد الأوسط مما يعنى حجز كميات من المياه ولكن نتوقع أن يكون معدل التخزين أعلى في الخريف في شهري يوليو وأغسطس”.
*****
– وفي الوقت اللي الحلول السلمية والدبلوماسية ماوصلتش فيه لحل مرضي لكافة الأطراف لحد الآن، كان فيه رسائل أخرى في المشهد موجهة من مصر والسودان لإثيوبيا.
– آخرها كان يوم السبت لما وصلت قوات مصرية للعاصمة السودانية الخرطوم، لإجراء مناورات عسكرية مع الجيش السوداني، اسمها “حماة النيل” هتبدأ يوم ٢٦ من الشهر الحالي، وهتستمر لمدة ٦ أيام.
– ده بيحصل بعد ما مصر والسودان وقعوا اتفاقية تعاون عسكري، وحصل سلسلة من الزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين في الجيش والحكومة المصرية والسودانية، والرئيس السيسي زار السودان بصحبة قادة الجيش المصري.
– ده مش معناه إن مصر والسودان قررو الخيار العسكري، بل هوا في الواقع حتى الآن كارت ضغط لتحفيز المسار السياسي مش بديل عنه ولسه فيه أمل إن الدبلوماسية تقدر تنقذ الموقف زي ما كلنا بنأمل لصالح الشعوب التلاتة لأن زي ما بنكرر الحروب شيء خطر جداً ومينفعش أبدا التسرع بأي خطوة عسكرية بدون الانتهاء من كل الخيارات والمحاولات بلا استثناء.
– من ناحية تانية، الإمارات سحبت الوساطة اللي تقدمت بيها قبل أسابيع، وفي المقابل وزير الخارجية القطري اللي زار القاهرة والخرطوم الأيام اللي فاتت أعلن عن استعداد بلاده لتسهيل المفاوضات بين الدول الثلاثة.
*****
– فيه زخم كبير حوالين ملف سد النهضة، خصوصا مع اقتراب موعد الملء الثاني، واستعداد أطراف كتير للتدخل.
– المطلوب من الحكومة في هذا الوضع إنها تكون على قدر الحدث، وتوضع بشكل دقيق ايه الضرر اللي هيقع علينا في حالة استمرار إثيوبيا في إدارة السد بالأسلوب العنجهي اللي هي بتتبعه.
– ضروري أيضا آن يكون في تنسيق كامل بين كل المسؤولين عشان مايحصلش تضارب زي اللي حصل الأسبوع اللي فات، لما وزير الخارجية المصري سامح شكري كان له تصريح غير موفق، عن إن المرحلة الثانية من ملء السد لن تؤثر على مصر، قبل ما يتراجع عنها.
– التصريحات دي كانت مناقضة لباقي تصريحات الحكومة، خصوصا تصريحات وزارة الري، عشان كدا إثيوبيا تحججت بها عشان تقول إن موقفها سليم، وده كان سبب في مطالبات بمحاسبة الوزير.
– صحيح إن كمية المياة نفسها في الملء الثاني ممكن لبحيرة ناصر عندنا تعوضها بسهولة خاصة ان الموسم الحالي فيه وفرة بالأمطار، لكن المشكلة مش في الكمية نفسها لكن بفرض الأمر الواقع ان كل يوم يعدي بيخلي أي تعديل في مسار بناء السد أو تشغيله بعدها أصعب، خاصة في ظل دعاية أثيوبية إن المياة ملكية خاصة بيهم، ومش مضمون لو اكتمل السد كأمر واقع ان اثيوبيا متحاولش تبيع المياة وتنتقص بشكل دائم من حصة مصر اللي بتكرر بوضوح رفضها الاعتراف بيها.
– ده مش معناه إن لو اكتمل الملء الثاني مفيش أي خطوات تانية، وارد يحصل اتفاق قبل الملء الثالث، ووارد بعد الشر للأسف نوصل للحظة صدام عسكري وساعتها الأغلب انها هتكون مش ضرب السد ولكن اثارة مسألة استعادة السودان لسيادتها على إقليم بني شنقول اللي فيه السد، وده ألمح له بيان سابق من الخارجية السودانية.
*****
إيه اللي نشوفه من اللي بيحصل؟
– الانفتاح على مساعي واشنطن في الحل مفيد، وضروري استغلال زخم اللحظة الإقليمية اللي بتدي بمصر مساحة كويسة وواسعة في الملف ولازم يتم استخدام كافة المكاسب الدبلوماسية واستثمار قنوات الاتصال، لكن في نفس الوقت عدم الارتهان للتحركات الأمريكية فقط، لأن وارد جداً يكون عندهم حسابات أخرى بعيدة عن المصالح المصرية.
– الرسائل المصرية والسودانية المشتركة على الأصعدة الأخرى مهمة للغاية بنفس قدر الدور التفاوضي لأنها لازم توصل للجانب الإثيوبي إن الاستمرار في التلاعب والمراوغة هيكون له رد وإنه مفيش تفاوض بلا نهاية.
– ولازم نقول هنا إنه ملف حقوق الإنسان والديمقراطية في مصر وتحسينه هيخلي التواصل مع إدارة بايدن أسهل، لأنها بتضع الملف ده ضمن أولوياتها، وشفنا سابقا الدعاية الإثيوبية في الغرب باعتبارهم نظام إصلاح وديمقراطية وحصول آبي أحمد على جايزة نوبل، ورغم ان الصورة دي اختلفت الآن بعد الجرائم الدموية في إقليم تيجراي وبعد حبس وقمع آبي أحمد لمعارضيه، إلا إن أثيوبيا مازلت الآن بتحاول تروج إن عندهم نظام ديمقراطي وانتخابات وشيكة تدعم الاستقرار، ودي نغمة بيحاولوا يستغلوها مؤخراً رداً على الإجراءات الأمريكية.
– كتبنا أكثر من مرة عن موضوع السد من بداية المشكلة لحد دلوقتي ممكن تشوفوا اللي كتبناه خلال مراحل مختلفة من الأزمة وتقييم للي بيحصل، وعن مشكلة المياة اللي هيا سابقة على السد، وحلول مقترحة قصيرة وطويلة المدى من هنا: shorturl.at/crzB4 بتاريخ 9 مارس 2020 أو من هنا: shorturl.at/kuHUW بتاريخ 11 أكتوبر 2019، وحتى مع فشل جولة المفاوضات الأخيرة كتبنا تحليل عن المفاوضات وعلاقة مصر بالسودان في الملف ده ممكن تشوفوه من هنا : shorturl.at/eiEH7، وكتبنا عن إدارة بايدن وملف سد النهضة shorturl.at/cAHQV
– بنكرر كلامنا السابق إن مسألة مياه النيل أكبر حتى من كونها أمن قومي لكل مصري، دي حياة أو موت لمصر حرفيا، مفيهاش مؤيدين ومعارضين، ومطلوب السلطة تمد يدها بخطوات إيجابية لتوحيد جهد كل المصريين بالداخل والخارج بشراكة حقيقية، ونتمنى نشوف تعامل على قدر التهديد الكبير ده لأمننا المائي والغذائي، من كل الأطراف الرسمية والشعبية في مصر، وبالتأكيد إحنا مع كل الاختيارات اللي تضمن حقنا كمواطنين مصريين في مياه النيل.
*****
مشاركة: