– يوم الإثنين 14 يونيو الحالي أيدت محكمة النقض الحكم الصادر من محكمة الجنايات في 2018 بإعدام 12 من المتهمين في قضية فض اعتصام رابعة العدوية، منهم بعض قيادات الإخوان، وبكدة أصبح الحكم بات ونهائي ولا يجوز الطعن فيه قضائيا.
– رغم إن الحكم الحالي مش سابقة لأنه حصل توسع في الإعدامات في الفترة الأخيرة سواء بقضايا سياسية أو جنائية عادية، ولكنه حكم مثير للجدل جدا لأسباب كتير، بالنظر لطبيعة القضية أو الظروف المحيطة بيها، وشكل الاتهام.
– النهاردة هنتناقش بهدوء في 3 أسئلة رئيسية وهي إيه ظروف القضية دي تحديدا؟ وهل وارد في مصر بعيد عن السياسة خالص يصدر حكم اعدام ثم يظهر بالقانون إنه غلط؟ وإيه الخطورة من التوسع في أحكام الإعدام في الوقت الحالي؟
*****
إيه الأحكام الصادرة في القضية؟
– قضية فض رابعة كان فيها 739 متهم، فضلوا حبس احتياطي سنتين لحين صدور أمر الإحالة في أغسطس 2015 .
– القضية فيها أحكام مختلفة صدرت، تم تأييد معظمها من قبل محكمة النقض وخاصة الأحكام المتعلقة بالقيادات، تم تأييد الحكم بالإعدام على 12 متهم منهم بعض قيادات الاخوان وهما: عبد الرحمن البر، محمد البلتاجي، صفوت حجازي، أسامة ياسين، أحمد محمد عارف، وإيهاب وجدي محمد، محمد عبد الرحمن الفرماوي، ومصطفى عبد الرحمن حسين الفرماوي، أحمد فاروق كامل محمد، هيثم سيد العربي محمود، محمد محمود علي زناتي، عبد العظيم إبراهيم محمد عطية.
– بالإضافة لذلك تم تأييد حكم السجن 10 سنوات على أسامة ابن الرئيس الراحل محمد مرسي و تخفيف العقوبة لـ31 من الإعدام إلى مؤبد، وانقضاء الدعوى لمتهم للوفاة وهو الدكتور عصام العريان.
– وأيدت المحكمة السجن 15 سنة على 374 متهما، والمؤبد لـ6 آخرين، وخمس سنوات على 215 آخرين، من بينهم المصور الصحفي محمود أبوزيد بـ”شوكان” واللي خرج في فبراير 2019 بعد ما قضى عقوبته.
*****
هل من الوارد حد يتحكم عليه بتهمة القتل بعد كل درجات التقاضي ويطلع بريء؟
في بوست سابق نقلنا عن الباحث نور خليل نماذج نشرها على قضايا قديمة كلها بتؤكد ان ده وارد يحصل:
1- في 1991 تم الحكم على 4 أشخاص في كفر شكر بتهمة السرقة والقتل بالجناية 427/ لسنة 1991، أحدهم اخد اعدام في الدرجة الأولى، واتخفف للمؤبد بعد النقض، والاتنين اخدو 15 سنة.
في 2004 مسجون جديد في السجن كان بيتفاخر بارتكابه للجريمة وبعدها تمت اعادة المحاكمة، التلاتة قدام المحكمة قالوا انهم تم تعذيبهم بشكل بشع عشان يعترفوا .. خرجوا بعد ما اتسجنوا 13 سنة ظلم، لكن السؤال لو كان حكم الاعدام بالدرجة الأولى اتنفذ كان مين هيرجع اللي مات؟!
2- في 1996 كان فيه قضية شهيرة في الإسكندرية لأب تم اتهامه بقتل بنته. الأب: محمد بدر الدين جمعة إسماعيل راح قسم شرطة المنتزه وبلغ عن اختفائها، بعدها الشرطة لقت جثة فتاة مجهولة الهوية والملامح، ظابط الشرطة عشان يقفل القضية راح قبض على الأب بالقضية 43806/1997 جنايات المنتزه، والأب اعترف بقتل بنته.
في الواقع بنته مكانتش ماتت أصلا، كانت هربانه من البيت وراحت عند أمها اللي هي طليقته، في 1998 بعد سنتين من حبسه خبر القضية بتاعته اتنشر في الجرايد، فالأم صعب عليها فخدت البنت وراحت القسم فقام الظابط حبسها هي وبنتها وفضلوا محبوسين فترة لحد ما جه تفتيش بالصدفة على القسم واكتشفوا وجودهم، وتم محاكمة الظباط المتورطين.
في جلسة المحاكمة بعدهاا القاضي سأل محمد ليه اعترف ، فكان رده: “لو مكنتش اعترفت كنت هموت من التعذيب، فالاعتراف هيأجل الموت شوية وهيخليه أرحم”.
3- في 1999قصة مشهورة تانية، تم اتهام حبيبة محمد سعيد سالم ( الفنانة حبيبة ) بقتل جوزها/ عطا الله جعفر عطا الله ” قطري الجنسية”، واعترفت، واتحكم عليها نهائي بالسجن عشر سنوات.
في 2004 تم التوصل لاحد الجناة بعد ما باع ساعة غالية من مسروقات القتيل، في جلسة اعادة المحاكمة حبيبة قالت انها اعترفت تحت التعذيب، وخرجت بعد 5 سنين ظلم.
*****
إيه مشاكل أحكام الإعدام في قضية رابعة تحديدا؟
– من المعروف مدى الخلاف الكبير حول السياق السياسي اللي كان موجود أثناء فض رابعة، فهنحاول نمسك المعلومات والحقائق فقط.
– في البداية عندنا قصة عجيبة جدا لاتنين من المحكوم عليهم بالاعدام وهما محمد ومصطفى عبدالحي الفرماوي، الشابين دول رسميا اتقبض عليهم في 15 يوليو، يعني قبل شهر كامل من فض رابعة!
– كانو متهمين في القضية المعروفة باسم “قضية الإصبع” اللي فيها شخص اتهم معتصمي رابعة باحتجازه وتعذيبه وقطع إصبعه، لكن نفس الشخص ده شهد في المحكمة إن مصطفى ومحمد هما اللي أنقذوه وودوه المستشفى وان الظابط طلب منه اتهامهم، لكن القاضي قال إنه “مطمئن لآقوال المجني عليه في النيابة” وإنه “لن يأخذ بعدوله عن شهادته”.
لكن حتى بفرض إنهم الجناة فعلا، فعقوبة العاهة المستديمة في القانون المصري ليست الإعدام.
– بشكل مفاجيء تم ضم محمد ومصطفى لقضية رابعة اللي مكانوش متهمين فيها، والسبب الوحيد اللي ممكن توقعه هوا انهم أبناء د.عبدالحي الفرماوي، يعني اتعاقبوا عشان والدهم، ومش مفهوم ازاي محكمة النقض لم تجد تناقض تام بين تاريخ القبض عليهم وبين التهم الموجهة.
– بخصوص سياق القضية كلها حتى لو مأخدناش كلام تقارير المؤسسات الحقوقية الدولية، باعتبار انها دايما بتتعرض للتكذيب من الجهات الرسمية، خلينا ناخد مصدر أقرب للخط الرسمي وهوا المجلس القومي لحقوق الإنسان.
– المجلس القومي اللي هوا جهة بتشكلها الدولة كان عمل لجنة تقصي حقائق طلعت تقرير مشهور عن فض الاعتصام ووثق فيه مقتل فيه 624 من المعصمين و8 من رجال الشرطة.
– التقرير انتقد بشدة بعض الممارسات لأفراد في الاعتصام زي الخطاب الطائفي وحيازة بعضهم لأسلحة تم استخدامها ضد الشرطة، لكنه أيضا وجه انتقادات كتير للشرطة، قال إنها ارتكبت الاستخدام المفرط للقوة و”انعدام التناسبية” في استخدام إطلاق النار “الذى يعد انتهاكا للحق فى الحياة والسلامة الجسدية”، ومخالفة للمادة التاسعة من قواعد استخدام الشرطة الأسلحة النارية، وعدم امهال المعتصمين مدة كافية لمغادرة الاعتصام، وعدم الحفاظ على الممر الآمن، والقبض العشوائي على المواطنين، واحتراق جثامين بمنطقة مسجد رابعة، وغيرها.
– التقرير أوصى بتحقيق جنائي عاجل من قبل الجهات القضائية في الفض، وأوصت بحضور عناصر الداخلية لتدريبات حوالين عمليات مكافحة الشغب، وتعويضات للضحايا.
– اللي حصل ببساطة أنه كل ده اترمى في الدرج واتعملت قضية فقط للي اتقبض عليهم من الاعتصام دون فتح أي تحقيق جنائي في وفاة 624 مصري بأقل التقديرات، ناهيك عن وجود توثيقات لمنظمات حقوقية أخرى قالت إن الأعداد تقارب 1000.
– قضية زي دي مفيش فرد شرطة واحد تم مجرد استدعاء له للتحقيق، مش معقول كل المدنيين اللي ماتوا دول كانوا مسلحين أو موتوا نفسهم، محمد البلتاجي واللي اتحكم عليه بالإعدام في القضية تقدم بشكوى للمحكمة بيطلب منها فتح تحقيق في وفاة بنته أسماء في فض الاعتصام بدون أن يلتفت القاضي لأي شيء، وكذلك تم توثيق طلبات أخرى كتير لدفاع المتهمين خلال سير الجلسات بدون أي استجابة.
– يعني إذا كان الموضوع قانون محايد بحت يبقى مفروض يسري على الكل، أما لو كان الموضوع سياسة يبقى ممكن زي ما تم حماية الشرطة من مجرد أي تحقيق يبقى كمان تتدخل الحسابات السياسية لوقف تنفيذ الإعدامات، ولطي الصفحة دي بالكامل والتركيز على المستقبل.
– جانب تاني مهم حول تشكيل هيئة المحكمة، لان محكمة النقض وهي المحكمة الأعلى في مصر في الأحكام الجنائية مكنتش تاريخيا قبل الفترة دي بتصدق على النوع ده من الأحكام، لما يكون المتهم قيادة سياسية مش شخص تهمته انه نفذ بيده قتل زي قضايا أخرى، لكن طبعا بعد تعديلات قانون السلطة القضائية واللي سمحت بتخطي الأقدمية، اختار الرئيس السيسي تخطي المستشار أنس عمارة نائب رئيس محكمة النقض السابق اللي كان عليه الدور في المنصب وتغيين غيره، وده يقول كثير في قضايا فيها جانب سياسي رئيسي زي دي.
– طبعا بعد كده اتعدل الدستور في 2019 عشان يحول القانون ده لدستوري لتجاوز الدعوى اللي رفعها المستشار أنس عمارة والمستشار الدكروري بمجلس الدولة، للطعن في دستورية القانون، وبكدة أمكن للسلطة التنفيذية التحكم شبه المطلق في السلطة القضائي.
– طول تاريخ القضاء المصري بيحصل تمييز بين أحكام الاعدام ضد منفذين الجرائم بإيديهم، والأحكام على قيادات سياسية اللي كان صدور أحكام باعدامهم شيء نادر جدا، ولو صدرت عادة كانت بتتخفف أو لا تنفذ، سواء لأن مصر تاريخيا مكانتش أبدا دولة دموية في خلافاتها السياسية قياسا لدول أخرى بالمنطقة، وأيضاً لان السلطة السياسية في مصر كانت بتفضل عدم صناعة أيقونات باعدام قادة سياسيين.
– ونفتكر إن مبارك نفسه وقادة الداخلية لما تمت ادانتهم بالدرجة الأولى بالمسؤولية عن قتل المتظاهرين كان الحكم بالمؤبد، وده قبل البراءة لاحقا لعدم وجود أدلة تثبت انه أمر بقتلهم.
*****
ليه في مشكلة كبيرة في الآثار المترتبة على النوع ده من الأحكام؟
– فيه أسئلة أخرى مهمة حوالين توقيت الحكم، ومدى تأثيره على صورتنا الدولية وخاصة أننا في أشد الحاجة للدعم والمساندة الدولية في ملفات مهمة زي سد النهضة، ده غير حاجتنا للتهدئة الداخلية وتعاون كل المصريين لنفس السبب.
– مكتب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة وكذلك الخارجية الأمريكية وغيرها من الحكومات والمؤسسات الدولية بتكتب عن التوسع في تنفيذ أحكام الإعدام في مصر وده مؤشر مش كويس خاصة في الوقت الحالي.
– – منذ بداية العام الحالي مصر أعدمت ما لا يقل عن 51 رجلا وامرأة في عام 2021، والسنة اللي فاتت شهدت ارتفاعا حادا في تنفيذ أحكام الإعدام، ودا بيخلي مصر ثالث أكبر دول العالم في تطبيق عقوبة الإعدام، بحسب منظمة العفو الدولية.
– طبعا حكم بالإعدام لا ينفذ إلا بعد تصديق رئيس الجمهورية عليه، والقانون أعطى لرئيس الجمهورية الحق في العفو أو تخفيف العقوبة، وينفذ الحكم بالإعدام إذا لم يصدر العفو، أو إبدال العقوبة من الرئيس خلال 14 يومًا، وفق المادة 470 من قانون الإجراءات الجنائية.
– ممكن كمان الرئيس لا يصدر قرار لكن يفضل الحكم معلق لأن القانون مفيش فيه أي مدى زمني معين بين صدور الحكم والتنفيذ، وبالتالي في انتظار التنفيذ ودي ليها سوابق كثير في التاريخ القضائي المصري، وحصل خاصة بعهد مبارك إن أحكام إعدام جنائية عادية يفضل أصحابها بالسجن سنوات طويلة بدون تنفيذ.
*****
– الخلاصة من كل ما سبق إنه رغم إننا كمواطنين منقدرش نكون متأكدين تماما من براءة أو إدانة أي شخص بعينه إلا بوجود محاكمة عادلة مستوفية الشروط، لكن نقدر نشوف بوضوح في القضايا بشكل عام، والسياسي بشكل خاص، وجود مشاكل في توافر الكفاءة التامة والحياد التام للجهات المسؤولة، ومشاكل بحصول المتهمين على كافة الضمانات والحقوق القانونية.
– المناخ السياسي الحالي خلى فيه استسهال في الدم، مصر صدر فيها من 2013 لحد دلوقتي أكتر من 2500 حكم إعدام مبدئي، لدرجة إننا شفنا قاضي واحد في المنيا في قضية واحدة درجة أولى حكم بـ 600 إعدام ودي عمرها ماحصلت في تاريخنا.
*****
رسالتنا لكل مؤيد لتنفيذ الإعدامات:
– مهما كان موقفك السياسي مع أو ضد المتهمين، ومهما كانت قناعتك بخصوص القضية شايفها حقيقية ولا مش حقيقية، دي كلها أمور لم نناقشها خالص، عندنا سؤال واحد بس: هل تقدر بقلب جامد تكون متأكد 100%، مش 99%، إن كل اللي اتعدموا واللي هيتعدموا مفيهومش ولا شخص واحد فقط مظلوم؟!
– السؤال هنا مينفعش يكون عن رأيك السياسي، أو قناعتك لمتهم بعينة أو قضية بعينها، شوف الصورة الكبيرة وفكر: هل مفيش أقل احتمال إن شخص واحد فقط هيتعدم وارد يحصل غلطة واحدة في قضيته؟!
– لو تمن ضمان إن مفيش واحد بس يتعدم ظلم، هوا إن مجرمين ينجوا أكيد ده تمن متسق مع العدالة اللي هدفها الأول ألا يُظلم بريء مش ألا يهرب مدان، خاصة إنه اللي مش هيتعدموا دول هيفضلوا في السجن المؤبد، يعني الإرهابي أو القاتل أو تاجر المخدرات أو المغتصب ده هيفضل بعيد عن أي ضرر للمجتمع.
– أغلب دول العالم مفيش عندها إعدام (170 دولة)، ومن أهم الأسباب لإلغائها دولياً هوا الخوف من حدوث أقل خطأ ممكن تروح فيه حياة إنسان واحد، مهما كانت الدولة عندها استقرار سياسي وعندها شرطة وقضاة بمستوى ممتاز، فما بالنا بالأوضاع عندنا.
– موقفنا الحالي هو تأييد دعوة الأمم المتحدة بتعليق الإعدامات في مصر، بنتكلم عن كل الإعدامات بكل القضايا مش السياسية بس، ونتمنى في المستقبل نوصل لمرحلة استقرار سياسي ومصالحة مجتمعية، ونقدر ساعتها ندير “نقاش مجتمعي” حقيقي تقرر فيه كل فئات وأطياف الشعب موقفها من استمرار أو إلغاء العقوبة دي، ونناقش إزاي كل مواطن يكون مطمئن لكفاءة وحياد كل الجهات المسؤولة عن الأمن والعدالة لكل المصريين.
– الاستكمال في السياسة دي بيخلق خصومات وعداوات بلا نهاية داخل المجتمع، في ظل الاحتقان والاستقطاب اللي موجود، واللي بيعرض البلد كلها للخطر في وقت إحنا كمصريين في أمس الحاجة للمصالحة أو التهدئة الداخلية.
*****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *