– في بداية الشهر الحالي وافق البرلمان على قانونين مهمين جدا يخصو العسكريين والعملية السياسية في مصر، ومأخدوش حقهم من المتابعة رغم انهم هيأدوا لأثر كبير في المستقبل.
– القانون الأول الخاص بمنع ترشح ضباط القوات المسلحة العاملين أو المحالين لللتقاعد لأي انتخابات إلا بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
– والقانون التاني خاص بتعيين مستشار عسكري لكل محافظ بصلاحيات واسعة.
– النهاردة حنشوف ايه القوانين دي؟ ليه صدرت دلوقتي؟ ايه تأثير القوانين دي علي السياسة في مصر خاصة إننا مفروض داخلين على انتخابات لمجالس النواب والشيوخ والمحليات بعدها.
*****
ايه التعديلات الجديدة؟
– التعديلات اللي أقرها البرلمان كانت على ثلاث قوانين تحديدا، القانون الأول 232 لسنة 1959 وده الخاص بشروط الخدمة والترقية لضباط القوات المسلّحة، والقانون الثاني هو قانون رقم 4 لسنة 1968 الخاص بقوات الدفاع الشعبي، والقانون الثالث هو القانون رقم 30 لسنة 2014 الخاص بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة.
– التعديلات الأهم كانت ما يخص ترشح العسكريين حتى اللي خارج الخدمة، وده عن طريق إضافة فقرة بتنص على “عدم جواز الترشح للضباط سواء الموجودين بالخدمة أو من انتهت خدمتهم بالقوات المسلحة لانتخابات رئاسة الجمهورية أو المجالس النيابية أو المحلية إلا بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة”.
– كمان التعديل أضاف آلية لتنظيم الطعن على قرارات المجلس الأعلى للقوات المسلحة في الشأن ده، ولكن اقتصر الطعن دا علي القضاء العسكري وليس أي جهات أخرى.
– فيما يخص تعديلات قانون المجلس الأعلى للقوات المسلحة تم تعديل المادة الأولى من القانون عن طريق إضافة فقرة تجيز لرئيس الجمهورية ضم أعضاء للمجلس من قيادات القوات المسلحة وفقا للحاجة، كما تم تعديل البنود 1، 16، 17 من المادة الرابعة من القانون “لتتوافق مع مهام القوات المسلحة في الدستور”.
– تعديلات البنود دي بناء على التعديلات الدستورية الأخيرة في المادة 200، واللي تغير نصها من إن دور القوات المسلحة هو “حماية البلاد، والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها” حسب دستور ٢٠١٤، ليتم الإضافة ليها إن مهام القوات المسلحة كمان تشمل “صون الدستور والديمقراطية، والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها، ومكتسبات الشعب، وحقوق وحريات الأفراد”
– كمان تم تعديل القانون رقم 4 لسنة 1968 الخاص بقوات الدفاع الشعبي، عن طريق إضافة المادة 5 مكرر وتنص على “يكون لكل محافظة مستشار عسكري وعدد كاف من المساعدين يصدر بتعيينهم وتحديد شروط شغلهم الوظيفة قرار من وزير الدفاع”.
– كمان تم إضافة فقرة أخرى تحدد اختصاصات المستشار العسكري للمحافظة، واللي بتشمل “المساهمة في المتابعة الميدانية الدورية للخدمات المقدمة للمواطنين والمشروعات الجاري تنفيذها، والتواصل الدائم مع المواطنين في إطار الحفاظ على الأمن القومي بمفهومه الشامل، ولتحقيق موجبات صون الدستور، والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة، والتنسيق مع الجهات التعليمية على مستوى المحافظة لتنفيذ منهج التربية العسكرية، وفقا للقواعد التي تحددها وزارة الدفاع.”
*****
إيه أثر التعديلات دي؟
أولاً قانون المستشارين العسكريين:
– وجود منصب المستشار العسكري للمحافظة في حد ذاته مش جديد، ده موجود من الستينات، لكن كان دوره بروتوكولي ومحدود جدا، ومتعلق بشكل خاص بقوات الدفاع الشعبي، اللي مفروض تحمي الأماكن المدنية في حالة الحرب، والتربية العسكرية في المدارس والجامعات، واللي كانت مع الوقت مجرد إجراءات على الورق لحد وقت قريب لما رجعت التربية العسكرية في الجامعات بقوة.
– لكن الاختصاصات الجديدة دي، اللي منها الاشراف على المشروعات، والتواصل مع المواطنين ومتابعة تقديم الخدمات..الخ، ده غريب جدا لأنه من صلب اختصاصات المحافظ ومساعدي المحافظ، والمجالس المحلية، ودي كلها مؤسسات خاضعة تماما حاليا للسلطة التنفيذية، وكتير من المحافظين ورؤساء الأحياء هما أصلا لواءات سابقين، فمفروض مفيش أي حاجة لوجود مستشار عسكري لو المحافظ نفسه عسكري!
– المنطق الوحيد لوجود ده هوا احتياط للمستقبل ولو بعد سنين طويلة، لو حصل وبقت المناصب دي بتيجي بالانتخاب، أو حد فاز بانتخابات المحليات خارج المرسوم، أو تم انتخاب رئيس من خارج الجيش وهيعين ناس في المناصب دي، ساعتها يبقى المستشار العسكري واخد صلاحياتهم من الأول.
– التعديلات الأخيرة دي كمان بتفتح الباب أمام عودة التربية العسكرية في المدارس، وخضوع طلاب المدارس زي طلاب الجامعات لمحاضرات من إدارة الشئون المعنوية عن “الأمن القومي”، اللي أكيد محدش ضده، لكن بيتم استخدامه لأهداف سياسية لمنع أي أفكار غير محببة للسلطة زي تاريخ ثورية يناير، والديمقراطية، والفصل بين المؤسسات.
– ووارد كمان من الأهداف غير المباشرة هوا زيادة عدد العسكريين اللي هيتعينو بمناصب مدنية بمقابل مادي كبير بعد نهاية خدمتهم، وبالتالي زيادة دايرة الترضيات وحوافز الالتزام أثناء الخدمة.
*****
ثانياً: قانون منع الترشح للعسكريين:
– مبدئياً مش واضح مدى اتساق الكلام ده مع القانون والدستور، لما يتسحب من أي عسكري مدى حياته حتى لو استقال أو تقاعد أي حق له في الترشح لأي انتخابات حتى لو محليات، اللي هيا ملهاش علاقة بالسياسة، ومرتبطة بأمور زي الرصف والإنارة والمباني.
– الشخص العسكري ده مواطن له حقوق، وارد يتم تقييد بعضها حسب شروط وظيفته، وممكن كمان فرض احترازات مدى الحياة على ناس بمناصب قيادية وأمنية حساسة، وببعض الدول بيتفرض فترة معينة لاستعادة الحقوق السياسية خمس سنوات مثلا لضمان عدم استغلال المنصب السابق وانخراط العسكري في الحياة المدنية قبل الترشح، لكن هل دستوريا ينفع تعميم حرمان المواطنين دول مدى الحياة بشكل مطلق كده؟
– لكن اللي يخصنا أكتر هوا الدلالة السياسية، ونفتكر اللي حصل مع عسكريين سابقين زي الفريق سامي عنان والفريق أحمد شفيق لما حاولوا يترشحوا قدام الرئيس السيسي في الانتخابات الأخيرة، وكمان اللي حصل مع العقيد أحمد قنصوة اللي اتحكم عليه بالسجن 6 سنين عشان بيان ترشحه للرئاسة، رغم إنه فضل يقدم استقالته ويرفع قضايا 4 سنين عشان يغادر الجيش ويترشح كمواطن عادي.
– الخلاصة هيا إن ميزان القوة الأول والأخير عند المجلس الأعلى للقوات المسلحة في أمور السياسة، وأي عسكري سابق عنده أي خلاف في الرأي، أو مجرد انه عنده طموح للمنافسة المستقلة والحكم للشعب، هيتمنع بشكل جذري.
*****
هل دي السابقة الوحيدة؟
– في السياق ده نفتكر قانون مهم جداً اتعمل في 2018 ومر بهدوء وبسرعة شديدة، واتكلمنا عنه هنا في صفحتنا اسمه قانون “معاملة كبار الضباط بالقوات المسلحة”.
– القانون ده كان بيدي الحق ل”رئيس الجمهورية” باستدعاء بعض العسكريين بعد خروجهم من الخدمة مدى الحياة، وهو بس اللي يحدد هما مين بدون تحديد أي رتبة أو معيار معين، ودول ليهم مزايا زي حصانة دائمة من أي مسائلة قانونية أمام القضاء المدني، ويكون عندهم حصانة دبلوماسية، وامتيازات مالية خاصة يتساووا بيها مع الوزراء حتى لو مشغلوش المنصب ده، لكن كمان هما ممنوعين يترشحوا لأي انتخابات ماداموا بقى وضعهم القانوني “مستدعيين”.
– ليه يصدر قانون جديد مادام القديم موجود؟ الفرق الرئيسي ان بالقانون الأول دي كانت سلطة رئيس الجمهورية، لكن بالقانون التاني السلطة دي اتسحبت لصالح القوات المسلحة .. ده لا يعني خالص وجود خلاف ما على الصلاحيات بين الرئيس والجيش، لكن هوا فرض أمر واقع جديد إسمه إنه اليد العليا في الشأن العسكري مش هتكون من سلطة أي رئيس.
– ده كمان عملياً معناه رسالة سياسية، إن الرئيس السيسي ليه تأييد القوات المسلحة ودعمها، لكن مش أي حد تاني هيكون عنده الامتيازات دي بعده، والبعض ربطها تحديدا بإن القانون ده صدر بعد أيام من مقال اتنشر علنا للمرة الأولى بيمدح ضابط المخابرات محمود السيسي، نجل الرئيس الحالي، وبيذكر معلومات إيجابية عنه، وبالتالي القانون ده بيقطع بدري أي تصورات عن التوريث على نمط جمال مبارك اللي كان مرفوض شعبيا ومن المؤسسات وعلى رأسها الجيش.
*****
إيه المشكلة في كل ده؟
– ممكن ناس تشوف أنه الإجراءات الأخيرة دي متفرقش حاجة، لأنه واقع الأمر أنه الجيش مسيطر على مؤسسات الدولة بالفعل، وفي كل الأحوال مفيش أفق واضح لتغيير الوضع لحد 2030 على الأقل نهاية الفترة اللي بيسمح بها الدستور بعد تعديله للرئيس السيسي، ده لو متمش تعديله تاني قبلها.
– لكن الأزمة الكبيرة إننا مش بنتكلم عن الوضع الحالي لكن للمستقبل لعقود جاية، وهو المنع العملي لأي محاولة تغيير في النظام السياسي حتى لو محاولة إصلاحية من داخل النظام لا ثورة ولا تحول ديمقراطي ولا حاجة.
– اللي حصل هوا ترسيخ لاستبعاد الشعب من المعادلة حتى لو ان المطروح ان الشعب يختار بين اتنين مرشحين كلاهما عسكري سابق، وهيبقى البديل هوا سيطرة كاملة من المؤسسة العسكرية على الحياة السياسية، خارج أي رقابة مدنية أو قانونية من خارجها.
– دول كتيرة جداً في العالم دفعت أتمان عالية عشان تتخلص من السيطرة العسكرية على شؤون الحكم المدني، وفيهم اللي نجح وفيهم اللي فشل وانتهى بمآسي كبيرة، رغم إنه دروس التاريخ بتقول إنه مفيش أفضل من تحييد الجيش خارج أي صراعات سياسية، وخارج المسؤوليات والأعباء المدنية، ويفضل الجيش يحتفظ بمكانة محترمة من جميع الأطراف ويتدخل فقط في حالة وجود مخاطر تخص الأمن القومي بمفهومه المتفق عليه زي حدود البلد وأراضيها ووحدتها.
– الكلام ده مش بنقوله إلا احتراما وحرصا على المؤسسة العسكرية اللي بيدخلها عساكر وظباط من كل بيت في مصر، ورغبة صادقة في إن بلدنا تتقدم فعلاً ونشوفها في يوم فيها حكم ديمقراطي مدني، وفصل بين السلطات، بيتداول فيه المواطنين السلطة ويختارو اللي يحكمهم بشوية ورق وصناديق كل 4 سنين، بدون دم أو خوف أو انقسامات، أو حتى على الأقل تتوفر آلية إصلاح تدريجي من الداخل، وده موجود في دول فيها برضه جيوش قوية وخاضت حروب ومحافظة على مكانتها نقدر نشوف أمريكا وأوروبا وحتى إسرائيل وغيرهم، ودي الآلية اللي نجحت في دول كتير بالعالم قدرت توصل لصيغ حكم أفضل في نجاحها ورضا أكبر نسبة من المواطنين، وأقل في مخاطرها، وده اللي نتمنى نوصله في بلدنا مصر.
*****
المصادر
مشاركة: