– الأسبوع الماضي الرئيس السيسي ألقى كلمة في إطار فحص لمعدات وآليات مبادرة “حياة كريمة”، أعلن فيها إن الدولة هتتحمل تكلفة علاج مرضى ضمور العضلات بالكامل للأطفال، وده شيء إيجابي ومهم.
– في نفس المناسبة الرئيس قال تصريحات أخرى، زي طرحه فكرة تخصيص ظابط جيش لكل قرية يشرف على شغل مبادرة حياة كريمة، وغيرها من التصريحات اللي مهم نناقشها.
*****
ليه موضوع الضمور العضلي مهم؟ إيه اللي أعلنه الرئيس؟
– مرض الضمور العضلي هو مرض نادر، بيسبب فقدان الكتلة العضلية تدريجيًّا نتيجة إنه البروتين جوة الجسم مبيقدرش يكون عضلات، وبالتالي الطفل ده لما يكبر يفقد القدرة على المشي، وممكن يؤدي لضعف الجهاز التنفسي وبالتالي الوفاة المبكرة.
– والمرض ده بيكون موجود في جينات الأب والأم حتى لو متصابوش، لكن لو اتعمل تحليل DNA قبل الجواز بيكشف احتمالية إصابة الطفل، لكن ده في الأغلب مبيحصلش عندنا في مصر.
– والعلاج الوحيد هو الحقن بالخلايا الجذعية، والحقنة دي بتكون مكلفة جدًا وبتتخطى 2 مليون دولار، وده يعتبر أغلى علاج في العالم.
– أشهر حد في مصر اتصاب بالمرض ده هو لاعب الأهلي “مؤمن زكريا” واللي شفناه بيعاني في الحركة والكلام بعد ما كان لاعب كورة محترف، وشفنا من مؤخرا حملة ” انقذوا رشيد” اللي اتعملت لإنقاذ طفل وتم جمع مبلغ الحقنة الجينية اللي بيوصل لحوالي 35 مليون جنيه، ويمكن التعاطف اللي خده الطفل ده هو اللي خلا الحكومة تتحرك.
– الرئيس السيسي أعلن إنه هيتم علاج مرضى الضمور العضلي على حساب الدولة، وفي نفس اليوم هالة زايد وزيرة الصحة، قالت إنه بداية من الأسبوع الحالي هيتم علاج مرضى الضمور العضلي في مصر واللي هما 204 حالة، منهم 57 حالة تحت السن و32 حالة تستدعي العلاج الفوري لخطورة وضعهم.
– ولو حسبنا تكلفة العلاج للمرضى فالموضوع هيتخطى 400 مليون دولار يعني 6.3 مليار جنيه مصري، وده طبعًا يبان حجمه لما نعرف إن إجمالي بند العلاج على نفقة الدولة كله في الموازنة العامة هو حوالي 7 مليار جنيه فقط، لكن طبعا مش بالضرورة ده المبلغ اللي هيتدفع فعلا، لأن الدولة تقدر تتفاوض مع الشركات للحصول على أسعار تعاقد خاص.
– الأرقام دي بتعيدنا للتأكيد على أهمية رفع نصيب الصحة من الموازنة، واستيفاء الاستحقاق الدستوري بدون التلاعبات اللي شرحناها سابقا.
– وزيرة الصحة كمان قالت إنه من الشهر القادم هتنطلق مبادرة للكشف المبكر عن الأمراض الوراثية، لاستكشاف 19 نوع من الأمراض الوراثية والجينية بشكل مبكر عند الأطفال حديثي الولادة، للتمكن من التعامل مع الأمراض الصعبة والنادرة زي الضمور العضلي.
– الرئيس السيسي طلب في كلمته التبرع لصندوق تحيا مصر عشان علاج المرض ده، وشركات الأدوية المصرية بدأت تستجيب للمبادرة دي بالتبرع.
– كمان بعض شركات الأدوية المصرية بتبدأ في تسجيل وإنتاج أدوية للمرض ده، وده لو تم هيكون خطوة كبيرة في سوق الدواء المصري وشديدة الأهمية.
******
إيه تاني مهم اتقال في هذا الخطاب؟
– الرئيس اتكلم لمدة كبيرة عن مشروع حياة كريمة، واللي اتكلمنا عنه في بوست سابق بالشرح والتحليل، لكن أهم حاجتين قالهم هما التصريحين دول:
– الأول هو كلامه عن ” تعيين ضابط جيش مسؤول عن كل قرية”، وفكرته الإشراف المباشر من الجيش على أعمال البناء والإنشاءات اللي هتتم في القرى اللي هيتنفذ فيها المرحلة الأولى من مبادرة حياة كريمة السنة دي.
– وطبعًا ملفت للنظر جدًا في مشروع إنشائي زي ده عدم الثقة في الكوادر الفنية والبشرية بتاعت الشركات ووزارات الإسكان والتخطيط والتنمية المحلية اللي شغالين في الإشراف والتنفيذ المباشر للمشروعات. وده مش غريب على إدارة الرئيس السيسي اللي بتعتمد دايمًا على الجيش في تنفيذ وإدارة المشروعات الكبيرة.
– لو كان عندنا في مصر مجالس محلية منتخبة كان المفروض هي اللي تراقب جودة وكفاءة تنفيذ المشروعات دي بطريقة ديمقراطية، لكن لأن الدولة مش عاوزة تعمل انتخابات محليات فبتستبدل الرقابة الشعبية برقابة من الجيش، وعشان كده مش غريب أوي موضوع ضابط لكل قرية داخلة المشروع، لكن في النهاية استمرار النهج دا هيساهم في قتل كفاءة جهاز الدولة الطبيعي.
– التصريح التاني المهم هو كلام الرئيس عن تكلفة المبادرة واللي من ضمنها “دهان البيوت والمنازل” وقد إيه شيء مهم ” طلاء واجهات المنازل” زي أهمية مشاريع الصرف الصحي بالقرى، وإنه لو عاوزيني أدهن كل واجهات البيوت فممكن نوقف “بطايق التموين” لمدة سنتين تلاتة.
– وطبعًا ده يعني شيء سيء جدًا لأنه بطايق التموين دي تكلفتها السنة دي حوالي 87 مليار جنيه، وبيستفيد منها ملايين المواطنين رغم إنه حجم الدعم ده محدود ومبيديش سلع كتير بجودة عالية، لكن فكرة إلغاؤه خطيرة جدًا، ورغم أهمية طلاء المنازل والمظهر الجمالي لكن مينفعش ده يكون على حساب شبكة حماية بسيطة بتقدمها الحكومة للفقراء وهم في أمس الاحتياج إليها، خاصة ان السياسات الحكومية نفسها هيا اللي خفضت سعر الجنيه وسببت موجة تضخم.
*******
– بشكل عام مبادرة حياة كريمة جيدة جداً، ورفع كفاءة البنية التحتية بزيادة نسبة مشاريع الصرف الصحي والطرق الجيدة والمدارس في الريف واستكمال مشاريع تبطين الترع، هو شيء ضروري وأساسي للتنمية ويحقق نوع من العدالة غايب عن الريف من سنين طويلة جدًا بيعاني فيها سكان الريف من التمييز وقلة الموارد.
– لكن زي ما قلنا رغم أهمية الإنشاءات دي في جودة حياة الناس وفي إن صحتهم تكون أفضل، لكن الحكومة في خطتها بتتجاهل أمور تانية مهمة، زي تطوير طرق الري والزراعة عند الفلاحين اللي هما الغالبية العظمى من سكان الريف، وغيرها من أفكار التنمية الاقتصادية بزيادة معدلات التشغيل والتوظيف والمشاريع الإنتاجية لسكان الريف.
– كمان في عيب شديد الخطورة ممكن يحصل، وهي إنه رغم الحرمان اللي عانى منه الريف والصعيد واللي مثبت بإحصائيات ودراسات كتير وممتدة لسنوات، لكن توزيع المشروعات وتوزيع الخطة على المراكز والقرى ممكن بتدخل فيه عوامل متعلقة بالمحسوبية أو مراكز القوى، وده ممكن يخلي قرية فقيرة تدخل في خطة السنة دي وقرية تانية فقيرة زيها أو أكتر منها لكن هتنتظر لخطة السنة الجاية أو اللي بعدها.
– وبالتالي ممكن يحصل مشكلة نتيجة إنه أهل قرية ما بيتعمل عندهم في سنة صرف صحي وكهرباء وانترنت فايبر ومدرسة ووحدة صحية ودهان واجهات بيوت، وقرية تانية جنبها بتعاني من كل المشاكل دي ومنتظرة دورها، ده ممكن يخلق توتر بكل أسف، وهنعود لتكرار نماذج من أيام مبارك للأسف في قصص التنمية بالمحسوبية والواسطة.
– صحيح إحنا بنتكلم عن خطة المفروض إنها بتستهدف الريف كله خلال 3 سنين، لكن لو حصل تعثر في الخطة بأي شكل من الأشكال هيكون في قرى ومراكز خدت نصيبها اللي تستحقه من الخدمات، وقرى ومراكز تانية فيها معاناة ومنتظرة دورها واللي ممكن ميجيش، لأن في النهاية المبادرة بتستهدف 1500 قرية لكن مصر فيها 4700 قرية أساسية غير التوابع، ومن هنا ممكن نشوف المشكلة.
– في كل الأحوال نتمنى إنه المبادرة تتنفذ بكل مستهدفاتها وخططها المعلنة، وتنتهي معاناة أهلنا في الريف من البنية التحتية المنهارة والمهملة من سنين، ونرجو إن السلطة الحاكمة تقتنع بإن كل الأموال دي سواء لحياة كريمة أو لعلاج مرضى الضمور وغيرها دي أموال المصريين من الموازنة اللي أغلبها ضرائب، يعني صحيح بنشاور على الإيجابيات لكن برضه بنؤكد إنها حق مش مِنة من حد، ولأنها أموال المصريين فبنكرر إنه الشكل المثالي مش بيتحقق بتنمية فوقية بالكامل بدون أي شراكة محلية، وإن مفيش بديل عن انتخابات محليات نزيهة كآلية رقابية محلية جادة من أهالي كل قرية على الموارد اللي هيتم استثمارها في قريتهم.
*******



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *