– بنسمع عن تدخلات تركيا الإقليمية في الجوار الإقليمي بشكل شبه يومي، في حين إنها دولة بتعاني اقتصاديا في الوقت الحالي وعندها أزمة سياسية مكتومة، هنحاول نشرح ونفهم معاكم بشكل موضوعي في سلسلة “ماذا يحدث في تركيا؟” ايه اللي بيحصل هناك، ونقدم قراءة مبسطة عن اللي بيحصل في المشهد السياسي التركي، من باب إننا نحاول نستوعب إيه اللي بيحصل في الدول اللي حوالينا.

– بالتزامن مع الأزمة الاقتصادية اللي تركيا حاليا بتعيشها، مع تراجع سعر صرف الليرة ووصول معدل التضخم لمستوى قياسي حسب الأرقام الرسمية (36.08%)، البلد بتشهد حالة من الغليان السياسي والاستقطاب غير المسبوق، والجميع مترقب الانتخابات الجاية (في حال كانت مبكرة أو حتى اتعملت في ميعادها بعد سنة ونص) اللي كل التحليلات بتؤكد إنها هتكون حاسمة، سواء أردوغان نجح فيها أو انطوت صفحته بالكامل بعد 20 سنة في الحكم اتغير خلالها كتير شكل تركيا وسياستها ودورها الإقليمي.

– في الحلقة الأولى هنا، هنعرض أهم المواقف اللي الأحزاب والقوى السياسية المختلفة أعلنتها واحتمالات اللي ممكن يحصل خلال الفترة الجاية من خلال محاولة الإجابة على الأسئلة دي: ليه الانتخابات الجاية حاسمة؟ وهل فعلا ممكن تكتب نهاية حكم أردوغان؟ وايه سبب الجدل حوالين ميعادها؟ وايه موقف أحزاب المعارضة حتى الآن وهل هما متحالفين أو فيه أفق تحالف ولا لأ؟

****

بس قبل ما ندخل في الموضوع هنعرض في نقط مختصرة جدا شكل الخريطة السياسية الفاعلة في تركيا حالياً عشان نبقى فاهمين بنتكلم عن مين.

النظام:
النظام رئاسي منذ عام 2018، والرئيس هو رجب طيب أردوغان، ولا يوجد منصب رئيس وزراء.
التحالف الحاكم: تحالف الشعب يضم أحزاب “العدالة والتنمية” برئاسة أردوغان، و”الحركة القومية” برئاسة دولت بهتشلي، و”الاتحاد الكبير” برئاسة مصطفى دستيجي. والحزبين الأخيرين مصنفين حزبين قوميين يمينيين.
المعارضة:
تحالف الأمة: يضم “الشعب الجمهوري” برئاسة كمال كيليتشدار أوغلو (أكبر حزب معارض)، و”الحزب الجيد” برئاسة ميرال أكشينار (قومي يميني منشق عن “الحركة القومية”)، و”السعادة” (إسلامي أسسه نجم الدين أربكان)، و”الحزب الديمقراطي” (ليبرالي كمالي محافظ).
حزب الشعوب الديمقراطي: يساري وأغلب قواعده من الأكراد، والنظام بيتهمه بالتعاون مع حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابي والمنخرط في صراع مسلح مع الدولة. الحزب بيرأسه حاليا مدحت سنجار وبروين بولدان (امرأة)، ومؤسسه صلاح الدين دميرطاش في السجن منذ سنوات.
حزب المستقبل: برئاسة رئيس الوزراء السابق (حتى 2016) أحمد داوود أوغلو المنشق عن العدالة والتنمية في 2019.
حزب التقدم والديمقراطية “دواء”: برئاسة علي باباجان وزير الخارجية والاقتصاد ونائب رئيس الوزراء السابق (في أوقات مختلفة حتى 2015)، والمنشق عن العدالة والتنمية في 2019.
****

استقطاب غير مسبوق وحروب كلامية

– “سينهمرون إلى الشوارع والميادين (للتظاهر).. (أقول لهم) ألم تروا ما حدث في 15 تموز؟ (إشارة للمحاولة الانقلابية اللي حصلت في تركيا في 15 يوليو 2016)، حسنا جرّبوا الخروج إلى الشارع، ونحن سنلقنكم درساً كما فعلنا مع الآخرين (الانقلابيين).. سنحصي أعدادكم ونطاردكم حتى أبعد نقطة يمكنكم بلوغها”…
– دا كلام أردوغان قاله يوم 4 يناير اللي فات، وواضح إنه مش بس بينطوي على تصعيد كبير ضد المعارضة، لكنه كمان لا يخلو من تهديد صريح وصفه بعض المحللين والسياسيين بأنه لعب بالنار وتلويح بالحرب الأهلية، لكن الأهم هو إن التصريحات دي بتدينا صورة عن حجم الاستقطاب السياسي اللي وصلت له تركيا وقد ايه أردوغان ممكن يكون خايف من نتيجة الانتخابات الجاية.
– على الناحية التانية، قادة أحزاب المعارضة ما سكتوش، واستنكروا بشدة “تهديدات” أردوغان ووصفوها بـ”الخطاب التحريضي” اللي مش بيقدم حاجة أكتر من زيادة الانقسام والكراهية بين الناس، لكن معظمهم أكّدوا إنهم أصلا مش عايزين يلجأوا للشارع وإن كلام أردوغان ممكن يكون فخ بيحاول يوقعهم فيه.
– تعالوا نبص بسرعة على أبرز التصريحات اللي خرجت من قادة بعض أحزاب المعارضة ردا على الكلام دا:
– كمال كيليتشدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري (أكبر حزب معارض في البرلمان وأحد مكوّنات تحالف الأمة) قال في لقاء تلفزيوني طويل إن رئيس الجمهورية بيحاول استفزازنا عشان ننزل نتظاهر، فتبقى فيه فوضى ممكن تديله مبرر إنه يؤجل الانتخابات.
– ميرال أكشنار رئيسة الحزب الجيد (أحد مكونات تحالف الأمة وممثل في البرلمان بـ36 مقعداً) قالت “أنا بنصح الرئيس أردوغان إنه يروح فورا لطبيب نفسي لأن غالبا دا كلام واحد عنده هلاوس، غير كدا فاحنا بنبذل جهودنا في الوصول للناس والاستعداد للانتخابات، ومش ناويين ندعو أي حد للخروج للشارع بشكل غير قانوني.. الكلام دا مش مطروح أصلا”.
– علي باباجان رئيس حزب التقدم والديمقراطية (دواء) وأحد قيادات العدالة والتنمية لحد وقت قريب، اتهم أردوغان بأنه معندوش أدنى معرفة بالحقوق الأساسية للمواطنين وبيناقض اليمين اللي أقسمه على احترام الدستور، وانتقد إشارة أردوغان لمحاولة 15 تموز (يوليو 2016) الانقلابية “التي لقّن فيها مواطنونا الانقلابيين، أكرر: الانقلابيين، درساً”.
– باباجان كمان قال إن أردوغان ما فضلش عنده غير التهديدات، وسأل: “سيد أردوغان، ما مقصدك؟ ألم تمل حتى الآن من تغذية الاستقطاب والانقسام بين الناس؟ أصلاً لا أحد يريد اللجوء إلى الشارع، أنت تصارع ظلك.. إن كان غرضك الاستفادة من الفوضى، لا ترهق نفسك، فالشعب لن يقع في هذا الفخ”.
– أما أحمد داوود أوغلو رئيس حزب المستقبل والرئيس السابق للحكومة وحزب العدالة والتنمية نفسه (لحد 2016)، فأكد إن “المعارضة واعية للي أردوغان بيحاول يعمله ومش هتنجر ورا استفزازاته”، وقال وهو متأثر إنه شخصياً وكل قيادات حزبه الحالي كانوا في الشارع ضد الانقلابيين في 15 تموز.
****

المعركة القادمة

– مع تدهور الوضع الاقتصادي في الفترة الأخيرة وحالة الاستقطاب الشديدة، بدأت أحزاب المعارضة كلها تقريبا تستغل الوضع وتطالب بإجراء انتخابات مبكرة، حتى إن كيليتشدار أوغلو قال في آخر حوار إنه يتوقع إجراء الانتخابات في سبتمبر القادم، وهي حاجة أردوغان وتحالف الشعب الحاكم أكّدوا رفضهم ليها وإن الانتخابات ستُعقد في ميعادها العادي.
– من الناحية القانونية، إجراء انتخابات مبكرة تقريبا مستحيل في ظل رفض أردوغان ليها، لأن دا يتطلب قرار من رئيس الجمهورية أو موافقة 60% من أعضاء البرلمان، وهو رقم مفيش حد يمتلكه بما في ذلك تحالف أردوغان نفسه.
– بس من الناحية السياسية، محللين كتير متفقين إن المطالبة دي هدفها الأساسي إحراج تحالف أردوغان قدام الرأي العام، خصوصاً في ظل تراجع تأييد العدالة والتنمية بين الناخبين حسب استطلاعات الرأي اللي أغلبها بيظهر إن النسبة تقريبا من 25 لـ37% مقابل نسبة تأييد من 22 لـ30% لحزب الشعب الجمهوري أقرب المنافسين، مع وجود نسبة كبيرة جدا من الناخبين المترددين أو اللي لسه ما قرروش لغاية دلوقتي.
– طيب ليه الانتخابات الجاية مهمة للدرجة دي عند الجميع؟ هنا فيه كام نقطة هنشير ليها عشان توضح الفكرة:
– الانتخابات الجاية هتكون الأولى بعد تجريب النظام الرئاسي اللي تم الانتقال له في استفتاء حصل في 2017 بموافقة عليه 51.4% من المصوّتين، وبعدها تم انتخاب أردوغان رئيسا للجمهورية حسب النظام الجديد في 2018، فبالتالي الانتخابات الجاية هتكون اختبار حقيقي لرضا الناس من عدمه على النظام الرئاسي، اللي المعارضة بتقول إنه حول النظام لنظام الرجل الواحد اللي هو أردوغان.
– كمان التحوّل للنظام الرئاسي خصم من رصيد “العدالة والتنمية” عند مؤيديه التقليديين، لأن الحزب أخد منحى قومي بسبب تأثير حليفه حزب “الحركة القومية” اليميني ورئيسه دولت بهتشلي المعروف بهجومه العنيف والشعبوي على سياسيين كتير، منهم قيادات سابقة وحالية في العدالة والتنمية نفسه، ودا نفّر كتير من قواعد العدالة والتنمية التاريخية.
– الانتخابات جاية بعد خسارة “العدالة والتنمية” في إسطنبول وأنقرة في انتخابات 2019 المحلية، للمرة الأولى من وقت وصولها للحكم في 2002. وإسطنبول بالذات لها أهمية خاصة، لدرجة إن أردوغان (اللي رأس بلديتها قبل إنشاء الحزب بين عامي 1994 و1998) قال وقت الانتخابات إن “من يخسر إسطنبول، يخسر تركيا”.
– أردوغان مش محتاج يخسر أصوات كتير عشان يفقد منصبه. خلينا ما ننساش إنه كسب انتخابات 2014 بـ51.8% و2018 بـ52.59%، فالموضوع مش محتاج لأكتر من 3% من الناخبين يغيروا رأيهم، وبالتالي الدخول في جولة تانية أردوغان ما يفضلش إنه يوصل ليها أبدا، لأن ساعتها أياً كان المرشح المنافس، معظم مؤيدي المعارضة مرجّح جدا إنهم يصوتوا له حتى لو مش حابينه رغبة في رحيل أردوغان.
****

استعدادات المعارضة واتفاق الأحزاب الستة

– مش بس أردوغان اللي بيواجه مشاكل في الانتخابات، المعارضة كمان يبدو إن عندها مشاكل وتحديات كبيرة، منها كلام عن عدم ثقة المواطنين في قدرة المعارضة على حل الأزمة الاقتصادية بسبب عدم تقديم المعارضة برامج محددة زمنيا، وإن كان حزب علي باباجان (وهو أصلا رجل اقتصاد) عرض برامج مفصّلة للغاية.
– حتى الآن أحزاب المعارضة ما اتفقتش ولو حتى مبدئيا على ترشيح شخص بعينه، ودا في نظر مراقبين كتير أكبر تحدي للمعارضة، لأن الوقت حتى لو الانتخابات أجريت في ميعادها مش في صالحها.
– لكن بشكل عام فيه 3 أسماء بيتداولها الإعلام التركي: رئيس حزب الشعب كمال كيليتشدار أوغلو، ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، ورئيس بلدية أنقرة منصور ياواش (الاسمين الأخيرين برضه من حزب الشعب الجمهوري)، وإن كان كيليتشدار أوغلو لمّح في أكتر من مناسبة إن اسم إمام أوغلو تحديداً مش مطروح لأن الحزب مش حابب يخاطر بخسارة بلدية إسطنبول.
****

اتفاق الأحزاب الستة

– رغم عدم اتفاق المعارضة على مرشح ينافس أردوغان، إلا إنهم توصّلوا لاتفاق مهم بخصوص شيء تاني، وهو ضرورة العودة لـ “النظام البرلماني المعزز”.
– في نهاية نوفمبر اللي فات وبعد مشاورات استمرت شهرين تقريبا بين ممثلين عن 6 أحزاب معارضة (من أصل 7)، تم الإعلان عن اتفاقهم على التعاون والعمل المشترك لإلغاء النظام الرئاسي (اللي تم الانتقال له في 2017 و2018)، والعودة للنظام البرلماني.
– تفاصيل الاتفاق لسة ما أُعلنش عنها لغاية دلوقتي، بس الصحفي التركي لفنت جولتكين قال إن الاتفاق بينص على إنه “في حالة فوز مرشّح المعارضة ضد أردوغان، سيعمل هذا الشخص على الانتقال إلى النظام البرلماني المعزز خلال فترة انتقالية مدتها سنتين، وبعدها يمكنه الترشح (كرئيس رمزي) لفترة واحدة فقط، قبل أن يعتزل السياسة نهائيا”.
– وغولتكين بيرجح إن دا السبب ورا عدم حماس أكرم إمام أوغلو (سنه 50 سنة) للترشح قدام أردوغان في الفترة الحالية، لأن دا هيعني اعتزاله السياسة بحد أقصى وهو في سن 57.
****

نشوف ايه من دا كله؟

– الاستقطاب الحاد بيأثر على المجتمعات وبيعرضها لهزات عنيفة بتأثر على حياة الناس، خاصة لما يتزامن دا مع وضع اقتصادي صعب أو إجراءات سلطوية بتخلي التجارب ترجع للخلف مش تطلع لقدام.
– الحقيقة إن الحياة السياسية من غير فكرة المعارضة أو التنظيمات السياسية المعارضة مبتكنش في مصلحة أي بلد، لأن لو فيه انحراف في أي سلطة، يفترض من وجود المعارضة الرقابة على دا، لكن في نفس الوقت مطلوب من المعارضة تقديم الحلول والبدائل وإنها تنافس على السلطة لتنفيذ برامجها، ومش الحل أبدا سجن المعارضة دي أو ملاحقتها تحت أي مبرر.
– الديمقراطية أفضل آلية موجودة نعرفها لحد دلوقتي لعلاج الظروف المتأزمة، وممارستها بتحتاج سنين عشان تترسخ يعني مراحل زمنية، وجايز يحصل في أي مجتمع ردة بسيطة أو عنيفة، لكن بتظل وجودها ضمانة لتقليل تكاليف اللجوء للحلول الأخرى اللي بتتسبب في انقسامات وحروب أهلية.
*****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *