– وافق مجلس النواب يوم الاثنين 24 مايو على قانون جديد يخص استثمارات أموال الأوقاف وهو قانون صندوق الوقف الخيري.
– القانون ده إيه محتواه؟ وهل هو مفيد فعلاً لأموال الأوقاف ولا لأ ؟ ده اللي هنتكلم عنه في البوست الحالي.
*****
إيه مضمون القانون؟
– لازم نعرف الأول إن الدستور المصري نصت المادة (90) منه فيما يتعلق بنظام الوقف الخيري أن “تلتزم الدولة بتشجيع نظام الوقف الخيري لإقامة ورعاية المؤسسات العلمية، والثقافية، والصحية، والاجتماعية وغيرها، وتضمن استقلاله، وتدار شئونه وفقاً لشروط الواقف، وينظم القانون ذلك”.
– القانون المقصود يختلف عن قانون “الهيئة العامة للأوقاف” رقم 203 لسنة 2020، واللي بيقول إن الهيئة دي هي المسؤولة عن إدارة أموال الأوقاف، لكن صندوق الوقف الخيري، ده بيتكلم بشكل واضح عن فوائض أموال الأوقاف.
– الفوائض أو الأموال اللي بيستهدفها الصندوق الجديد كموارد هي: فوائض حسابات اللجنة العليا للخدمات الإسلامية والاجتماعية، وصناديق النذور الخاصة بالمساجد، وصناديق إعمار المساجد القائمة في نهاية السنة المالية، وفوائض “ريع الوقف” – أرباح بعض أصول وأموال الأوقاف- ، وسائر التبرعات والهبات والمنح النقدية أو العينية التي يتلقاها الصندوق من الأشخاص الطبيعية والاعتبارية، وأي موارد أخرى يصدر بها قرار من رئيس الجمهورية.
– يكون للصندوق حساب بنكي موحد تُودع فيه جميع موارده، ويُرحل فائض أمواله من سنة مالية إلى أخرى، مع إعفاء من الضرائب والرسوم والدمغات.
– القانون بيتكلم عن أوجه صرف أموال واستثمارات الصندوق، وتتمثل في تشجيع نظام الوقف الخيري، لإقامة ورعاية المؤسسات العلمية والثقافية والصحية والاجتماعية وغيرها من أعمال البر، ومنها:
1- نشر الدعوة الإسلامية بالداخل والخارج.
2- دعم أجهزة الدولة في إقامة وتطوير المشروعات الخدمية والتنموية والبنية التحتية وغيرها من المشروعات الاجتماعية والاقتصادية التي تُسهم في دعم الموقف الاجتماعي والاقتصادي للدولة.
3- المساهمة في تطوير العشوائيات.
4- المساهمة في الحد من ظاهرة أطفال بلا مأوى.
5- المساهمة في الحالات الأولَى بالرعاية ويصدر بتحديدها قرار من مجلس إدارة الصندوق بناءً على عرض وزير الأوقاف بصفته. وذلك كله في حدود شروط الواقفين.
– وهنا هنلاقي نص صريح على المساهمة في بعض المشاريع التنموية الهامة من استثمارات صندوق الوقف، زي المساهمة في تطوير العشوائيات، والحد من ظاهرة الأطفال بلا مأوى، ودعم المشروعات الاجتماعية والاقتصادية والتنموية، وده مش موجود في قانون الهيئة العامة للأوقاف.
******
طب هو قد إيه حجم أموال الأوقاف في مصر؟
– وزير الأوقاف، محمد مختار جمعة، بيقول إن “إجمالي عائدات الوقف في السنة اللي فاتت بلغ 400 مليون جنيه، لتصل عائدات أرباحها إلى نحو مليار و540 مليون جنيه”، مضيفاً “نتوقع زيادة في عائدات الوقف لا تقل عن 200 مليون جنيه هذا العام، الفائض المرحل هيوصل لـ مليار و800 مليون جنيه”.
– وبالتالي الفلوس دي استثمارها هيتيح تعظيم حجمها وقيمتها، وهيحافظ على استدامة الأموال، لتوجيهها في نفس أغراض الخير. وبحسب وزير الأوقاف، فلوس الأوقاف في آخر 6 سنين اتصرف منها مليار و 600 مليون جنيه في خدمات مجتمعية كتيرة، زي 100 مليون جنيه في مبادرة حياة كريمة، و 175 مليون جنيه لدعم التعليم، و50 مليون لصالح العمالة غير المنتظمة”.
– وده ملوش علاقة بأصول أموال الأوقاف، لأن أصول أموال الأوقاف ضخمة جداً وأرقامها متضاربة، لكن أقرب رقم دقيق هو تريليون و 37 مليار جنيه، بحسب تصريحات رئيس هيئة الأوقاف “سيد محروس” سنة 2018. وعشان نتخيل ضخامة المبلغ فهو 20% من الناتج المحلي الإجمالي. منها 390 ألف فدان، بقيمة تقديرية 759 مليار و181 مليون جنيه، ومساحة الأملاك (مباني وعقارات) بلغت 7 ملايين و391 متر مسطح، بقيمة تقديرية 136 مليار و824 مليوناً.
– الأصول دي طبعاً خاضعة لشروط وأحكام دينية بتشترط عدم التصرف في الأصول إلا بشروط بيحددها صاحب الأصل، القاعدة هيا “شرط الواقف كنص الشارع”، بمعنى إن الشخص بيتبرع بحجز أموال معينة أو أصول زي بيت أو قطعة أرض لغرض معين زي دعم الدعوة الدينية أو إيواء المشردين أو توفير مياه شرب للناس، أو الإنفاق على اليتامى، وغيره من أعمال الخير الكتير، وده دينياً واحدة من أعظم “الصدقات الجارية”، وأعمال الخير والبر.
– وللأسف لأنه حجم الأموال والأراضي دي كبير جداً، فاتعرضت على مدار سنين لعمليات سرقة ونهب، سواء من الحكومة في وقت العهد الناصري، لما ضمت أراضي وأصول من الأوقاف لصالح الحكومة مباشرة (القانون رقم 247 لسنة 1953 اللي قضى على الاستقلال الإداري للأوقاف ومؤسساتها)، وده دمر كتير من أموال الأوقاف، أو عمليات تانية على مدار سنين من نهب الأراضي غير المسجلة أو الموثقة في الأوقاف وبيعها أو التعدي عليها بالسرقة والبناء دون أي رقابة، وبالتواطؤ مع بعض الموظفين والمسؤولين في وزارة الأوقاف، وبلغ حجم التعديات ده لسرقة حوالي 50 ألف فدان من الأراضي من سنة 2011 لـ 2018 فقط.
– وبشكل عام وبالوضع الحالي تظل أموال وأصول الأوقاف كبيرة جداً، وفي محاولات للاستفادة من بعضها بالاستثمار وزيادة حجمها، عشان تستديم أعمال الخير، لكنه موصلش لسه للمستوى المنتظر.
– في مشاكل في أداء الهيئة العامة الأوقاف بسبب عدم إنهاء الحصر الكامل لكل الأراضي وتوثيقها، وده زي ما قلنا جانب كبير من جوانب الفساد وهدر الأراضي والفلوس وسرقتها، واللي لحد دلوقتي ده مبيحصلش بسبب غياب الرقابة الفاعلة من مجلس النواب أو الهيئات والأجهزة الرقابية في الملف ده، وعدم تقديم الهيئة لحد النهاردة “الخريطة الاستثمارية بتاعتها” في الأراضي والمصانع، رغم صدور قانون جديد.
*******
– بشكل عام موضوع الأوقاف فيه شوية تعقيدات نتيجة الشروط الدينية والفقهية اللي بتحيط بيه، وعشان كده القانون الجديد بيتكلم عن تبرعات مالية في حساب بنكي، وفوائض استثمارية من أصول الأوقاف، وده بيخرج الفلوس من القاعدة الدينية اللي بتقول إنه ” الوقف لما وقف له” يعني الفلوس متتصرفش خارج شروط “الوقف” أو التبرع من صاحب المال.
– وبالتالي الشكل الجديد للصندوق، يخلي لو عندنا فوائض مالية من الهيئة العامة للأوقاف – الهيئة الأم صاحبة الأصول – بتوصل زي ما قال وزير الأوقاف لمليار و 800 مليون، ساعتها الفلوس دي تروح للصندوق، بالإضافة للموارد التانية، ويتم استثمارها وزيادتها بكافة الطرق المالية المتاحة زي مثلاً الاستثمار بعمليات الاستحواذ، والمساهمة في رؤوس أموال الشركات ذات الأداء المالي المستقر، وبعض الودائع البنكية.
– وبالتالي الفلوس “السائلة” اللي بتتجدد وبتكبر تقدر تتصرف في أوجه الإنفاق اللي حددها الصندوق، ومنها الحاجات اللي الدولة بتحاول تدفع فيها فيها زي موضوع العشوائيات وأطفال الشوارع وبعض المشاريع التنموية اللي تندرج تحت أعمال الخير.
*****
– طبعاً في تخوفات منطقية عند البعض إنه الحكومة تاخد فلوس الأوقاف وتصرفها هي بشكل غير معروف ولا منضبط ومحدش بيراقب ولا بيحاسب، وسواء كانت التخوفات دي لأسباب دينية أو لأسباب اقتصادية بحتة، فالنقطة دي خلت الحكومة متمسكة بإنه قرار التصرف في الأموال يظل السلطة الأعلى فيه لوزير الأوقاف اللي هو “مؤتمن على أموال الأوقاف”.
– وكان ظهر كلام عن غياب الرقابة المالية على أموال الوقف بموجب قانون صندوق الوقف الخيري، إلا إن الحكومة نفت تماما هذا الأمر، وقالت إن أموال الصندوق تخضع للرقابة بشقيها المالي والقانوني من قبل الجهات المعنية، وشددت على أن أموال الأوقاف ذات طبيعة خاصة لا يمكن إهدارها أو المساس بها.
– وطبعاً في شيء تاني المفروض نقوله وهو تجارب العديد من الدول “الإسلامية” اللي طورت جداً من مفهوم الوقف، وأنشطته، ودخلت فيه أمور خارج الإطار التقليدي بتاع دعم وترميم المساجد، تجارب دول زي الكويت اللي حصل فيها استثمار بآليات السوق لأموال الوقف، وإعادة استخدامها في برامج تنموية زي رعاية الحرفيين والأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة وثقافة الطفل ورعاية الأسرة والتنمية الصحية وحماية البيئة.
– في عندنا كمان دولة زي الهند، الأوقاف الإسلامية فيها بتقدم قروض ميسرة لتمويل البرامج التعليمية والتدريب المهني والمنح الطارئة للطلاب والفقراء، وده عمل طفرة في مستويات التعليم للطلاب الفقراء اللي كانو بيعانوا عشان يتعلمو، سواء تعليم أكاديمي أو مهني.
– وبالتالي طالما في تجارب لدول تانية إسلامية في تطوير أموال الوقف، فمفيش ما يمنع الحقيقة من إنه عوائد أموال الوقف يتم ضخها في أمور مفيدة فعلاً زي ما حدد القانون الجديد، مبنشوفش إنه مشكلة أو عيب، بالعكس ده شيء إيجابي على المستوى الاجتماعي وينضم تحت إطار عمل الخير و” أعمال البر”.
– لكن زي ما قلنا المهم يكون متوافر الشروط العامة للشفافية، عشان الكل يطمن لعدم حدوث تخوفات زي استخدام الأموال في مشاريع الدولة زي العاصمة الإدارية الجديدة أو مشروع الإسكان الفاخر أو بناء الأماكن السياحية والترفيهية مثلا، لأ المقصود حسب القانون نوعية مشاريع اجتماعية تساعد بجانب مخصصات الموازنة العامة للمشاريع دي، والحقيقة إنه لا يمكن فصل الموضوع عن مسألة آليات الرقابة الشعبية أو الثقة في المؤسسات الرقابية الرسمية، واللي تشمل البرلمان، أو في الحالة دي تحديدا ممكن تشمل الأزهر أيضاً. وبالتالي بالمجمل القرار نفسه ممكن يكون إيجابي لكن المهم هوا كيفية تطبيقه على أرض الواقع واحترام تخوفات المواطنين وطمأنتهم باجراءات عملية حقيقية ذات مصداقية.
*******