– يوم الثلاثاء وافق النواب التشيليون على آليّة لعزل الرئيس سيباستيان بينيرا على خلفية كشف :وثائق باندورا: عن بيع شركة تعدين من قبل شركة تعود لأبنائه.
– وبعد موافقة مجلس النواب اللي بتسيطر عليه المعارضة (83 من أصل 155 مقعداً)، يُفترض أن يصوت مجلس الشيوخ على الآلية بأغلبية الثلثين قبل الانتخابات العامة، في 21 نوفمبر، واللي ستُنتج رئيساً وبرلماناً جديدين.
– إيه تهم الفساد؟ وإزاي ممكن الرئيس يتعزل؟ وليه ممكن نهتم بالموضوع ؟ ده اللي هنتكلم عنه في البوست الحالي.
********
إيه قصة اتهام الرئيس؟
– في يوم 2 أكتوبر تم نشر مجموعة كبيرة من الوثائق سميت بـ “وثائق باندورا” وهي عملية تحقيقات استقصائية صحفية اتعملت من مئات الصحفيين والمؤسسات الصحفية على مستوى العالم اللي مشاركين في الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، ومنهم مؤسستي ” سيبر” و”لابوت” التشيليتين.
– الوثائق دي كشفت عن حسابات سرية لمسؤولين رسميين ومليارديرات ورجال أعمال، متورطين في قضايا فساد وتهرب ضريبي، موثقة بأكتر من 11 مليون وثيقة وبيانات أكتر من 14 ألف شركة ملاذ ضريبي.
– من ضمن الأشخاص اللي اتكلمت عنهم الوثائق دي هو رئيس تشيلي رجل الأعمال “سيباستيان بينيرا”، واللي استفاد من سلطته في عملية بيع مشروع منجم التعدين ” دومينيغا” عن طريق شركة لابنه مسجلة في “جزر العذراء البريطانية” واللي هي ملاذ للتهرب الضريبي معروف في العالم كله.
– الصفقة دي تمت بين شركة ابنه وبين صديقه رجل الأعمال “كارلوس ألبيرتو ديلانو” أثناء فترته الأولى كرئيس للجمهورية من ( 2010 – 2015 )، مقابل 152 مليون دولار، تم تسديدهم على 3 دفعات.
– لحد هنا الموضوع كله بيع وشراء وده ممكن يبقى طبيعي، لكن كشفت الوثائق إنه الدفعة الثالثة كانت مرتبطة بشرط إنه المشروع ميتمش تحويله لمحمية طبيعية بناءًا على مطالبات شعبية من جمعيات حماية البيئة في تشيلي واللي كانت بتطالب بده، وده شيء مرتبط هنا بقرار من الحكومة والرئيس، واللي كان رفض قبل كده عرض شركة بتخصيص محطة طاقة حرارية في نفس المنطقة بسبب حماية البيئة.
– لكن في صفقة بيع حصته من المشروع لصديقه، متمش الاستجابة للمطالبات بحماية البيئة في منطقة مشروع التعدين بأي وسيلة، مقابل نجاح الصفقة واستلام الدفعة المالية الثالثة من العقد، وبالتالي الصفقة دي فيها شبهة فساد وتلقي رشوة بالإضافة لجريمة تهرب ضريبي.
*****
إيه اللي حصل بعد نشر الفضيحة دي إعلاميًا؟
– بعد نشر التحقيقات دي في الصحافة ووسائل الإعلام، أعلن الادعاء العام في تشيلي بدء فتح التحقيقات في القضية دي، وبدأ نواب المعارضة بعمل دورهم في التحقيق والرقابة، وتم فعلًا عقد جلسة يوم الاثنين في مجلس النواب بتشيلي، الجلسة دي استمرت لأكتر من 20 ساعة، وانتهت فجر يوم التلات.
– الجلسة دي كان فيها حدث تاريخي، لأنه في نائب واحد فقط وهو النائب الاشتراكي “خايمي نارانخو” اتكلم لمدة 15 ساعة من أصل 20 ساعة كانت مدة الجلسة بأكملها، اللي خصص الكلمة بتاعته لقراءة نص الاتهام الموجه للرئيس من قبل نواب المعارضة، في ملف تحقيقات ووثائق مكون من 1300 صفحة بأكملهم.
– وللمفارقة فالكلمة خدت الوقت ده كله لأنه المعارضة كانت محتاجة صوت إضافي عشان تبقى أغلبية في قرار الاتهام للرئيس بالعزل، وتم إطالة الجلسة بالشكل ده عشان تنتهي فترة الحجر الصحي لأحد نواب المعارضة اللي كان مخالط لمصاب بالكورونا، ومتمكنش من الخروج من الحجر الصحي إلا في تمام الساعة 1 فجر التلات، وتمكن بالفعل بعدها من حضور الجلسة والتصويت، وده كله بدون ما يتم التضييق على النائب ده ولا نواب المعارضة.
– المهم إنه كان في دفاع عن الرئيس من بعض النواب الآخرين ومن محامي الرئيس اللي حضر، الرئيس نفسه قال في تصريحات قبل الجلسة إنه حصل تحقيق قضائي قبل كده في سنة 2017 بعد خروجه من السلطة، والقضاء قفل القضية دي لأنه مفيش شيء واضح يدينه.
– لكن نواب المعارضة ردوا على الحجة دي بإنه محصلش نشر لمضمون عقد البيع، وأحد نواب المعارضة قال إنه الرئيس رفض تعزيز الحماية للطبيعة والبيئة في منطقة المشروع اللي موجودة بجوار محمية طبيعية فيها ” طيور بطريق الهومبولت” ودي من الكائنات الحية المهددة بالانقراض والموجودة فقط في تشيلي وبيرو، فقط عشان مصلحته الشخصية والاستفادة المالية من قرار البيع.
– طبعا عشان كده نظم طلاب تشيليون مسيرات مرتدين قبعات على شكل طيور البطريق وحاملين دمية للرئيس سيباستيان بينييرا للمطالبة بمحاسبته بعد ورود اسمه في “وثائق باندورا”.
– انتهت الجلسة بالتصويت لصالح اتهام الرئيس في مجلس النواب اللي أعضائه 155 عضو بأغلبية 78 صوت، وينتظر الرئيس التصويت في مجلس الشيوخ اللي إجمالي أعضائه 43 عضو، لكن قرار العزل يلزمه أغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ بواقع 29 صوت، تمتلك منهم المعارضة 24 صوت وتنتظر أصوات أخرى إضافية.
– المتحدث باسم الرئاسة، خايمي بيلوليو علق على قرار مجلس النواب ووصفه بإنه “اتهام يستند إلى كذبة ويعود فقط إلى أسباب سياسية وانتخابية قصيرة الأجل، ويطيح بفكرة الديمقراطية”.
– أما الرئيس اللي نفى الاتهامات دي قبل كده حاول يقلل ضغط الصحافة عليه ويوجهها لقضية تانية، فقام أعلن حالة الطوارئ في 4 محافظات بسبب اضطرابات في جنوب البلاد، لكن ده مغيرش كتير في مسار الاتهامات.
*******
نستفيد إيه من ده كله؟
– أول حاجة إنه في دول ديمقراطية، ممكن الصحافة تعمل فيها شغل وتحقيقات صحفية جادة بتدور ورا ثروات المسؤولين بما فيهم رئيس الجمهورية وتتبع مسارات ثروته وتشوف فيها شبهة فساد ولا لأ، مش لازم أبدا تكون الصحافة موجهة وبتسيطر عليها الحكومة أوالأجهزة الأمنية وبتمنع أي صحفي من إنه يعمل أي شغل جاد ولو حتى مسؤول رقابي سابق زي هشام جنينة اللي اتقبض على الصحفي معتز ودنان بسبب مجرد حوار صحفي وغيره عشرات الصحفيين اللي مسجونيين، وكل دا بيتم إسكاته لصالح صحافة الفضايح والإثارة.
– تاني حاجة إنه رئيس الدولة في أي بلد ممكن يتورط في واقعة فساد، لأنه بشر وزي مهو وارد إنه يكون شريف ويستمر شريف، وارد برضه إنه السلطة والمنصب تغريه بالفساد أو بالاستفادة المالية من وظيفته وسلطته، وعشان كده الدول والمجتمعات الديمقراطية بتحمي نفسها بالصحافة الجادة، وبالبرلمانات النزيهة، والقضاء المستقل.
– أدينا شايفين النائب العام اللي بيعينه الرئيس هو اللي بيعلن فتح تحقيق في واقعة فساد أثارتها الصحافة تخص الرئيس بدون وضع اعتبار للمنصب ولا لأهميته لأنه القانون المفروض بيتطبق على الجميع عادي.
– وشفنا برلمان بينعقد عشان يناقش قضية زي دي ويوجه اتهام للرئيس، بدون ما حزب الأغلبية يرفض طرح الموضوع للنقاش ولا رئيس البرلمان يضيق على النواب في حقهم في المناقشة والسؤال، ولا الأجهزة الأمنية تتصل بالنواب وتهددهم لو اتكلموا في الموضوع، ده برلمان بجد منتخب من المواطنين فعلًا وبالتالي هما بيشتغلوا بجدية لأنه الناس بتحاسبهم.
– وشفنا كمان ديمقراطية من النواب المؤيدين، اللي هما رغم إنهم مؤيدين للرئيس وفي نفس حزبه، لكن مرفضوش المناقشة، ولا قرروا يقاطعوا الجلسة مثلًا عشان يوقعوا النصاب، ولا اعترضوا على إنه نائب في المعارضة يتكلم لمدة 15 ساعة واللي ممكن تبقى أطول كلمة في تاريخ البرلمانات في العالم، لأ عادي الكلام بالكلام، والاتهام بيواجه بالتفنيد والرد، والحجة بالحجة، وفي النهاية هيتم اللجوء للتصويت. عادي جدًا.
– محدش هدد ولا قال إنه الدولة هتنهار، ولا إن الحرية دي غلط، ولا حد اعتقل الصحفيين، ولا صادر الجرايد، ولا قفل الإنترنت، ولا حصل أي سلوك يعطل المناقشة بتاعت قضية الفساد دي. لأنه في دولة مؤسساتها بتحترم المواطنين، وفي مواطنين يقدروا يغيرو أي مسؤول بانتخابات حرة نزيهة ! عادي جداً.
– لازم كمان نعرف إن الوعي الشعبي بمحاربة الفساد مهم، لأنه هو اللي هيجبر الحكومة والرئيس وغيره على الرضوخ لمطالبات بتحقيقات شفافة وعادلة.
******
– في نفس التوقيت تقريبًا عندنا في مصر واقعة فساد في وزارة الصحة، متهم فيها قيادات بالوزارة وبيتحقق معاهم، وأثير كلام كتير عن إنه القضية هي واقعة رشوة من مستشفى استثماري، وفي كلام عن تورط قيادات عليا في الوزارة، وبقالنا أكتر من أسبوعين مفيش بيان واحد يوضح بشكل حقيقي واقعة الفساد تمس مين من المسؤولين، وطبعًا مفيش صحافة تتجرأ تسأل أو تدور في الموضوع لأنه العقاب هيكون كبير.
– نتمنى إننا في مصر نشوف في أي يوم في حياتنا، جزء من الديمقراطية اللي تخلي الناس تتكلم بدون خوف أو قلق من العقاب أو التنكيل، ونشوف صحافة جادة بتدور ورا القضايا الحقيقية وتحقق في وقائع وشبهات الفساد لأي مسؤول.
– نتمنى برضه نشوف برلمان بجد، الناس بتنتخبه فعلًا مش بيتفرض عليها أسماء معينة، وبيناقش قضايا حقيقية، وبيوصل فيها لقرارات ونتايج مش مجرد مساحة للتنفيس والدردشة وخلاص، ويقدر يحاسب فعلًا ويشرع ويناقش ويحقق، ميبقاش مجرد مكان لالتقاط الصور أو الجري ورا الطلبات والخدمات الشخصية !
– وأكيد نفسنا نعيش ونشوف قضاء مستقل فعلًا محدش يقدر يتدخل في شغله بما فيهم رئيس الحكومة، وميقدرش يغير القاضي ولا يوقف التحقيقات ولا ينشر أخبار مش حقيقية أو يمنع الصحافة والناس من النشر والكلام عن شبهات فساد.
– وعشان كده بنتكلم عن نماذج الدول الديمقراطية أو اللي في مرحلة انتقال ديمقراطي، واللي الممارسة الديمقراطية هي اللي بتحميها فعلًا من سوء استغلال السلطة ومن وقائع الفساد اللي ممكن تحصل بسبب إغراءات المناصب.
*****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *