عضو الصفحة المهندس عماد بهجت بعتلنا المشاركة المهمة دي:

واحدة من المقولات التعميمية اللي أخدت مكانة الأمر الواقع بسبب تكرارها هي حكاية إن المصريين مشكلتهم إنهم إستهلاكيين وبيصرفوا بعبط، والنبرة دي طبعا وجدت هوي في نفوس قطاعات معينة، وبقينا نسمع كلام غريب زي إلقاء اللوم في أزمة الدولار علي واردات قمصان نوم وأدوات تجميل، ولا الكافيار اللي لو بطلنا نستورده الدولار هيبقي ببلاش.
فيه غيري ردوا ووضحوا إن “السلع الاستفزازية” حجمها النسبي صغير جداً وسط واردات مصر من السلع الأساسية، وأكيد محدش يرفض من حيث المبدأ الدعوة للعمل والانتاج، لكن أنا عايز أتناول الموضوع من زاوية تاني .. بما إني عندي دائما رغبة ملحة في القياس الكمي quantification ومبقتنعش بأي عبارات مطلقة كده، حبيت أبص علي الأرقام وأشوف هل فعلا الشعب المصري استهلاكي؟؟

*****

– في البداية حابب أقدم تعريف مبسط لحاجة اسمها القوة الشرائية المكافئة أو الـ PPP، دي عبارة عن وسيلة لقياس القيمة الحقيقية للناتج القومي للدول GDP، بمعنى تحويل قيمة إجمالي السلع والخدمات اللي بتنتج في البلد إلى السعر العالمي بغض النظر عن سعرها بالأسواق المحلية.
يعني إيه؟ يعني لو تخيلنا مثلاً إن كيلو البرتقال في مصر سعره يوازي نُص دولار، بينما سعره العالمي ممكن يكون 2 دولار، فده يسبب فروق حسابية كبيرة لو حاولنا نقيس الاستهلاك بالأسعار المحلية، لأن لما رب أسرة مصري يشتري لعياله البرتقال بنص دولار ده لا يغير من كونه في الواقع استهلك الكيلو ده فعلاً بالظبط زي أي حد في العالم . نفس كمية الاستهلاك الفعلي رغم اختلاف القيمة.
لحل المشكلة دي ظهر المعيار اللي اسمه القوة الشرائية المكافئة، وبقت الجهات الدولية ممكن تقيس الناتج المحلي للبلد بطريقتين، مرة بالقيمة اللي تم بيها تداول السلع والخدمات(ودي تبقي القيمة الاسمية)، ومرة تانية بحساب السعر العالمي وده اللي ممكن يُستخدم في مقارنة عادلة لمستويات استهلاك الشعوب (ودي القوة الشرائية المكافئة) أو purchasing power parity.
ومن الجدير بالذكر إن في البلاد اللي تكلفة الحياة فيها رخيصة الفرق بين الرقمين بيبقي كبير جدا، في مصر بالتحديد قيمة الناتج المحلي بالقوة الشرائية المقارنة تقريبا ٣ أمثال القيمة الاسمية!
– بعد المقدمة دي، ممكن أشرح باختصار برضه الطريقة اللي اتبعتها عشان أقف علي موضع نسبي عادل لمعدلات استهلاك المصريين بالمقارنة بباقي شعوب العالم، اللي عملته ببساطة هو إني أخدت رقم الناتج المحلي بالقوة الشرائية المكافئة لأغلب دول العالم، وطرحت منه الصادرات (بما إن دي سلع وخدمات تم انتاجها محليا لكن لم يستهلكها الشعب)، وزودت عليها الواردات (بما إن دي سلع بتستهلك داخل الدولة)، وقسمتها على تعداد الشعوب عشان أخرج برقم ممثل بدقة لمتوسط استهلاك الفرد في كل دولة من 181 دولة معلوماتها متوافرة، وهي عينة ممثلة جدا، فيها كل أطياف الدول والشعوب.

دلوقتي بقي إليكم النتائج:

– المواطن المصري في المتوسط بيستهلك سنوياً ما قيمته حوالي 11 ألف و300 دولار من السلع والخدمات، وده يضع مصر في المركز 102 وسط الـ 181 دولة.
– المواطن الأمريكي بيستهلك ما قيمته 58500 دولار.
– المواطن الياباني بيستهلك ما قيمته 38800 دولار
– المواطن الألماني بيستهلك ما قيمته 47400 دولار
– المواطن السعودي بيستهلك ما قيمته 49000 دولار
– المواطن الكويتي بيستهلك ما قيمته 62500 دولار
– المواطن الإماراتي بيستهلك ما قيمته 64500 دولار
– المواطن القطري بيستهلك ما قيمته 122800 دولار

– بس كل الأمثلة اللي فوق دي شعوب غنية وماينفعش نقارن بيهم الشعب المصري، فخلينا نمشي بالعكس، تعالوا نشوف الشعوب اللي معدلات استهلاك مواطنيهم قريبة من المواطن المصري (في حدود ٢٥% فوق أو تحت المعدل المصري). الدول دي بالترتيب التنازلي هي: صربيا، الصين، المالديف، كولومبيا، جنوب أفريقيا، منغوليا، بيرو، والأردن، تونس، سريلانكا، الإكوادور، البوسنة – مصر موقعها هنا بالظبط – وبعدها: فيجي، إندونيسيا، جامايكا، ناميبيا، جورجيا، أوكرانيا، باراجواي، السلفادور، بيليز، أرمينيا.

فاضل كده شوية شعوب عالية الكثافة السكانية الناس بيحبوا يقارنوهم بمصر، تعالوا نشوف أماكنهم فين بالمرة:

– المواطن البرازيلي بيستهلك ما قيمته 15600 دولار
– المواطن الروسي بيستهلك ما قيمته 24300 دولار
– المواطن المكسيكي بيستهلك ما قيمته 17500 دولار
– المواطن الهندي بيستهلك ما قيمته 6200 دولار
– المواطن الفلبيني بيستهلك ما قيمته 6000 دولار
– المواطن النيجيري بيستهلك ما قيمته 5900 دولار
– المواطن الباكستاني بيستهلك ما قيمته 4900 دولار
– وأخيرا، المواطن البنجالي بيستهلك ما قيمته 3200 دولار

– بمقارنة كل الأرقام السابق ذكرها، هنلاقي إن نسق استهلاك المواطن المصري معقول جدا، وطبيعي، وخالي من المبالغات الفجة، وأقرب الشعوب للمصريين من حيث معدلات الإستهلاك زي ما وضحنا هي شعوب فقيرة ومش مفاجئة إطلاقا.
طبعا هيبقي في ناس رأيها في الموضوع ده “وليه مانبقاش زي الهندي ولا البنجالي؟”، ولو أسعفتهم ثقافتهم هيفضلوا يحفروا لتحت لغاية ما يوصلوا لأفقر شعب في العالم، وهو شعب دولة وسط أفريقيا بالمناسبة، وهيقولوا إن ده الشعب اللي لازم ناخده قدوة، وده لا لشيء إلا لرفع أي مسؤولية عن النظام أولا، ولحالة متطرفة من احتقار عموم المصريين واعتبارهم مايستاهلوش حاجة ثانيا.
*****

سؤال تاني مهم: هل الشعب المصري غير منتج؟

ممكن البعض يقول إن فعلاً الشعب المصري مش استثنائي في معدلات إستهلاكه، زي النتيجة اللي أثبتناها، ولكنه شعب غير منتج علي الإطلاق فبالتالي حتي الاستهلاك الطبيعي ده كتير عليه، لأنه بيجبره علي استيراد كثيف وده اللي بيخرب الاقتصاد. يعني مثلاً لو ظهر إن الصيني بيستهلك قد المصري مرة وربع بس بينتج قده ٣ مرات يبقي فعلا في مشكلة في المصري.
أنا عملت المقارنة دي وشفت نسبة الواردات للناتج المحلي، إليكم النتائج علما بأني قارنت الواردات بالأرقام الرسمية للناتج المحلي الإسمي مش الـ PPP، يعني المقارنة دي في الواقع مجحفة للمواطن المصري:

– مصر بتستورد سنويا ما قيمته 20-18% من ناتجها المحلي، ده يحطها في المركز ال158 من بين ال180 دولة، ودي نفس نسبة الصين وبنجلاديش تقريباً وأقل من نسبة الهند (25%)، وأقل من نسبة المكسيك (36%)، وأقل من نسبة الفلبين وإندونيسيا (21%)، وأعلي من باكستان (15%) والبرازيل (14%) ونيجيريا (11%).
*****
No photo description available.
الخلاصة:

– الشعب المصري معدلات إستهلاكه مش عالية بصورة استثنائية تبرر الهجوم المستمر عليه ده، لا عالية بالمقارنة ببقية العالم، ولا عالية بالمقارنة بالشعوب اللي شبهه، ولا عالية بالمقارنة بإنتاجيته هو نفسه، وتحميل المواطنين ذنب الأزمة الاقتصادية لأنهم استهلاكيين ده تعسف غير نزيه.
– أمال أصل الأزمة إيه؟ المشكلة إن زي ما في جنوح من فريق من الناس لإلقاء اللوم علي الشعب بلا دراسة ولا بحث، في جنوح مقابل من فريق آخر لإلقاء اللوم علي النظام بلا دراسة ولا بحث برضه، والإتنين في رأيي المتواضع غلط.
أصل الأزمة محتاج بحث في عوامل طبيعية وعوامل تاريخية وعوامل جغرافية وعوامل ديموغرافية قبل إصدار أحكام، أو طرح الحلول (سواءا كانت التقشف أو جذب الإستثمار أو إحلال الواردات أو غيرها). ودي الأسئلة اللي هحاول إجابتها الفترة القادمة علي قد قدراتي والمعلومات اللي أقدر أحصل عليها، واللي مهتم يتابع النتايج اللي هوصل لها ممكن يتابعها هنا.
*****




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *