“لقد كان الميدان مناخا خصبا لمن أضلهم الشيطان بضله” .. ده كان ضمن كلام القاضي محمد شيرين فهمي امبارح قبل الحكم علي الناشط السياسي أحمد دومة بالسجن المشدد 15 سنة وغرامة 6 مليون جنية في قضية “أحداث مجلس الوزراء”.
فيه أسئلة كتيرة بتتقال: فيها إيه لما القاضي يتكلم عن الاحداث السياسية؟ مش أحمد دومة ده اعترف انه حرق المجمع العلمي؟ دي قضية عادية جنائية زعلانين ليه بقى؟
الأسئلة دي وغيرها هنناقش إجاباتها سوا.
*****

إيه اللي غلط فيه القاضي بالظبط؟ إيه المشكلة لما يقول رأيه السياسي؟

– القضية أصلا مكانتش عن الثورة لكن عن أحداث في ديسمبر 2011، فهوا بيتكلم عن رأيه الشخصي في حاجة خارج الإطار الزمني للتهم.

– القانون بيمنع القضاة من إظهار عقيدتهم المسبقة، وعندنا مثلا المادة 148 من قانون المرافعات انه لو ثبت ان القاضي بينه وبين متهم “عداوة او مودة يرجح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل” بيتم الموافقة على طلب الرد (يعني يتغير القاضي ده بقاضي تاني).

– عندنا بالفعل سابقة انه محكمة الاستئناف وافقت مرتين سنة 2016 على طلب رد القاضي ناجي شحاتة – اللي حكم على دومة في أول درجة بالمؤبد – وقالت في حيثياتها إن المستشار شحاتة “أدلى بحديث إلى جريدة الوطن نفي فيه وجود تعذيب بالسجون، الأمر الذي يعد إفصاحا عن توجهه”، لأن المتهم كان اشتكى تعرضه للتعذيب وبالتالي هوا “كون عقيدة” أدت لفقده صلاحية الحكم.

– لكن اللي حصل إن القاضي حولها لمحاكمة ثورة يناير مش أحمد دومة. قال كلام سياسي زي “شهدت الدولة اعتصامات وفوضى وعنفا” وإنه الأحداث حصلت بانهم جابوا أصحاب سوابق “وأغمر عليهم بالمال والغذاء لتكليفهم بالتعدي على رجال الجيش والشرطة”، ووصف دومة والمتهمين إنهم “منهزمين فكريا ومفسدين اجتماعيا ممن ليس لهم هدف إلا خلخلة هوية المجتمع”
*****

دي قضية جنائية مش سياسية وهما متهمين بالتخريب. زعلانين ليه بقى؟

– الرئيس السيسي اتكلم في لقاء سي بي اس الأخير عن انه مفيش سجناء رأي أو سجناء سياسين في مصر، لكن الحقيقة أنه قضية دومة وغيرها بتورينا يعني ايه قضايا سياسية مختلفة خالص عن الجنائي، سواء من الأول اختيار القضاة، أو المعاملة الخاصة ضد المتهمين، أو الأحكام الصادرة.

– من الأصل كده تم تشكيل حاجة اسمها “دواير إرهاب” في 2013 ودي فقط اللي بتروحلها كل القضايا السياسية، ويبقى عندنا كام قاضي بعينهم بس هما المختصين لدرجة بقو نجوم والناس حافظة أساميهم والصحافة تديهم ألقاب.

– ليه قضية أحمد دومة تروح دايرة إرهاب مع إنه مش متهم بالإرهاب أصلاً؟!

– من حيث المعاملة الخاصة، أحمد دومة مثلا مسجون انفرادي من 2013، وهوا وأهله طالبو كتير ان ده يتغير بلا استجابة .. هل دي معاملة جنائي عادي؟!

– وبرضه حصل تأخير كبير في كل خطوة بيطلبها لعلاج رجله أو القرحة اللي عنده وده أثر جدا على حالته الصحية، وده مش ليه لوحده بل لسياسيين كتير، بينما شفنا سجن مبارك في جناح بمستشفى المعادي العسكري. هل دي مجرد صدفة؟
– وأحمد رغم انه كان اشتكى من سجناء دواعش حاولو الاعتداء عليه، برضه بعدها سابوه معاهم أثناء نقله وضربوه وأصابوه.

– التعامل الإعلامي اللي حصل، زي حلقة احمد موسى اللي احتفل جدا بالحكم.

– الحكم نفسه مبالغ فيه جدا، 15 سنة على حرق مبنى، وشفنا بالدرجة الأولى أحكام كبيرة على عدد ضخم 269 شخص، بينما مثلا قضية عربية الترحيلات قتل 37 انسان انتهت في فبراير الماضي بإدانة 4 ضباط فقط، واحد اتحكم عليه بالسجن 5 سنوات، وتلاتة سنة مع وقف التنفيذ!!

– بالمناسبة نفس القاضي هوا اللي استدعى مبارك للشهادة بقضية فتح السجون وعامله بكل احترام، رغم ان مبارك صادر ضده حكم نهائي بالسرقة والتزوير بقضية القصور الرئاسية، وبالتالي لا تجوز شهادته لأنه مدان “بجريمة مخلة بالشرف” .. مخالفة قانونية تانية.

– نفس القضية فيها فيديوهات كلنا شفناها وقتها لعساكر فوق ممجلس الشعب بيتبولوا على المتظاهرين وبيرمو طوب وبيشاورو اشارات بذيئة. وبنفس القضية استشهد 17 متظاهر، لكن اللي حصل انهم خرجو كل ده من القضية وقسموها قضيتين، والجزء ده اتحول قضاء عسكري اتدفنت ولا شفنا أي حد اتحاسب.
*****

مش دومة ده اللي حرق المجمع العلمي وكتاب وصف مصر واعترف بنفسه؟
– دي مجرد اشاعة بتتكرر كتير، لكن القضاء نفسه برأه منها.

– أحمد دومة أساسا كان في الحلقة بيتكلم عن مبنى مجلس الشعب، لدرجة الإبراشي وقفه سأله تقصد المجمع العلمي؟ قاله لا مجلس الشعب .. وده بنص الأوراق لم يتعرض للحرق أساسا.

– محكمة النقض بحيثيات قبولها الطعن الأول قالت انها لم تجد أي صورة أو أي شاهد ان دومة تواجد أصلاً بمكان المجمع، أما تسجيل الحلقة كاملا لما شافوه وجدوا ان الكلام ” لا يعد اعترافا صريحا بالتهمة وتسليما بها، بل جاء مقيدا بوقائع أخرى قوامها دفع اعتداء هذه القوات بإطلاقها الرصاص عليه وزملائه فى تظاهر سلمى”

– النقض، أعلى محكمة مصرية، قالت كده لأن أحداث المجمع دي حصلت بعد يوم من مقتل الشيخ عماد عفت أمين فتوى الأزهر بالرصاص الحي، الواقعة اللي زي ما قلنا اتدفنت تماما! .. دومة بالحلقة كان بيتكلم عن ده وبيقول لو عساكر بيضربو رصاص من جوا مجلس الشعب أو من غيره طبيعي يترد عليهم حتى لو بالمولوتوف.
*****

“القضاء عندنا مستقل ولا تعقيب على أحكام القضاء”

– شرحنا سابقاً إن “لا تعقيب” دي مش قانون ولا أي حاجة أكتر من جملة اتكررت كتير وخلاص.

– إزاي مستقل وزي ما قلنا عندنا من الأصل تشوه بوجود قضاة معينين لقضايا معينة؟

– إزاي مستقل والرئيس لأول مرة في تاريخ مصر عدل قانون السلطة القضائية ومنح نفسه حق تعيين رؤساء الهيئات؟

– إزاي مستقل بينما وزير العدل اللي بيعينه الرئيس هوا اللي معاه أهم سلطة بيخاف منها القضاة وهي الإحالة للصلاحية، ورئيس اللجنة دي بيتعين من وزير العدل برضه، يعني أي قاضي لو خرج عن الخط المطلوب ممكن يلقى نفسه مفصول ومتشرد بناء على قرار موظف بيعينه الرئيس؟
*****

الكلام ده للسياسيين بس أنا ماشي جنب الحيط ممكن أتضر في إيه؟

– بالأسلوب ده وارد أي حد يلقى نفسه فجأة متاخد في قضية ملوش علاقة بيها بناء على محضر تحريات ظابط شرطة متخانق معاه مثلا، ويبقى محظوظ لو خرج بعد فترة حبس احتياطي.

– الأسباب المذكورة وغيرها دي وغيرها هيا اللي خلت مصر واحدة من اسوأ الدول علي مستوي العالم في مؤشر حكم القانون 2018 اللي بيصدره مشروع العدالة العالمي، مصر جت في المركز ال 110 من 113 دولة شملها التقرير بناء على مؤشرات فرعية تشمل العدالة المدنية والعدالة الجنائية.

– مادام المعيار سياسي مش مهني ودي الأولوية، فطبيعي نشوف اللي كلنا عارفينه من قضايا مدنية تقعد سنين طويلة على ما يتحكم فيها وغيرها من مشاكل أي تقاضي عادي.

– أوضاع القضاء من الأسباب اللي بيدور عليها المستثمرين، وبسببها كتير منهم بيشترطو التحكيم الدولي أو بيرفضوا العقود، وده أثر اقتصادي سلبي علينا كلنا.

– فقد الثقة بالعدالة وحياد القضاء بيزيد الشعور بالظلم واليأس عند بعض المسجونين وده لما يتضاف لوجودهم مع متطرفين بنفس المكان بيزيد احتمال توجههم للتطرف والإرهاب زي ما شرحنا سابقا.
*****

إيه الحل في الأزمة دي؟

– الحقيقة إن بعد القضاء التام عن السياسة وتركيزه بمهامه مش هييجي بدون حل سياسي عام للتحول الديمقراطي في البلد، وجزء من ده وجود إرادة من القضاة للدفاع عن استقلال مؤسساتهم.

– في تشيلي حصلت عندهم تجربة مماثلة لتحول القضاة بعد انقلاب بينوشية في 1973 لدعم النظام العسكري ضد المعارضين، والنظام سجن أو قتل معظم القضاة اللي رفضوا .. بعد ازاحة بينوشية صدرت تعديلات دستورية في 1990 اللي وفرت مساحة واسعة من استقلال القضاء، وتدريجياً بعد سنوات ترسخت فيها الديمقراطية بدأ القضاء يحاكم المسئولين عن جرائم بينوشيه.

– كل كلامنا مش عن شخص أحمد دومة اللي طبيعي تختلف حوله الآراء، لكن عن قضية عامة أصابت ناس كتير جدا غيره. كل يوم بيعدي في الوضع ده بيخصم من الثقة بالقضاء، وكل يوم بيأكد إنه مفيش بديل عن إصلاح سياسي شامل، رغم صعوبته الكبيرة دلوقتي لكن مش هنتخلى عن الحلم والمطالبة بيه.
*****




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *