– من أيام قرر المجلس القومي للأجور تحديد الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص بـ2400 جنيه شهريا عشان يبقى مساوي للحد الأدنى الجديد اللي تم طرحه في مارس لموظفي الحكومة، ويبدأ تطبيقه مع السنة المالية الجديدة أول يوليو.
– القرار الأخير هو قرار إيجابي منتظر من سنوات طويلة من أول ما بدأت المطالبات بالحد الأدنى للأجور قبل ثورة يناير وزادت بعدها.
– لكن تفاصيل القرار فيها ثغرات عديدة ممكن تخلي تطبيقه صعب، بالإضافة لأنه طبيعة سوق العمل في مصر وخاصة في القطاع الخاص بتخلي في صعوبات في تطبيق القرار واقعيا.
إيه المشاكل اللي ممكن يواجهها القرار؟ وإيه الإصلاحات المطلوبة عشان نضمن حياة كريمة للعاملين في القطاع الخاص؟ دي الأسئلة اللي هنناقشها النهارده.
**
إيه الثغرات في القرار؟
– القرار زي ما قولنا هو قرار تاريخي لأنه أول مرة يكون في حد أدنى للأجور في القطاع الخاص، وده بيفتح الباب للمساواة بين العاملين في الحكومة اللي بيتمتعوا بشوية ميزات منها الحد الأدنى والأمان الوظيفي على عكس القطاع الخاص اللي لحد دلوقتي رغم أنه المشغل الأكبر للعمال في مصر ما زال بعيد عن رقابة الدولة بشكل كبير في حقوق العمال.
– بالتالي القرار خطوة أولى إيجابية لازم يتم البناء عليها، لكن المشكلة أنه القرار فعليا قرار استرشادي.
– القرار استرشادي لأنه ممكن يستثني أصحاب الأعمال من تطبيق الحد الأدنى للأجور لو تقدموا بشكوى في المجلس القومي للأجور قبل أكتوبر الجاي بتثبت أنه المؤسسة أو الشركة أو المصنع بتاعهم غير قادر على تحمل الحد الأدنى للأجور.
– وبناء عليه ممكن يكون لهم استثناء من القرار، عن طريق تقديم الشكوي اللي هيحيلها المجلس القومي للأجور لمديريات القوى العاملة اللي هي كيانات بالأساس شديدة البيروقراطية ما يعني أنه أي صاحب عمل يقدر يستف الورق بسهولة أمام مديرية القوى العاملة في المحافظة اللي هو فيها وبناء على ذلك يتم استثناءه من التطبيق ويتم تحديد فترة الاستثناء اللي ممكن تتجدد لو لم يتم حل المشكلات المالية دي، وتحدد قيمة الاستثناء ده.
– الحد اللي هيطبق ده هو على الأجر الشامل يعني كل اللي يتقاضاه العامل ( بدلات – حوافز – مكافأت سنوية) بالتالي التحديد ده في مشكلة وده أنه مش كاف أساسا في قطاعات كثيرة وخاصة القطاع الصناعي أجر العامل أكبر من كده.
– يمكن في قطاع الخدمات والمقاولات في عمال كثير بيقبضوا أقل من الحد الأدنى وهيكون القرار بالنسبة لهم مفيد، لكن دول كمان في أحيان كثيرة بيكونوا بدون عقود وبيشتغلوا باليوم أو بالأسبوع، بالتالي في استحالة لتطبيق الحد الأدنى ده عليهم، لأنهم بالتعريف يعني عمالة غير رسمية.
– نسبة العاملين بأجر اللي بيشتغلوا بدون عقود في مصر حوالي 56% تقريبا من إجمالي القوى العاملة في مصر بحسب أرقام 2017، ولو خدنا أرقام العاملين خارج المنشآت يعني في المنشآت اللي فيها أقل من خمس عمال هنلاقي إنه النسبة دي ممكن توصل لـ72 %، وده يعني أنه 2 من كل 3 مصريين شغالين بشكل غير رسمي.
– بالتالي القرار الحالي هيكون تأثيره عليهم ضعيف جدا لأنه قبل التفكير في حد أدنى للأجور لازم نفكر في طبيعة سوق العمل في مصر، ده طبعا لا ينفي إيجابية القرار وخاصة للعمال في القطاع الخدمي اللي شغالين بعقود أو في القطاع الصناعي في المصانع الكبيرة اللي بتدفع أجور زهيدة جدا وخاصة في المناطق الريفية وشبه الريفية.
**
إيه اللي المفروض يتعمل مع القرار ده؟
– سيادة الطابع غير الرسمي في سوق العمل في مصر هو نتيجة سنوات من سياسات الحكومة اللي قللت الرقابة على القطاع الخاص الكبير والصغير تحت دعوى أنه تخلي المستثمرين يشتغلوا، وده مش حقيقي حقوق العمال المهدورة مش شرط أبدا للاستثمار شوفنا ده في نماذج اقتصادية كثير في الدول المتقدمة اللي عندها نقابات قوية ومعدلات استثمار عالية لأنها بتركز على رفع كفاءة العامل مش استغلال العامل.
– رفع الكفاءة عن طريق تعليم فني قوي وبرامج تدريبية مدعمة من الحكومة بترفع من قدرة العامل على الإنتاج وبالتالي بترفع القيمة الاقتصادية المضافة اللي بينتجها، وبالتالي يكون مع الوقت في تحسن ملحوظ في الأجور.
– بالتالي ورغم تأكيدنا على إيجابية القرار الأخير إلا أنه لازم يكون مترافق مع خطوات أخرى تتضمن إصلاحات أوسع في سوق العمل المصري وتحقق أقل معايير العمل اللائق.
الخطوات دي لازم تشمل:
١- صدور قرار من مجلس الوزراء يلزم أصحاب الأعمال بالالتزام بالحد الأدنى بدون استثناءات، أو يكون صاحب العمل ملزم بدفع القيمة الأقل من الحد الأدنى بعد فترة لما يكون مصنعه أو مشروعه قادر على ده لأنه 2400 جنيه مش مبلغ كبير ولا حاجة.
٢- تفعيل الرقابة الحكومية على عقود العمل في مصر عن طريق الرقابة على أصحاب الأعمال.
٣- إقرار قانون للحد الأدنى للأجور شامل في مصر للقطاع العام والخاص وربط الحد الأدنى ده بعدد ساعات العمل يعني يكون في قانون بيقول إنه في حد أدنى للأجور لكل ساعة في القطاعات المختلفة.
٤- إلزام أصحاب الأعمال بالتأمين على العمال اللي عندهم خاصة في القطاع الخاص.
٥- إلزام أصحاب الأعمال بالتأمين الصحي.
٦- توفير آليات تأمينية مرنة ومدعومة حكوميا مخصصة للمنشآت متناهية الصغر.
٧- محاولة تقليل الفجوة بين الرجال والنساء في سوق العمل عبر قوانين لصالح النساء (زي توفير حضانات بأماكن العمل وغيرها) وإلغاء التمييز الرسمي في التعيين في بعض مؤسسات الدولة زي القضاء للنساء وغيرها بالاضافة لمكافحة التمييز غير الرسمي، ووضع آلية تسمح بتلقي الشكاوى ضد التمييز بشكل عام على أساس الجنس أو الدين أو غيرها.
ونعيد التذكير بمفوضية مكافحة التمييز المنصوص عليها بدستور 2014 ولم تنفذ حتى الآن.
– كل الحاجات دي محتاجة تتحقق جوا سياق ديمقراطي بيسمح للعاملين بالتعبير عن مطالبهم بدون ما توصف تلك المطالب بأنها مطالب فئوية ويتم القبض على الناس وترهيبهم.
– المفروض إنه في الدول الديموقراطية بتكون الدولة مراقب لسوق العمل، عشان تمنع أصحاب الأعمال من استغلال العمال، وتحسن بيئة العمل وتطور قدرات العمال والموظفين والخريجين لأن دي كلها عوامل جذب للاستثمار. باختصار مفيش استثمار قوي بدون بيئة عمل محترمة ولائقة، وإحنا للأسف لسه بعاد عنها جداً.
– وتطبيق الحد الأدنى على القطاع الخاص بدون إصلاح جذري للمنظومة ككل هيكون زي النقطة في بحر، ونتائجه ضعيفة جداً في تحسين مستوى المصريين، لأنه طول ما بيئات العمل في مصر بالشكل ده هيبقى في ألف طريقة وطريقة للتحايل على الحد الأدنى للأجور.
****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *