“محدش هيقدر ياخد نقطة مية من مصر، وإلا هايبقى في حالة من عدم الاستقرار في المنطقة لا يتخيلها أحد، لا يتخيلها أحد، وماحدش يتصور إنه يقدر يبقى بعيد عن قدرتنا”.
– دي كانت أهم رسالة وجهها الرئيس السيسي في خطابه الأخير أثناء زيارته لقناة السويس بعد نجاح جهود تعويم السفينة الجانحة، واللي تعتبر أول مرة صريحة فيها تغيير في النبرة المصرية تجاه ملف السد.
– توقيت الخطاب ومحتواه مهم جداً في الوقت الحالي قبل بداية الملء الثاني لخزان السد واللي من المتوقع إنه يبدأ في يوليو القادم، وفي ظل زيارة لنائب وزير الخارجية الأمريكي للمنطقة لإعادة إطلاق المفاوضات.
– النهاردة هنشوف إيه اخر تطورات السد؟ وإيه دلالات التصريحات الأخيرة؟ وإيه الخيارات الباقية أمام مصر في خلال الـ3 شهور القادمة؟
*****
إيه دلالات تصريحات الرئيس؟
– مهم نقول بداية إن التصريحات دي كانت عبارة عن جزئين، جزء منهم الخاص بالتلويح باستخدام القوة هو اللي انتشر أكتر ودا مفهوم بنسبة كبيرة، لأنه تطور مهم ولافت، لكن كمان منقدرش نتجاهل الجزء التاني من التصريحات اللي بتتكلم عن مبدأ التفاوض نفسه، وأهمية الوصول لاتفاق قانوني ملزم.
– فهننقل الجزء اللي نقصده نصاً: “أنا بس عايز أقول إن موضوع التفاوض ده خيارنا اللي إحنا بدأنا بيه، وعايز أقولكم إن، يعني هاقفز كدة على حاجة عمري ما اتكلمت فيها.. العمل العدائي قبيح. وليه تأثيرات كبيرة جدا تمتد لسنوات طويلة، ﻷن الشعوب مابتنساش ده، فإحنا بس عشان يبقى دايما حتى وإحنا كإعلاميين بنتكلمن بنتكلم على إن المعركة، المعركة بتاعتنا معركة تفاوض. وكل يوم الرأي العام العالمي، كل يوم كبار المسؤلين في دول العالم بترى وإحنا بنكسب أرض بإن إحنا جادين في إن إحنا نتفاوض بشكل يحقق الكسب للجميع، يعني مايبقاش في حد يستأثر بحاجة، وكل اللي بنطلبه أمر لا يخرج عن القوانين والمعايير الدولية المعمول بيها في إحنا ماشيين في التعامل مع هذه الموضوعات اللي هي المياه العابرة للحدود”.
– من هنا نقدر نشوف الصورة كاملة، ودا مش خطاب حرب يعني زي ما بيحاول البعض يصوره، لكنه خطاب متزن جداً في مساحة ضبط التفاوض وإنه ليس “تفاوض بلا نهاية” ودا اللي كنا بنطالب بيه الفترة اللي فاتت.
– مخاطبة العالم بخطاب استقرار المنطقة وعلاقة ده بقضية السد مهم جداً لأنه حقيقي السد مش بس هيهدد استقرار مصر ولا السودان فقط، وإنما منطقة جنوب المتوسط بشكل عام لأنه في حالة عطش المصريين وهما 100 مليون فدي خطورة كبيرة جداً على الوضع في مصر بالتالي خطورة على استقرار المنطقة بشكل عام.
– والخطاب بيدي رسالة عامة في منتهى الأهمية أنه مازالت الخيارات مفتوحة للتوصل لحل تفاوضي. لأن مينفعش في السياسة والعلاقات الدولية تضغط فقط، لازم يحصل دا وإنت فاتح باب الرجعة لخصمك، ودا شيء يحسب لإدارة الملف بشكل إيجابي.
– كمان مهم نقول إن توقيت الخطاب موفق جدا في لحظة مهمة زي لحظة النجاح في تعويم السفينة الجانحة في قناة السويس، رسالة للخارج وكمان للداخل، لحظة توحد المصريين في الملف دا، وإنه أزمة هيتعامل معاها المصريين بكل جد زي ما حصل في موضوع القناة.
– والتأكيد على قبح الحرب واستمرار التفاوض هو شيء أساسي ومهم في المعركة دي، لا نتمنى لبلدنا إنها تدخل الحرب لأن آثارها لن تنتهي أبداً بين الشعوب زي ما الرئيس قال، وإنها مش حل جذري أبداً وهتبقى بداية لصراع مفتوح، وعلى العكس دايماً التفاوض هو الحل الأمثل اللي بنشجعه.
– لكن مع التأكيد على إن دا مش سياسة استسلام للأمر الواقع، وإن لو فرض الأمر على المصريين، أكيد الجميع هيتوحد للدفاع عن أمن مصر المائي.
*****
إيه أخر التطورات في ملف السد؟
– التوقيت مهم كمان لأن تصريحات الرئيس بتأتي بالتزامن مع زيارة مبعوث أمريكي للمنطقة لبحث إعادة إطلاق مفاوضات سد النهضة، وبعدها خرجت بيانات عربية لتأييد أمن مصر المائي من السعودية والكويت وسلطنة عُمان واليمن والبحرين والحجومة الليبية الجديدة، ودا ممكن يدل على وجود حراك عزبي مرتب بشكل كويس جداً تزامناً مع التصريحات المهمة.
– مصر وضحت التعنت الإثيوبي للمبعوث الأمريكي، ولما راح إثيوبيا تمسكت بهذا التعنت وبحقها في السد وربطت ده بالطبع بطموحات التنمية اللي عندها، وكمان أبلغت المبعوث الأمريكي أنها ماضية في الملئ الثاني للسد.
– ومازالت أثيوبيا رافضة فكرة الرباعية الدولية اللي طرحتها السودان، وبيقولو نتفاوض تحت مظلة الاتحاد الأفريقي فقط.
– كمان بعد تصريحات الرئيس شوفنا تصريحات للسفير الإثيوبي في القاهرة عن وجود اتفاق لمواصلة مفاوضات سد النهضة خلال أبريل المقبل، في العاصمة الكونغولية كينشاسا، لكن وكالعادة الخطاب الإثيوبي كان شيء والواقع شيء تاني لأن في نفس التوقيت كانت وكالة الأنباء الإثيوبية بتقول إن حكومة أديس أبابا أزالت غابات بمساحة 4854 هكتار من الأراضي تمهيداً للملء الثاني لسد النهضة.
– وكمان عرفنا إن الجيش المصري أعلن مساء امبارح الأربعاء تنفيذ تدريب جوي مشترك مع السودان.
– تطور تاني مهم جدا في الملف هو الدور الإماراتي الغريب جدا اللي بتلعبه في الوقت الحالي في الوساطة بين إثيوبيا والسودان في النزاع الحدودي في منطقة الفشقة، مع احتمال طرح الحديث حول قضية السد وممكن تنضم مصر إلى المشاورات بعد كده.
وزي ما شوفنا تضامن عربي بعد تصريحات الرئيس، الإمارات لم تتحدث في السياق دا، واكتفت بالدعوة لاستمرار المفاوضات.
– مصدر حكومي مصري كان قال لموقع مدى مصر إنه مش واضح لحد دلوقتي إذا كان مصر هتقبل الوساطة الإماراتية في ملف السد ولا لأ. والمصدر اتكلم إنه حتى الآن الإمارات مدعمتش مصر في مسألة السد، رغم قدرتها على ذلك بسبب استثماراتها الكبيرة في إثيوبيا، وقال إن الإمارات لديها أفكار ومصالح في منطقة البحر الأحمر، وهذا أمر مختلف عن دعم مصر.
– التخوف المصري من استبعاد القاهرة من الوساطة دي مشروع، وأنه علاقات الإمارات الجيدة مع المكون العسكري في المجلس السيادي السوداني ( البرهان وحميدتي ) تقود لدور إماراتي فاعل في الموضوع بدون مصر.
دي مشكلة كبيرة جدا لأنه بعد سنوات طويلة إحنا ما صدقنا يكون موقفنا وموقف السودان واحد في ملف سد النهضة.
– الدور الإماراتي الغريب ده ممكن نشوفه في سياق الخلافات اللي تحت الطربيزه بين القاهرة وأبوظبي في ملفات إقليمية أخيرة زي دعم مصر التهدئة والحل السياسب ليبيا والمصالحة مع قطر والتقارب المصري التركي اللي الإمارات شايفه كل ده مش من مصلحتها.
*****
نشوف إيه من كل ده؟
– الوقت الحالي والتهديد الوجودي اللي بتواجهه مصر في ملف السد لازم يفتح عنينا على الوضع السياسي الداخلي في مصر، لازم يكون الانفتاح السياسي الداخلي عشان تحسين صورة مصر في الخارج، وعشان تكون لحظة توحد حقيقية بين المصريين ضد شيء بيهدد مصيرهم جميعاً.
– بنكرر ان فتح قنوات الحوار الداخلية مع المعارضة، واطلاق سراح السجناء السياسيين السلميين من مختلف التيارات، وإصلاح ذاتي جاد للمشاكل الكثيرة اللي في ملف حقوق الإنسان داخليا دي خطوة مهمة لتقوية موقف مصر على المستوي الدولي، وكمان على المستوى الداخلي في إزالة الاحتقان المجتمعي، وصناعة ظهير شعبي قوي يساعد المفاوض المصري بكل ما يملك، لأن أزمة السد مش أزمة النظام أو الحكومة بل أزمة المصريين كلهم.
– من بداية تفاعلنا مع ملف السد ولحد دلوقتي في تأكيد على أكثر من حاجة منها أنه ملف المياه أعقد من مشكلة السد ويحتاج تفكير وتخطيط من الحكومة داخليا، وكلنا نكون على وعي بيه لأننا حتى لو مفيش سد خالص عندنا أزمة مياة.
ممكن تشوفوا اللي كتبناه خلال مراحل مختلفة من الأزمة وتقييم للي بيحصل وحلول مقترحة قصيرة وطويلة المدى من هنا: shorturl.at/crzB4 بتاريخ 9 مارس 2020 أو من هنا: shorturl.at/kuHUW بتاريخ 11 أكتوبر 2019، وحتي مع فشل جولة المفاوضات الأخيرة كتبنا تحليل عن المفاوضات وعلاقة مصر بالسودان في الملف ده ممكن تشوفوه من هنا : shorturl.at/eiEH7، وكتبنا عن إدارة بايدن وملف سد النهضة shorturl.at/cAHQV
– بنكرر كلامنا السابق إن مسألة مياه النيل أكبر حتى من كونها أمن قومي لكل مصري، دي حياة أو موت لمصر حرفيا، مفيهاش مؤيدين ومعارضين، ومطلوب السلطة تمد يدها بخطوات إيجابية لتوحيد جهد كل المصريين بالداخل والخارج بشراكة حقيقية، ونتمنى نشوف تعامل على قدر التهديد الكبير ده لأمننا المائي والغذائي، من كل الأطراف الرسمية والشعبية في مصر، وبالتأكيد إحنا مع كل الاختيارات اللي تضمن حقنا كمواطنين مصريين في مياه النيل.
*****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *