– الأسبوع الماضي، محكمة جنح مستأنف الزقازيق عدلت الحكم الصادر على الطبيب اللي تحرش ببنت في مكروباص، ليصبح الحكم “السجن سنتين مع الشغل” بدلا من الحكم السابق بالسجن سنة مع إيقاف التنفيذ.
– قبلها بيوم واحد، اللجنة التشريعية في مجلس النواب وافقت على مشروع قانون بتغليظ عقوبة التحرش، واعتبار الجريمة جناية بدلا من كونها جنحة.
– دي كلها خطوات إيجابية وتغييرات عديدة في التعامل الرسمي مع جريمة التحرش بنشوفها مؤخرا، هنسلط الضوء عليها في البوست ده، وفي إطار كتابتنا المستمرة خلال أسبوع قضايا النساء زي ما بنشير للخلل الموجود، هنشير للتعامل الإيجابي في بعض القضايا، بالإضافة إلى بعض التوصيات لمواجهة ظاهرة التحرش المفزعة.
*****
إيه تفاصيل قضية متحرش الزقازيق؟
– الواقعة حصلت في شهر أكتوبر اللي فات، لما بنت اتهمت معيد في كلية الطب بجامعة الزقازيق بالتحرش والاستمناء أمامها، أثناء ركوبهم ميكروباص، ولما اعترضت على تصرفه نزل بسرعة وحاول يهرب، لكنها كانت محظوظة لما السائق والناس اللي معديين أمسكوا به وسلموه للشرطة.
– الواقعة تم تصويرها وانتشرت على الفيس بوك، وتضمنت اعتراف من المتحرش باللي عمله، لكنه رجع وادعى إنه استمنى بشكل لا إرادي، وإنه مريض ودي أحدى أعراض المرض.
– في شهر فبراير محكمة جنح حكمت بسجنه سنة مع إيقاف التنفيذ، وقالت في حيثيات الحكم “إن ما لقاه من إجراءات قبض وضبط وحبس احتياطي كفيلة بردعة وعدم معاودته ارتكاب مثل هذا السلوك”، لكن النيابة طعنت على الحكم، وأعيد نظر القضية أمام محكمة جنح مستأنف اللي أصدرت الحكم الأخير.
– نقابة الأطباء في الشرقية في موقف مخزي تماما دافعت عن المتحرش، وحاولت تلاقي طرق للضغط على أهل الفتاة للتنازل عن المحضر، لكنهم كانوا شجعان جداً وتمسكوا بموقفهم.
– الحكم لسه مش نهائي ويمكن للطبيب الطعن عليه، ونقيب الأطباء في الشرقية قال إنه واثق من برائته، وأن النقابة هتقف معاه لحد آخر لحظة.
– دي واحدة من الضحايا اللي حالفهم الحظ قدروا يثبتوا حدوث التحرش، وساعدها في ده إمساك الناس بالمتحرش في وقتها، ووجود فيديو يتضمن اعترافه، وتقرير من الطب الشرعي يثبت وجود سائل منوي على ملابسه، مطابق لعينة السائل المنوي اللي اتاخدت منه في مرحلة التحقيقات.
– وهنا كمان بنشوف الدور الإيجابي المهم للناس الشهود اللي بيتحركوا وبينقذوا الضحية، دا شيء أساسي في إثبات الواقعة، وكمان في القبض على المتحرش، بدل ما بعض الناس للأسف بتساعد على هروب المتحرش وضياع حق الضحية، بحجج واهية.
– وكمان فيه كل يوم اتهامات بالتحرش بتظهر ضد أشخاص عاديين أو مشهوريين، ومش كل الضحايا عندهم الفرصة لمقاضاة المتهم، لأسباب كتير، منهم خوف الضحية من نظرة المجتمع، أو صعوبة إثبات حدوث بعض الوقائع، والثقافة السائدة بإن البنت أكيد هي اللي غلطانة، أو التعامل مع التحرش على أنه شي تصرف يمكن التغاضي عنه أو تبريره.
*****
كيف سيتم تغليظ عقوبة التحرش؟
– قانون العقوبات كان بيتعامل مع التحرش على انه جنحة، تصل عقوبته إلى سنة حبس وغرامة 10 آلاف جنيه مصري. لكن التعديلات الأخيرة بعد إقرارها، هتشدد العقوبات بحيث لا تقل مدة السجن عن سنتين، وتصل إلي أربع سنوات، بالإضافة إلى غرامة ما بين 100 و200 ألف جنيه، على كل من تحرش أو تعرض للغير، لفظيا أو جسديا أو عبر تلميحات وإيحاءات جنسية أو إباحية.
– التعديل أدرج التعرض أو التحرش عبر مواقع التواصل الاجتماعي ضمن الجرائم اللي هيعاقب عليها.
– في حالة تكرار التحرش من خلال الملاحقة والتتبع، العقوبة هتبقى السجن ما بين 3 و5 سنوات، وغرامة لا تزيد عن 300 ألف جنيه.
-لو كان للمتحرش أي نفوذ أو سلطة على الضحية، سواء كانت أسرية أو دراسية أو وظيفية، تضاعف العقوبة، لتصبح بالسجن لمدة 7 سنوات وغرامة لا تزيد عن 500 ألف جنيه.
******
– دي مش أول خطوة في اتجاه مواجهة التحرش على الصعيد القانوني. عام 2014، البرلمان أقر عقوبات على التحرش بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه، لكنها لم تحقق الردع المطلوب.
– من حوالي سنة، البرلمان أقر بتعديل بعض مواد قانون الإجراءات الجنائية، يسمح بعدم بإخفاء بيانات المجني عليها والشهود في قضايا هتك العرض والتعرض للغير والتحرش، عشان يساعدهم على الإدلاء بشهاداتهم أمام النيابات والمحاكم المختصة، وأقر عقوبة الحبس لمدة لا تزيد على 6 أشهر أو بغرامة لا تتجاوز 500 جنيه، على كل من أفشى بيانات وأقوال المجني عليهن.
– التعديلات دي ظهرت بعد ما واجه القضاء بعض التحديات في التحقيق في قضايا تحرش كانت مثارة بشكل كبير كبير على فيس بوك لكنها كانت بتصل للنيابة من مصادر مجهلة، زي ما حصل في قضية الشاب أحمد بسام ذكي، والتشريع شجع الشهود والضحايا على الإدلاء بشهادته والتحقيق فيها.
– شوفنا أيضا اهتمام من النائب العام بالتحقيق في قضايا التحرش اللي بتنشر عنها صفحات فيس بوك زي قضية أحمد بسام ذكي، وإن كان فيه بطء في إجراءات بعض القضايا زي مايكل فهمي اللي استغل علاقاته ببعض رجال الدين المسيحي، عشان يستدرج فتيات صغيرات في السن ويتحرش بهن، بحجة إنه بيقدم لهن نوع من العلاج. القضية دي متحركتش إلا بعد شهور من الشكاوى ونشر الشهادات على السوشيال ميديا.
– أيضا الأزهر ودار الإفتاء المصرية علقوا في أكتر من مناسبة على حوادث التحرش، ووصفوا وقائع التحرش بالأطفال بأنها “كبيرة من كبائر الذنوب” و”جريمة عدوانية منافية للدين والإنسانية”.
– شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب كان له موقف قوي، وقال في بيان باسم الأزهر إن ” تبرير التحرش بسلوك أو ملابس الفتاة ، وإنما يعبر عن فهم مغلوط، لما في التحرش من اعتداء على خصوصية المرأة وحريتها وكرامتها، فضلا عما تؤدي إليه انتشار هذه الظاهرة المنكرة من فقدان الإحساس بالأمان، والاعتداء على الأعراض والحرمات”.
*****
تحركات إيجابية، ولكن..
– رغم الخطوات دي، جرائم التحرش لسه منتشرة على نطاق واسع، وكل يوم بنشوف فيديوهات أو شهادات عن وقائع تحرش، ومافي حاجة تخلينا نقول إن معدل التحرش بيقل.
-السؤال المهم الآن هو هل تغليظ عقوبة التحرش كافي وهيحل المشكلة؟ المحامية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، عزيزة الطويل،اللي اشتغلت على عدة قضايا تخص وقائع عنف جنسي، بتقول في تصريحات لموقع مدى مصر، إن تغليظ العقوبة بدون خطوات إجرائية لتفعيلها مش هيحل المشكلة.
– في كتير من الأوقات، الشهود على واقعة التحرش بيخلصوا المتهم من ايد المجني عليها وبيساعدوه على الهروب، ويلقوا باللوم على الضحية. حتى لما الموضوع يوصل للشرطة أوالنيابة، كثير من القضايا لا يتحقق فيها بجدية، وبعض الضباط وأمناء الشرطة بيضغطوا على الضحية للتنازل عن المحضر، بحجة عدم القضاء على مستقبل المتحرش.
-عزيزة الطويل بتقول أيضا، إن التعديلات المقترحة هتحمل عبء أكبر على المجني عليهن ومحاميهن، بسبب طول فترات المحاكمة أمام محكمة الجنايات، بعكس محاكم الجنح، وبسبب إن دور الإدعاء المدني المغلول جدًا أمام «الجنايات» أيضًا، على حد قولها، وده بيخلي فيه توقعات بزيادة أحكام البراءات في القضايا دي.
– الانتقام من المبلغات أمر شائع، وشوفناه بوضوح في القضية اللي عرفت إعلاميا ب”فتاة المول”، لما المتحرش ضرب الضحية بآلة حادة في وجهها، بعد ما خرج من السجن. تغليظ العقوبة بهذا الشكل على التحرش (لو كان بغير مصحوب بهتك عرض أو اغتصاب) ممكن مايكونش في صالح المجني عليهن، بحسب المحامية عزيزة الطويل، لأنه بيزيد من احتمالية الانتقام منهن. بتقول أيضا إن العقوبات يجب أن تتناسب مع الفعل “لو أنا رُحت بلّغت عن واحد اتحرش تحرش لفظي، والواحد ده أخد سبع سنين، لو طلع قرر ينتقم ويضربني بسلاح أبيض، اللي عقوبته تلات سنين، هل المُشرع هيحميني من الانتقام ده؟”.
– تغليظ العقوبة مش هيغير كتير إلا لو حصل تعليمات لتسهيل الإبلاغ والإثبات، في قضايا صعب فيها الإبلاغ والإثبات أصلا. ده واضح جدا من التجربة مع تجريم ختان الإناث وتغليظ العقوبة أكثر من مرة، رغم ذلك، ما زال الختان منتشر على نطاق واسع جدا، ومرتكبه بيلفت من العقاب لأنه بيجري في سرية تامة، وفيه صعوبات في الإبلاغ عن حدوثه.
– المقترحات الأخيرة أقرت في وقت قياسي بمجرد طرحها على اللجنة التشريعية في البرلمان، لكن من الضروري إجراء نقاش مجتمعي ونقاش مع مؤسسات المجتمع المدني والمجلس القومي للمرأة، قبل إقراره بشكل نهائي، للوصول لأفضل صيغة تتضمن آليات فعالة للمحاسبة على هذه الجريمة، لكن الأمر يظل خطوة على الطريق.
*****
مشاركة: