– السودان خدت خطوة جديدة في محاكمة الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، وقررت تسليمه هو و3 متهمين آخرين للمحكمة الجنائية الدولية.
– المتحدث باسم المجلس السيادي الانتقالي محمد حسن التعايشي أعلن عن الخطوة دى بعد جولة مباحثات للسلام مع الحركات المسلحة في دارفور، وقال إن الحكومة عندها قناعة بالقرار، وإنه بيهدف لتطبيق مبدأ العدالة.
– لسه المحكمة الدولية لم تتلق أخطار رسمي من المجلس السيادي، وفيه كتير من التفاصيل مش واضحة، زي مكان انعقاد المحاكمة، هل هيكون في مقر مقر المحكمة بهولندا؟ ولا السودان هيشترط عقدها في الخرطوم؟ وتشكيل المحكمة هيكون من قضاة دوليين فقط؟ ولا هيشترك معاهم سودانيين؟
في البوست هنقدم خلفية تاريخية وسياسية عن الحدث الكبير ده.
*****
ايه تهم البشير؟
– المحكمة الجنائية الدولية أصدرت أوامر اعتقال دولية بدءا من 2009 ضد الرئيس السوداني عمر البشير بسبب جرائم دارفور في الفترة من 2003 إلى 2008.
– القصة مرتبطة بظهور حركات سياسية معارضة للتهميش في دارفور سنة 2003، واستعان البشير ضدها بقبائل عربية موالية ليه في المنطقة، ومع الوقت تحول الموقف لحرب بين الطرفين، وجزء منه كانت نزاعات محلية بين القبائل الافريقية والقبائل العربية على أماكن الرعي.
– حسب اتهامات المحكمة الجنائية الدولية الميليشيات القبلية المدعومة من البشير (الجنجويد) ارتكبت جرائم قتل جماعي، وابادة، واغتصبت جماعيا آلاف النساء.
– المحكمة اتهمت البشير، ومعاه كمان وزير الدفاع والداخلية عبد الرحيم محمد حسين، ووالي كردفان أحمد هارون، وقائد الجنجويد الميداني علي كوشيب، ودول اللي السودان أعلن انه هيسلمهم.
– الحرب أسفرت عن أكتر من 300 ألف قتيل، و2.5 مليون مهجر، بينما نظام البشير قال هما 10 آلاف قتيل بس وكل الأرقام دي مبالغات من المؤامرة الدولية والأمريكية.
– حكومة البشير رفضت أكتر من مرة مطالبات مجلس الأمن في 2005 بوقف القتال ونشر قوات لحفظ السلام من الأمم المتحدة لحماية المدنيين، وده أدى لان مجلس الأمن يحيل الملف للجنائية الدولية اللي أصدرت مذكرات الاعتقال، ورد البشير وقتها بطرد منظمات اغاثة انسانية دولية.
– الصراع المسلح في دارفور انتهى بعد توقيع اتفاقيات للسلام بين السودان وتشاد بتقتضي عدم دعم المسلحين، وتم التوصل لتسوية سياسية في اتفاق الدوحة سنة 2011 بين حركات دارفور (تحرير السودان، والعدل والمساواة) وبين الحكومة السودانية، وصولاً لاستفتاء بتشكيل سلطة إقليمية في دارفور في إطار النظام السوداني الفيدرالي، وعمل صندوق لإعادة إعمار الإقليم.
– من وقت طلب الجنائية القبض على البشير اصبح ميقدرش يسافر أي دولة بالعالم إلا غير الموقعين على اتفاق المحكمة زي الدول العربية وبعض الدول الافريقية.
– قوات الجنجويد اللي البشير فضل سنوات ينفي علاقته بيها، تحولت لقوات رسمية بدءا من 2010 لما صدر قرار بتشكيل “ٌقوات الدعم السريع”، وأصبح قائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي) مقرب جدا من البشير، ومنحه رتب عسكرية وصلت بيه إنه النهاردة يحمل رتبة فريق، وهوا نائب رئيس المجلس العسكري ونائب رئيس مجلس السيادة، رغم انه أساسا تاجر جمال مدرسش يوم واحد في كلية عسكرية!
****
ليه السودان قرر تسليم البشير؟
– لما الثورة قامت على البشير كان من المطالب الرئيسية للثوار محاكمة البشير، لكن قادة الجيش اللي تولو السلطة وقبل تشكيل مجلس سيادي تولى الحكم نصف اعضاؤه مدنيين، كانوا في البداية رافضين تسليمه، وده واضح انه لاعتبارات سياسية واعتبارات كمان تتعلق بأمانهم الشخصي خاصة تخوفنا ان المحاكمة تورط أسماء تانية ان منهم حميدتي زي ما قلنا.
– البشير كان بيتحاكم داخل السودان على ذمة قضايا متعلقة بفساد مالي وتم الحكم عليه فيها بسنتين سجن، أما المحاكمات على قتل المتظاهرين اللي خرجو ضده في الثورة أو قتل معارضيه منذ الانقلاب اللي وصل بيه للسلطة سنة 1989 كان مسار واضح فيه عدم الجدية وشبيه بمحاكمات نظام مبارك.
وتحت وطأة الانتقادات الشعبية لعدم فعالية مسار المحاكمة داخل السودان، سواء من قوى الحرية والتغيير، أو الحركات المسلحة، صرح النائب العام السوداني بإنه ممكن تتم محاكمة البشير خارج السودان إذا لزم الأمر.
– الإعلان عن تسليم البشير للمحكمة الدولية، تم في إطار مفاوضات حالية بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة والقبائل في دارفور وغيرها، تمهيدا لعملية سلام يشارك فيها كل الأطراف السودانية، وكمان في اطار ادراك الحكومة السودانية حاجتها لرفع العقوبات الدولية اللي بتعرقل حل للأزمة الاقتصادية المزمنة في السودان، وأولوية رفع السودان من قوائم الدولة الداعمة للإرهاب اللي اتحطت عليها بسبب مغامرات البشير اللي منها استضافة بن لادن في السودان وغيرها.
– ربما يكون جزء مهم في تسارع الأحداث هو اللقاء السري اللي حصل بين رئيس المجلس السيادي الفريق عبدالفتاح البرهان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، وده مش بس عمل رد فعل شعبي، لكن كمان حصل خلاف كبير لإن رئيس الحكومة عبدالله الحمدوك قال انا مكنتش اعرف إطلاقا! وألمح في بيانه لإن اصلا مش من صلاحيات الجيش العلاقات الخارجية والبرهان قائد الجيش تجاوز صلاحياته، وبالمقابل البرهان وداعميه قالوا احنا غرضنا رفع السودان من قوائم الإرهاب ومصلحة السودان.
وطبعا مش ممكن فصل ده عن المنافسة بين المكون المدني والمكون العسكري في مجلس السيادة، ووجود عسكريين سودانيين طامحين في الحكم، والنزاع على ملفات منها مسار التحقيق بمذبحة فض اعتصام القيادة العامة اللي بعض مكونات الثورة بيتهم قوات الدعم السريع بالتورط فيها.
*******
ليه احنا كمصريين ممكن نهتم بالموضوع ده ؟
– على الرغم من مشاركة مصر في بداية تكوين المحكمة الجنائية الدولية ونظام روما القضائي ومشاركة قضاة مصريين فيها، لكن من سنة 2000 مصر لم تصدق على الاتفاقية، سواء في عهود الرؤساء مبارك أو مرسي، أو في عهد الرئيس السيسي، وده اللي بيمنع المحكمة من التحقيق في أي جريمة بمصر إلا بتحويل مباشر من مجلس الأمن زي ما حصل للبشير وده غير وارد بمصر لأسباب كتير تخص التوازنات الدولية، ونذكر هنا ان أمريكا كمان رفضت توقع على اتفاقية المحكمة لتمنع محاسبة جنودها على أي اتهامات في العراق أو أفغانستان وبتستغل امتلاكها لحق الفيتو بمجلس الأمن ودي تحديدا كانت دايما نقطة خلافية دوليا.
ومؤخرا ترامب هدد المحكمة بعقوبات على قضاتها لو حاولت تحاكم أمريكا أو حلفائها وانتقد ان صلاحيات المحكمة “واسعة وغير مبررة”.
– مصر بعد الثورة عملت محاكمات قضائية لرموز نظام الحكم في جرائم قتل للمتظاهرين وجرائم فساد مالي، انتهى بعضها بإدانات وأحكام مخففة، لكن معظمها انتهى إلى براءات، كانت جزء من أسبابها ضعف آليات التقاضي، يعني مكانش عندنا جمع حقيقي وجاد للأدلة والأحراز اللي تعرض كتير منها للاتلاف العمدي، أو تطوير في الآليات القانونية للمحاكمات دي، ده لو استبعدنا فكرة المؤامرة على الثورة وإنه كان من البداية في اتجاه لتبرئة نظام مبارك بأكمله.
– اللي واثق من موقفه وعدم حدوث جرائم من بلده يقدر طوعا ينضم للآلية الدولية، اللي بتوفر بديل في حال عجز النظام القضائي المحلي، لكن ده محصلش عندنا.
– دروس تجربة البشير بتعلم كل الأطراف كمان إنه مفيش حال بيدوم بالضرورة، وإنه الأفضل للكل المبادرة بالمصالحة السياسية والتسويات الداخلية الهادئة .. لو كان البشير قبل يتفاوض مع معارضيه، ويعمل ولو إصلاح جزئي في بلده مكانش وصل للنقطة دي، ومكانش أقرب الناس ليه اللي هما قادة الجيش اللي عينهم بنفسه وافقوا يسلموه.
– نتمنى للثورة السودانية ولكل الدول العربية الوصول للديمقراطية والعدالة والسلم المجتمعي بأيادي وعقول مواطنيها.
******



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة