– في الأسبوع اللي فات، أعلن الادعاء العام الأمريكي تبرئة شخصين تم إدانتهم سابقًا بقتل المناضل الأمريكي الشهير مالكوم إكس عام 1965، يعني من حوالي 55 سنة.

– ومن المتوقع أن يتم إسقاط إدانات الرجلين “محمد عزيز” و”خليل إسلام” اللي صدرت في عام 1966 بعد تحقيق مطول، ودا معناه إعادة كتابة التاريخ الرسمي لواحدة من أشهر جرائم القتل في عصر الحقوق المدنية في أمريكا.

– كمان تبرئة الرجلين هتكون بمثابة اعتراف بالأخطاء الجسيمة اللي ارتكبت في قضية مهمة زي دي، ومتعلقة بقتل أحد أكثر القادة السود نفوذا في أمريكا عام 1965، في حقبة مكافحة العنصرية، دا بحسب كلام صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.

– إيه تفاصيل القصة دي؟ وإزاي يحصل تبرئة في قضية اتحسمت من أكتر من 50 سنة؟ وإيه اللي ممكن نشوفه من قصة زي دي؟ ده اللي هنتكلم عنه في البوست ده.

*****

إيه تفاصيل القصة؟

– يوم الاثنين اللي فات أعلن المدعي العام لمقاطعة مانهاتن الأمريكية سايروس فانس جونيور إسقاط حكم الإدانة ضد رجلين مسلمين تم معاقبتهم بالسجن المؤبد عام 1966، ثم أفرج عنهم لاحقًا عام 2009 إفراج مشروط.
– المدعي العام أكد في تصريحات لصحيفة نيويورك تايمز، إنه مكتب التحقيقات الفيدرالية FBI وشرطة نيويورك، أخفوا مجموعة من الأدلة اللي كان هينتج عنها تبرئة كلٍ من ( محمد عزيز، وخليل إسلام) واللي وصفهم المدعي العام بإنهم “لم يحصلا على العدالة التي يستحقونها”.
– اعتذر المدعي العام فانس نيابة عن مؤسسات إنفاذ القانون الأمريكي، وقال ” إنهم خذلوا أسرتي عزيز وإسلام، ويشير هذا إلى حقيقة أن تطبيق القانون على مر التاريخ فشل في كثير من الأحيان في الوفاء بمسؤولياته”.
– محمد عزيز وخليل إسلام كان تم إدانتهم مع شخص ثالث وهو توماس هاغان، بارتكاب جريمة قتل من الدرجة الأولى، الشخص الأخير ده كان اعترف بإنه بالفعل أطلق الرصاص على مالكوم إكس عام 1965، واتقبض عليه وقتها بسبب تدافع الجماهير عليه واعتدائهم عليه بالضرب بعد رؤيته ليه وهو بيطلق النار، وأنقذته الشرطة من بين إيد الناس وقبضت عليه.
– الغريب إنه هاغان اللي تم إدانته بالقتل – واللي اتعرف باسم مجاهد عبد الحليم- أكد على براءة محمد عزيز اللي بيبلغ حاليًا 81 سنة، وخليل إسلام اللي توفي سنة 2009، وقال في شهادته وقت المحاكمة “لقد كنت هناك وأعرف ما حدث وأعرف من كانوا هناك”.
– حادثة قتل مالكوم إكس كانت يوم 21 فبراير 1965، لما أطلق عليه رصاص ثلاث مسلحين وهو بيستعد لإلقاء خطاب في قاعة احتفالات أودوبون في مقاطعة مانهاتن.
*****

مين هو مالكوم إكس؟

– مالكوم إكس واسمه الحقيقي مالكوم ليتل، هو أحد المناضلين الحقوقيين الأبرز للدفاع عن أصحاب البشرة السمراء، وهو أيضًا داعية إسلامي، واشتهر بسبب دفاعه الشجاع عن حقوق السود والمسلمين، وبلاغته الكبيرة في الخطابة.
– اتولد عام 1925 لأب راهب يدعى إيرل ليتل، واتقتل والده اللي كان يائس من حصول السود على حريتهم في أمريكا في الوقت اللي كان مالكوم عمره 5 سنوات فقط، في جريمة غير معروف فاعلها بشكل رسمي لكن في الأغلب هي جريمة عنصرية، وتم وضع والدته في مستشفى للأمراض العقلية بعد اكتئاب حاد بسبب فصلها من عملها كخادمة ورفض العديد من المؤسسات تقديم إعانات اجتماعية لها برضه بسبب لون البشرة.
– عاش مالكوم في صعوبات عديدة بسبب الفقر والعنصرية دفعته للتخلي عن حلم المحاماة، اشتغل ماسح أحذية، واشتغل عامل في السكة الحديد، وانخرط في جيتوهات مغلقة للسود بتمارس أنشطة إجرامية من سرقة وإتجار في المخدرات، وتم سجنه عام 1946 بسبب السرقة، واللي بالمناسبة كان ليه شريكتين خرجوا بنصف المدة لأنهم من أصحاب البشرة البيضاء.
– خلال فترة السجن اعتنق مالكوم الإسلام بعد نصائح مستمرة من أحد زملائه بالسجن، وبعد ما راسله إخواته وقالوله إنهم اعتنقوا الإسلام والسبب هو شخص اسمه “إليجا محمد”، وتحول من شخص مشاغب وبيمارس أنشطة إجرامية، لشخص حسن الأخلاق وبيشارك في المناظرات والخطب، وبيدعوا للإسلام.
– انضم مالكوم لحركة “أمة الإسلام” اللي كان زعيمها إليجا محمد بمجرد خروجه من السجن سنة 1952، وساهمت شخصيته القيادية وقدراته الخطابية المميزة لأن يكون من الشخصيات البارزة في الحركة، لكنه انفصل عنها لاحقًا، لكنه كان ساهم بسبب نشاطه في زيادة أعضاء المنظمة من 500 شخص لـ 300 ألف شخص، منهم الملاكم الشهير محمد علي كلاي.
– وبسبب شهرته الكبيرة نتيجة الخطب والمقالات والظهور التلفزيوني، وده كان مكمل لنشاط المناضل الآخر لحقوق السود مارتن لوثر كينج، ولذلك بدأ مكتب التحقيقات الفيدرالية بمتابعة نشاطه وزرع بعض الجواسيس داخل الحركة لمتابعة كل شيء.
– وبعد خلافات بين مالكوم وإليجا اللي كان بيدعي النبوة وكان بيصور الإسلام باعتباره دين خاص بالسود وإنه البيض مجرد شياطين، قرر مالكوم تأسيس حركة جديدة، وسافر للحج في مكة واكتشف الإسلام الحقيقي بعيد عن خرافات إليجا والمذهب العنصري بتاعه.
– وده اللي خلاه في الفترة الأخيرة من حياته غير خطابه وبقى بيركز على ضرورة فهم الإسلام لحل المشاكل العرقية بالمجتمع الأمريكي، وعلى الدفاع عن حقوق الإنسان على أساس أخوة الأعراق جميعها، وغير اسمه وقتها لـ “مالك الشباز”.
– وأسس منظمة الوحدة الأفرو-أمريكية بعد عدد من الجولات في إفريقيا، وجولة عربية أخرى قابل فيها الملك “فيصل”، والرئيس الجزائري “أحمد بن بلة” وعدد من رؤساء وقادة الدول العربية، ودخل مصر والسودان والحجاز، وأعلن في زيارته للأزهر إسلامه مرة تانية ولكن بشكل صحيح.
– وبسبب دعوته للإسلام بشكل صحيح واستقطابه لعدد كبير جدًا من أعضاء حركة “أمة الإسلام” من السود وانضمامهم لحركة مالكوم إكس أو ” مالك الشباز” زادت الخلافات بينه وبين إليجا ومؤيديه واللي بدأوا في الهجوم عليه وتهديده بالقتل بسبب انهيار حركة إليجا.
– وقبل أسبوع من اغتيال مالكوم تعرض منزله في كوينز للقنابل النارية أثناء نومه هو وزوجته وبناته الأربعة، لحد ما تم تنفيذ الاغتيال فعلًا قبل إلقائه خطاب في مانهاتن.
*****

إزاي تم رفع الإدانة بعد السنين دي كلها؟

– في عام 2020، طالب المدعي العام لمقاطعة مانهاتن مراجعة ملف قضية مالكوم إكس بعد مقابلته لمجموعة مجتمع مدني حقوقية اسمها “مشروع البراءة”، بتشتغل على رد الاعتبار للمدانين خطأ.
– مشروع البراءة، قدموا عدة أدلة بتؤكد خطأ إدانة 2 من المتهمين بقتل مالكوم، وفي نفس الوقت طلبت أسرة مالكوم إعادة فتح التحقيق، بعد وصولهم رسالة من أحد أفراد الشرطة السابقين اللي كان متواجد في سنة القتل، واللي قال فيها إنه شرطة نيويورك ومكتب التحقيقات الفيدرالي تآمروا في القتل، وإنه قادة الشرطة بذكاء ورطو 3 من الفريق الأمني لمالكوم إكس في ارتكاب جرائم أدت لاعتقالهم قبل أيام من اغتيال مالكوم، وبالتالي تم إبعادهم عن حراسته.
– في شهر فبراير الماضي، خرج مسلسل وثائقي لشبكة نتفليكس، من ستة أجزاء بعنوان “من قتل مالكوم إكس؟”، المسلسل بيأكد إنه الشخصين المدانين بقتل مالكوم، مكانوش متواجدين في القاعة اللي حصل فيها الاغتيال.
– المسلسل بيوجه الاتهامات لأربعة من أعضاء مسجد أمة الإسلام بولاية نيوجيرسي الأميركية، والمفارقة إنه كتير من سكان مدينتهم كانوا عارفين بتورطهم في الجريمة، وقالت راشيل دريتزين المديرة المشاركة للمسلسل الوثائقي، إن ما صدمهم كان فكرة أن القاتل كان يعيش في مرأى من الجميع وكان الكثير من الناس على علم بتورطه، ولم يتم التحقيق معه، ولا مساءلته ولا محاكمته”.
– وتتبع عبد الرحمن محمد المرشد السياحي والشخصية الرئيسية في المسلسل الوثائقي الجديد، شهادات وردت أواخر سبعينيات القرن الماضي عن أربعة أعضاء بمسجد نيوارك بولاية نيوجيرسي، في الأغلب هم شركاء في الجريمة، وكشف عن هوية أحدهم، واللي من المرجح إنه من أطلق الرصاصة اللي أودت بحياة مالكوم.
– قبل كده كان في كتابات كتيرة بتشير لعملية إخفاء وثائق في تحقيقات قضية قتل مالكوم إكس، لكن المسلسل اللي عملته نتفليكس حرك الموضوع تمامًا بعد وصوله لتفاصيل كتيرة كانت مخفية. وعشان كده ممكن نقول إنه المسلسل ده تسبب في تبرئة 2 تم إدانتهم من 50 سنة، منهم للأسف واحد توفي، والتاني لايزال حي.
– بعد نهاية تحقيقات الادعاء اللي استمرت لأكتر من سنة، تم عقد جلسة استماع بالمحكمة العليا لمقاطعة نيويورك يوم الخميس الماضي، قال فيها “محمد عزيز” -المتهم الثاني – للمحكمة: “الأحداث التي أحضرتنا إلى المحكمة اليوم ما كان يجب أن تكون أبدا، تلك الأحداث كانت ولا تزال نتيجة لعملية فاسدة في جوهرها، ومألوفة جدا للسود في عام 2021″، “آمل أن يتحمل نفس النظام الذي كان مسؤولا عن هذا التحريف للعدالة مسؤولية الضرر الذي لا يقاس الذي لحق بي خلال الـ55 أو 56 عاما الماضية”.
– وخلال جلسة الاستماع نفسها، وافقت القاضية الإدارية بالمحكمة العليا لمقاطعة نيويورك، إلين بيبين، على طلب إلغاء إدانة كل من محمد عبد العزيز والراحل خليل إسلام. وقالت بيبين في حكمها: “يؤسفني أن هذه المحكمة لا تستطيع التراجع بشكل كامل عن الأخطاء القضائية الخطيرة في هذه القضية، وأن تعيد لك السنوات العديدة التي ضاعت”، وانفجر الحضور في التصفيق بعد نهاية كلمات القاضية.
*****

نستفيد إيه من القصة دي كلها؟

– أول حاجة إنه وارد يحصل خلل في منظومة العدالة والقانون في أي بلد في العالم بما فيه الدول الديمقراطية المتقدمة، لكن الدول الديمقراطية المتقدمة يفترض إنه بيكون فيها آليات كتير تقدر تعيد الحق لأصحابه ولو بعد عشرات السنين.
– القضية دي فيها مؤسسة مجتمع مدني حقوقية، شغلها إنها تكتشف براءة أشخاص أدانهم القضاء الأمريكي، وده مخلاش حد يقولهم إنتوا بتسيئوا للقضاء الأمريكي وبتشككوا في نزاهته أو مثلا إنهم ضد الدولة، ومحدش حبسهم بتهمة بث إشاعات وأخبار كاذبة، لأ عادي اشتغلوا طالما ملتزمين بالقانون والدولة هتتجاوب معاكم.
– بنشوف هنا صحفيين وباحثين ومخرجي أفلام ومسلسلات وثائقية بيكتبوا وبيشتغلوا بكل حرية في قضية قتل شائكة لزعيم ومناضل حقوقي مات من 50 سنة، من غير ما حد يضايقهم أو يؤذيهم بأي حجة، لأنه في حرية صحافة وحرية بحث وحرية إبداع.
– لأ وكمان بنشوف في أمريكا إنه المسلسل وشغل الاستقصاء اللي اتعمل متمش التعامل معاه بالتجاهل، لأ ده في قضاء كان بيسمع، وكان بيعيد التحقيق وبيرجع الحق لأصحابه، وبيعتذر عن الخلل في منظومة العدالة اللي نتج عنه الظلم ده ضد ناس بريئة وشريفة، بدون أي خجل وغضب ولا شعور بالعار أو بالإساءة من تصحيح خطأ بعد مرور سنوات طويلة زي ده.
– صحيح إنه الشخصين اللي اتبرأوا مستفادوش شخصيًا من إعلان برائتهم لأنهم قضوا سنين طويلة في السجن فعلًا بدون وجه حق، وواحد منهم مات للأسف، لكن بيستفيد ولادهم وأحفادهم برفع اسمهم من قائمة الإدانة، والتأكيد إنهم مكانوش مجرمين، ودا أقل شيء.
– لازم نعرف من القصة دي إن المجتمع المدني والصحافة الحرة والقضاء المستقل اللي بيصحح أخطاءه دول ركائز مهمة في أي مجتمع، بتحفظ حقوق الناس وبتخلي لهم صوت ورقابة، وبتمنع ظلم ناس، أو بتجبر ضرر اللي اتظلموا، وبتخلي دايما فيه حالة توازن في المجتمع.
– وده للأسف بنشوف قدامه هنا في مصر أحكام قضائية بالسجن والحبس بدون أي وجه حق ضد معارضين لمجرد رغبة أمنية في حبسهم، وبدون السماع لمرافعات المحامين اللي بيأكدوا براءة المعتقلين وكذب التحقيقات بدون أي استجابة، وبنشوف غياب للعدالة والقانون للدرجة اللي بيتم التحقيق فيها مع محامي بتهمة الإساءة للنيابة والعدالة، عشان قال في مرافعته إنه في قصور في تحقيقات النيابة.
– وللأسف برضه في مصر لسه الصحافة مغلولة الإيد قدام أي حاجة بتحصل رغم وجود عندنا تاريخ صحافة عريق وصحفيين مميزين جداً، لكنهم ممنوعين بشكل أو بآخر من التفاعل مع قضايا مجتمعهم بالبحث والتحري وبيضيق عليهم وبيتبقض عليهم عشان شغلهم.
– بنتمنى نشوف في بلدنا قريب جداً منظومة قضائية بتصحح أخطائها، ومنظمات مجتمع مدني بتقوم بدورها، وصحافة حرة تكون صوت الناس.



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *