حدث بحجم وفاة الرئيس الأسبق د.محمد مرسي، بعد تقارير وشكاوى كتير من إهمال رعايته الطبية، منهم تقرير من لجنة برلمانية بريطانية في مارس 2018 قال إن ظروف سجنه “لا تلبي المعايير المصرية والدولية”، وحذرت من أنها “تُعجل بوفاته”، ده غير حرمانه تماما من الزيارة، وسجنه انفراديا 6 سنوات، يخلينا نفكر في مدى سوء الأوضاع في السجون لأي مسجون عادي سواء جنائي أو سياسي، وليه دي قضية مفروض تهم كل المصريين بغض النظر عن أي خلاف سياسي.

***

إيه حجم الكارثة في أماكن الاحتجاز والسجون؟

– في الفترة ما بين تنحي مبارك ولحد أبريل 2016 رصد تقرير لمركز دفتر أحوال 834 حالة وفاة داخل أماكن الاحتجاز (أقسام شرطة وسجون)، يعني بمعدل واحد بيموت كل يومين في أماكن الاحتجاز والحبس، وده طبعا رقم كبير جدا.

– التقرير قال إن في 2011 كان فيه 235 حالة وفاة.
في 2012 كان فيه 65 حالة وفاة.
في 2013 كان فيه 131 حالة.
في 2014 كان فيه 172 حالة.
في 2015 كان فيه 181 حالة.
وكان فيه 50 حالة في الثلث الأول من 2016.

– من بين الـ834 حالة وفاة، كان فيه 154 شخص على خلفية أحداث سياسية و680 شخص على خلفية قضايا جنائية، يعني النسبة الأكبر من الوفيات بتكون من الجنائيين.

– وفقا لمكان الوفاة، فالمركز سجل 338 حالة وفاة في قسم شرطة، و255 في سجن عمومي، 149 في منطقة سجون، و20 أثناء ترحيل من محكمة، و5 في سجون عسكرية.

– ده رصد عمله مركز بحثي مستقل. لكن الرواية الرسمية لنفس الفترة، بتقول إن عدد اللي توفوا داخل السجون والأقسام بشبهات جنائية: 235 شخص. وفاة طبيعية: 384 شخص. ولأسباب غير معروفة: 215 شخص.

– مركز النديم برضه قبل ما يتم وقف عمله واغلاق مقره اشتغل على الملف، وأرقامه لعام 2015 هي 137 وفاة داخل مقار احتجاز، منها 81 حالة وفاة بسبب الإهمال الطبي.
– عندنا اعتراف شبه رسمي مهم جدا تقرير هيئة مفوضي الدولة التابعة للقضاء الإداري في 2015. اللي بتطالب فيه الحكومة ومصلحة السجون بالتدقيق فى وضع سجن العقرب، بعد وفاة معتقلين سياسين فيه، ولحد دلوقتي لم يتم إجراء التدقيق ده! رغم وجود دعوى قضائية بإغلاق السجن.

– وسواء خدت بأرقام جهة مستقلة أو الأرقام الرسمية، فهي أرقام كبيرة للغاية، وبتبين وجود تزايد في أعداد المتوفين سنويا. وده بيأكد إن سوء أوضاع السجون خلال الوقت الطويل ده، مش بالصدفة، إنما نتيجة سياسة مقصودة أو على الأقل نتيجة إدارة سيئة وبلا أي كفاءة.

****

فين المشكلة؟ ليه أنا كمصري عادي مليش في السياسة ولا باعمل جريمة جنائية يهمني الكلام ده؟

– السجن المفروض إنه عقوبة قانونية ودستورية. بمعنى إن الجميع المفروض يكونوا متفقين، إن “تقييد حرية” الشخص ده عقوبة كافية ورادعة، ولا تحتاج لعقوبة إضافية معها!
التساهل مع تجاوز القانون في أي شيء، بيخلينا كلنا تحت خطر عدم احترام حقوقنا القانونية برضه.
– السجون مفروض فلسفتها مش الانتقام من الجنائيين أو السياسيين، لكن ان اللي يدخلها يخرج وهوا حاله أفضل، ويكون شخص مفيد للمجتمع، لكن الوضع الحالي إن اللي هيخرج بعد ما تعرض لظلم وقهر أكبر وحرمان من حقوقه هيخرج جنائي ناقم على المجتمع أكتر، وهيعمل جرايم أكبر!
– ده غير تسهيل مناخ تجنيد الإرهابيين للمسجونين زي ما اتكلمنا قبل كده.
– وغير كل ده التعامل مع السجناء مقياس مهم لمدى احترام أي دولة لمواطنيها. لإن في النهاية مهما كانت جريمة المسجون فهو بيقضي عقوبته بالفعل. لكن مش مستباح تعذيبه وإهانته أو قتله بالإهمال الطبي. ده بيفتح الباب لنشر ثقافة عدم احترام أي مواطن بما فيه غير المسجونين.

****
القانون بيقول إيه؟

– كل المخالفات السابقة هي مخالفات قانونية ودستورية صريحة تستحق المحاكمة والمحاسبة للمسؤولين عنها ومرتكبيها. المواد 55 و56 في الدستور بتجرم الحرمان من الرعاية الصحية للمساجين، وبتحط مسئولية على القضاء فى التأكد من ده لأن قانونيا كل السجون لازم تخضع للاشراف القضائي.

– كمان الحرمان من الرعاية الصحية المناسبة مخالف لنصوص لائحة تنظيم السجون، واللي نصت في التعديل الأخير فى 2014 على إن لازم يتم كشف طبي على كل مسجون أول دخوله السجن.

– ورغم إن لائحة تنظيم السجون بتنص على وجود طبيب في كل سجن، إلا إن الطبيب ده غالبا بيكون موجود فقط في أوقات العمل الرسمية، لكن غير متوافر دائما لأي حالة طوارئ. وفي معظم السجون المصرية بيكون الممرض هو اللي بيوصف الدواء للمسجونين بدون إشراف من الطبيب. وبالطبع مفيش تخصصات متنوعة.

– كمان من مشاكل قانون تنظيم السجون في مصر، إن مفيهوش أي آلية للرقابة والتفتيش من جهات مستقلة. كل الرقابة والتفتيش بتكون من المجلس القومي لحقوق الإنسان، واللي زياراته بتكون بتصريح وطلبات متقدمة لوزارة الداخلية، عشان كده الزيارات بتكون غالبا فرصة للتصوير وعمل الاحتفالات والإشادة بمستوى السجون.

– كمان مفيش نص واضح في قانون تنظيم السجون للعدد المسموح بيه في كل زنزانة. وده بيخلي الوضع في الزنازين المزحومة، شديد السوء والمأساوية، وبيتعرض المسجونين لانتشار الأمراض والأوبئة. فشوفنا في التقرير للمجلس القومي لحقوق الإنسان إن في الفترة من 2013 لـ2014، كانت نسبة التكدس في أقسام الشرطة وصلت 400% وفي السجون وصلت لـ160%.

– ولو المسجون عنده مرض خطير زي السرطان فده يبقى حكم عليه بالموت فعليا. لأنه عشان يتلقى العلاج، محتاج التنسيق بين 3 جهات عشان يخرج يتعالج برة السجن: مصلحة السجون، إدارة السجون، إدارة الترحيلات.

– ولو مسجون سياسي فهو محتاج موافقة جهة أعلى، وهي الأمن الوطني. واللي بتتعنت غالبا. ده كان واضح في وفاة 30 مريض بالسرطان على الأقل داخل السجون المصرية فى الفترة من 2014 -2017.
*****

السلطة في مصر بتتعامل إزاي مع المسجونين سياسيا؟

– بداية لم تشهد مصر في تاريخها، أن كان أعداد المساجين السياسيين بالحجم الحالي، سواء على مستوى الأعداد، أو بالمدد اللي بيقضوها في السجون، أو في اختلاف التيارات السياسية المنتمي لها المسجونين، أو المكانة الاجتماعية، أو السن.

– الحبس حاليا تهمته الأسهل والأجهز هي الانضمام لجماعة إرهابية ومشاركتها أهدافها، أو التحريض ضد نظام الحكم القائم، بصياغات مختلفة. لا تحقيقات جادة ولا محاكمات حقيقية. فبقى واصل للناس إن المعارضة تمنها السجن، لكن الأسوأ هوا ظروف السجن ده.

– التعذيب، والحرمان من الحق في الزيارة، والحرمان من الحق في الرعاية الصحية، حاجات كانت وارد تحصل بشكل متكرر مع أي سجين عادي، وبالطبع بعد تزايد السجناء السياسيين بالسنوات الأخيرة بقوا بيواجهوا نفس الممارسات بشكل أكبر، خاصة التعنت في إدخال الأدوية والملابس والأكل، وزيارات الاهالي.

– اتحول الحبس الانفرادي من عقوبة تأديبية لبعض المساجين، بتحصل لمدة قصيرة، لإنها بقت مع السياسيين عقوبة دائمة، وتعذيب نفسي وجسماني بشع. خصوصا وإن تأثير ده صحياً خطر، ونفسيًا ممكن يدفع الإنسان للرغبة في الانتحار.

– المرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح، هشام جنينة، يحي حسين عبد الهادي، سامي عنان، أحمد دومة، دول سياسييين مواقفهم مختلفة. لكن كلهم محبوسين “انفرادي”، ولفترات طويلة، ووضعهم الصحي في خطر نتيجة منع العلاج عنهم، ومنعهم من التريض.

– ومش بعيدة عننا حالة السفير معصوم مرزوق، اللي كان بيطلب علاجه على حسابه الخاص واترفض طلبه. والمرشد السابق لجماعة الإخوان محمد مهدي عاكف اللي أصيب بالسرطان، واترفضت كل طلبات علاجه أو الافراج الصحي عنه. والباحث والصحفي هشام جعفر اللي خرج من السجن وعنده مشكلة كبيرة في الرؤية، ومقدرش يروح المستشفى وهو في السجن، والأمثلة كتيرة.

– البوست مستحيل يتسع لرصد كل حالات الموت بسبب الإهمال الطبي فى السجون المصرية، أو الحالات اللي بتعاني صحيا ولا يستجاب لها. لكن القائمة طويلة، ومرشحة تكون أكبر من كده طول الوقت، ومفيش وسائل لإنقاذ الأرواح دي جوه السجون حاليا، غير موقف يشارك الجميع فيه بالضغط من أجل تغيير اللي بيحصل.

***

إزاي ننقذ الباقيين؟

– مينفعش يكون عقاب أي شخص هو التعذيب لحد الموت لمجرد إنك مختلف معاه سياسيا. وللسبب ده سلامة كل المعتقلين مسؤولية مباشرة على كل أطراف السلطة، من ضباط السجون لحد رئيس الجمهورية.

– الأمور شديدة الطبيعية والمنطقية دي مهم تتنفذ، تتصحح بيها الأوضاع في أسرع وقت:
١- وجود أكتر من طبيب بتخصصات مختلفة جوة كل سجن.
٢- تمكين كل سجين من الحصول على الأدوية اللي بيحتاجها.
٣- تحديد أعداد قصوى للزنازين.
٤- وقف جريمة الحبس الانفرادي.
٥- تمكين كل الجهات المعنية من الزيارة والتفتيش والمتابعة، زي نقابة الأطباء والنيابة والمنظمات الحقوقية المستقلة والمجلس القومي لحقوق الانسان والصليب الأحمر والهلال الأحمر.
٦- إلتزام إدارات السجون بساعات التريض المنصوص عليها كحد أدنى.
٧- التوسع في إجراءات العفو الصحي، خصوصًا لأصحاب الأعمار المتقدمة.

– كل دي إجراءات أساسية وضرورية، لإنقاذ حياة كتير من المعتقلين، واللي بنطالب من كل الصحفيين والحقوقيين والأحزاب السياسية في مصر، وكل الشرفاء في العالم بالضغط على السلطة المصرية لتنفيذها، وإيقاف الجرائم والانتهاكات اللي بتمارس في حقوق البشر.

***




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *