– الأسبوع اللي فات شوفنا مشاهد محزنة ومهينة للقبض على طلاب أولى ثانوي بعد غضبهم واعتراضهم على فشل منظومة الامتحانات الإلكترونية عن طريق التابلت. شباب أقل من 17 سنة ما بيلاقيش وسائل لمخاطبة المسؤولين عن التعليم عشان يعبروا عن رأيهم غير بالتظاهر، فيكون الرد بالقبض عليهم والضرب والإهانة، وينتهي الأمر بدون اعتذار أو محاسبة على اللي حصل.

– اللي حصل للطلبة القلقانين على مستقبلهم، ووقوع السيستم، يخلينا نسأل عن جدوى الإصلاحات اللي بيعملها وزير التعليم طارق شوقي – واللي فعلا نتمنى نجاحها – خاصة في ظل صعوبات التمويل اللي الوزير نفسه اعترف بيها وكتبنا عنها في بوست سابق.
ويخلينا هنا نستعرض أفكار وأوراق بحثية لمتخصصين، زي الدكتورة هانية صبحي (بعض مقالاتها في المصادر)، الباحثة المتخصصة فى تطوير التعليم.

******

هل ممكن نحكم على فكرة الاعتماد على التابلت بالفشل؟

– إحنا فعلا نتمنى النجاح لتجربة التابليت ولأي حطوة ايجابية بملف التعليم، وبشكل عام لو التصور اللي شرحه الوزير للنظام الالكتروني للتعليم نجح فدي ممكن تكون حاجة كويسة جدا.
– لكن الواقع الحالي على الأقل بيقول إن وقوع سيستم الامتحانات بشكل متكرر بيقول إن الموضوع كان فيه تسرع وعدم إجراء تجارب ودراسات على الأمر، أو تهيئة للبنية التحتية التكنولوجية في المدارس، بشكل كافي. وكون فشل التجربة يتكرر بعد شهرين من تجربة استخدامه الأولى، يخلينا نفكر في ليه الإصرار على فكرة الامتحان بالتابليت فورا طالما مش مستعدين؟
على الأقل نسيب للطلبة فرصة تجربة التابليت ك “وسيلة تعليمية” قبل كونه وسيلة امتحان ونعرف رد فعلهم، وهل فعلا المواد المتوفرة عليه كافية وبيوصلولها بلا مشاكل وفرقت ايجابيا معاهم؟

– السؤال التاني المهم، على ضوء معرفتنا إن وزارة التربية والتعليم استلمت قرض بقيمة 500 مليون دولار بغرض الاستثمار في إصلاح المنظومة التعليمية، والوزارة استخدمت الفلوس في شراء التابلت وعمل منظومة التصحيح الإلكتروني وتطوير المناهج والمحتوى المناسب عرضه إلكترونيا، فالسؤال متعلق بـ هل أحسنت الوزارة استثمار مبلغ بهذا الحجم في ضوء أسلوب الادارة الحالي؟

فيه ملاحظات كتير مهم تؤخذ في الاعتبار، وإحنا بنتناقش في جدوى التطوير الإلكتروني للتعليم واستخدام التابلت، زي:

1- إن الموضوع مش مجرد فلوس، وشراء أجهزة إلكترونية (منها التابلت) وتوزيعها على الطلبة، حتى إن فيه دول كتير غنية ومتقدمة، وتقدر تطبق خطط تطوير تكنولوجي، لكن قررت إن ده مش أفضل حاجة ليها ولنظام التعليم عندها.

٢- إن في النهاية، التابلت وغيره من الوسائل الإلكترونية، هي مجرد وسائل وأدوات، لكن آلية استخدامهم، والطريقة الأفضل للاستفادة منهم، بترجع للمدرس، ولثقافة الطالب وأسرته، ولأمور وعوامل كتير مهم الاهتمام بيها والتركير عليها. وعلى رأس الأمور دي المناهج، اللي ممكن بالأساس تكون متوافرة على الإنترنت مجانا، لكن طلبة كتير ممن لديهم قدرة على الاتصال بالإنترنت مش بيفكروا يتطلعوا على مناهج زي ديه كون المنظومة بتوجههم للاهتمام بالدرجات والمجموع قبل أي شيء.

٣- وإن في أمريكا مثلا، مع وجود الوسائل الإكترونية في كل المدارس، لقوا إن ما زال فيه فروق كبيرة بين المدارس الأفقر والأغنى. وإن لو من أهدافنا تقليل الفوارق بين المدارس، فإدخال التكنولوجيا مش بيساعد، بل بيزودها. هيبقى في المدارس الغنية بيستخدموا التكنولوجيا في البحث والتحليل بينما فى الفقيرة مبيتخطاش مهارات بسيطة وبيسبب ارتباك وتشتيت للطلبة.

٤- من المعروف على مستوى العالم، إن مهنة التدريس من أشقى المهن ومن أهمها أيضا، وعشان كده دول تانية بتحاول ترفع دخلهم. في مصر الوضع مأساوي، وكلنا عارفين الضعف الشديد لمرتبات المدرسين.

– كل الظروف دي تخلينا قبل ما نفكر في أي خطوة تطويرية نفكر في المعلم. اللي في الجزئية دي مش شرط يكون تفكيرنا فيه معناه تزويد مرتبه فقط بدلا من شراء الوسائل الإلكترونية، لكن كمان التأكد من قدرة القاعدة العامة من المعلمين على استيعاب الوسائل الجديدة، وتدريبهم بقدر كافي، والموازنة للتصرف الأمثل لو عندنا نسبة مدرسين من كبار السن لا يمكن يغيروا للطرق الجديدة لكن مش عايزين نخسر خبرتهم.

*****

إيه المشاكل الحقيقية في نظام التعليم المصري؟
المشاكل اللي بتواجه نظام التعليم في مصر كبيرة ومعقدة ومركبة، وتجارب الإصلاح السابق تنفيذها بتقولنا إن أي خطوة لإصلاح جزء في المنظومة، وترك بقيتها، هيكون مصير الخطوة دي الفشل.

ممكن نقسم المشاكل دي لمشكلتين رئيسيتين:

أولاً مشكلة ضعف الإنفاق
– مصر فيها 22 مليون طالب، وبتنفق الدولة على التعليم الأساسي حوالي 115 مليار جنيه في آخر موازنة، منهم حوالي 80% بيروحوا رواتب للعاملين. ده بيخلي 20% بس من الإنفاق متعلق بتطوير العملية التعليمية، أو في شراء السلع والخدمات التعليمية، أو بناء المدارس.

– ده بيفسر كثافة الفصول العالية، والناتجة بالأساس عن ضعف الإنفاق على بناء المدارس والفصول، رغم إن بيانات الحكومة السابقة كانت بتتكلم على احتياجنا لـ45 مليار جنيه، عشان في نهاية 2018 يكون اتعمل 60 ألف فصل جديد، وده محصلش بسبب قلة المخصصات.

– مع النسبة الكبيرة اللي بتروح للأجور فى القطاع بيفضل أجر المعلم فى مصر أقل بكتير من النسب الإقليمية والدولية. خاصة وإن المدرسين بيشكلوا 61% بس من إجمالي 1.3 مليون موظف شغالين في هذا القطاع. وبالتالي استمرار الدروس الخصوصية عشان يعوض المدرسين ضعف رواتبهم.

– نصيب الطالب المصري من الإنفاق ده سنويا قليل جدا مقارنة بدول في نفس المنطقة. في دراسة اتعملت في 2012 أصدرها منتدى البدائل العربي، هنلاقي فيها إن نصيب الطالب المصري من الإنفاق السنوي على التعليم هو 900 دولار، بينما في تونس الرقم يوصل لـ4630 دولار، والمغرب 3440 دولار، ولبنان 4500 دولار. طبعا لو حسبنا الرقم دلوقتي هيبقى أقل كتير بعد التعويم.

– توزيع الإنفاق على التعليم نفسه فيه مشكلة، هنلاقي مثلا إن المرحلة الابتدائية نصيبها أقل في نسب الإنفاق. في حين معظم الدراسات العلمية بتأكد على أهمية الإنفاق في المراحل المبكرة لأن دي المرحلة اللي بتأسس لكل المراحل التالية.

– طبعا مستحيل مع ظروف زي دي التعليم يتطور بالتابلت والامتحان الإلكتروني بس، فين الاستثمار في تطوير المدرسين وتأهيلهم وتحسين ظروفهم المادية، بالإضافة لوجود منشآت تعليمية تسمح بوجود تعليم حقيقي؟

– المصريين بيصرفوا 200 مليار جنيه بحسب تصريحات وزير التربية والتعليم، على الدروس الخصوصية وده سبب أدعى لزيادة الإنفاق على التعليم عشان يسد الفجوة ويقلل المصاريف. لكن اللي بنشوفه كل سنة مع إعداد الموارنة هو تجاهل النسب الدستورية المنصوص عليها للإنفاق على التعليم.

– ظاهرة الدروس الخصوصية ليها أسباب كتير، منها تركيز الطلبة على الدرجات، خاصة مع مرحلة الثانوية العامة، ومنها ضعف المناهج، لكن طبعا على رأس الأسباب دي، يجي المدرسين بمرتباتهم الضعيفة.

*****
ثانيا ضعف المناهج وسوء إخراجها

– وهو سبب رئيسي لتدني جودة التعليم فى مصر، لإن المناهج بتقوم على الحفظ والتلقين بدل الفهم وتنمية مهارات الإبداع والتواصل عند الطلاب. سوء تصميم المناهج بشكل كبير هو اللى بيخلي الطلاب بعد أكثر من 12 أو 16 سنة في التعليم غير مؤهلين لسوق العمل.

– ده بيخلي الطلاب المصريين من أقل النسب في التحصيل الدراسي في العالم. وبحسب دراسة للدكتورة هانيا صبحي خبيرة التعليم المصرية، واللى استندت فيها على أرقام رسمية، فحوالي نص الطلاب المصريين بيفشلوا فى اختبارات مادة العلوم والرياضة بالمعايير العالمية، وحوالي نصهم في الصف الثالث والرابع الإبتدائي بيفشل فى اختبارات اللغة العربية والقراءة والكتابة.

– ده كله بينعكس على الرضا المجتمعي عن التعليم . فيه إحصائية سنة 2014 عملها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء بتقول إن 70% من أولياء الأمور غير راضين على جودة العملية التعليمية.

– صحيح خطة الوزير تشمل مناهج جديدة، تبدأ في أولى ابتدائي (منهج كونيكت)، لكن من ناحية مازال فيه قصور في الاستماع لآراء كل المتعلق بهم التجربة، الأهالي والمدرسين، ومن ناحية، المناهج كلمة أشمل بكتير من الكلام اللي في الكتب، هي أقرب لفلسفة التعامل مع الطالب جوة العملية التعليمية والهدف أصلاً من التعليم، فلسفة بتتضمن الإجابة على أسئلة زي:
١- هل تطوير المناهج يبقى بإن تدريس اللغة الإنجليزية يبدأ مع المرحلة الإبتدائية أو سن الحضانة، ولا إن الطلاب يتمكنوا من اللغة العربية فقط في بداية عمرهم؟
٢- أليس المفترض من إصلاح المناهج إن يتضمن رجوع أنشطة الفنون والرياضة مرة تانية بفاعلية فتزيد ثقافة الطلبة، ويترتب على ده تقليل العنف في المستقبل؟ وهل المدارس فيها امكانات لذلك؟
٣- السماح بهامش كبير من حرية التفكير والبحث والتعبير.
4- إضافة دروس للتربية الصحية والجنسية والبيئية، ومناهج كل محافظة تبقى مرتبطة بالبيئة اللي عايش فيها وتنميتها؟ دي كلها مقترحات وأفكار لتطوير المناهج، ولو اتفتح المجال لنقاش مع خبراء التربية وخبراء في تطوير التعليم هيطلع منتج يساهم في تحسين فعال للمنظومة والطلبة، ومن ثم المجتمع.

****

– مشاكل التعليم فى مصر معقدة وكتير ومتداخلة جدا، ومتطلبات إصلاحها مش سهلة أكيد، وعشان كده لازم يحصل نقاش مجتمعي حواليها، لأنه ده ملف يهم المصريين كلهم وعشان نغير في التعليم أو نحط نظام جديد لازم الناس تشارك في قرارات التغيير عشان تثق في المنظومة الجديدة. طبعا الناس دي منهم الخبراء والمتخصصين اللي هيكتبوا أفكارهم ودراساتهم وينشروها من خلال الإعلام.

– مستحيل بعقلية إدارة شايفه إن لما الطلبة يفيض بيها ويقرروا يتظاهروا، يتم إهانتهم والقبض عليهم، يحصل تغيير حقيقي في المنظومة التعليمية. وده بيحصل من وزير جاي من مؤسسة دولية وفاهم أهمية المشاركة والنقاش والحوار.

– لو فيه جدية حقيقية في تنفيذ كلام الرئيس السيسي عن بناء الإنسان المصري” وبناء “الشخصية المصرية” فإزاي ده ممكن يتنفذ من غير الشاب المصري ما يبقى قادر يقول رأيه أو ينادي بحقه، وإزاي مشهد ضرب فتيات وشباب من ض باط وأمناء شرطة هيسمح بإن الشباب دول يحبوا بلدهم، ويسعوا لتنميتها؟

– والأهم، إزاي مشهد زي ده يعدي بدون اعتذار من وزير التعليم طارق شوقي، ولا من وزير الداخلية ولا من أهم مسئولي البلد؟ كان جدير بالإعلام يتابع قضية مهمة زي دي باهتمام أكبر، وبالبرلمان يسأل ويقف على نتائج ما حدث على نفسية الطلاب وأهاليهم. وجدير بالنظام يستوعب إن التنمية مستحيل هتحصل بس ببناء الكباري والمدن الجديدة، أو حتى باستيراد أجهزة التابلت.
****




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *