من يومين نشر موقع المنصة مادة صحفية مميزة للصحفي المتميز محمد الخولي، القصة فيها متابعة لملف التأمين الصحي الشامل وتطبيقه الحالي في محافظتي بورسعيد والسويس بالمرحلة الأولى، هنعرض في التقرير ده بعض النقاط اللي أثارها تحقيق موقع المنصة، وهنتكلم عن موضوع التأمين الصحي بشكل عام.
*****
– طبعًا في البداية لازم نشكر موقع المنصة لأنه من المؤسسات الصحفية القليلة جدًا في مصر اللي لسه حريصة على تقديم صحافة جادة تهم الناس، وإنهم بعاد تمامًا عن حالة البحث عن الإثارة اللي واقعة فيها الصحافة الرسمية والخاصة.
– ويمكن المادة دي تخلينا نعيد الكلام عن أهمية الصحافة ودورها الطبيعي في متابعة حياة المواطنين والأمور اللي بتأثر عليها، وقرارات الحكومة وسياساتها وتنفيذها، لأن ده بيكشف الجوانب الإيجابية والسلبية ويساعد الباحثين وصناع القرار والسياسيين إنهم يفهموا أكتر واقع المجتمع، وده طبعًا مبيحصلش بسياسات التعتيم والسيطرة على الإعلام
*****
تقييم تجربة التأمين الصحي الشامل
– التأمين الصحي الشامل مشروع مهم جدًا، هدفه تحسين منظومة التأمين والعلاج لكل المواطنين المصريين، تم إقرار القانون في 2017 وعمل لائحته التنفيذية في 2018، وبدأ العمل بيه في 2019 وتم اختيار محافظة بورسعيد كأول محافظة في المرحلة الأولى اللي هيتطبق فيها المنظومة الجديدة للتأمين الصحي، واللي مفروض توصل لكل المحافظات خلال 15 سنة.
– الفكرة في القانون والمنظومة الجديدة إنهم يتاخد اشتراكات بيتم اقتطاعها من المرتب بنسب مختلفة حسب الدخل على شكل أشبه بالضريبة، ويتم توسيع نطاق المشتركين ليشمل الأسرة بأكملها مش مجرد الموظف أو العامل، وفي المقابل تلتزم الحكومة بسداد اشتراكات “غير القادرين” من منخفضي الدخل عن طريق الضرائب العامة، واللي تم تحديدهم بقرار مجلس الوزراء رقم 148 لسنة 2019.
– يتم اقتطاع المبالغ دي عشان يتقدم للمواطنين مستوى جديد من الخدمات العلاجية في المستشفيات العامة لكن بنفس الجودة بتاعت القطاع الخاص، وللسبب ده هنلاقي مستشفيات خاصة داخلة ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل، وهنلاقي الاستعانة بكوادر طبية من القطاع الخاص ضمن المنظومة اللي بتوفر دخل جيد جدًا للأطباء والكوادر الطبية، وده طبعًا تكلفته اللي قدرتها الحكومة سابقًا هتوصل مع الوقت لـ 120 مليار جنيه.
– هنلاقي في قانون التأمين الجديد إنه بيتم خصم 1% من الأجر الشامل للموظف وليس الأجر الأساسي زي القانون القديم وبالتالي يحصل زيادة في قيمة الاشتراك التأميني، بالإضافة لخصم 1% إضافية تدفعها الزوجة من راتبها للتأمين لو كانت موظفة حكومة، أو خصم 3% من راتب الزوج إذا كانت زوجته ليست موظفة حكومية، بالإضافة لخصم 2% من إجمالي المرتب الشهري للتأمين على الأبناء.
– وبالنسبة للأعمال الحرة والعاملين بالخارج يخصم 5% من العامل وفقًا لأجره التأميني، أو الأجر وفقًا للإقرار الضريبي أو الحد الأقصى للأجور أيهما أكبر.
– طبعًا دي أرقام أكبر بكتير من اللي كانت موجودة في قانون التأمين القديم، واللي حصل محاولات كتير سابقة لتعديله لزيادة تمويل ميزانية التأمين الصحي لكن بدون نجاح، فكانت النتيجة هو تردي وضع مستشفيات التأمين بالإضافة لسوء وضع المستشفيات العامة.
– لذلك تعتبر أهم المميزات في المنظومة الجديدة هو إدماج عائلات وأسر أكبر من الفقراء وتحمل الدولة لمصاريفهم، بالإضافة لمتوسطي الدخل في منظومة التأمين الصحي، بالإضافة لمنع الخروج من منظومة التأمين الصحي الشامل عشان ميخرجش منها الأغنياء ويتكفلوا بنفسهم، وبالتالي يحصل اضطراب في تمويل المنظومة.
– بعض الأطباء اللي اتكلموا مع موقع المنصة، أكدو إنه الخدمة اللي بتتقدم للمواطنين في منظومة التأمين الجديدة، مميزة جدًا، خاصة بتوفر الأجهزة الطبية الحديثة، واللي خلت بعضهم يقول إنه خدمة مستشفيات التأمين الصحي الشامل أفضل بكتير من خدمات المستشفيات الخاصة من حيث الإنشاءات والتجهيز.
– أحد أطباء العيون في مستشفى الرمد قال إنه المستشفى فيها حاليًا جهازين تلسكوب من أحدث الأجهزة في العالم مش في مصر فقط، وقال إنه قبل تطبيق نظام التأمين الصحي الشامل كان المستشفى يقدم 4 أو 5 خدمات طبية، لكن دلوقتي المستشفى بيقدم كل الخدمات الطبية وعلى أعلى مستوى “يعني ساعات لو جابوا أجهزة كفائتها متوسطة أو متواضعة، كان الأطباء بيبلغوا إدارة التأمين في القاهرة، وفي الأغلب بيستجيبوا لشكاويهم وبيجيبوا أجهزة حديثة.
– حاجة تانية بتميز نظام التأمين الصحي الجديد هو فصل عملية الإدارة والخدمة عن التمويل، يعني هيئة التأمين الصحي دورها فقط جمع الاشتراكات والتعاقد مع المستشفيات الخاصة لتقديم أفضل خدمة لو هتتوافق مع معايير التأمين الصحي الشامل، وده شيء مميز جدًا وبيدي خدمة أفضل من النظام القديم اللي كان بيحدد مستشفيات بعينها للتأمين الصحي.
*****
أوجه قصور المنظومة
– لكن للأسف أكبر عيوب تطبيق منظومة التأمين الصحي الجديد، هي بطء الإجراءات، واللي وثقه تقرير موقع المنصة من مقابلات مع أكتر من مواطن مستفيد بالتأمين الصحي في بورسعيد، بالإضافة لطلبات إحاطة تم تقديمها في البرلمان قبل كده بتأكد نفس الشكاوي، منهم طلب إحاطة للنائبة أمل عصفور.
– منظومة التأمين الجديدة مبيتمش الكشف فيها على المريض إلا بعد مروره بالكشف الأولي في وحدات الرعاية الأولية، وبالتالي لو اشتكيت من ألم ما، هتتبع إجراءات متسلسلة، أولها الاتصال بالخط الساخن لتحديد موعد كشف، ثم الانتقال لوحدة الرعاية الأولية بمستشفى تابع للتأمين الصحي الشامل وهم 8 مستشفيات في محافظة بورسعيد.
– وإذا كانت الحالة غير بسيطة هيتم تحويلك لمتخصص، ثم التحويل لمستشفى أو قسم متخصص. وبالرغم من إنه النظام ده المفروض يقلل حالة التكدس في المستشفيات العامة، لكن ده خلق قوايم انتظار طويلة داخل المرحلة الأولى من العلاج بوحدات الرعاية الأولية.
– المشكلة التانية واللي رصدها التقرير من كلام المواطنين، هو تزامن قوايم الانتظار مع غياب الصيانة عن الأجهزة الطبية، وده بيسبب عطلة أكتر للمواطن عشان ياخد الخدمة الطبية بتاعته، ودي بتكون مشكلة بسبب إنه ممنوع التعاقد على أجهزة جديدة من خلال المستشفى وده لازم يتم عن طريق هيئة الشراء الموحد، واللي هي فكرتها إنه الهيئة تكون مسؤولة عن التعاقدات عشان تمنع أي عمليات سمسرة أو فساد في صفقات الأجهزة أو المستلزمات الطبية، لكن المشكلة فيها إنه الإجراءات بتكون أبطأ.
*****
– وبرغم اللجوء للقطاع الخاص، مشكلة نقص الأطباء موجودة وظاهرة، وده جزء من أسباب قوائم الانتظار الطويلة، وبيحكي ده بعض الأطباء لموقع المنصة، اللي قال أحدهم إنه قوايم الانتظار ممكن توصل الكشف لتأخير شهر عشان تخلص القايمة، طبيب تاني قال إنه في بورسعيد نقص في أطباء المخ والقلب والصدر والأعصاب، وطبيب آخر في مستشفى الرمد قال إنه عدد أطباء العيون في بورسعيد لايزيد عن 40 طبيب، بينهم 4 أو 5 جراحين مهرة، في حين إنه المحافظة بحاجة لما لا يقل عن 120 طبيب، منهم 12 على الأقل من الجراحين.
– وزارة الصحة لجأت لجذب الأطباء لمنظومة التأمين الصحي عشان تقلل العجز، وده بالفعل ساهم في زيادة المرتبات للأطباء والصيادلة والكوادر الطبية بشكل جيد يليق بيهم، لكن مقابل أعمال ضخمة وكبيرة، مع لائحة جزاءات متشددة في الخصم من الرواتب، منها خصومات لخلع البالطو أو عدم لبس الكارت.
– نقص عدد الأطباء حتى لو هتخلي مثلًا طبيب الدرجة الأولى ياخد 14 ألف بدل 3100 جنيه، ومع معرفة إنه الزيادة مش ثابتة ومرتبطة بالتقييم والحوافز واللي ممكن يتخصم نصه لأي سبب، لكن ضغط العمل بيخلي الطبيب بيشتغل في حالات أكتر بكتير، ودي مشكلة نقص الكوادر الحقيقية.
– بعض التخصصات النادرة اللي اتكلمنا عليها، لجأت هيئة التأمين الصحي الشامل للتعاقد مع أطباء من خارج بورسعيد للعمل في المنظومة بمقابل مادي وتعاقد مقابل ساعات معينة تخضع للايحة الجزاءات والخصومات، وبسؤال بعض الأطباء دول أفاد بعدم رغبته في الاستمرار في التعاقد مع الهيئة، بسبب ضعف الحوافز المالية مقابل اللي كان بيحققوه في عياداتهم الخاصة واتحرموا منه، بالإضافة لضغوط العمل المتزايدة.
– مسؤول في هيئة التأمين الصحي قال لموقع المنصة إنه لايحة الجزاءات مشكلتها أحيانًا في الشخص اللي بيقوم بعملية التقييم نفسه، لأن اللايحة نفسها متوافقة مع أنظمة التأمين الشبيهة في العالم.
*****
– بشكل عام ملف التأمين الصحي هو أمر مهم جدًا في أي بلد، لأن كفاءة النظام الصحي هو أهم استثمار في المواطنين ممكن تعمله الدولة، عشان كده في الدول المتقدمة بنلاقي أنظمة تأمين صحي محترمة جدًا بتخلي تكلفة العلاج بسيطة على المواطن عشان ميضطرش يدفع فلوس في الخدمة الصحية، وميكونش مهموم وقلقان لو جاله مرض هو أو حد من أسرته إزاي هيقدر يصرف على علاجه، ببساطة لأن الدولة هتشيل من عليه العبء ده بنسبة كبيرة جدًا وبكفاءة مميزة.
– عشان كده بنشوف أنظمة صحية متطورة في خدماتها وفيها أهم أنظمة تأمين صحي بتتمول من رواتب وضرايب المواطنين بحيث غير القادر يتعالج والقادر يساهم في تمويل العلاج ليه ولغيره، وده بنشوفه في النظام الهولندي والإنجليزي والألماني.
– وعشان نشوف قد إيه موضوع التأمين الصحي ده مهم جدًا، هنلاقي إنه في أمريكا أهم إنجاز عمله أوباما في فترة رئاسته واللي يعتبر أهم إنجاز في تاريخ حكم الحزب الديمقراطي كله، هو مشروع التأمين الصحي المعروف باسم “أوباما كير”.
– واللي بسببه بيتعالج كل الفقراء، وبيستفيد بالخدمات الطبقة الوسطى، وبيدخل في عمليات التغذية والمأكولات اللي حط عليها شروط لتوضيح مكونات الوجبات بتاعتها بالسعرات الحرارية فيها عشان المواطن يعرف الأكل ده صحي قد إيه، ووضع شروط إضافية على الشركات عشان تتحمل تأمين موظفيها، وغيرها من الإجراءات القوية جدًا على شركات التأمين الخاصة اللي كانت بترفض تأمن على الأشخاص اللي عندهم تاريخ مرضي قبل كده، أو بترفض تأمن على الأطفال اللي عندهم أمراض وراثية، ده كله بقا ممنوع وبقت الشركات مجبرة على التأمين وتحمل تكلفة العلاج.
– وبرغم إنه القانون ده اتحارب كتير، وكان في أولويات ترامب إنه يلغيه عشان مكاسب شركات التأمين، وبالفعل نجح في وقفه، إلا إن الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن أصدر أمرا تفيذيا يقضي باستئناف التسجيل في برنامج أوباما كير للرعاية الصحية، لأنه بيستفيد منه ملايين المواطنين الأمريكيين والمقيمين في أمريكا، وده سبب الشعبية الكبيرة اللي تركها أوباما لنفسه ولحزبه في أمريكا بسبب تطوير التأمين الصحي اللي كان موجود عندهم وصولًا للمستوى ده.
– ومنح الأمر التنفيذي الفرصة للأمريكيين اللي خسروا وظائفهم ومنافع التأمين الصحي خلال الجائحة، للتسجيل والحصول على التغطية، وبيقدم القانون منافعه لمن لا يتمتعون بتأمين صحي في الوقت الحالي، ومن لا يستطيعون تحمل تكاليف التأمين الخاص، أو يقعون رهن ظروف تجعل أقساطهم مرتفعة للغاية، وبيتيح قانون الرعاية الصحية الميسرة كمان الإبقاء على الأبناء مسجلين ضمن برامج تأمين والديهم حتى بلوغهم سن 26 عاماً.
*****
– نفسنا نشوف في مصر منظومة التأمين الصحي بتوصل للمستوى ده من القوة والفعالية في علاج المواطنين، رغم التحديات الواضحة تمامًا في استمرار المنظومة دي بسبب التكاليف العالية المطلوبة في شكل رواتب وفي شكل تعاقدات مع القطاع الخاص وغيرها من التكاليف.
– لكن في النهاية الحكومة والدولة لازم تصرف أكتر على الصحة، لأنه مستوى إنفاق الدولة على صحة المواطنين مقارنة باللي بيدفعه المواطن في مصر للصحة هو شيء مخجل جدًا، في تقرير حديث من البنك الدولي عن الوضع الصحي في مصر بيتكلم عن نسبة إنفاق من المواطنين على علاجهم حوالي 60% مقابل 30% إنفاق حكومي وتأمينات، والباقي بيتعالج بمساعدات وتبرعات خيرية، بالإضافة لأزمة هروب الأطباء والكفاءات الطبية للخارج بسبب بيئة العمل السيئة وتدني المرتبات واللي خلت نص الأطباء المسجلين في نقابة الأطباء خارج مصر، والمؤشر ده في ازدياد وده بيخلي شكل العلاج والخدمات الطبية أقل كفاءة.
– لازم كمان الحكومة والدولة والرئيس يعيدوا حساب الأولويات، لأنه بالتأكيد عمل طرق وكباري جديدة مهم للمرور ولسرعة الحركة، لكن مفيش أسوأ من إنه المواطن يلاقي صعوبة في علاج نفسه أو ولاده أو والده أو والدته بسبب قلة المستشفيات أو قلة الدكاترة الأكفاء أو ضعف مستواهم المادي، ومفيش أسوأ من تحول العلاج والصحة لسلعة استثمارية متاحة للغني وبعيدة عن الفقير.
– ياريت الحكومة والمسؤولين يتفاعلوا بشكل إيجابي مع أوجه القصور في المنظومة الجديدة ويصلحوها، وياريت فعلًا ملف الصحة يكون أولوية ويلاقي نفس الاهتمام اللي بنشوفه في قطاعات تانية.
*****